توافقات مُقيَّدة:

نتائج زيارة مصطفى الكاظمي إلى تركيا

21 December 2020


تدخل العلاقات التركية- العراقية مرحلة جديدة بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لتركيا في 17 ديسمبر الجاري، ولقاءاته بالمسئولين الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان. وقد أسفرت الزيارة عن اتفاق الطرفين على رفع مستوى التعاون الثنائي بينهما، وإجراء مفاوضات حول ملف المياه في منتصف يناير المقبل، إلى جانب تقديم تسهيلات للعراقيين لدخول الأراضي التركية، حيث قال السفير العراقي في تركيا حسن الجنابي، في 19 من الشهر نفسه، أن "من أهم مخرجات الاجتماعات مع الجانب التركي هو قرار العودة الى اتفاق عام 2009، والقاضي بالحصول على تأشيرات الدخول في المطارات أو نقاط العبور الحدودية". 

دوافع مختلفة:

يمكن تناول دوافع كلا الطرفين العراقي والتركي للإقدام على تحسين علاقاتهما المشتركة في هذا التوقيت، وذلك على النحو التالي:

1- تعزيز العلاقات الاقتصادية: تهدف تركيا من دعم تقاربها مع العراق في هذا التوقيت إلى توثيق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لا سيما مع المساعي التركية لمعالجة الخلل الحالي في الاقتصاد التركي نتيجة الضغوط التي تتعرض لها من جانب الدول الغربية بسبب سياستها إزاء الملفات الخلافية على غرار ملف النزاع مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط والتدخل في ليبيا والذي فاقم من أزمتها. ويُتوقع أن يتأثر الاقتصاد التركي بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة في ضوء العقوبات الأمريكية الأخيرة، التي تم فرضها بموجب قانون مكافحة "أعداء الولايات المتحدة الأمريكية  عن طريق العقوبات" (كاتسا)، بسبب شراء أنقرة لمنظومة صواريخ "إس 400" من روسيا. 

وفي المقابل، تستهدف العراق ضمان مشاركة تركية فعلية في مجال إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الانتصار على تنظيم "داعش" من خلال شركات البناء والمقاولات التركية. جدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين تركيا والعراق ارتفع خلال عام 2019- حسب تقديرات عديدة- إلى 15.8 مليار دولار بعدما كان 13 مليار دولار في عام 2018، وذلك بحسب ما كشف السفير التركي في العراق فاتح يلمز مؤخراً.

2- توسيع نطاق التنسيق الأمني: يتجه الطرفان نحو توسيع نطاق التنسيق الأمني، لاسيما فيما يتعلق بضبط الحدود لمنع تسلل عناصر تنظيم "داعش"، خاصة في ضوء التقارير الأخيرة على غرار تقارير الأمم المتحدة، والتي تشير إلى احتفاظ التنظيم بحوالي 10 آلاف مقاتل في كل من العراق وسوريا. لكن ذلك لا ينفي أن الدور الذي تقوم به تركيا على الساحة الإقليمية ساهم، بجانب أدوار أخرى، في تعزيز نفوذ التنظيمات الإرهابية وتصاعد حدة التهديدات التي تفرضها لأمن واستقرار دول المنطقة ومن بينها العراق. 

ويضاف إلى ذلك الرغبة التركية في إنهاء وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لمنع تكرار العمليات التي يقومون بها في مناطق جنوب تركيا من حين لآخر، في ضوء السياسة التي تتبناها أنقرة للتعامل مع المعطيات الإقليمية الجديدة التي تفرضها الأزمات المختلفة، لاسيما الأزمتين السورية والعراقية، على علاقاتها مع الأكراد.

3- دعم المصالح النفطية التركية: يتم تصدير جزء كبير من النفط العراقي من خلال شركة تسويق النفط العراقية "سومو" وذلك عبر ميناء جيهان التركي، وقد تضرر الأنبوب النفطي الذي يجري عن طريقه تصدير النفط للخارج عبر تركيا بسبب هجوم وقع في 30 أكتوبر الماضي، وهو ما يدفع أنقرة إلى إبداء اهتمام أكبر بتعزيز التعاون مع العراق لضمان تدفق النفط في المرحلة المقبلة.

4- احتواء التحركات العراقية المضادة: اتجهت العراق في الفترة الأخيرة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير ضد الهجمات التركية على شمال البلاد. وقد اتسمت التحركات المستجدة من جانب الحكومة العراقية ضد تلك الهجمات بالتنوع، على نحو يبدو جلياً في تطوير التعاون مع كل من مصر والأردن، والتنسيق العراقي اللافت مع اليونان، حيث وقعت الدولتان مذكرات تفاهم في 14 أكتوبر الماضي خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس لبغداد. 

عقبات محتملة:

لكن تنفيذ هذه التفاهمات قد يواجه تحديات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- التراجع التركي السريع عن التوافقات مع العراق: يبرز في هذا الصدد ملفا الحضور العسكري التركي في بعشيقة شمال الموصل وكذلك أزمة المياه. فرغم وجود توافقات سابقة بين الجانبين لحل هاتين الأزمتين، إلا أن تركيا دائماً ما تتراجع سريعاً عن التزاماتها وتعاود عدوانها على الحقوق العراقية، وهو ما يثبت أنها لا تستطيع الانخراط في التزامات دولية وإقليمية صارمة وأنها تحاول باستمرار الالتفاف على القواعد والاتفاقيات الدولية.

2- الاضطراب المتكرر في علاقات الجانبين: تبقى العلاقات بين الدولتين عُرضة للتوتر مجدداً في ضوء عدم سعيهما لوضع شروط وضوابط جدية جديدة تكفل استمرار علاقات مستقرة بينهما، وكذلك تركيزهما على نقاط الالتقاء في العلاقات بدلاً من التفكير في كيفية تفكيك القضايا الخلافية والتي لا تبدو بدورها ثانوية.

3- الانتهاكات التركية المتكررة لسيادة العراق: ولعل آخر مؤشرات ذلك كان القصف التركي لثماني قرى في قضاء زاخو بمحافظة دهوك في 19 ديسمبر الجاري، أي بعد زيارة الكاظمي لأنقرة بيومين فقط. والجدير بالذكر في هذا السياق أن أغلب تلك التدخلات يتم بدون حصول أنقرة على موافقة من بغداد، وهو أمر تدينه باستمرار القوى العراقية وتدعو إلى ضرورة وضع حد له.

ختاماً، من المتوقع تجدد الخلافات العراقية- التركية بعد فترة قصيرة، في ضوء النوايا العدوانية التركية تجاه العراق، خاصة مع انتهاك أنقرة للسيادة العراقية بصفة مستمرة وقيامها بشن عمليات عسكرية منفردة في الشمال العراقي وكذلك استمرار وجود قوات تركية على الأراضي العراقية.