فرص وقيود:

تقييم الأوجه المتعددة لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية

13 January 2021


خبير في الشؤون السياسية والأمنية.- عرض: د/ إسراء أحمد إسماعيل

تضم مبادرة "الحزام والطريق" الصينية مجموعة ضخمة من مشروعات البنية التحتية التي تمتد من آسيا إلى أوروبا، وتعكس المبادرة رؤية شاملة للسياسة الخارجية للصين، تتيح لها فرصًا للتعاون مع الدول الشريكة. وبالرغم من ترحيب العديد من الدول النامية بالاستثمارات والفرص التجارية المرتبطة بالمبادرة؛ إلا أنها أثارت انتقادات في بعض الدول بسبب المخاوف من الشروط التجارية غير العادلة، أو الفرص المحتملة لاستغلال مشروعات المبادرة والاختراق الصيني لهذه الدول.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة Current History تحليلًا بعنوان: "الوجوه المتعددة لمبادرة (الحزام والطريق) الصينية"، حول نشأة المبادرة، وأهدافها، وأدواتها، وإشكالياتها، واستجابة الرأي العام العالمي لها، ومستقبلها.

"الحزام والطريق" رؤية تطلعية

مثَّل ظهور (كوفيد-19) في البداية كارثة للصين، لكن ما إن تمكّنت من السيطرة عليه حتى غيرت بكين نهجها، وأصبحت القيادة ترى الأزمة كفرصة للصين لإظهار وجهها الإيجابي للعالم، وقررت تبنِّي نهج "الدبلوماسية الطبية" أو "دبلوماسية القناع"، التي ركزت على تبادل الخبرات وإرسال الأطباء والمعدات الطبية إلى البلدان التي كانت تكافح من أجل السيطرة على انتشار الفيروس، وتم تضمين كل تلك التحركات في إطار مشروع "طريق الحرير الصحي"، واختُزلت كل التحركات والمبادرات الصينية الخارجية تحت مظلة مبادرة طريق "الحزام والطريق" (BRI)، التي أضحت تُعد بمثابة إطار للسياسة الخارجية الصينية، وقد أعلن عنه الرئيس الصيني لأول مرة في عام 2013، عندما تحدث عن إنشاء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير عبر آسيا الوسطى. وبعد ذلك بوقت قصير، دعا إلى إنشاء طريق الحرير البحري؛ حيث يشكل المخططان معًا أساس مبادرة "الحزام والطريق".

غالبًا ما يُصور النقاد مبادرة "الحزام والطريق" على أنها شكل من أشكال دبلوماسية "فخ الديون" Debt trap diplomacy، ويصفونها باعتبارها جزءًا من مؤامرة جيواستراتيجية لغزو العالم. لكن -في المقابل- تنظر العديد من الدول الفقيرة للمبادرة باعتبارها أداة لتعزيز الروابط التجارية بهدف تحقيق الرخاء للجميع، كما قال "شي جين بينج" في خطاب ألقاه في سبتمبر 2013 في جامعة نزارباييف في أستانة عاصمة كازاخستان، حيث أوضح خطته لأول مرة حول "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، وأتبع ذلك الخطاب بآخر بعد شهر في جاكرتا؛ حيث كشف النقاب عن فكرة إنشاء "طريق حرير بحري" بالشراكة مع إندونيسيا وأعضاء آخرين في رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)، بهدف الارتقاء بمنطقة التجارة الحرة بين الآسيان والصين.

كما استخدم "شي" الخطاب للإعلان عن إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهي مؤسسة مالية دولية بقيادة الصين تركز على إعطاء "الأولوية لاحتياجات دول الآسيان"، واختتم "شي" الخطابين بالتأكيد على رؤيته التطلعية لمبادرة "الحزام والطريق"، ومن ثمَّ فقد تم الإعلان عن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري ليصبحا معًا "الحزام والطريق".

وقد تجلَّت هذه الرؤية الخاصة بـ"الحزام والطريق" بشكل أكثر وضوحًا من خلال انتشار المبادرات التجارية التي تضم "طريق الحرير" لاسمها، مثل: "طريق الحرير الرقمي" المعروف أيضًا باسم طريق حرير المعلومات The Information Silk Road، والذي تم ذكره لأول مرة في الكتاب الأبيض للسياسة الصينية في عام 2015، و"طريق الحرير الصحي" الذي تم تقديمه في خطاب عام 2016 الذي ألقاه الرئيس الصيني في أوزبكستان، و"طريق الحرير القطبي" Polar Silk Road المعروف أيضًا باسم "طريق الحرير الجليدي"، الذي يمتد عبر القطب الشمالي، وتم تسليط الضوء عليه لأول مرة في عام 2018، و"صندوق طريق الحرير الأخضر"، الذي أنشأه مستثمرون صينيون لتعزيز المشروعات التي تراعي المعايير البيئية، و"طريق الحرير الفضائي"، وهو تطوير لنظام بيدو Beidou (نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية الصيني، ومن المقرَّر أن يتم استخدامه كبديل لخدمات GPS الحالية). وتحاول إدارة عمل الجبهة المتحدة التابعة للحزب الشيوعي الصيني، والتي تسعى إلى توسيع نفوذ الحزب في الداخل والخارج، الترويج باستمرار للعلامة التجارية لمبادرة طريق "الحزام والطريق"، كما أصبح لها أغنية خاصة بها، وتم إعداد رسوم متحركة للترويج لها.

إشكاليات ومخاطر

عرضت الصين رؤيتها الطموحة باعتبارها جوهر سياستها الخارجية، وكانت تصريحاتها حول إعادة بناء العالم من خلال شبكة جديدة من الروابط لضمان إتاحة الفرص وتحقيق الازدهار للجميع دائمًا ما تعكس وعودًا مفرطة، وفي نهاية المطاف فما يتم إنجازه على أرض الواقع أقل من المطلوب، ومع ذلك فقد أثبتت أنها طريقة فعالة للوصول إلى العالم، ووضع الصين في مكانة باعتبارها القوة البارزة على المسرح العالمي. هذا ومن المقرَّر الانتهاء من الجدول الزمني لمبادرة "الحزام والطريق" في عام 2049، بالتزامن مع الذكرى المئوية لجمهورية الصين الشعبية، بما يتجاوز العمر المحتمل للعديد من المسؤولين الذين يقودون المبادرة الآن.

قد يردد شركاء الصين في المبادرة خطأ ما يعتقدون أن بكين تريد سماعه، أملًا في الحصول على مزيد من الاستثمارات، ويمكن أن يشمل ذلك قطع العلاقات مع تايوان، أو دعم السياسات الصينية الاستبدادية في شينجيانج أو هونج كونج؛ ولكن هذه الشراكات المتنامية تنطوي أيضًا على مخاطر كبيرة للصين؛ حيث تُقرض مؤسساتها المالية دولًا ربما تعجز عن سداد ديونها أو إدارة المشروعات بشكل صحيح، ومع ذلك فإن المضيّ قدمًا في مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" يخلق علاقات وطيدة بين الصين والدول المضيفة، وهذا هو الهدف الحقيقي؛ فالمبادرة لا تتعلق فقط بمشروعات البنية التحتية، وإنما تهدف إلى تمهيد الطريق للمشاركة والتدخل في شؤون الدول الأخرى، حيث تتعدى المشروعات مد الطرق السريعة والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب والموانئ، إلى التعاون في مجال التقنيات الرقمية والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والخدمات الأمنية، مما يخلق شبكة من العلاقات التي ستستمر في المستقبل.

وتُعد مشروعات البنية التحتية هي الأكثر وضوحًا وشهرة في مبادرة "الحزام والطريق"؛ حيث أظهرت الخرائط شبكات الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب. وفي الواقع، لم تكن الطرق شاملة ولا حديثة التخطيط كما بدت في الخرائط، إذ تم استكمال البنى التحتية القديمة بمشروعات جديدة، ثم عُرِضت على البلدان المضيفة، وفي بعض الحالات كان هناك ذهاب وإياب بين الحكومة المضيفة والمؤسسات الصينية حول طبيعة مشروع معين. في باكستان، شكَّلت وزارة الأشغال والتخطيط واللجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح، لجنة تعاون مشتركة للمساعدة في اختيار وإدارة المشروعات التي سيتم تضمينها في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، والذي قُدِّرت تكلفته بحوالي 50 مليار دولار. وفي الواقع هذا الرقم مبالغ فيه، إذ إن الاستثمارات التي تمت في باكستان حتى الآن أكثر تواضعًا بكثير، والأرقام الكبيرة التي يعلن عنها القادة الذين يروجون لهذه الصفقات هي مجموع قيمة المشروعات القديمة والجديدة.

وفي بعض الحالات، تم إحياء المشروعات التي تم التفكير فيها منذ فترة طويلة ووضعها تحت مظلة مبادرة طريق "الحزام والطريق"، وفي هذا الإطار تمت مناقشة الممر الاقتصادي بين بنجلاديش والصين والهند وميانمار (BCIM-EC)، والذي كان قد تم طرحه لأول مرة عقب قمة اقتصادية في اليونان عام 1999، وتم إحياء الفكرة خلال حملة الترويج المحيطة بمبادرة "الحزام والطريق". وما يؤكد الطبيعة المتقلبة لهذه المبادرة، أنه تم استبعاد هذا الممر رسميًا منها في مرحلةٍ ما في محاولة لحث الهند على المشاركة؛ حيث كانت ترفض التعامل مع المبادرة لأن الممر الصيني الباكستاني كان جزءًا منها، ويمر عبر الأراضي التي تطالب بها الهند وتحتلها باكستان، ولذلك فشل مشروع الممر الاقتصادي بين بنجلاديش والصين والهند وميانمار في النهاية لصالح ممر اقتصادي محدود بين الصين وميانمار.

علاوة على ما سبق، فقد تَمثَّل النهج الصيني في تقديم القروض للدول الشريكة، ولم يكن من الواضح دائمًا إلى أي مدى شاركت هذه الدول في تطوير هذه الخطط، كما لم يكن من الواضح ما إذا كانت البلدان المستفيدة بحاجة حقيقية إلى هذه المشروعات التي يبدو أن بعضها قد تم التخطيط له في بكين وتقديمه على أنه أمر واقع للبلدان المضيفة، وكان هذا نهجًا أكثر وضوحًا في المشروعات التي تنطوي على استخراج الموارد، ووجدت أعداد متزايدة من البلدان حول العالم نفسها مدينة بديون كبيرة للصين.

تباين استجابة الرأي العام

بالنسبة للرأي العام، كانت الاستجابة متباينة، فكثيرًا ما تثور انتقادات حول مبادرة "الحزام والطريق"، لكنها لا تستند دائمًا إلى أسس سليمة، وهناك قلق شائع من استقدام الشركات الصينية لعمالة صينية، ومع ذلك تُظهر الدراسات الاستقصائية أن هذا ليس هو الحال دائمًا، حيث تُرسل بعض الشركات الصينية موظفين كبارًا فقط للإشراف على المشروعات، لكن يتم توظيف السكان المحليين في العديد من الوظائف، علاوة على ذلك لا يُنظر دائمًا إلى مشروعات البنية التحتية على أنها عديمة الفائدة، ففي أجزاء من طاجيكستان يُثني السكان المحليون على الشركات الصينية لبناء الطرق، على عكس المقاولين المحليين الذين يميلون إلى تحصيل الأموال دون إنجاز. 

وفي سياقات أخرى، وجدت الشركات الصينية سبلًا لجذب الدعم المحلي من خلال إرساء فكرة تحمُّل الشركات للمسؤولية الاجتماعية، وقد سعت الصين لتبنِّي هذا النهج بالنظر إلى التجارب الصعبة التي واجهتها الشركات الصينية في بعض الأماكن مثل ميانمار؛ حيث تسبب بناء سد "مييتسون" في اشتباكات متكررة مع السكان المحليين، مما أدى إلى تعليق المشروع، ولتجنب تكرار مثل هذه المشاكل سعت وزارة التجارة إلى تعزيز أفضل الممارسات، مثل إجراء ومتابعة دراسات الجدوى، وفهم المجتمعات التي ستتأثر بالمشروعات والتفاعل معها بشكل أفضل.

ومن ناحية أخرى، غالبًا ما يُستشهد بميناء هامبانتوتا السريلانكي كمثال على دبلوماسية "فخ الديون"؛ فعندما عجزت سريلانكا عن سداد الديون الخاصة بالمشروع، سلّمت السيطرة على الميناء إلى شركة صينية في شكل عقد إيجار لمدة 99 عامًا، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه هي الخطة الصينية الرئيسية منذ البداية، كما أنه ليس من المألوف أن تعرض الدول الأصول مقابل الاستثمارات، وغالبًا ما تكون مثل هذه القرارات مثيرة للجدل داخل البلدان المضيفة، لكنها خيارات يحق للحكومات اتخاذها.

وقد ولَّدت بعض الاستثمارات الصينية مشروعات تحويلية، ففي تركمانستان -على سبيل المثال- أدى بناء خطوط الأنابيب إلى الصين إلى كسر اعتماد تركمانستان على روسيا. وفي إفريقيا، على الرغم من وجود تساؤلات حول القدرة على تحمُّل الديون، وسوء إدارة القروض الصينية؛ فإنه لا شك في أن بعض مشروعات البنية التحتية الجديدة -مثل السكك الحديدية- ربطت المجتمعات بكفاءة أكبر من ذي قبل. ومن ناحية أخرى، فإن "طريق الحرير القطبي" المصمَّم لاختراق القطب الشمالي وتزويد الصين بطريق شمالي أقصر إلى أوروبا؛ لا يشمل الموانئ والسفن فحسب، بل يشمل أيضًا تحالفًا أوثق مع روسيا، على الرغم من أنه سيتعين عليه التعامل مع جميع تعقيدات محور موسكو-بكين؛ إلا أن المسار القطبي سيضيف خيطًا آخر إلى رؤية مبادرة "الحزام والطريق" المتمثلة في إحاطة اليابسة الأوراسية.

وفي ضوء ذلك، يتضح أنه من الصعب حساب قيمة كل هذه المشروعات، وقد يبدو أن النخب السياسية في الدول المضيفة غالبًا ما تستفيد أكثر من المجتمعات المحلية. وباختصار، تبدو النتائج بالنسبة للبلدان المضيفة مختلطة.

الهيمنة الرقمية

من المحتمل أن تكون هناك عواقب معقدة طويلة الأجل فيما يتعلق بالمبادرة المعروفة باسم "طريق الحرير الرقمي"، فمن خلال إقامة مشروعات البنية التحتية الرقمية توفر الصين الأساس الذي ستقوم عليه الاقتصادات الوطنية في المستقبل، ولا يثير ذلك مخاوف بشأن المنافسة من الشركات الصينية فحسب، بل أيضًا بشأن إمكانية وصول الصين إلى البنية التحتية الوطنية الحيوية، وغالبًا ما يتم التعبير عن هذه الشكوك فيما يتعلق بشركة هواوي Huawei، أكبر مورد لمعدات الاتصالات في العالم، والتي تقود جهود الانتقال نحو شبكات الاتصالات اللا سلكية من الجيل الخامس 5G، وهي واحدة من العديد من شركات التكنولوجيا الصينية التي أصبحت لاعبًا بارزًا على الساحة العالمية.

المشكلة الأكبر التي تواجهها هذه الشركات في تقديم مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" هي أنها تقع في مرمى نيران الضغط الأمريكي، تحت إدارة "ترامب" التي سعت لفصل الصين عن النظام الاقتصادي العالمي من خلال العقوبات والدعاوى للمحاكمات الجنائية؛ حيث أوجدت واشنطن سياقًا تخاطر فيه الدول التي تختار العمل مع شركات التكنولوجيا الصينية بإلحاق الضرر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. 

ومع ذلك، يستمر قطاع التكنولوجيا في الصين في النمو بسرعة، حيث أصبحت شركة "علي بابا" Alibaba عملاقًا يهيمن بشكل متزايد على مجال التجارة الإلكترونية، وفي معظم البلدان المتاخمة للصين، تقدم مواقع الإنترنت والتجار الصينيين منصات إلكترونية للاستفادة من مواقع "علي بابا" أو "تاوباو" Taobao لشراء المنتجات وبيعها. وقبل تعليق مثل هذه الاستثمارات بسبب التوترات بين الصين والهند، استثمرت شركة "علي بابا" حوالي ملياري دولار في الشركات الهندية الناشئة منذ عام 2015، وشملت الصفقات سلسلة كاملة من الشركات الهندية عبر الإنترنت، بما في ذلك Paytm، وهي شركة مدفوعات تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، وخدمات توصيل الطعام Zomato and BigBasket، وشركة التجارة الإلكترونية Snapdeal.

في أغسطس 2019، عقد مؤسس شركة "علي بابا" اجتماعًا مع الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، حيث أعلن عن أن شركته تخطط لتوسع عالمي هائل، سيكون جزء كبير منه في دول أوراسيا التي تنتمي إلى المنظمة، مما سيوفر نحو 100 مليون وظيفة ويدعم نمو 10 ملايين شركة صغيرة، ويُعد ذلك توجهًا جديدًا لمنظمة شنغهاي، وهي منظمة تأسست في عام 2001 كتحالف يركز على ترسيم الحدود ومكافحة الإرهاب في آسيا الوسطى.

"الحزام والطريق" أداة للقوة الناعمة

تعتمد مبادرة "الحزام والطريق" أيضًا على الثقافة والتعليم واللغة، وبناء مجموعة من الروابط التي من المفترض أن تستمر لفترة أطول بكثير من أي مشروع مادي، ولطالما قدَّمت الصين منحًا دراسية وإعانات سخية للأجانب الذين يرغبون في الدراسة بالجامعات الصينية، وقد تم توسيع هذا النهج ليشمل برامج تدريب للصحفيين وضباط الأمن وغيرهم من المسؤولين من الحكومات الأجنبية، ويتم الترويج للعديد من هذه المشروعات من خلال إلحاقها بالشركات التي تشارك في مبادرة "الحزام والطريق". 

كما أن صور المبادرة موجودة في كل مكان في الشبكة العالمية لمعاهد كونفوشيوس، التي تقدم منحًا دراسية ودورات تدريبية للغة الصينية، كما تقدم بعض الشركات تدريبًا وتعليمًا أكثر تخصصًا. على سبيل المثال، يوفر برنامج (بذور من أجل المستقبل) المقدَّم من شركة هواوي فرص عمل مستقبلية في الشركة للمستويات الإدارية الوسطى.

من نواحٍ عديدة، تتمتع الحملة العالمية التي دشنتها الصين تحت مظلة مبادرة "الحزام والطريق" بأهمية كبيرة، حيث صاغ "شي جين بينج" رؤية دمجت المفاهيم التي طورها اثنان من العلماء الجيواستراتيجيين المؤثرين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهما "ألفريد ثاير ماهان" و"هالفورد ماكيندر". فمن وجهة نظر "ماهان" فإن السيطرة على الممرات والقوة البحرية هي السبيل للسيطرة على العالم، بينما يعتقد "ماكيندر" أن السيطرة على قلب أوراسيا هي الطريق إلى الهيمنة العالمية. وقد دمجت رؤية "شي" بين العنصرين، بل إنه تجاوز ذلك، في محاولة لجذب الأجيال الصاعدة في مختلف الدول لكسب ولائهم، وليس القصد بالضرورة تغيير التوجهات السياسية لهذه الدول، وإنما جعلها أكثر مرونة تجاه المصالح الصينية.

الحقيقة هي أن رؤية مبادرة "الحزام والطريق" بعيدة المنال إلى حد كبير؛ حيث ستتطلب المشروعات التحويلية التي تقترحها بكين على البلدان النامية أموالًا أكثر بكثير مما تستطيع بكين تحملها، كما صيغت الرؤية بمصطلحات غامضة وواسعة بحيث يكاد يكون من المستحيل تحديد أين ستنتهي، مما يصعِّب عملية تقييمها؛ نظرًا إلى أنه لم يتم تحديد معاييرها، باستثناء أنه من المفترض أن تنتهي في عام 2049، وفي ذلك الوقت قد يكون مُنشئُوها قد ماتوا، لكن "الحزام والطريق" سيستمران، حيث سيصلان إلى أماكن بعيدة وعميقة، ويربطان الصين بالعالم بما يساعدها في تطوير أشكال التأثير المختلفة لتشكيل مستقبل العالم.

المصدر: 

Raffaello Pantucci, The Many Faces of China’s Belt and Road Initiative, Current History, January 2021, 28–34.