تهديدات بحرية:

تشابكات الإرهاب والجريمة المنظمة في سواحل شرق إفريقيا

03 June 2024


عرض: دينا محمود

تُعَد دول شرق إفريقيا من بين البلدان العشرين الأكثر تأثراً بالتهديدات الإرهابية؛ نتيجة انتشار الصراعات المسلحة، والتخلف التنموي، ونمو التطرف. واستغلت شبكات الإرهاب المجال البحري للمحيط الهندي لنشر الجرائم البحرية العابرة للحدود، بما في ذلك الإرهاب البحري، والقرصنة، والاتجار بالبشر، وتهريب البضائع غير المشروعة، والصيد غير القانوني. وتظهر جماعات إرهابية على ساحل شرق إفريقيا، كحركة الشباب المجاهدين في الصومال وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في موزمبيق؛ بسبب ضعف إنفاذ القانون البحري. 

وعليه، باتت الحاجة ملحة لفهم العلاقة بين الجريمة والإرهاب على طول ساحل شرق إفريقيا، كموقع للأنشطة الإرهابية، والتي لم يتم التركيز عليها في أدبيات مكافحة الإرهاب؛ نتيجة صعوبة التمييز بين أنشطة الجريمة والإرهاب وارتباطاتها بالمجتمعات المحلية. من هنا، تأتي أهمية دراسة صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في مارس عام 2024 حول العلاقة بين الجريمة والإرهاب في المناطق الساحلية والبحرية في شرق إفريقيا، مع التركيز على المناطق الساحلية الكينية؛ نظراً لأنها محور لتجنيد الإرهابيين والتخطيط والخدمات اللوجستية للهجمات الإرهابية عبر الطرق البحرية. 

تطور الإرهاب في شرق إفريقيا:

في تسعينيات القرن العشرين، برزت منطقة شرق إفريقيا كأولوية استراتيجية لتنظيم القاعدة، الذي أنشأ مقراً له في السودان عندما استولى نظام الإنقاذ الإسلامي على السلطة عام 1989، ثم تحولت القاعدة تدريجياً إلى جماعة إرهابية نشطة في شرق إفريقيا من خلال جمع الأموال عن طريق إدارة مشروعات تجارية ومعسكرات تدريب عسكرية في السودان. ومنذ تفجير تنظيم القاعدة سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام 1998، أصبحت منطقة شرق إفريقيا مركزاً حاسماً للهجمات الإرهابية، والتي تصاعدت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من قبل حركة الشباب المجاهدين في الصومال.

وفي تنزانيا، برزت مجموعة مركز أنصار الشباب المسلمين AMYC))، بقيادة الشيخ سالم عبدالرحيم براهيان، والتي تعرضت لتُهم بوجود صلات لها بشبكات تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، التي نسقت الهجمات على المصالح الأمريكية عام 1998. بالمثل، ظهرت مجموعة جديدة، تعرف باسم "المهاجرون" في عام 2015 لها صلات بمومباسا في كينيا وموانزا في تنزانيا.

منذ عام 2016، استغل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الجماعات المحلية المنشقة عن الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وحركة الشباب في شرق إفريقيا، فضلاً عن المتمردين الطامحين والشبكات المتطرفة، وقام بتسهيل سفر المجندين إلى سوريا وليبيا والعراق وغيرها من المناطق التي ينشط فيها التنظيم. وخلال الفترة بين عامي 2016 و2023، شن تنظيم داعش هجمات عديدة في شرق إفريقيا عبر فروعه المحلية، بما في ذلك إعلان مسؤوليته عن سلسلة هجمات في أوغندا وموزمبيق وتنزانيا. وتم تشكيل تنظيم داعش الصومال في أكتوبر 2015، والذي أعلن مسؤوليته عن تفجير انتحاري عند نقطة تفتيش للشرطة في الصومال في مايو 2017، وكذلك الهجوم على فندق (Village Hotel) في بوصاصو، بولاية بونتلاند الصومالية في فبراير 2017. 

وفي كل من أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، شكل تنظيم داعش تحالفاً مع قوات التحالف الديمقراطية (ADF)، التي تعهدت بالولاء للتنظيم في عام 2018؛ مما عزز ولاية داعش وسط إفريقيا (ISCAP)، التي مدت نفوذها إلى موزمبيق؛ إذ تعمل محلياً تحت اسم "حركة الشباب" التي نفذت العديد من الهجمات في هذا البلد. 

في كينيا، تشير التقارير إلى أن وجود داعش كان بشكل رئيسي عبر جبهة شرق إفريقيا (JEA)، والتي بدأت كمجموعة إسلامية صغيرة في الصومال لمساعدة المقاتلين من كينيا على الهجرة إلى ليبيا وسوريا والصومال للانضمام إلى داعش. ومن بين الهجمات المرتبطة بتنظيم داعش في كينيا، إحراق مركز شرطة مومباسا المركزي في عام 2016. ولا تزال فصائل الجماعة الإرهابية تهدد المنطقة من خلال ترويع القرى ومهاجمة أفراد الشرطة والجيش، كما يتضح من سلسلة الهجمات الأخيرة في عام 2023.

تشابكات الجريمة والإرهاب: 

ثمة تشابك بين الأنشطة الإرهابية والجريمة البحرية، مثل: الاتجار غير المشروع بالمخدرات، والاتجار بالأسلحة، وتهريب البشر، والصيد غير المشروع. في الماضي، تم استغلال الطرق البحرية من قبل شبكة القاعدة الإرهابية والجماعات التابعة لها لنقل المتفجرات لتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، وكذلك للهجمات المنسقة في مومباسا عام 2002، والتي تضمنت استخدام الطرق البحرية لتهريب الأسلحة والمتفجرات إلى كينيا وتسهيل تسلل المهاجمين وهروبهم. 

منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اعتمدت المنظمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية مثل حركة الشباب بشكل متزايد على التنقل البحري عبر الحدود لتنفيذ عملياتها في شرق إفريقيا؛ إذ استغلت حركة الشباب موانئها في كيسمايو ومقديشو؛ لتعزيز استراتيجيتها البحرية للسيطرة على الأعمال المشروعة وغير المشروعة. وحتى بعد فقدان السيطرة على الموانئ؛ بسبب الاستراتيجيات الهجومية التي قادتها بعثة الاتحاد الإفريقي إلى الصومال، حافظت حركة الشباب على وجودها البحري من خلال تعاملها مع الاقتصاد غير المشروع، مستغلة أهدافها البحرية لتعزيز استقرارها المالي.

إن العلاقة بين الجريمة البحرية والإرهاب مربحة؛ وهو ما ينعكس في تورط حركة الشباب في تهريب الفحم، والذي عزز قدرتها على الصمود كمنظمة إرهابية؛ إذ تشير التقديرات إلى أن تلك الحركة استفادت بما يقدر بنحو 70 إلى 100 مليون دولار أمريكي سنوياً من تجارة الفحم. ومع فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظراً على صادرات الفحم في عام 2012، اتجهت حركة الشباب إلى تهريب السكر وفرض أنظمة الضرائب على غرار المافيا؛ إذ كان يتم شحن السكر الخام من البرازيل إلى الموانئ الصومالية التي يسيطر عليها رجال أعمال مرتبطين بحركة الشباب، ثم يتم نقله براً عبر الحدود عبر كينيا لإعادة بيعه. علاوة على ذلك، أنشأت حركة الشباب نظاماً ضريبياً متقناً على طراز المافيا مع اتصالات بميناء مقديشو، أكبر ميناء في الصومال. وأتاح تسلل حركة الشباب إلى وكلاء الشحن التجاري ومؤسسات الموانئ الحصول على قوائم الشحن الخاصة بالسلع المستوردة؛ مما سهل لها فرض الضرائب.

وتستخدم حركة الشباب المحيط الهندي لتحقيق مكاسب مالية ودعم عملياتي؛ إذ إن تسلل الحركة إلى عمليات الموانئ يمنحها موقعاً استراتيجياً لمراقبة الواردات والوصول إلى مجموعة متنوعة من الأجهزة المتفجرة باستخدام الطرق البحرية، كما تحافظ الحركة على وجودها في بونتلاند في الصومال؛ باستخدام قوارب صغيرة لنقل أعضائها في المنطقة. 

بالمثل، يعمل تنظيم داعش في بونتلاند مع قراصنة صوماليين؛ إذ تُستخدم القوارب لشراء الأسلحة ونقل الأعضاء عبر الطرق البحرية. كما شمل جزء من الاستراتيجية البحرية الأوسع لتنظيم داعش في موزمبيق أو حركة الشباب استهداف ومهاجمة العديد من الجزر مثل: إيلها فاميز، وميتوندو، وإيلها، ميتشينج، وإلها ميونجي. ومكنت هذه الاستراتيجية البحرية لداعش موزمبيق للتنقل بين الجزر من السيطرة على بنية تحتية بحرية مهمة، مثل ميناء موسيمبوا دا برايا. بشكل عام، استفادت تنظيمات الإرهاب من طرق التجارة غير المشروعة العابرة للحدود الوطنية الحالية لتعزيز القدرة المالية للشبكة الإرهابية، لذلك؛ أصبحت مكافحة تسلل الإرهابيين عبر الحدود ضرورية لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب.

حالة الساحل الكيني:

تتجلى إحدى حالات العلاقة بين الإرهاب وأنشطة الجرائم المنظمة في الساحل الكيني؛ إذ تداخلت تلك العلاقة مع المجتمعات المحلية، على النحو الآتي:

- دوافع ترابط الجريمة والإرهاب: ثمة دوافع مالية لاندماج العصابات الإجرامية في شبكة حركة الشباب؛ إذ يشمل ارتباط تلك العصابات بحركة الشباب توفير الأموال المخصصة لتعاطي المخدرات والأسلحة والحماية من الشرطة، وحتى للحفاظ على السلطة في مناطقهم، كما يصبح هؤلاء الأفراد عناصر مهمة لكل من العصابات الإجرامية وحركة الشباب في هذه المجتمعات الطرفية. وتوفر كل عصابة إجرامية ملاذاً آمناً لبعضها بعضاً للاختباء أو مواصلة أنشطتها في مناطقها الخاصة. ويعني تقاسم المساحات بين الشبكات الإجرامية والإرهابية أن هذين النوعين من المنظمات يتفقان على التعاون في مناطقهما. وأوضح السكان المحليون في كينيا وجود بيئة مواتية للاتجار بالمخدرات والبشر وتجنيد حركة الشباب في المناطق المحلية التي ترتفع فيها معدلات أنشطة العصابات، مثل: مامبروي وفازا وكيونغا ومبواجوموالي وماجوريني. 

- التقليد بين الإرهاب والجريمة: برز نوع من التقليد المتبادل في الأنشطة العملياتية والتكتيكية بين الشبكات الإجرامية أو الإرهابية. على سبيل المثال، استخدمت العصابات الإجرامية في كيونجا في كينيا تكتيكات حركة الشباب لتهديد الناس في المجتمع لتمكينهم من تنفيذ أنشطتهم، مثل: تجارة المخدرات أو الاتجار بالبشر. وأفاد أحد موظفي المنظمات غير الحكومية بقيام العصابات الإجرامية المحلية في كيونغا بتوزيع منشورات تهديد موقعة باسم حركة الشباب لإبعاد الناس عن مناطق محددة لتمكينهم من تنفيذ أنشطتهم. 

بالمثل، كثيراً ما يختبئ أعضاء حركة الشباب لدى العصابات الإجرامية المحلية طلباً للحماية من الشرطة. وكان هذا صحيحاً أيضاً في حالة المنشقين عن حركة الشباب، الذين عادة ما يلجأون إلى العصابات الإجرامية لمنع القبض عليهم، كما أن وجودهم بين الجماعات الإجرامية مكّن هؤلاء المنشقين أو العائدين من حركة الشباب من التنقل.

- الفقر والظلم الهيكلي وسوء الإدارة: تظهر التهديدات البحرية لتشابك الإرهاب والجريمة في شرق إفريقيا خاصة في المناطق التي يظهر فيها سوء الإدارة، أو تدهور العلاقات بين الدولة والمواطن، أو الفقر، أو التهميش، أو عدم الاستقرار السياسي. فسوء الإدارة يجعل المناطق الساحلية عرضة للجرائم البحرية مثل: القرصنة في الصومال، والاتجار بالمخدرات والأسلحة، والاتجار بالبشر والتهريب، والإرهاب في كينيا وتنزانيا وموزمبيق. 

ووفقاً للدراسة، فإن دور الدولة في السواحل الكينية ضعيف؛ إذ تقل وسائل السيطرة في تلك المناطق التي غالباً ما تتميز بسيطرة العصابات واقتصادات الظل والفساد والصراعات المحلية. وتفتح هذه السياقات فرصاً أمام السكان المحليين للمشاركة مع الجماعات المتطرفة، كوسيلة للانتقام أو محاربة الدولة. كما يُنظر إلى الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون على أنهم الجناة الرئيسيون في تدهور العلاقات بين الشرطة والمجتمع. ومع تزايد الحاجة إلى الرشاوى، يزداد الفساد في سياق يحتاج فيه السكان المحليون إلى إيجاد طرق للتحايل على القوانين والانخراط في أنشطة غير مشروعة؛ مما يمهد في كثير من الأحيان الطريق أمام العصابات الإجرامية للعمل في المناطق المحلية.

ختاماً، فإن العلاقة بين الإرهاب والجريمة غير مرئية على المستويات العليا بسبب قلة البيانات أو صعوبة فهم تعقيدات التشابك بين المجالين. مع ذلك، فإن مشاركة الشباب في الجريمة والتطرف العنيف على المستويات الدنيا واضحة للغاية. وتفتقر البيانات البحثية إلى الأدلة التي تشير إلى أن قيادات الجماعات الإرهابية متورطة في شبكات الجريمة، لكن يرجح أن تكون هذه القيادات متورطة هي الأخرى على غرار المستويات الدنيا. لذلك؛ هناك حاجة إلى فهم أعمق لأسلوب العمل المعقد لمختلف المنظمات الإجرامية في شرق إفريقيا؛ بحيث تتضمن المعرفة السياقية والظرفية عبر الزمان والمكان وديناميكيات التنقل وارتباطاتها بالعوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية المحلية. 

وعلى الرغم من أن الجرائم البحرية المختلفة تكتسب تدخلات متباينة عبر الأطر الإقليمية؛ إذ كانت القرصنة مثلاً محوراً لأطر قانونية إقليمية ودولية أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنه لا توجد جهود مماثلة فيما يتعلق بالإرهاب البحري. وفي كثير من الأحيان، تتعارض الجهود الإقليمية في مجال الأمن الجماعي ضد الجرائم البحرية والإرهاب مع قضايا السيادة والحدود الوطنية للدولة.

المصدر:

Fathima Azmiya Badurdeen, “Cross-border Dynamics in Terrorist Mobility and Infiltration along the East African Coastlines”, Ifri, March 2024.