مخاوف متصاعدة:

أهداف زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة لروسيا

01 September 2017


قام رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بزيارة مفاجئة إلى روسيا في 23 أغسطس الجاري، وهي الزيارة الرابعة له لروسيا في غضون الـ16 شهرًا الأخيرة، التقى خلالها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" للبحث في المتطلبات الأمنية الإسرائيلية المتعلقة بالترتيبات الجارية في سوريا. 

محددات القلق: 

جاءت زيارة "نتنياهو" لموسكو في ضوء تصاعد القلق الإسرائيلي من التطورات الحالية في مسار الأزمة السورية، وأبرز ملامح ذلك ما يلي: 

1- تخوف إسرائيل من توظيف إيران وحزب الله حضورهما الميداني -خاصة في الجنوب السوري- للتمركز في سوريا لمدى بعيد، على اعتبار أن ذلك سيضر بالمصالح الإسرائيلية، خاصة في الجولان، وبما يهدد أمن إسرائيل في المدى المنظور والبعيد. يُضاف إلى ذلك القلق الإسرائيلي من التمدد الشيعي، ليس فقط في سوريا، وإنما في الداخل اللبناني كذلك، بما يدعم من موقف حزب الله الذي لا يزال يُعتبر خطرًا أساسيًّا على الأمن الإسرائيلي.

2- التخوف الإسرائيلي من تركيز الجانب الإيراني على ضمان حضور نوعي في الأراضي السورية، ويرتبط بذلك الخطط الإيرانية الأخيرة لضمان حضور إيراني بحري في ميناء طرطوس، وهو ما ترى فيه تل أبيب تطورًا خطيرًا لمستقبل النفوذ الإيراني في الأزمة السورية.

3- التوجس الإسرائيلي من تنامي الدور الإيراني في المنطقة في ظل التنسيق الراهن مع روسيا في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، فضلًا عن قيام موسكو مؤخرًا بدعم طهران بصواريخ "إس-300" الاستراتيجية. ويُشار في هذا الإطار إلى أن الجانب الإسرائيلي يحاول حث الجانب الروسي على دعم التحرك الدولي الساعي لفرض عقوبات جديدة على إيران. 

4- القلق الإسرائيلي من طبيعة الدور الأمريكي الحالي في المنطقة بشكل عام، وفي الأزمة السورية بشكل خاص، وذلك في ضوء ما تواجهه الإدارة الأمريكية من أزمات راهنة وعدم استقرار في تركيبتها، والشعور الإسرائيلي بأن واشنطن تترك تل أبيب وحدها لترتب خياراتها في التعامل مع الأزمة السورية، وأن استمرار التراخي الأمريكي سيسمح للمزيد من النفوذ الإيراني في سوريا. 

5- استمرار الانزعاج الإسرائيلي من القيود المفروضة على حركة الطيران الإسرائيلي في المجال الجوي السوري، وذلك بسبب لجوء موسكو مؤخرًا إلى نشر منظومات صواريخ "إس-300" فوق الأراضي السورية، وتزويد النظام السوري بها، وهو ما قلص من هامش حرية الحركة المتاحة للجانب الإسرائيلي في سوريا.

مسار استكمالي: 

يأتي التحرك الإسرائيلي تجاه روسيا استكمالًا لتحركها الأخير إزاء الولايات المتحدة، حيث قام وفد إسرائيلي ضم شخصيات سياسية وأمنية مؤخرًا وتزعمه رئيس الموساد "يوسي كوهين" ونائب رئيس مجلس الأمن القومي "إيتان بن ديفيد" بزيارة إلى واشنطن، طالبوا خلالها بما يلي: 

1- ضرورة إجلاء قوات الحرس الثوري من جنوب سوريا. 

2- ترحيل العناصر الأمنية المدعومة إيرانيًّا ودوليًّا من سوريا، مع تجفيف منابع الوجود متعدد التوجهات في سوريا بوجه عام.

3- تضمين بعض النقاط الأمنية الإسرائيلية في سوريا في أية اتفاقات نهائية محتملة بين روسيا والولايات المتحدة حول سوريا. 

قناعات إسرائيلية: 

تكشف الحركة الإسرائيلية الأخيرة تجاه موسكو عن مجموعة من القناعات الإسرائيلية، والتي يتمثل أهمها فيما يلي: 

1- اقتناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الجانب الروسي سيكون جادًّا في تقديره للمخاوف الإسرائيلية الحالية في سوريا، خاصة مع وجود خبرات سابقة للتعاون بين الجانبين في سوريا من خلال آلية العمل المشتركة والتي حققت نجاحات في فترات سابقة، يُضاف إلى ذلك المسعى الإسرائيلي الحالي لاستثمار التنسيق الأردني الروسي الحالي في الجنوب السوري للدخول كشريك في ذلك التنسيق بما يضمن مصالح إسرائيل. 

2- رؤية إسرائيل أن الجانب الروسي هو صاحب الكلمة العليا حاليا في سوريا، وأن النفوذ الميداني الأكبر له في الأراضي السورية، وليس لأي طرف آخر بما في ذلك الجانب الأمريكي، وبالتالي تأتي المراهنة الإسرائيلية على تطوير العلاقات مع روسيا في ضوء رؤية تل أبيب أن ذلك الأمر سيكفل لها حماية المتطلبات الأمنية الإسرائيلية. 

3- الإدراك الإسرائيلي بأن روسيا مهتمة بإيجاد صيغة تعاون استراتيجي مع إسرائيل، وأنها تُدرك أن تدخلات إسرائيل في الشأن السوري من خلال الضربات الجوية من حين لآخر ضد مواقع حزب الله وإيران هدفها حماية الأمن القومي الإسرائيلي بصورة أساسية وليس التطلع لدور أكبر في سوريا، كما تُدرك تل أبيب أن لدى موسكو من القدرات والإمكانيات ما يمكنها من لعب دور ضاغط على إيران، بما يضع قيودًا على الحركة الإيرانية في سوريا، ويدفعها لمسارات آمنة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي.

4- أن هناك رغبة لدى الجانب الروسي في وقف أية إجراءات إسرائيلية من جانب واحد في الفترة المقبلة في سوريا، ويدعم من ذلك الأمر أن الجانب الروسي سبق وأن اعترض على قيام إسرائيل بغارات على مواقع عسكرية منتقاة في سوريا، وبناءً عليه باتت روسيا ترفض بشكل ضمني حرية التحرك الإسرائيلي في الأجواء السورية.

تحرك مقابل:

في مقابل التحرك الإسرائيلي الراهن إزاء روسيا، فإن هناك تحركًا روسيًّا إزاء إسرائيل، اتضح في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة إلى موسكو، ومضمون هذا التحرك ما يلي: 

1- مطلب موسكو من إسرائيل عودة آلية التنسيق المشتركة في المرحلة المقبلة، فضلًا عن مطالبتها الجانب الإسرائيلي بعدم القيام بأعمال انفرادية قد تعرقل جهود التهدئة، وخاصة في الجبهة الجنوبية السورية.

2- محاولة موسكو الحصول على تعهدات إسرائيلية بعدم ضرب مواقع لحزب الله أو القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا على الأقل في الوقت الراهن، وإلى حين تثبيت اتفاقات التهدئة الجارية في الجنوب السوري بالتحديد. 

3- التأكيد الروسي على إمكانية مساهمة موسكو في فرض تهدئة في منطقة الجولان، وذلك كمحاولة من موسكو لإثبات صدق نواياها للجانب الإسرائيلي من خلال التدليل على تفهم روسيا للمخاوف الإسرائيلية من التحركات الحالية لحزب الله وإيران. 

اتجاهات متعددة: 

يمكن القول -إذن- إن زيارة "نتنياهو" الأخيرة لموسكو تدل على أن الجانب الإسرائيلي سيمضي في كل الاتجاهات للحفاظ على أمنه وأهدافه في الجبهة السورية، على عكس ما يردد البعض بأن تلك الزيارة تعبير عن فشل وعجز إسرائيلي في التعامل مع الأزمات المحيطة بها، وتراجع لحضورها في المنطقة.

ومن ثم، فإن تحركات الجانب الإسرائيلي، سواء تجاه الجانب الأمريكي أو الروسي، مرتبطة بالحصول على ضمانات حقيقية لتأمين حدوده، ومنع تمدد الحضور الإيراني أو العناصر الشيعية نحو تلك الحدود، وأن يتم إدراج تلك المسألة في أية اتفاقات مستقبلية في الصراع السوري.

ومن الواضح أن الجانب الروسي بات يُدرك أن عدم تحقيق المتطلبات الأمنية الإسرائيلية قد يدفع إسرائيل للعمل بمفردها، وهو خيار تراه موسكو سيئًا، على اعتبار أنه قد يدفع تل أبيب للانخراط في الصراع السوري بصورة مباشرة لمواجهة تمدد القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في اتجاه الحدود الإسرائيلية.

ومن الوارد في هذا الإطار استجابة الجانب الروسي خلال الفترة المقبلة لبعض المتطلبات الأمنية الإسرائيلية والخاصة بوقف التمدد الإيراني في مناطق الحدود، مع تأجيل تقديم أية ضمانات مكتوبة أو تعهدات مسبقة إلا بعد ضمان استقرار المشهد السوري بصورة نسبية، والشروع في اتفاق شامل لإنهاء حالة الحرب في سوريا.