ضغوط متزايدة:

هل تنجح لبنان في تطبيق خطة الإصلاح المالي؟

22 May 2019


تسعى لبنان إلى تنفيذ خطة مالية عاجلة للسيطرة على الإنفاق العام وكبح العجز المالي الذي وصل لمستويات قياسية في العام الماضي، بالتوازي مع تقافم الدين العام وتراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم. وعليه، تخطط الحكومة لخفض العجز بأكثر من 3 نقاط مئوية على الأقل في الأعوام المقبلة من خلال ترشيد النفقات العامة بما فيها تقليص دعم الوقود والكهرباء بجانب خفض الأجور العامة وزيادة الضرائب، وهو الأمر الذي تسبب، منذ بداية مايو 2019، في اندلاع العديد من الاحتجاجات الرافضة لهذه الإجراءات، وبما قد يضطر الحكومة إلى تطبيق خطة الإصلاح المالي على مراحل لتفادي ضغوط الداخل. 

مشكلات مستمرة:

تواجه لبنان صعوبات اقتصادية منذ أكثر من 6 أعوام جراء اضطراب الأوضاع السياسية في البلاد بين الحين والآخر، فضلاً عن تعرضها لارتدادات الحرب التي تشهدها بعض دول الجوار، لا سيما سوريا، والتي فرضت على البلاد أعباء استضافة قرابة مليون سوري حتى الآن، في الوقت الذي تراجعت التدفقات النقدية من اللبنانيين بالخارج، والتي تمثل مصدرًا أساسيًا لتوفير النقد الأجنبي.

وعلى ضوء ذلك، تراجع مستوى النمو الاقتصادي في لبنان إلى 0.2 % في عام 2018 مقارنة بنسبة 0.6 % في عام 2017 بحسب تقديرات البنك الدولي. كما ارتفع معدل التضخم في عام 2018 ليبلغ في المتوسط 6.1 % لهذا العام، مقابل 4.7 % في عام 2017، وهى زيادة كبيرة ناجمة بالأساس عن ارتفاع أسعار واردات الطاقة.

وشهدت الأوضاع المالية في البلاد تدهورًا أكبر في عام 2018، حيث تزايد عجز الموازنة العامة بنحو 4.5 نقطة مئوية ليصل إلى 11.5 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2018، مقابل 7 % في عام 2017، وهو ما يعود إلى ارتفاع خدمة الدين وفاتورة الأجور وواردات الطاقة أيضًا.

وبالتوازي مع ذلك، اتسع الدين العام بشكل غير مسبوق لنحو 150.3 % في عام 2018، وهو من أعلى المعدلات في العالم، مقابل 149 % في العام السابق. ومن المتوقع، أن يرتفع إلى ما يقارب 180 % بحلول عام 2023 ما لم تتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة لكبحه في أقرب وقت.

تدابير مختلفة: 

في ضوء الظروف الاقتصادية السابقة، تحاول الحكومة السيطرة على الأوضاع المالية للدولة وكبح العجز المالي لديها. وفي فبراير الماضي، تعهدت الحكومة بإجراء مزيد من الإصلاحات المالية للسيطرة على الإنفاق، وقال رئيس الوزراء سعد الحريري أن البلاد قد تتبنى ميزانية هى الأشد تقشفًا في تاريخ لبنان. 

وعلى ضوء ذلك، وافق مجلس الوزراء، في 13 مايو الجاري، على سلسلة من التدابير لزيادة الإيرادات بما في ذلك رفع الضريبة على مدفوعات الفائدة من 7 % إلى 10 % لمدة 3 أعوام في إطار مشروع ميزانية 2019، وسبق أن رفعت الحكومة نسبة الضريبة على مدفوعات الفائدة إلى 7 % ضمن موازنة العام 2017 بعدما كانت 5 %. 

كما تشير بعض الترجيحات إلى أن الحكومة بصدد اتخاذ تدابير أخرى مثل فرض غرامات مرتفعة للتهرب الضريبي بجانب تخفيض مساهماتها في برنامج الرعاية الصحية لموظفي الدولة، وتقليص رواتب القطاع العام. وفي إبريل الماضي، أقر مجلس الوزراء أيضًا خطة تستهدف دعم قطاع الكهرباء من خلال زيادة الإنتاج ورفع تعريفات الكهرباء في مؤشر على تقليص الدعم الحكومي الموجه للقطاع. 

ويمكن القول إن مجمل الإصلاحات السابقة قد تساهم في خفض العجز إلى 8.3 % من الناتج المحلي الإجمالي أو أقل حسبما أشار وزير المالية علي حسن خليل في 20 مايو الجاري، وبمجرد الموافقة على الإصلاحات السابقة من مجلس الوزراء، سيتم إحالتها ضمن خطة الموازنة العامة لعام 2019 إلى مجلس النواب للتصويت قبل أن يصدق عليها رئيس الجمهورية.

وعلى ما يبدو، فإن الحكومة سوف تسارع في اتخاذ الإجراءات المالية السابقة من أجل طمأنة وكسب ثقة الشركاء الدوليين الذين تعهدوا، خلال مؤتمر سيدار لدعم الاقتصاد اللبناني في إبريل 2018، بضخ مبالغ بقيمة 11 مليار دولار. كما ترغب الحكومة في تقوية وضعها المالي والاقتصادي قبل اللجوء لأسواق الديون العالمية للاقتراض بهدف دعم الموازنة، الأمر الذي سيخفض تكلفة الاقتراض، علمًا بأنها أعلنت، في إبريل الماضي، اعتزامها إصدار سندات دولية تتراوح بين 2.5 مليار إلى 3 مليار دولار.  

صعوبات عديدة:

أثارت مقترحات الحكومة لكبح العجز المالي احتجاجات شعبية منذ بداية مايو الجاري، حيث نفذ العسكريون المتقاعدون اعتصامًا أمام مصرف لبنان، كما نظم موظفو المصرف إضرابًا غير مسبوق لأربعة أيام، الأمر الذي أثر سلبيًا على عمل المصارف وأدى إلى إغلاق بورصة بيروت لعدة أيام. 

وفي الوقت نفسه، حذر رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر من استمرار وتيرة الاحتجاجات في حال فرضت الحكومة زيادات ضريبية أو اتخذت سياسات قد تضر بالعمال، وهو ما يؤشر إلى أن الضغوط قد تتزايد على الحكومة في الفترة المقبلة للتراجع عن خطة الإصلاح المالي. 

وعليه، يمكن القول إن الحكومة باتت أمام خيارين كلاهما قد تكون له تكلفة عالية: يتمثل الأول، في تأجيل خطة الإصلاح المالي، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى فقدان ثقة المستثمرين ويقلص من قدرتها على الحصول على الأموال اللازمة لدعم الاقتصاد ومشروعات البنية التحتية. وينصرف الثاني، إلى إجراء الإصلاحات المالية اللازمة التي سيترتب عليها، في الغالب، تداعيات سياسية واجتماعية مرتفعة.

لكن يبدو من الخطوات التي بدأت الحكومة في اتخاذها أنها سوف تواصل خطتها للإصلاح بالحد من العجز المالي من أجل تعزيز استقرار الأوضاع المالية في المستقبل وكسب ثقة المجتمع الدولي، مع الالتزام بتبني نهج تدريجي في تطبيقها بهدف تقليص حدة تبعاتها السياسية والاجتماعية.