ديناميات معقدة:

لماذا لن يهدأ الصراع اليمني في 2018؟

30 December 2017


لا يمكن التنبؤ يقينًا بمسارات الصراع الداخلي في اليمن خلال عام 2018، فعلى مدار عام 2017 تراوحت تطورات المشهد اليمني بين المد والجذر؛ إلا أن الثابت هو عدم وجود أية بوادر لانتهاء الصراع الداخلي الذي تفجّر منذ ثلاث سنوات تقريبًا. وبرحيل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بصورة مفاجئة واختفائه من معادلات السياسة اليمنية، تحول الصراع إلى مواجهة بين فريقين، هما: الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا بزعامة الرئيس "عبدربه منصور هادي" مدعومة من دول التحالف العربي، وميليشيا الحوثي الانقلابية غير المعترف بها دوليًّا، كما تُثير الأوضاع المعقدة في اليمن تهديدات متعددة، من بينها: انتشار الصواريخ الباليستية، وتهديدات الأمن البحري، وتزايد عمليات تنظيم "القاعدة"، وتصاعد الاتجاهات الانفصالية في جنوب اليمن.

خريطة التوازنات الداخلية:

أدى مقتل "علي عبدالله صالح" إلى تغير خريطة توازنات القوى في اليمن؛ ويمكن الإشارة إلى أبرز تغيرات المشهد السياسي اليمني المتوقعة في عام 2018 فيما يلي:

1- ترتيبات ما بعد صالح: تتنافس الحكومة الشرعية وميليشيا الحوثي الانقلابية على استقطاب مَن تبقى من قيادات المؤتمر المقيمين في الأراضي الخاضعة للحوثيين، فيما يحاول حزب المؤتمر استيعاب صدمة وفاة صالح، وتتصاعد تخوفاتهم من الدخول في صراع مع الحوثيين، خاصة أنهم مدنيون لا يمتلكون ميليشيا منظمة أو سلاحًا ثقيلًا قادرًا على مواجهة تهديدات الحوثيين، يضاف إلى هذا خشيتهم من أن يخضع قائدهم الجديد إلى سيطرة الحوثيين ونظامهم الانقلابي.

2- انقسام حزب المؤتمر: تسعى الحكومة الشرعية جاهدة لاستقطاب قيادات المؤتمر؛ وقد صرح رئيس الوزارء اليمني "أحمد عبيد بن دغر" نقلًا عن الرئيس "عبدربه منصور هادي" "بأن أحمد علي عبدالله صالح منا ونحن منه، وعفا الله عما سلف"، وذلك في ديسمبر 2017. كما وجه رئيس الحكومة "أحمد عبيد بن دغر" نداء إلى كل متردد أو حائر أو مصدوم من أعضاء حزب المؤتمر -على حد تعبيره- بأن يفيق من الصدمة، وينضم لركب المؤتمر الشعبي العام الموحد والمؤيد للحكومة الشرعية لمحاربة الحوثيين. ومن المتوقع أن يلبي بعض أنصار صالح هذه الدعوة وينضم للحكومة الشرعية، فيما سيخشى بعضهم من ملاحقة الحوثيين له وانتقامهم منه.

3- تراجع الحوثيين: من المتوقع أن يشهد عام 2018 تراجعًا وضعفًا للحوثيين لعدة أسباب، منها: تحول أغلب قيادات المؤتمر وقياداته إلى معارضين للحوثيين ورغبتهم في الثأر منهم والانتقام لزعيمهم متى سنحت الظروف، بالإضافة إلى أن دول التحالف قد حسمت أمرها بأن استخدام القوة هو الحل الوحيد لهزيمة الحوثيين وإفشال المشروع الإيراني في اليمن لما يمثله ذلك من تهديد حقيقي لدول المنطقة، خاصة بعد إطلاق الحوثيين صاروخين على العاصمة السعودية الرياض.

تهديدات صواريخ الحوثيين:

قامت جماعة الحوثي بخلق صراع داخلي طائفي، خاصة وأنها تقوم بتنفيذ أجندة إيرانية وتسعى لتنفيذ نظام يشبه ولاية الفقيه في اليمن، وهو ما لا يمكن قبوله في ظل أغلبية سنية. ويستخدم الحوثيون بعض الادعاءات لتعزيز موقفهم واجتذاب مزيد من المؤيدين لأفكارهم مثل أنهم مرتبطون بسلالة آل البيت.

كما تمثل جماعة الحوثي تهديدًا خطيرًا لدول المنطقة نظرًا إلى أنها امتداد لمشروع إيران الإقليمي، بالإضافة إلى تهديدها المستمر للملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب. فعلى سبيل المثال، تعرضت المدمرة الأمريكية "يو إس إس مايسون" لثلاث محاولات لإطلاق صواريخ عليها من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في شهر أكتوبر 2016، وفي الشهر ذاته تعرضت السفينة المدنية الإماراتية "سويفت" لاعتداء أثناء قيامها بنقل مساعدات إنسانية ونقل المصابين للعلاج في دولة الإمارات العربية المتحدة.

كما تمت مهاجمة فرقاطة سعودية في يناير 2017 من قبل 3 زوارق انتحارية تابعة للحوثيين وذلك أثناء قيام الفرقاطة بدورية مراقبة غرب ميناء الحديدة، وأحبطت قوات التحالف العربي في مارس 2017 هجومًا كانت تحاول أن تقوم به 3 زوارق تابعة للميليشيات ضد مجموعة سفن قرب ميناء ميدي اليمني. 

يضاف إلى هذا تهديدات الحوثيين المستمرة بإطلاق الصواريخ الباليستية على الدول المجاورة، ويستخدم الحوثيون الألغام البحرية الطافية والغاطسة بصورة متزايدة لاستهداف سفن التحالف والسفن التجارية، وهو ما قد يمثل كارثة بيئية في حالة استهداف إحدى ناقلات النفط.

وفي 4 نوفمبر 2017، أطلقت ميليشيا الحوثي صاروخًا باليستيًّا من طراز "بركان إتش 2" استهدف محيط مطار الملك خالد الدولي بالعاصمة السعودية الرياض. وفي 19 ديسمبر 2017، أطلق الحوثيون صاروخًا آخر من طراز "بركان 2 إتش" على الرياض؛ إلا أن الصاروخ تم اعتراضه من جانب الدفاعات الجوية السعودية قبل إصابة هدفه.

وكشف تقرير غير منشور أعده مراقبو العقوبات بالأمم المتحدة في 24 نوفمبر ونشرت وكالة رويترز للأنباء مقاطع منه في 1 ديسمبر 2017 عن أن بقايا أربعة صواريخ باليستية أطلقتها ميليشيا الحوثي على المملكة العربية السعودية هذا العام تبدو من تصميم وتصنيع إيران، واستخلص خبراء الأمم المتحدة أن "خصائص التصميم وأبعاد المكونات التي فحصتها الهيئة تتفق مع الخصائص والأبعاد للصاروخ قيام-1 الإيراني التصميم والتصنيع".

وقد صرحت قيادة التحالف الداعم للشرعية في نوفمبر 2017 بأن تهريب الأسلحة للحوثيين يتم من الأماكن المسيطر عليها من قبل حزب الله، مرورًا بسوريا والعراق ثم إيران، وفي النهاية يتم تهريبها بحرًا إلى اليمن، ويشير بعض المحللين إلى أن إيران كانت تستغل ضعف الرقابة على ميناء الحديدة لتهريب الصواريخ الباليستية في حاويات القمح والأغذية التي يصعب تفتيشها لصعوبة تفريغها بالكامل. ومن المتوقع أن تتراجع حدة هذه التهديدات في عام 2018 مع سيطرة الحكومة الشرعية على الموانئ الرئيسية والتحكم في شواطئ البحر الأحمر، مما يحرم الميليشيا من المنافذ البحرية ومن إيرادات الموانئ. 

تهديدات "القاعدة" في اليمن:

على الرغم من تفكيك عدد كبير من معاقل تنظيم "القاعدة" في اليمن؛ لا يزال التنظيم قادرًا على الحفاظ على تمركز خلاياه في بعض المناطق في جنوب وشرق اليمن. وتشهد بعض المحافظات هجمات متتابعة للتنظيم، خاصة محافظات أبين وشبوة ومأرب والبيضاء وحضرموت ولحج، وعادة ما تركز هذه الهجمات على استهداف قوات الجيش والأمن التابعين للحكومة الشرعية.

وقد قامت الولايات المتحدة بشن 120 غارة على الأراضي اليمنية في عام 2017 للقضاء على أفراد التنظيم وقياداته في إطار الحرب على الإرهاب التي أعلنها "ترامب" في برنامجه الانتخابي، وذلك وفقًا لما أعلنه البنتاجون في ديسمبر 2017، وبالفعل تمكنت الولايات من القضاء على عدد كبير من أفراد التنظيم وقياداته مثل: "أبو هاجر" مسئول دعاية التنظيم باليمن في هجمة لطائرة بدون طيار شرق صنعاء في ديسمبر 2017، و"أبو خطاب العولقي" أمير تنظيم القاعدة في اليمن في يونيو 2017، بيد أن بعض هذه الغارات قد تسببت في وقوع مدنيين "إذ صرح بيان صادر عن قيادة الجيش الأمريكي في فبراير 2017 بأن بعض الغارات ربما قد تكون أسفرت عن قتلى وجرحى من المدنيين".

كما تمكنت الحكومة الشرعية بدعم من قوات التحالف من بسط نفوذها وإخراج جماعة "القاعدة" من أبين وحضرموت، حيث توارى أفراد هذه الجماعة في مناطق نائية جبلية غير مأهولة، ومن الجدير بالذكر أن هجمات التنظيم قد تراجعت في 2017 مقارنة بالأعوام السابقة، وهناك تعاون وتنسيق حكومي واستخباراتي مع الولايات المتحدة لمواجهة هذا التنظيم، وإذا ما استمرت الحملة على هذه الجماعة بنفس الوتيرة فمن المتوقع إضعاف هذه الجماعة وتحجيم دورها خلال 2018.

الحراك الانفصالي الجنوبي:

عاودت بعض الجماعات الانفصالية مطالبها بانفصال الجنوب، والعودة إلى حدود ما قبل 1990؛ حيث أعلن "عيدروس الزبيدي" -محافظ عدن السابق- في مايو 2017، تشكيل مجلس سياسي انتقالي لإدارة الجنوب وتمثيله سياسيًّا.

وقد أعلن الزبيدي، في أكتوبر 2017، عن السعي لترتيب استفتاء للانفصال عن اليمن، كما ستشكل هيئة برلمانية لإدارة الإقليم، وهو ما أدى لحالة من الانقسام بين قادة الجنوب نظرًا لرفض بعضهم الانفصال الكامل، وتؤكد المؤشرات أن الانفصال لن ينجح في ظل عدم دعم دول الإقليم لهذا الانفصال، يضاف إلى هذا انقسام تيارات الجنوب.

ختامًا، من غير المرجح أن يشهد عام 2018 أفول الصراع الداخلي في اليمن، فالجذور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذا الصراع عميقة، كما أن تعارض المصالح الإقليمية والدولية والدعم الإيراني المتزايد للحوثيين يسهم في تأجيج الصراعات وتزايد حدة تهديدات الأمن الإقليمي، وخاصة انتشار الصواريخ الباليستية، واستهداف حركة الملاحة بالقرب من السواحل اليمنية.