صراع تكنولوجي:

كيف تلاحق إدارة بايدن النفوذ الصيني في إثيوبيا؟

27 May 2021


يُعد المجال التكنولوجي من أهم ساحات النزاع بين الصين والولايات المتحدة، فإدارة "بايدن" مثل إدارة "ترامب" لن تتهاون مع استمرار صعود الشركات التكنولوجية الصينية، خاصة شركتي هواوي وZTE. وكان من المتوقع أن تعمل إدارة "بايدن" على كبح جماح توسع الشركات التكنولوجية الصينية، خاصة في القارة الإفريقية التي توليها الصين اهتمامًا مكثفًا لعدة أسباب من بينها كون السوق الإفريقية سوقًا ناشئة ضخمة لتصريف المنتجات الصينية. وقد برزت إثيوبيا كساحة جديدة للتنافس الأمريكي-الصيني في المجال التكنولوجي والاقتصادي بشكل عام، وفي هذا السياق يمكن القول أن استهداف إثيوبيا بالعقوبات يمثل جزءاً من الصراع الصيني على أديس أبابا، والذي يظهر في المجال التكنولوجي.

مؤشرات المنافسة:

خلال العقدين الماضيين، طورت إثيوبيا روابط تجارية واستثمارية قوية مع الصين. ووفقًا لإحصائيات مبادرة أبحاث الصين وإفريقيا في جامعة جونز هوبكنز، فقد وقّعت الحكومة الإثيوبية اتفاقيات قروض مع مقرضين صينيين خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2018 بمبالغ تقدر بـ13.7 مليار دولار، وتم استخدام حوالي 3 مليارات دولار من ذلك المبلغ لتمويل مشروعات البنية التحتية للاتصالات بالتعاون مع شركتي هواوي وZTE . في حين أن المؤشر الأكبر على النفوذ التكنولوجي الذي تتمتع به الصين في إثيوبيا، تمثل في إطلاق إثيوبيا أول قمر صناعي إثيوبي باسم ETRSS-1 (في ديسمبر 2019) بدعم من الحكومة الصينية. كما أعلنت السفارة الصينية في أديس أبابا (في فبراير 2021) أنه تم الاتفاق بين الصين وإثيوبيا على تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا بين البلدين، دون الحديث عن تفاصيل أو طبيعة هذا التعاون . 

وتعد إثيوبيا دولة ذات أهمية استراتيجية لكل من الولايات المتحدة والصين نظرًا لموقعها الاستراتيجي، وظهورها كمركز تصنيع، وأهميتها الدبلوماسية كموطن للاتحاد الإفريقي. وتزداد أهمية إثيوبيا بالنسبة للصين مع ازدياد نزاع الأخيرة مع الولايات المتحدة والقوى الغربية، حيث إن النزاعات الاقتصادية الصينية-الغربية وفرض العقوبات على شركتي هواوي وZTE تُمثّل دافعًا أساسيًا للصين لتعزيز تعاونها مع الدول الإفريقية بشكل عام ومن بينها إثيوبيا، خاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وذلك حرصًا من الحكومة الصينية على استمرار شركاتها التكنولوجية في جني مزيدٍ من الأرباح وعدم التأثر بشكل كبير بالعقوبات. ويمكن استقراء أهم مؤشرات التنافس الأمريكي-الصيني في إثيوبيا كما يلي:

1- الصين هي المستثمر الأكبر والولايات المتحدة هي مصدر المساعدات الأكبر لإثيوبيا حيث تُعد الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) في إثيوبيا، حيث تمثل الاستثمارات الصينية التمويل الرئيسي لحوالي 60% من المشروعات التي يتم تنفيذها في إثيوبيا خلال عام 2019  . في حين أن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للمساعدات الإنمائية الرسمية لإثيوبيا. وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، بلغت استثمارات الولايات المتحدة طويلة الأجل في إثيوبيا أكثر من 13 مليار دولار من بينها 4 مليارات دولار في السنوات الخمس الماضية، مما يؤكد رغبة الولايات المتحدة الحثيثة في تعزيز التعاون الاقتصادي بشتى مجالاته لتحجيم النفوذ الصيني في إثيوبيا. 

2- تزامن إطلاق المشروعات والمبادرات التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين،  حيث قام كل من "جاك دورسي" المؤسس المشارك لـمنصة تويتر، و"جاك ما" المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة Alibaba، بزيارة عدد من الدول الإفريقية ومن بينها إثيوبيا خلال نوفمبر عام 2019، وقد تم إطلاق لقب (two ‘Jacks’) على هذه الزيارة للتعبير عن أهمية الدول الإفريقية وإثيوبيا كساحة للتنافس التكنولوجي الأمريكي-الصيني.

وقد أسفرت زيارة "جاك ما" عن الإعلان عن شراكة بين الحكومة الإثيوبية مع عملاق التجارة الإلكترونية الصيني، مجموعة علي بابا، لإنشاء منصة التجارة العالمية الإلكترونية (eWTP)، التي يُعتقد أنها مبادرة لتغيير قواعد اللعبة في الاقتصاد الرقمي لإثيوبيا.

وتزامن ذلك مع إطلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مشروعَ الصحة الرقمية، وذلك بمبلغ 63 مليون دولار بهدف تعزيز المعلومات الرقمية حول قطاع الصحة، وتحسين جودة خدمات النظام الصحي في إثيوبيا خلال 5 سنوات. كما ستشترك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع الجامعات المحلية لتقديم دورات تدريبية لتطوير الكفاءات في الابتكارات الصحية والحلول الإلكترونية.

بالإضافة إلى أنه فور إعلان إثيوبيا لاستراتيجيتها الرقمية الأولى في مايو 2020، أكدت "بيلين سيوم" المتحدثة باسم رئيس الوزراء الإثيوبي، أن إثيوبيا ترحب بالدعم الصيني لتنفيذ هذه الاستراتيجية ، مما يعني مزيدًا من التعاون التكنولوجي بين إثيوبيا والصين. وتزامن ذلك أيضًا مع إعلان السفارة الأمريكية في أديس أبابا عن قيام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة المالية الإثيوبية بالتوقيع على اتفاقية شراكة تنموية بقيمة تزيد على 230 مليون دولار بهدف دعم قطاعات التعليم والصحة والزراعة، وكذلك دعم جهود إثيوبيا للانتقال إلى فئة الدول ذات الدخل المتوسط.

3- استعانة الولايات المتحدة بحلفائها، تعمل الولايات المتحدة على التعاون مع حلفائها، خاصة وكالة التعاون الدولي اليابانية (JICA) لتعزيز التغلغل الأمريكي في مجال التكنولوجيا في إثيوبيا. ففي مارس 2020، تم عقد مسابقة بالتعاون مع الحكومة الإثيوبية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووكالة التعاون الدولي اليابانية بعنوان (Solve IT 2020) وذلك بهدف دعم الشباب الإثيوبي لتطوير مشروعات وأفكار مبتكرة، وتعزيز ريادة الأعمال، وإيجاد حلول للمشكلات المحلية من خلال الاعتماد على التكنولوجيا.

ويرى بعض الخبراء أن هذه المسابقة هي نوع من التنافس مع المسابقة السنوية التي تقيمها شركة هواوي لاكتشاف ورعاية الشباب الموهوبين على الصعيد التكنولوجي في إثيوبيا.

4- فوز تحالف الشركات المدعوم من الولايات المتحدة لبناء شبكات 5-G، تَمثل المؤشر الأكبر والأحدث للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين في المناقصة التي أجرتها إثيوبيا لتعزيز بنية الاتصالات لديها وبناء وتشغيل شبكات الجيل الخامس ((5-G. حيث تم الإعلان، في 22 مايو الجاري، عن فوز تحالف الشركات بقيادة شركة فودافون جروب بي إل سي في المملكة المتحدة، والمدعوم ماليًا بأكثر من نصف مليار دولار من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، وهي وكالة مساعدات خارجية أمريكية تم إنشاؤها عام 2019 لتقديم تمويلات ميسرة لمجابهة النفوذ الصيني العالمي. وتقدم هذه المؤسسة قروضًا منخفضة الفائدة بشرط عدم استخدام هذه القروض لشراء معدات اتصالات من شركتي هواوي وZTE.

ويبدو أن الفوائد المنخفضة التي قدمها التحالف المدعوم من الولايات المتحدة قد حفزت الحكومة الإثيوبية على قبول هذا العرض. وفور الإعلان عن فوز التحالف المدعوم من الولايات المتحدة، نشرت هيئة الاتصالات الإثيوبية تغريدة نصها: "هذا يمثل بداية حقبة جديدة في بلدنا" ، مما يؤكد أهمية هذه المناقصة بالنسبة للاقتصاد الإثيوبي.

في حين أن التحالف الخاسر كان شركة "إم تي إن"، ومقرها جوهانسبرج، وهي أكبر شركة اتصالات في إفريقيا، ولديها صلات قوية وطويلة الأمد مع شركتي هواوي وZTE، وقد تعاونت هذه الشركة مع صندوق طريق الحرير الصيني للتقديم على هذه المناقصة. لهذا يعد فوز تحالف الشركات المدعوم من الولايات المتحدة انتصارًا للأخيرة، وتحديًا لنفوذ الصين الاقتصادي في إفريقيا بشكل عام وإثيوبيا بشكل خاص.

سيناريوهات محتملة:

يمكن التمييز بين عدة سيناريوهات لمسار التنافس التكنولوجي الأمريكي-الصيني في إثيوبيا: 

1- تراجع العلاقات الأمريكية-الإثيوبية: وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا وفقًا للمعطيات الحالية، ففي ضوء البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية والمتضمن الإفادة بأن إثيوبيا ستراجع علاقتها بالولايات المتحدة بسبب فرض الأخيرة قيودًا على منح تأشيرات لأي مسؤول أمني أو حكومي حالي أو سابق إثيوبي ثبت ضلوعه في الانتهاكات التي تُرتكب بإقليم تيجراي.

فضلًا عن أن وزير الخارجية الأمريكي قد أعلن عن فرض قيود واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة لإثيوبيا، مؤكدًا مواصلة مساعدة إثيوبيا فقط في مجالات الصحة، والأمن الغذائي، والتعليم الأساسي، ودعم النساء والفتيات، وحقوق الإنسان، والديمقراطية والحكم الرشيد، وتخفيف حدة النزاعات.

وإذا استمرت العلاقات الأمريكية-الإثيوبية في التدهور حال استمرار الولايات المتحدة في الضغط على إثيوبيا بسبب النزاع الدائر في إقليم تيجراي، وهو أمر مرجح الحدوث؛ فمن الممكن أن تقوم مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية بسحب تمويلها لتطوير شبكات الجيل الخامس للهاتف المحمول في إثيوبيا، وهو ما سيمثل فرصة كبرى للصين لترسيخ نفوذها في إثيوبيا.

لذا، من المتوقع أن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في إدارة حربها بالوكالة مع الصين في إثيوبيا، حيث سيكون من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن تتخلى إثيوبيا عن علاقها بالصين، خاصة في ظل تراجع الدعم الأمريكي.

2- الانخراط الصيني المكثّف: وهو سيناريو مرجح أيضًا، ويدعمه استمرار فرض إدارة "بايدن" للقيود على شركات التكنولوجيا الصينية، ومن ثم فمن المرجح ألا تجد الصين مفرًا من استمرار وجودها في إثيوبيا حتى في حالة نشوب نزاعات داخلية في إثيوبيا. 

3- تراجع الدور الصيني: وهو سيناريو مستبعد ولكن ليس بالمستحيل، وسيتحقق هذا السيناريو حال تدهور الأوضاع الأمنية، واستمرار الاضطرابات في عدة مناطق في إثيوبيا، مما قد يثني الشركات الصينية عن استئناف أنشطتها، وقد يتوقف العمل في بعض المشروعات تخوفًا من تدهور الوضع الأمني. ولكن هذا السيناريو حتى حال حدوثه فهو ذو طبيعة مؤقتة، أي أنه سيكون لفترة معينة ثم ستعود الشركات الصينية لاستئناف عملها فور بدء استقرار الأوضاع في إثيوبيا. 

ختامًا، يبدو أن الشق السياسي في العلاقات الأمريكية-الإثيوبية يلقي بظلاله بشكل كبير على التنافس بين الصين والولايات المتحدة في إثيوبيا. ويبدو أن استمرار التواجد والتنافس الأمريكي الفعّال مرهونٌ بإنهاء الأزمة الإنسانية في إقليم تيجراي، في حين أن استمرار التواجد والتنافس الصيني الفعال مرهون أيضًا باستقرار الأوضاع لاستمرار عمل الشركات الصينية. وفي ضوء حاجة إثيوبيا الماسة لاستمرار المساعدات الأمريكية والاستثمارات الصينية في البنية التحتية، فإنه سيتعين على الحكومة الإثيوبية بذل جهود لتوثيق علاقتها بالولايات المتحدة والصين، وذلك لضمان عدم خسارة التمويلات من البلدين، خاصة في ظل الآثار السلبية التي خلّفتها الجائحة على الاقتصاد الإثيوبي.