حدود الحركة:

تداعيات زيارة مصطفى الكاظمي إلى طهران

23 July 2020


لم يتمكن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال زيارته الأولى إلى إيران، في 21 يوليو الجاري، من تسويق نظرية "الحوار الاستراتيجي" لإعادة ضبط العلاقات مع طهران في كافة الملفات المشتركة على الصعيدين الداخلي والخارجي. إذ اصطدم بخطاب إيراني متشدد تجاه سلوكه في السياسات الخارجية والداخلية، في إطار نهجه المعلن منذ الوصول إلى السلطة ببناء "توازنات" مع الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين ودول الجوار، وفي المقدمة منها، بطبيعة الحال، إرساء قاعدة ألا تكون العراق ساحة لتصفية الحسابات بين طهران وواشنطن.

كما بدا أن ايران متحفظة أيضاً على ترتيب الملفات الداخلية من منظور طبيعة المرحلة الانتقالية، وبالتالي يمكن القول إنها أخذت زمام المبادرة نحو ترتيب جدول أعمال العلاقات الثنائية مع العراق خلال المرحلة الحالية بشكل عام، سياسياً أو اقتصادياً، بما يتوافق وتحقيق مصالحها. 

نتائج أولية: 

أسفرت زيارة الكاظمي لطهران عن نتائج أولية يتمثل أبرزها في:

1- إحباط التوجهات: بحسب مراقبين محليين، فإن نتائج الزيارة بشكل عام أحبطت كافة التوجهات التي كان يتبناها الكاظمي تجاه ضبط العلاقات مع طهران، وهو الانطباع الذي تسرب مع الزيارة التمهيدية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العراق، في 19 يوليو الجاري، لترتيب جدول أعمال الزيارة.

وقد انعكس في خطاب القادة الإيرانيين بشكل عام مدى ثبات موقف إيران تجاه النهج الذي تتعامل به مع العراق، وبدا واضحاً أنها من يرسي قواعده التي يبدو أنها لن تتغير بتغير الساسة العراقيين، وبالتالي كانت الرسالة الإيرانية الواضحة للكاظمي أن عليه أن يتكيف مع أجندة طهران. 

2- تباين الحسابات: مثّلت تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي، خلال لقاءه الكاظمي، في حد ذاتها، رسالة كشفت، بدرجة كبيرة، عن محددات الاستراتيجية الإيرانية تجاه العراق، ومنها استمرار توظيف الأخيرة كساحة للصدام مع واشنطن، وتفعيل دور أدواتها لاسيما الوكلاء المحليين في هذا السياق.

وكان لافتاً أن الكاظمي حرص على الرد برسالة مقابلة، خلال لقاءه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، قال فيها أن "العراق تواق لعلاقات مع طهران مع مراعاة عدم التدخل في الشئون الداخلية" وفق بعض التقارير، أو "مراعاة خصوصية كل طرف" بلهجة أخف وفق تقارير أخرى. 

3- تثبيت قواعد الاشتباك مع واشنطن: وهو ما يتضح من كافة رسائل القادة الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد، الذي أشار إلى أن طهران ستواصل الانتقام من واشنطن. وربما كان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخانى أكثر تحديداً بقوله: "هناك انتقام أقسى ينتظر الإرهابيين في الطريق"، بما يعني تثبيت قواعد الاشتباك من جانب طهران تجاه واشنطن، سواء القواعد السياسية ممثلة في التأكيد على ضرورة التزام الكاظمي بقرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود الأمريكي، أو القواعد العسكرية، وهو توجه يتسم بنوع من التناقض، إذ أن المرشد، على سبيل المثال، أشرف على عملية استهداف قاعدة "عين الأسد" التي تتواجد بها قوات أمريكية، في 8 يناير الماضي، وقيل آنذاك أنه تم الانتقام لعملية مقتل سليماني قبل ذلك بخمسة أيام. 

4- رفض الوساطة: سواء مع الولايات المتحدة أو الأطراف الإقليمية، وهو ما أشارت إليه صحيفة "إيران ملي" الإصلاحية، بأن "زيارة الكاظمي لإيران تستهدف توطيد العلاقات الثنائية وليس القيام بمهام وساطة"، على نحو يلخص أيضاً رؤية إيران للكاظمي، وحرصها على تأكيد أنه ليس مطلوباً منه ممارسة هذا الدور في المرحلة الانتقالية، بل ربما ترغب طهران في أن يركز الكاظمي على السياسة الداخلية أولاً لعبور المرحلة الانتقالية، وفق مشروطيات وتوجهات القوى الداخلية.   

ما بعد الزيارة:

لا شك أن زيارة الكاظمي إلى طهران ستلقي بانعكاساتها على سياساته تجاه الملفات الداخلية والخارجية. فطموح الأخير في تجاوز مأزق الاستقطاب الإيراني – الأمريكي تراجع على وقع مخرجات الزيارة، وربما لن يكرر تلك المحاولات مرة أخرى. وبالتالي ستشهد المرحلة القادمة تغيراً في سياسات الكاظمي على ضوء الزيارة، يمكن تناول أبرز ملامحه على النحو التالي: 

1- الانكفاء على الملفات الداخلية: ربما سيكون هناك تركيز على الملفات الداخلية بشكل أكبر، ليس من زاوية الاستجابة من جانب الكاظمي لتوجهات طهران، بل من زاوية إدراكه أن طهران لن تمنحه هامشاً كبيراً للحركة التي كان يتصورها، وستعمل على تقويض طموحه في بناء "التوازنات" التي كان يسعى إليها لتغيير المشهد العراقي، ومن ثم من المرجح أن يتأثر أداء الكاظمي ومواقفه تجاه الفاعلين المحليين المحسوبين على إيران، والملفات الداخلية.

كما لن توفر إيران الغطاء السياسي الذي يحتاجه الكاظمي كهامش للحركة في الملفات الخارجية باعتبار أنها قاسم مشترك في تلك الملفات وطرف أصيل فيها، وهو ما سيكون له انعكاس مباشر أيضاً على جولة الحوار الاستراتيجي المقبلة في واشنطن الشهر المقبل. 

2- مرونة مع الفصائل المسلحة: لا يرجح أن تتواصل المواجهة مع الفصائل المسلحة بالمستوى نفسه الذي كان قائماً قبل الزيارة، لاسيما وأن هناك اتجاهاً داخلياً لإعادة تشكيلها بشكل مختلف في ضوء انسحاب هادي العامري من البرلمان، وعدم تقلده مناصب تنفيذية. ومن المحتمل زيادة دور الفصائل الموالية لإيران في المواجهة مع الولايات المتحدة، وبالتالي سيكون هناك تصعيد محتمل من هذا الجانب. 

3-تقويض الطموح السياسي للكاظمي: على الرغم من أن الكاظمي لم يعلن عن أن لديه طموح سياسي، لكن مراقبين يرون أنه من المحتمل أن يسعى إلى ذلك في نهاية الفترة الانتقالية، في حال نجاح دوره فيها، ولكن زيارته إلى طهران ربما تُقوِّض من هذا الاحتمال بالنظر إلى أنها كشفت أن الكاظمي لن يكون الشخصية السياسية المفضلة لديها لما بعد المرحلة الانتقالية وأن قبولها به لا يتعدى المرحلة الحالية. 

في الأخير، يمكن القول إن زيارة الكاظمي إلى طهران أكدت لديه نظرة الأخيرة للعراق كـعمق استراتيجي بالمعنى التقليدي الذي تشكلت فيه الخبرات الإيرانية منذ سقوط النظام السابق، وبالتالي لا يمكن الرهان على بناء هامش استقلال، باعتبار أن إيران هى صاحبة اليد الطولى في ضبط العلاقات مع العراق من جهة، فضلاً عن أن الدولة العميقة التي نجحت في تشكيلها خلال 17 عاماً ستقاوم بدورها أية محاولات لتغيير طابع تلك العلاقات، كما أن مرحلة ما بعد هذه الزيارة ستشكل البداية لمراقبة واختبار أداء الكاظمي بشكل مختلف عن الأشهر الأربعة السابقة التي قضاها في السلطة، والتي كانت بمثابة مهلة استكشافية للأوضاع.