انعكاسات مباشرة:

دلالات الانتخابات التشريعية السورية الأخيرة

28 July 2020


حرصت الحكومة السورية على توجيه رسائل سياسية عديدة عبر إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري في 19 يوليو الجاري، خاصةً وأن تلك الانتخابات سبق وتم تأجيلها لهذا الموعد بعدما كان يُفترض أن تجرى في 13 إبريل الماضي وفقاً للمرسوم الرئاسي الصادر في 3 مارس الماضي، وذلك بسبب انتشار فيروس "كورونا". ومن دون شك، فإن تلك الخطوة لا يمكن فصلها عن التغير الملحوظ في التوازنات التي طرأت على الصعيد العسكري في الفترة الماضية، فضلاً عن الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية. 

رسائل سياسية: 

طرح إجراء الانتخابات التشريعية السورية في هذا التوقيت ونتائجها جملة من الدلالات التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- مشاركة شعبية ضعيفة: وفقاً لما أعلنته اللجنة القضائية العليا للانتخابات، في 21 يوليو الجاري، فقد بلغت نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات التشريعية، التي أجربت لاختيار 250 نائباً من أصل 1656 مرشح، 33.17% من إجمالي أعداد الناخبين، مقارنةً بـ57.56% في الانتخابات التشريعية عام 2016، و51.26% في الانتخابات التشريعية عام 2012. 

وبالتالي تعتبر المشاركة الشعبية في الانتخابات الأخيرة هى الأدنى منذ اندلاع الأزمة السورية رغم أنه تم إجراءها على مساحة أكبر من الأراضي السورية. ويمكن تفسير العزوف الشعبي اللافت عن المشاركة في ضوء اعتبارين: أولهما، مخاوف المواطنين من الإصابة بفيروس "كورونا"، وثانيهما، اتساع نطاق الاستياء الشعبي من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد خلال الفترة الأخيرة.

2- تراجع نسبي في شعبية حزب البعث الحاكم: رغم أن حزب البعث الحاكم حصد أغلبية مقاعد مجلس الشعب، وذلك بفوزه وحلفاؤه ضمن ما يعرف بقائمة "الوحدة الوطنية" بـ177 مقعداً من أصل 250 مقعد، إلا أن تلك النتيجة كانت أقل مما حققه الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية عام 2016، حيث فازت حينها "الجبهة الوطنية التقدمية" التي يقودها الحزب بـ200 مقعد من أصل 250. ومن هنا، كشفت نتائج الانتخابات الأخيرة عن تراجع ملحوظ في شعبية الحزب الحاكم، ويمكن تفسير ذلك أيضاً في ضوء غضب شريحة كبيرة من المواطنين من سياسات الحزب في إدارة الأمور الداخلية، خاصةً على الصعيد الاقتصادي.

3- اتساع نطاق الحيز الجغرافي المشمول بالعملية الانتخابية: كان من الملاحظ اتساع النطاق الجغرافي الذي أُجريت فيه الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث شملت تلك الانتخابات للمرة الأولى مناطق كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة خلال الانتخابات التشريعية التي أُجريت في إبريل عام 2016.

جدير بالذكر أن الانتخابات التشريعية الأخيرة أُجريت على حيز جغرافي يبلغ حوالي 63% من مساحة سوريا، وهى المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها الجيش السوري في الوقت الحالي، في حين أن سيطرة الجيش إبان إجراء الانتخابات التشريعية 2016 كانت حوالي 29% فقط من مساحة سوريا.

4- الرغبة في إظهار الحياة السياسية الداخلية في صورتها الطبيعية: كشفت الانتخابات التشريعية السورية الأخيرة عن أن الحكومة السورية حريصة على إظهار أن مسار الحياة السياسية الداخلية يتواصل بشكل طبيعي، وذلك بغض النظر عن أى انتقادات دولية لهذا المسار، فضلاً عن العقوبات الأمريكية التي بدأت تطبق على سوريا في إطار قانون "قيصر".

5- منح الأولوية للنهج العسكري في التعامل مع الأزمة: أشار إصرار دمشق على إجراء الانتخابات التشريعية في هذا التوقيت إلى أنها راضية عن نهجها المستمر في التعامل مع الأزمة منذ اندلاعها، وهو منح الأولوية للحسم العسكري على الدخول في مفاوضات سياسية مع قوى المعارضة، خاصةً وأن هذا النهج ساهم في تغيير توازنات القوى لصالح الجيش السوري، حيث بات يسيطر على مساحة تُقدر نسبتها بحوالي 63% من الأراضي السورية، والتي تعتبر أعلى نسبة سيطرة للجيش السوري على الإطلاق منذ اندلاع الصراع. ويُشار في هذا الإطار إلى أنه لم يتبق عملياً سوى مناطق سيطرة الأكراد، وكذلك أجزاء من محافظة إدلب التي تتواجد بها العديد من التنظيمات الإرهابية.

6- تراجع إمكانية تعويل دمشق على الجهود الأممية لحل الأزمة: يمثل إجراء الانتخابات في حد ذاته رسالة من جانب النظام السوري تفيد عدم تعويله على الجهود الأممية المتعثرة أصلاً والرامية لكتابة دستور جديد لسوريا تأسيساً لمرحلة انتقالية وانتخابات ديمقراطية. ويأتي هذا التقييم السلبي بالنسبة لدور الأمم المتحدة على الرغم من تحديد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون يوم 24 أغسطس المقبل موعداً لعقد اجتماع للجنة مناقشة الدستور السوري في جنيف، وذلك بحسب ما أعلن الرئيس المشترك في اللجنة عن هيئة التفاوض المعارضة هادي البحرة في 23 يوليو الجاري بعد اتصال هاتفي مع المبعوث الأممي.

7- تجنب الأكراد الانخراط في العملية السياسية مع النظام: عكست الانتخابات استمرار التحفظ الكردي على المشاركة في الفاعليات السياسية التي تتم بإشراف الحكومة السورية، حيث لم تكن هناك صناديق اقتراع في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. وبرر عدد من المسئولين الأكراد مقاطعتهم للانتخابات بوصفها بأنها "تمثيلية لتضليل الرأى العام والتهرب من استحقاقات الحل السياسي". وتبدو مقاطعة الأكراد للانتخابات خطوة منطقية بالنظر إلى رغبتهم في الاحتفاظ بالمكتسبات التي حققوها على مدار عمر الأزمة السورية، خاصةً سيطرتهم على حوالي ربع الأرض السورية، وتعزيز علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل التعويل على دورهم في الحرب التي اندلعت ضد تنظيم "داعش" وأسفرت عن إلحاق الهزيمة به وتعرضه لخسائر عسكرية كبيرة. 

ختاماً، يمكن القول إن أهم نتائج الانتخابات التشريعية السورية تتمثل في أنها كشفت عن أن النظام السوري لن يجري، على الأقل في المدى القريب، أى تغيير في سياسته تجاه الأزمة، على نحو يوضح مدى اتساع نطاق التباينات في مواقف القوى المنخرطة فيها إزاء الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية لها.