بدائل محدودة:

كيف تتعامل العراق مع تداعيات التصعيد الأمريكي - الإيراني؟

13 April 2019


تواجه العراق ارتدادات تصاعد حدة الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في المرحلة الحالية، لا سيما في ظل النفوذ الذي تمتلكه الدولتان على أراضيها منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين عام 2003. فعلى مدار 16 عامًا، لم تكن التقاطعات بين أدوار كل منهما تشكل أزمة لدى الحكومات العراقية المتعاقبة، في ظل حرص كافة الأطراف، في تلك المرحلة، على عدم خلط أوراق تلك العلاقات والابتعاد عن مساحات التناقض والاشتباك على قاعدة المصالح المشتركة. لكن يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعى إلى تجاوز هذه القاعدة، في ظل توجهها الخاص برفع مستوى العقوبات ضد طهران، لا سيما مع إضافة بعد التمدد الإيراني في الإقليم الذي فرض عواقب وخيمة على الأزمات الإقليمية المختلفة وعرقل جهود تسويتها، وهو ما يضع العراق أمام مأزق صعب، بعد أن أشارت اتجاهات عديدة إلى أنها قد تتحول إلى ساحة محتملة لإدارة الصراع بين الطرفين.  

مؤشرات الأزمة:

ويكتسب هذا الاحتمال أهميته في ضوء مؤشرات عديدة توحي بأن الأزمة الأمريكية - الإيرانية التي تتصاعد حدتها في الفترة الحالية سوف تؤثر على العراق بشكل مباشر، يتمثل أبرزها في إعلان الرئيس ترامب، في 3 فبراير 2019، إعادة تموضع القوات الأمريكية في العراق بهدف مراقبة إيران، حيث قال في هذا الصدد: "نعتزم مواصلة المراقبة، فإن حدثت مشاكل أو أراد أحد تصنيع أسلحة نووية أو أشياء أخرى، سنعرف قبل أن يفعلوا ذلك".

وقد دفع ذلك طهران إلى مطالبة القوى السياسية والميليشيات العراقية بتبني الدعوة لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، حيث كان ذلك أحد المحاور الرئيسية في اللقاء الذي جمع المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في 6 إبريل الجاري، متهمًا واشنطن بأنها "تعرقل الديمقراطية في العراق".

ومن دون شك، فإن هذه الدعوة أدت إلى حدوث انقسام بين المكونات العراقية المختلفة، حيث بدا أن ثمة اتجاهين رئيسيين ظهرا في الفترة الأخيرة: الأول، تبنته المليشيات المسلحة الحليفة لإيران، التي اتجهت إلى محاولة عرقلة هذا الوجود العسكري سياسيًا عبر الآلية التشريعية من خلال كتلتها البرلمانية، وعسكريًا عبر التلويح بالصدام العسكري في حالة التصعيد الأمريكي ضد إيران. 

والثاني، قادته بعض القوى الأخرى التي اعتبرت أن هذا الوجود مهم في ضوء التحسب لإمكانية عودة تنظيم "داعش" إلى الظهور من جديد في المناطق التي سبق أن سيطر عليها قبل أن يخرج منها عقب الهزائم العسكرية التي تعرض لها.

لكن الشواهد العديدة التي سبقت زيارة عبد المهدي إلى طهران تكشف أن الحكومة العراقية ليس بمقدورها تلبية هذا المطلب على النحو الذي ترغبه إيران ويتوافق مع مصالحها ورؤيتها للترتيبات السياسية والأمنية في العراق، خاصة في ظل برنامج التعاون الأمني الأمريكي – العراقي الذي امتد لسنوات، وهو ما يعني أن تباينات حلفاء إيران في الداخل العراقي قد تنعكس على العملية السياسية الحالية، في حالة ما إذا استمر هذا المأزق، خاصة وأن حكومة عبد المهدي نفسها لم تكتمل في صورتها النهائية بعد، حيث لا تزال هناك مناصب غير متفق عليها، لا سيما منصب وزير الدفاع. 

آليات محتملة: 

هذه المعطيات في مجملها قد تفرض على العراق خيارات صعبة، تبدو جلية في عدم الاتفاق على الآلية المناسبة التي يمكن من خلالها احتواء تداعيات الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تبرز آليات عديدة في هذا السياق، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- الوساطة: وهى دور تقليدي سعت العراق إلى ممارسته في مراحل مختلفة منذ عام 2003، ولكنه ظل مرتبطًا بالملفات العراقية الداخلية وليس الملفات الإقليمية على نحو لا يتوافر في الفترة الحالية، بشكل يضع عقبات عديدة تقلص من احتمالات إقدام العراق على محاولة تبنيه مستقبلاً.

2- الاحتواء المرحلي: وذلك من خلال العمل على تجنب نشوب خلافات مع الطرفين، بالتوازي مع محاولة إبرام صفقة تتوافق مع السياسات الأمريكية بهدف تجاوز عواقب الأزمة الحالية، بحيث يتم استثناء العراق من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، في مقابل توقف الأخيرة عن ممارسة ضغوط من أجل إخراج القوات الأمريكية من العراق.

ويبدو أن رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي حاول تبني هذه الآلية، خلال الزيارتين اللتين قام بهما إلى إيران والولايات المتحدة في 6 و28 مارس الفائت على التوالي، حيث ركز على أهمية الاستناد إلى العلاقات مع الطرفين، إلا أن توسع نطاق الخلافات بينهما قد يحول دون اتخاذ خطوات إجرائية لتثبيت ذلك على الأرض. 

3- التوازن: كان لافتًا أن العراق حاولت في الفترة الأخيرة بناء علاقات موازية مع العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بتطورات الشرق الأوسط، على غرار روسيا، في سياق محاولاتها التركيز على أن تحركاتها تأتي وفقًا لما تقتضيه المصالح الوطنية العراقية، وهو ما حرص وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم على تأكيده خلال أول زيارة له عقب توليه حقيبة الدبلوماسية في حكومة عبد المهدى. لكن يحتمل أن يفرض هذا التوجه أزمة لاحقة مع الولايات المتحدة، فى ظل الحديث الروسي عن تعزيز هذا التقارب، الذي قد ينعكس في إبرام صفقات تسليح بين الطرفين.

حدود التأثير:

مع ذلك، فإن استناد العراق إلى هذه الآليات في تعاملها مع التصعيد المستمر بين الولايات المتحدة وإيران قد لا يستمر لفترة طويلة، في ظل المتغيرات التي تفرض نفسها باستمرار وتؤثر بشكل كبير على اتجاهات التصعيد بين الطرفين، وكان آخرها القرار الأمريكي، في 8 إبريل الجاري، بتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية، على نحو ربما يدفع المليشيات العراقية الحليفة لإيران إلى التحرك من أجل الرد على تلك الخطوة، سواء من خلال المطالبة بإخراج القوات الأمريكية من العراق أو عبر التهديد باستهدافها في المرحلة القادمة، وهو ما يمكن أن ينتج تداعيات قوية على أمن واستقرار العراق، وعلى قدرة حكومة عبد المهدي على إدارة شئون الدولة وتحديد اتجاهات سياستها الخارجية.