أزمة محتملة:

ارتدادات الحرب الأوكرانية على الصراع الصيني – التايواني

01 July 2022


تستمر الحرب الروسية – الأوكرانية في إلقاء الضوء على الأزمة التايوانية بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما وضح في التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع الصيني، في 12 يونيو 2022، على هامش مؤتمر "شانغري-لا"، والتي أكد خلالها أن بلاده ستستمر في "قتالها" حتى النهاية حال إعلان تايوان انفصالها عن الصين. 

تداعيات مباشرة على تايوان:

تتمثل تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الصراع الصيني – الأمريكي حول تايوان في التالي: 

1- قلق من محاكاة الصين لروسيا: تخشى الولايات المتحدة من أن تقوم الصين بتبني سياسات مشابهة لروسيا في أوكرانيا، وذلك عبر السعي لضم تايوان باستخدام القوة المسلحة، خاصة في حال نجاح روسيا في ضم أجزاء واسعة من جنوب وشرق أوكرانيا من دون تكلفة عسكرية أو اقتصادية كبيرة.

ولذلك تعتبر المساعدات العسكرية الغربية لكييف، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية محاولة لردع الصين عن تبني سياسات موسكو نفسها؛ غير أن المشكلة الرئيسية التي يواجهها الغرب في هذا الإطار هي أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية أضرت بالاقتصادات الغربية بصورة تزيد على الأضرار التي أصابت الاقتصاد الروسي، حتى الآن، بل أن العقوبات الاقتصادية الغربية ساهمت في رفع أسعار النفط والغاز بصورة كبيرة، بما ساهم في مضاعفة إيرادات روسيا من الطاقة هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة.

وعلى المستوى العسكري، تمكنت روسيا من تحقيق انتصارات عسكرية متتالية ضد الجيش الأوكراني، الذي يواصل تراجعه في شرق أوكرانيا، كما أن كييف أخفقت في شن هجمات ضد الجيش الروسي، سواء في خاركيف، أو في خيرسون. وفي ضوء ذلك الأمر، فإنه لا يتوقع أن يمثل ما سبق رادعاً للصين عن استنساخ السياسة الروسية، خاصة أن تايوان تعد بمنزلة إقليم انفصالي عن الصين، وليس دولة مستقلة، وبالتالي، فإن دول العالم المختلفة، عدا الدول الغربية، لن تدين بكين في حال قررت ضم هذا الإقليم بالقوة العسكرية. 

2- تبني بكين سياسات حازمة: لوحظت زيادة جرأة التحركات العسكرية الصينية ضد تايوان، خصوصاً انتهاك المجال الجوي لتايوان، فقد اخترقت 9 مقاتلات عسكرية صينية المجال الجوي التايواني في يوم بدء العملية العسكرية الروسية نفسه ضد أوكرانيا، في رسالة رمزية من بكين إلى تابييه. 

وأرجع الأدميرال جون أكويلينو، رئيس القوات الأمريكية لمنطقتي الهندي والهادئ، تلك الانتهاكات إلى مبادرة روسيا بالتدخل عسكرياً في شرق أوكرانيا؛ لتحقيق أهداف جيوسياسية لها، ما يجعل الخيار مطروحاً بشكل أقوى للصين لتعاملها بشكل مماثل مع المشكلة التايوانية، خصوصاً في حالة استمرار انشغال الجميع بمشاكل الشرق الأوروبي.

كما زادت بكين من معدلات التحركات والمناورات العسكرية الصينية حول تايوان، ما يزيد الضغط على تايبيه التي بدأت في التفكير لمد الخدمة العسكرية الإلزامية كرد احترازي على تحركات بكين.

3- محاكاة تايوان تكتيكات أوكرانيا: سعت تايوان للاستفادة من التكتيكات التي اتبعها الجيش الأوكراني ضد الجيش الروسي، خاصة في الدونباس، والتي ساهمت في إبطاء وتيرة التقدم العسكري الروسي، وذلك في محاولة لمحاكاتها ضد الصين، في حال قررت الصين ضم تايوان بالقوة العسكرية.

وأعلنت تايبيه، في أبريل 2022، أنه في مناورتها السنوية "هان كوانج" ستعتمد على تنفيذ تدريبات معتمدة على تقنيات الحروب الغير متماثلة، فضلاً عن دمج الدروس المستفادة من التجربة الأوكرانية وتنفيذها في هذه المناورات، وذلك للرد على أي محاولة صينية للاعتداء على الجزيرة. وكانت القوات المسلحة التايوانية رفعت درجة استعدادها بعد انطلاق العمليات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا تحسباً لخطوة مماثلة لجيش تحرير الشعب الصيني.

سياسات صينية ضد تايوان: 

تبنت الصين مؤخراً عدداً من السياسات، التي هدفت من خلالها إلى التأكيد على أن الصين لن تتردد في تبني أي سياسات، بما في ذلك القوة المسلحة، في حالة إقدام تايوان على إعلان استقلالها من جانب واحد، وذلك على النحو التالي: 

1- تهديدات صينية صريحة: أعلن وزير الدفاع الصيني، وي فنغي، أن بلاده ستستمر في "قتالها" حتى النهاية حال إعلان تايوان انفصالها، كما أكد بقاء القتال كخيار وحيد في هذه الحالة، وجاءت هذه التصريحات في خضم زيادة التوترات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الجزيرة. 

كما أكد وي فنغي في قمة حوار "شانغري-لا"، في خطاب تهديدي، أن أي دولة ستساعد تايوان في استقلالها لن تصل إلى نتائج جيدة، وأن على الجميع إدراك قدرات القوات المسلحة الصينية وقدرتها على تحقيق أهدافها في حماية وحدة أراضيها، وذلك في رسالة تهديد ضمنية إلى واشنطن. 

2- تعزيز القدرات العسكرية الصينية: تستمر المساعي الصينية لتعزيز انتشارها العسكري في جنوب الهادئ، وهو ما وضح في اتفاقاتها الأمنية مع جزر سليمان، بالإضافة إلى بنائها حاملة الطائرات الجديدة "فوجيان" لتصبح حاملة الطائرات الثالثة للبحرية الصينية، والتي تسعى الصيني من بنائها إلى تقليص الفوارق العسكرية الكبيرة بينها وبين الولايات المتحدة.

وستُمكن الصين حاملة الطائرات الجديدة من الخروج من حاجز "الجزر الأولى" البحري والذي تشكله تايوان، واليابان، والفلبين. وجاء إطلاق حاملة الطائرات، والتي توازي إلى حد ما نظيرتها الأمريكية من طراز "يو أس أس جيرالد أر. فورد" (USS Gerald R. Ford)، في خضم شكاوى أسترالية من زيادة الاحتكاك بمركبات صينية نتيجة زيادة نشاط بكين العسكري، الأمر الذي رفضته الصين معتبرة إياه محاولة لوضع حدود على تحركاتها العسكرية.

3- توطيد العلاقات مع روسيا: تحذر الولايات المتحدة من التقارب الصيني – الروسي، والذي يعني تحالفاً ثنائياً في مواجهة واشنطن. وعبّر الرئيس الصيني، شي جي بينج، لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عن استمرار مساعي زيادة التعاون بينهما على الأصعدة كافة، وخصوصاً علاقاتهم الاستراتيجية، وعن استعداد بكين لتطوير التعاون الثنائي على المستويات كافة. كما أكد الرئيس الصيني لنظيره الروسي، في 15 يونيو، استعداده تقديم مساعدات في شؤون الأمن القومي الروسي، تحت ما اسماه الرئيس بمراعاة "المصالح الرئيسية للجانبين" فيما يتعلق بالسيادة والأمن القومي. 

وبدأت الصين في تبني سياسة داعمة لروسيا اقتصادياً، إذ أصبحت الصين أكبر مستورد لموارد الطاقة الروسية، وهو ما يعوض موسكو عن أي كميات قد تراجعت عن تصديرها إلى أوروبا، تحت ضغط العقوبات الغربية، كما تم افتتاح أول جسر بري بين البلدين في بلاجوفيتشينسك. 

وأكد الرئيس الصيني أثناء مؤتمر سانت بطرسبرج الاقتصادي الدولي الـ25 في كلمة ألقاه افتراضياً، في 18 يونيو، أن استمرار استخدام العقوبات الاقتصادية من دون غطاء أممي وبشكل أحادي – إقليمي يشكل خطراً كبيراً على مبادئ حرية التجارة والنمو الاقتصادي المستدام لشعوب العالم، وأن الصين ترفض استخدام تلك العقوبات بغية إلقاء ضرر كبير للاقتصاد الروسي، نظراً لأن ذلك تسبب في تباطؤ عمليات النمو المستدام، وفقاً له.

4- رفض تدويل القضية: اعتبرت الصين أن تايوان تبالغ فيما يخص تهديد بكين مباشرة لها أثناء فعاليات حوار شانجري – لا في سنغافورة، واعتبرت الصين أن تايوان تسعى لتدويل الأزمة سعياً منها للحصول على اعتراف أممي باستقلالها، وهو ما يمثل خطورة كبيرة لمفهوم "الصين الواحدة". 

وتعتبر السلطات في بكين أن "أزمة مضيق تايوان" هي معضلة محلية لا داعي لتدويلها وترفض التدخل الخارجي في تلك الأزمة التي تعتبرها بكين "بقايا من الحرب الأهلية الصينية"، ومن ثم مشكلة محلية بحتة. كما يؤكد الرئيس الصيني نيته تحقيق مفهوم "صين واحدة" على خطى النظام الذي يحكم علاقة بكين بهونج كونج، أي "دولة واحدة ونظامين".

وترفض تايوان ذلك، وتؤكد أنه من الممكن حل تلك المشكلة باحترام الصين لرغبات الشعب التايواني في تحقيق استقلاله وحقه في تحديد مصيره. كما عبرت تايبيه عن رغبتها في استمرار تقوية علاقاتها مع شركائها للمساعدة في تقليل حدة الخطاب الصيني ولرفع قدرة تايوان لمواجهة التهديدات الصينية. 

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أهم أولئك الشركاء، ولطالما أكدت دعمها لتايوان؛ حيث أرسلت وزير الدفاع، لويد أوستين، لمساندة تايبيه في حوار "شانجري – لا" أمام الخطاب الصيني في أهم منتدى للحوار العسكري والاستراتيجي في آسيا. وأكد أوستين اهتمام الولايات المتحدة ببقاء حالة من استتباب الأمن والسلام في مضيق تايوان، وعلى الصين الكف على استفزازاتها المستمرة والمتزايدة المتمثلة في انتهاك طائرتها العسكرية المجال الجوي التايواني.

وفي الختام، تظل الأزمة التايوانية من أصعب المعضلات الجيوستراتيجية الموجودة الآن في النظام الدولي، وسوف تدفع أي محاولات أمريكية لدعم استقلال تايوان عن الصين إلى نشوب حرب صينية ضد تايوان لإعادتها بالقوة، وهو ما سوف يتسبب في أزمة اقتصادية أكبر من الأزمة الحالية، خاصة إذا ما سعت الدول الغربية لفرض عقوبات اقتصادية ضد الاقتصاد الصيني، إذ إن تداعيات ذلك لن تكون هينة على الدول الغربية، أو الاقتصاد العالمي، خاصة أن هذه الدول لم تتعاف بعد من تداعيات العقوبات التي فرضتها على الاقتصاد الروسي.