مغزى التوقيت:

كيف تؤثر ترتيبات أمن الحدود على مستقبل الصراع السوري؟

11 June 2018


أبرمت روسيا وإسرائيل اتفاقًا ثنائيًا بشأن الجنوب السوري والجولان يقضى بإبعاد القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله عن تلك المناطق في إطار ترتيبات "أمن حدود" جديدة، تزامنت مع الوصول إلى تفاهمات متعددة الأطراف بهدف ترتيب خريطة الانتشار الحدودي في سوريا شمالاً وجنوبًا، في سياق الاتجاه نحو تفعيل اتفاق منطقة خفض التوتر في درعا الذي توصلت إليه موسكو وواشنطن في العام الماضي.

وقد فرض تمسك روسيا بتحويل مبادرتها الخاصة بإنهاء الوجود الأجنبي فى سوريا إلى ترتيبات "أمن الحدود"، ضغوطًا جديدة على النظام السوري الذي بات يواجه مأزقًا حرجًا بعد اتساع نطاق الخلافات بين حلفائه، وهو ما ظهرت مؤشراته خلال زيارة على شمخانى الأمين العام لمجلس الأمن القومي الايرانى إلى سوريا وما أعقبها من تصريحات أدلى بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم وركز فيها على أن إسرائيل هى التي روجت لوجود إيراني في الجنوب السوري، نافيًا وجود صيغة "اتفاق" بهذا الشأن، ومشترطًا إنهاء الوجود الأمريكي وتفكيك قاعدة "التنف" قبل الحديث في هذا السياق.  

إعادة هندسة الانتشار:

أسفرت جولتا مباحثات روسية – إسرائيلية، سياسية وعسكرية، عن التوصل إلى صيغة تفاهم بشأن ترتيبات الانتشار في الجولان السوري والجنوب، حيث تم تبادل الخرائط بين وزيرى الدفاع الإسرائيلي أفيجدرو ليبرمان والروسي سيرغي شويغو، وتوافق الطرفان على أن ينحصر الانتشار العسكري من الجانب السوري في الجيش النظامي. وجرى التفاهم أيضًا على إبعاد التنظيمات الموالية لإيران إلى ما وراء محور دمشق- السويداء مقابل عودة قوات الجيش إلى ثلاث نقاط هى تل الحارة في ريف درعا، وهى أعلى هضبة ذات بعد عسكري، ومعبر نصيب على حدود الأردن، ومنطقة بصر الحرير في ريف درعا.

وقد ظهرت نتائج ذلك في الأردن في إطار تفعيل اتفاق خفض التصعيد الروسي- الأمريكي، والذي قد تتبعه مرحلة جديدة من التفاهمات الإسرائيلية-السورية، حيث أنه بعد انتشار قوات الجيش، ومن بينها الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري، في الجولان، يمكن إحياء اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974 الذي يتضمن منطقة محايدة ومنطقة منزوعة السلاح وأخرى محدودة السلاح تحت مراقبة قوات أممية قوامها 1200 عنصر لفك الاشتباك.

وحسب تقارير إعلامية عديدة، فإن آليات تنفيذ الاتفاق لم يتم الكشف عنها تحديدًا، لكن الأمر حسم على هذا النحو، وإن شككت هذه التقارير في التزام إيران بالاتفاق موضوعيًا وليس شكليًا، لاعتبارات ميدانية تتعلق بنفوذها في مواقع انتشار النظام السوري. 

خيارات صعبة:

يواجه النظام السوري في الفترة الحالية مشكلة تتعلق بالخيارات المتاحة أمامه للتعامل مع الخلافات التي بدأت تظهر بين كل من إيران وروسيا. فقد نفى وزير الخارجية السوري وليد المعلم، ضمنيًا، التوصل إلى "اتفاق" وقال: "لا تصدقوا كل التصريحات التي تتحدث عن اتفاق بشأن الجنوب ما لم تروا أن الولايات المتحدة سحبت قواتها من قاعدة التنف، ويجب أن تسحب قواتها من قاعدة التنف. عندما تنسحب الولايات المتحدة من التنف، نقول إن هناك اتفاقًا". لكن في مقابل ذلك، رد مركز القيادة العسكرية الروسية في قاعدة حميميم عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك" بالتأكيد على "وجود اتفاق ينص بشكل واضح على انسحاب القوات الإيرانية المساندة للقوات الحكومية السورية في المنطقة وانتقالها إلى العمق السوري بعيدًا من الحدود الجنوبية للبلاد"، مضيفًا: "نتوقع تنفيذ ذلك خلال أيام معدودة".

وتشير اتجاهات عديدة إلى أن النظام السوري حاول من خلال الانخراط في هذا الجدل توسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامه، حيث كان لافتًا أنه سعى إلى ممارسة ضغوط باستخدام الوجود الإيراني وذلك في إطار تلميحه إلى إمكانية الدخول في مقايضة مع القوى المناوئة لإيران، في حالة ما إذا انتهى الوجود الأمريكي في قاعدة التنف.

ارتباك إيراني:

وقد سعت موسكو إلى تحقيق أهداف عديدة من خلال هذا الاتفاق، يتمثل أبرزها في وقف الاشتباك العسكري الإسرائيلي– الإيراني على الساحة السورية، والذى لم تبد دمشق تحفظها إزاءه كما هو الحال بالنسبة لموسكو التي تجاهلت الانخراط فيه منذ وقت مبكر. وفي رؤية الأخيرة، فإن استمرار هذه المواجهات المسلحة خلال المرحلة القادمة يمكن أن يفرض أعباءً جديدة على وجودها في سوريا، ويعرقل الجهود التي تبذلها من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة تحظى بقبول من جانب القوى الإقليمية والدولية المعنية بها.

ويبدو أن هذه التفاهمات قد فرضت معطيات جديدة على الأرض بالفعل، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة بدأت تتراجع إلى خلف خط التماس والمواجهة مع إسرائيل وإن لم يصل ذلك إلى حدود الاتفاق التي تقضى بمساحة 20 كلم لقوات الجيش السوري. ووفقًا لذلك، انتقلت عناصر الحرس الثوري من درعا إلى إزرع لكنها بقيت على جبهات القتال الشمالية، كما انتقل لواء "القدس" الفلسطيني من مخيم اليرموك إلى درعا. وعلى المنوال ذاته تحركت عناصر حزب الله من مواقعها في معسكر البعث وهضبة تل أيوب بحدود  4 إلى 5 كلم إلى بلدتي حمريت ونبع الفوار.  

وتشير هذه التحركات إلى أن إيران بدورها تحاول تحقيق أهداف عديدة منها عدم التعرض لضربات جديدة من جانب إسرائيل، لا سيما أنها لم تتمكن من الرد على الضربات السابقة التي استنزفت قدراتها العسكرية في سوريا. فضلاً عن أنها تسعى إلى تحويل المسار نحو الوجود الأمريكي في الجنوب، بالتوازي مع عدم الرغبة في الصدام مع روسيا، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات شمخانى التي أشار فيها إلى دعم طهران بقوة للجهود الروسية لإخراج الإرهابيين من المناطق السورية المتاخمة للأردن، معتبرًا ذلك خطوة إيجابية تصب في صالح استعادة الحكومة السورية المزيد من المناطق التي كان الإرهابيون يسيطرون عليها حسب قوله.

ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن إدراك إيران أن الترتيبات التي تسعى موسكو إلى صياغتها لا تتطلب مغادرة القوات الإيرانية الساحة السورية بشكل كامل، وإنما الانتقال من الحدود الجنوبية إلى العمق السوري على النحو الذي ذكره بيان قاعدة حميميم.

وفي النهاية يمكن القول إن روسيا أكدت في اتفاقها مع إسرائيل بشأن ترتيبات أمن الحدود السورية، أنها الطرف الرئيسي في إدارة الأزمة السورية بمساراتها المتعددة السياسية والأمنية، الذي بإمكانه تجاوز أى تحفظات أو انتقادات من جانب أى طرف آخر، حتى لو كان من حلفائه مثل إيران. ولا يرجح في هذا السياق، أن تتجه روسيا إلى اتخاذ مزيد من الخطوات من أجل إنهاء الوجود الإيراني، لكنها ستسعى، على الأرجح، إلى تقليص مستوى حضورها العسكري بدرجة ما، بحيث تمثل عسكريًا بما يتوازى مع مصالحها في سوريا.