خليفة روبلي:

دلالات تعيين حمزة بري رئيساً جديداً للوزراء في الصومال

01 July 2022


وافق البرلمان الصومالي، في 25 يونيو 2022، على منح الثقة لحمزة عبدي بري، رئيساً جديداً للوزراء في مقديشو، حيث حصل على إجماع نحو 220 من أصل 275 يتشكل منهم مجلس الشعب الصومالي، وقد أدى بري اليمين الدستورية أمام البرلمان، ليبدأ في مرحلة تشكيل حكومته التي ستواجه العديد من التحديات الداخلية والخارجية.

رئيس وزراء جديد:

أعلن الرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود، منتصف شهر يونيو الجاري، تسمية حمزة عبدي بري رئيساً جديداً للوزراء، وهو ما أقره البرلمان الصومالي خلال جلسة 25 يونيو الجاري، ليخلف بذلك سلفه، محمد حسين روبلي، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- سياسي مخضرم من جوبالاند: أصبح حمزة بري، الرئيس الواحد والعشرين للحكومة الصومالية، منذ استقلال البلاد عام 1960، حيث تولى بري العديد من المناصب السياسية والأكاديمية، كان آخرها انتخابه في ديسمبر 2021، في الاستحقاقات البرلمانية الأخيرة نائباً عن ولاية جوبالاند، كما سبق أن عمل مستشاراً لعمدة مقديشو في 2014، ومستشاراً لوزارة الشؤون الدستورية خلال الفترة من 2015 إلى 2019، فضلاً عن عمله أميناً عاماً لحزب "السلام والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس الصومالي الحالي، حسن شيخ محمود، خلال الفترة ما بين 2011 و2017، بالإضافة لعمله رئيساً لمفوضية الانتخابات والحدود المستقلة في جوبالاند في 2019.

2- نهاية حكومة روبلي: عقد رئيس الوزراء الصومالي المنتهية ولايته، محمد حسين روبلي، اجتماعاً أخيراً لأعضاء حكومته في مقر رئاسة الوزراء الصومالية، في 21 يونيو الجاري، حيث قدم الشكر لأعضاء حكومته ومطالباً إياهم بتقديم الدعم للحكومة الجديدة. وتولى روبلي رئاسة الحكومة في سبتمبر 2020، خلفاً لحسن على خيري، حيث تمكن من إنجاز الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية بعد أشهر من تعطلها، كما نجح في تجنب مقديشو الانجراف نحو حرب أهلية وشيكة.

دلالات اختيار بري:

عكست خطوة اختيار رئيس حكومة جديد للصومال جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- التماشي مع المصالحة الداخلية: يأتي حسن شيخ محمود للبرلماني، حمزة بري، النائب عن ولاية جوبالاند ذات الحكم الذاتي ليعكس سعي الرئيس الجديد للمضي قدماً في ملف المصالحة الداخلية، من خلال حل الخلافات، التي نشبت إبان فترة فرماجو بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات الإقليمية، وفي مقدمتها ولاية جوبالاند.

وما يؤكد ذلك عقد حسن شيخ محمود مؤخراً اجتماعاً مع زعماء الولايات الفيدرالية الخمس، وبحضور روبلي، والذي أكد خلاله التزامه بالمصالحة السياسية، حيث تم الاتفاق على تنظيم مصالحة سياسية واجتماعية في البلاد، والدفع نحو بناء مؤسسات الدولة وهيكلة الأجهزة الأمنية، والعمل على وضع دستور دائم، والتركيز عل مكافحة الجماعات الإرهابية.

2- إنهاء الصراع على قمة السلطة: يأتي اختيار بري لرئاسة الحكومة الصومالية الجديدة ليقلل من احتمالات حدوث تصدعات على رأس السلطة في الصومال، بين رئيس الدولة ورئيس وزرائه، على غرار ما حدث بين فرماجو، ورئيس وزرائه، محمد حسين روبلي.

فقد شهدت فترة رئاسة روبلي للحكومة تصاعداً حاداً للتوترات مع فرماجو، بعدما حاول الأخير تمديد فترة ولايته، الأمر الذي أدى إلى انقسامات داخل المؤسسات الصومالية وأجهزة الأمن المختلفة، بل ودخول هذه الأجهزة في مواجهات مسلحة في بعض الأوقات، وهو ما أثر على قدرتها على مواجهة التهديدات الأمنية المرتبطة بحركة الشباب.

ويبدو أن ثمة توافقات كبيرة بين حسن شيخ محمود، وبري، خاصةً في ظل عمل الأخير في السابق كأمين عام لحزب "السلام والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس الصومالي الحالي، كما يتلاقى الرجلان في الخلفية الأكاديمية المشتركة لكل منهما. 

كذلك، أكد بري أنه حتى في حالة نشوب خلافات سياسية مع الرئيس الصومالي، فسوف يتم إيجاد آلية لحلحلة هذه الخلافات دون أن يتصاعد الأمر إلى توتر سياسي، مؤكداً أن هدفه تشكيل حكومة تركز على تحقيق الاستقرار السياسي.

3- ترسيخ سياسة المحاصصة القبلية: ينتمي حمزة بري إلى عشيرة أوجادين التابعة لقبائل دارود، وهو ما يعكس أحد ملامح سياسة المحاصصة القبلية السائدة في الصومال، والتي تمثل قاعدة لتقاسم السلطة بين القبائل الكبرى هناك.

ويتم تقسيم المناصب الكبرى في الداخل الصومالي، وفقاً لقاعدة 4.5، والتي تم التوصل إليها في عام 2000، وبموجبها يتم إعطاء حصة كاملة للقبائل الأربعة الكبرى، هوية ودارود ودر وديغل مريفلي، بينما تتقاسم القبائل المتبقية نصف حصة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النظام يمثل أيضاً القاعدة الرئيسة الحاكمة للانتخابات البرلمانية في الصومال.

وينتمي حسن شيخ محمود لقبيلة الهوية، ولذلك اختار رئيس وزراء من قبيلة دارود، بينما تولى رئاسة البرلمان، آدم محمد نور (مدوبي)، الذي ينتمي إلى قبيلة ديغل مريفلي.

سياسات جديدة:

يمكن القول إن الحكومة الصومالية الجديدة سوف تقوم بتبني السياسات التالية على المستويين الداخلي والإقليمي: 

1- استيعاب الخلافات مع بونتلاند: يلاحظ أن خطوة اختيار حمزة بري رئيساً للوزراء ربما تثير بعض الخلافات الداخلية، وهو ما انعكس في موقف إقليم بونتلاند، والتي ألمحت إلى انزعاجها من اختيار رئيس وزراء من خارجها، ملوحة إلى احتمالات إنهاء التعاون مع الحكومة الفيدرالية.

وعبّر عن هذا الموقف بوضوح وزير الطاقة بالإقليم، أرشي محمد، حيث أكد على أن سلطات إقليم بونتلاند ستتوقف عن المشاركة في جهود بناء الدولة الفيدرالية، وذلك بعد أيام من إعلان حاكم الإقليم، سعيد ديني، عن أسفه بشأن تعيين حمزة بري، رئيساً للوزراء، وهناك تحركات راهنة يقوم بها الرئيس الصومالي الجديد لتسوية الخلافات مع بونتلاند، في إطار مساعيه لإنجاح ملف المصالحة الداخلية، خاصةً في ظل الدعم الغربي والأمريكي لها.

2- انفراجة مع صوماليلاند: هناك مؤشرات إيجابية بدأت تتكشف فيما يتعلق بالحوار بين مقديشو وهرجيسا، وهو ما عبّر عنه بوضوح رئيس صوماليلاند، موسى عبدي، والذي أكد أن عودة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للحكم تمهد الطريق أمام إجراء محادثات بين الجانبين.

كما ألمح حمزة بري، أن حكومته ستعمل على وضع استراتيجية جديدة من أجل إحداث تقارب بين الصومال وصوماليلاند وتجنب أي تباعد بين الطرفين، مشيراً إلى أنه بصدد الاستعداد لإعادة إحياء المباحثات بين الطرفين.

3- جدلية الحوار مع الشباب: تدفع بعض التقديرات إلى ضرورة إجراء الحكومة الصومالية لحوار مع حركة الشباب الإرهابية، في ظل قدرة الحركة على الصمود والتكيف مع الجهود الداخلية والدولية التي استهدفت القضاء عليها، وهو ما انعكس في التقرير الصادر عن "مجموعة الأزمات الدولية"، والذي دعا لمواصلة العمليات العسكرية مع بحث إمكانية إشراك حركة الشباب داخل المحادثات السياسية، واستكشاف خطوات بناء الثقة، الأمر الذي ربما يقلل من مستويات العنف.

ولكن في المقابل، ثمة رأي آخر ينادي بضرورة تعزيز تماسك الجبهة الداخلية عبر المصالحة، بالتوازي مع استمرار الضغط العسكري المنظم على حركة الشباب. وفي ظل هذين وجهتي النظر، لايزال موقف رئيس الحكومة الصومالية الجديد غير واضح بشأن هذا الملف، سواء كان سيدعم فكرة التشاور مع حركة الشباب، أم أنه سيلجأ إلى مواصلة الضغط عليها من خلال الأداة العسكرية.

4- إعادة هيكلة التحالفات الإقليمية: يتوقع أن تتغير شبكة التحالفات الإقليمية التي كانت الصومال جزءاً منها، فبينما كانت الحكومة السابقة متحالفة مع إثيوبيا وإريتريا، فإن الحكومة الجديدة تسعى إلى تحالف يتضمن الصومال وكينيا.

وهناك عدة مؤشرات على ذلك، إذ من المتوقع أن يقوم شيخ محمود بزيارة إلى العاصمة الكينية نيروبي، لتمثل المحطة الخارجية الثانية له، بعد الزيارة الخارجية الأولى له إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن إعلان المتحدث باسم الرئاسة الصومالية، عبدالكريم علي كار، أن شيخ محمود يعتزم إعادة آلاف الجنود الصوماليين من إريتريا، والذين كان قد تم إرسالهم سراً خلال إدارة فرماجو، بدعوى تلقى تدريبات عسكرية، كما يبدو أن هناك دعماً أمريكياً للتقارب بين مقديشو ونيروبي.

ويأتي من ضمن المؤشرات كذلك اختيار رئيس وزراء صومالي من إقليم جوبالاند، التي تحظى بعلاقات قوية مع كينيا، كما أن بري يتمتع بعلاقات وثيقة بقيادات جبهة التيجراي، المناوئة لأديس أبابا.

ونظراً للتنافس الدولي الحاد في منطقة القرن الأفريقي، فإن هناك جهود أمريكية راهنة لاستقطاب أديس أبابا بعيداً عن الصين وروسيا، حيث تجري محاولات لضم إثيوبيا لهذا التحالف الجديد الذي يجري تشكيله في المنطقة، وهو ما قد تدعمه الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى كينيا، فضلاً عن تنامي مؤشرات التوصل إلى تفاهمات بين حكومة آبي أحمد وجبهة التيجراي.

وفي الختام، تسعى الحكومة الصومالية إلى استيعاب الخلافات الداخلية، فضلاً عن تبني سياسات جديدة في القرن الأفريقي، خاصة مع انفتاح الصومال على كينيا على حساب إثيوبيا وإريتريا، وهو ما يتزامن مع تصاعد خريطة التنافس الدولي، لاسيما بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ تتجه موسكو لإنشاء قاعدة لها في إريتريا، مقابل تركيز أمريكي متنامٍ على الصومال.