المأزق الانتخابي:

هل يمكن أن تصبح هاريس مُرشحة الحزب الديمقراطي؟

18 March 2024


يشعر الديمقراطيون بالذعر والقلق الشديد حول تقدم عمر الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتردي ظروفه الصحية، وهما عاملان زادا الشكوك حول مدى قدرته على قيادة الحزب الديمقراطي في السباق الانتخابي مما يمكنه من البقاء لمدة أربع سنوات أخرى في المكتب البيضاوي. وعليه؛ يدرس الديمقراطيون حالياً كل الاحتمالات الممكنة لمنع خسارة محتملة كبيرة للحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية إذا واصل بايدن الترشح.

اللافت للانتباه هو تردد اسم كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً كمرشحة للحزب الديمقراطي إذا تولت منصب الرئاسة الأمريكية قبل انتهاء فترة ولاية بايدن الأولى في ظل عجزه عن ممارسة نشاطه الرئاسي ومتابعة ملفات شؤون الحكم، إلا أن تلك المسألة تثير العديد من التساؤلات حول مدى قانونيتها وإمكانية تحقيقها في ظل الفرص أو التحديات التي تواجه هاريس.  

مخاوف مُتزايدة: 

ثمّة أسباب طارئة دفعت الديمقراطيين في هذا التوقيت نحو مزيد من القلق جراء استمرار الرئيس جو بايدن مرشحاً للحزب الديمقراطي: 

1. التشكيك في قدرة الرئيس العقلية: أثار تقرير المحقق الخاص روبرت هور، والذي صدر في 8 فبراير 2024، بشأن التحقيق في قضية احتفاظ الرئيس الأمريكي جو بايدن بوثائق سرية، الكثير من الشكوك فيما يتعلق بذاكرة الرئيس الأمريكي جو بايدن، البالغ من العمر 81 عاماً؛ إذ أشار التقرير إلى أن ذاكرة الرئيس تعاني من قصور واضح، واصفاً إيّاه بأنه "رجل مُسن ذو ذاكرة ضعيفة"، لديه معاناة في تذكر الأحداث، لدرجة أنه لا يذكر متى توفى نجله أو بعض الأحداث المتعلقة بأفغانستان خلاله توليه منصب نائب الرئيس باراك أوباما. 

وعلى الرغم من إدانة بعض الديمقراطيين لهذا التقرير، فإن معارضة روبرت هور لمحاكمة بايدن في توصيات التقرير، وكذلك سمعته المشهود لها بالعدالة والنزاهة والإنصاف وعدم التسيس، دلالات تعكس صدق وصحة معطياته، إلا أن الوصف اللاذع لبايدن جعل التقرير غير مقبول سياسياً لدى الديمقراطيين، الذين كانوا يمنون أنفسهم بأن تقدم عمر بايدن وحالته الصحية مسائل لن تعوقه عن ترشحه للانتخابات الرئاسية. وبوجه عام، يرى 73% من الناخبين الأمريكيين أن بايدن كبير في السن، ولا يُفضل ترشحه من قبل الحزب الديمقراطي لإعادة انتخابه.

2. تراجع شعبية بايدن على نحو غير مسبوق: تراجعت شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى 38%، وهو أدنى مستوى لها منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت ذاته، تتفق أغلبية استطلاعات الرأي الأمريكية خلال الآونة الأخيرة على تقدم نسب تأييد ترامب بين أوساط الناخبين على حساب بايدن؛ فبينما حصل الأخير في أحدث استطلاع لصحيفة "وول ستريت جورنال"، نُشر في 6 مارس 2024، على نسبه تأييد بلغت 45%، حصل ترامب على نسبة تأييد 47%، وبالتوازي مع ذلك، جاء استطلاع صحيفة "نيويورك تايمز" بنتائج مُشابهة، وهي جميعها مؤشرات تزعج الديمقراطيين من عدم قدرة بايدن على جذب الناخبين إليه، الأمر الذي سيمنح مُنافسه ترامب فرصة ذهبية للعودة إلى البيت الأبيض. 

3. مزيد من الوقت الضائع: ينزعج بعض الديمقراطيين من أن بايدن لم يشر إلى أنه سينسحب من السباق الانتخابي في أي وقت قريب، بل على العكس، فإن نتائج الانتخابات التمهيدية ليوم الثلاثاء الكبير في 5 مارس 2024، كانت إيجابية بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي ضمن ترشحه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية مرة أخرى؛ إذ فاز في كل الولايات، ولم يواجه أية عقبة أمام منافسيه الاثنين، دين فيليبس والكاتبة مريان وليامسون، في ولاية مينيسوتا. 

وبوجه عام، يرى مراقبون أنه بعد إجراء الانتخابات التمهيدية يوم الثلاثاء الكبير؛ إذ تم اختيار ثلث المندوبين الديمقراطيين، لم يُعد هناك أي وقت لتقدم مرشحين آخرين لخوض الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، لأن المواعيد النهائية انقضت بالفعل لأكثر من 30 ولاية تمنح نحو ثلثي المندوبين الذين يصوتون في المؤتمر الوطني، المزمع انعقاده في أغسطس 2024، لاختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية.

تحديات قائمة: 

يُنظر إلى نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس باعتبارها "الوريث الطبيعي" للرئيس جو بايدن في الحكم، ولاسيما وأنها أكّدت استعدادها للقيام بمهام رئيس الولايات المتحدة، وذلك عندما أجابت عن سؤال أحد مراسلي صحيفة "وول ستريت جورنال" في منتصف فبراير 2024 حول مخاوف الناخبين المتعلقة بعمر الرئيس بايدن، وهي إشارة تعكس احتمالية أن تكون هاريس مرشحة للحزب الديمقراطي في حالة تقاعد بايدن خلال عام 2024.

ولا شك في أنه عندما يكون الرئيس غير قادر على القيام بواجباته لأسباب مثل: المرض أو الاستقالة أو الوفاة، فإنه من الممكن أن يتولى نائب الرئيس منصب الرئاسة بالنيابة، ويُسند إليه الإشراف على السلطة التنفيذية، واتخاذ القرارات نيابة عن الرئيس في إدارة البلاد، وتنفيذ القوانين. وعلى الرغم من أن هذه المهام تُشكل دافعاً لجعل نائب الرئيس الأجدر من حيث إمكانية الترشح، فإن الطريق ليس يسيراً سواء أكان لأي نائب رئيس يريد الترشح كبديل عن رئيسه أم إذا كان في موقف كامالا هاريس على وجه التحديد، وذلك للأسباب التالية: 

1. عملية الترشح غير تلقائية: بحسب الدستور الأمريكي، فإن نائب الرئيس لا يصبح تلقائياً المرشح الرئاسي لحزبه في الانتخابات المقبلة إذا تولى منصب الرئاسة بالنيابة، ويتعين على الحزب إجراء عملية الترشيح إذا كان أعضاؤه يرغبون بدفعه مرشحاً للانتخابات الرئاسية، وعلى هذا النحو، فإن العامل الرئيس الذي من شأنه أن يضمن دخول هاريس السباق الانتخابي هو حدوث توافق بين أعضاء حزبها على ترشحيها. 

وبالتالي، فإن المسألة ليست تلقائية ويسيرة، بقدر ما تحتاج إلى رأس مال سياسي يُمكّن النائب من الحصول على تأييد من قبل أعضاء حزبه. وجدير بالذكر أنه بعد أقل من عام من تولية هاريس منصب نائب الرئيس، قال أكثر من عشرة مسؤولين ديمقراطيين - بعضهم كان مرتبطاً بمرشحين محتملين- إن هاريس لا تخيف حالياً أي معارضين محتملين. 

2. تقدير مُتواضع لمنصب نائب الرئيس: على الرغم من أن نائب الرئيس هو ثاني أعلى مسؤول في السلطة التنفيذية للحكومة الفدرالية الأمريكية، وبمجرد عدم قدرة الرئيس على القيام بواجباته، يمكن له أن يتولى بالنيابة قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن النظرة تجاه هذا المنصب لا يمكن أن تُقارن مع منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وينعكس ذلك في أنه حتى عام 1965، لم يكن هناك أي نص دستوري لملء هذا المنصب في حال شغوره، ونتيجة لذلك؛ كان يظل المنصب شاغراً حتى يتم ملؤه خلال الانتخابات التالية والتنصيب؛ لدرجة أن البلاد ظلت من دون نائب رئيس لمدة إجمالية تراكمية قدرها 37 عاماً.

وبالتوازي مع ذلك؛ ينظر بعض الأمريكيين إلى هذا المنصب على أنه ذو مهام متواضعة، وبالتالي، لم يُشكل تبوؤ هذا المنصب دافعاً للناخبين لاختيار مرشحين كانوا يتقلدون هذا المنصب، ومن أبرز الأمثلة التاريخية على ذلك؛ ترشح نائب تيدي روزفلت، تشارلز فيربانكس، ونائب وودرو ويلسون، توماس مارشال، لمنصب الرئيس دون مباركة أسلافهما، وهو الأمر الذي دفعهما للخروج من الحياة السياسية بشكل عام. والأسوأ من ذلك هو ما حدث مع جون نانس غارنر، نائب روزفلت، والذي خاض الانتخابات التمهيدية ضد رئيسه، والتي عرضته لهزيمة ساحقة في المؤتمر الديمقراطي عام 1940.

3. شعبية مُتراجعة: يرى مراقبون أن فرصة هاريس واقعياً تكاد تكون معدومة أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ويستند هؤلاء في ذلك إلى استطلاعات الرأي التي ظهرت منذ عامها الأول بعد تقلدها المنصب؛ إذ تبين أن نسبة القبول الشعبي لهاريس بلغت 28% وفقاً لمسح أجرته صحيفة "يو أس أيه توداي" في نوفمبر 2021، مما يجعلها واحدة من أقل نواب الرئيس شعبية في تاريخ البلاد الحديث، لتكون أقل من ديك تشيني، مهندس حرب العراق، والذي كان محط كره الديمقراطيين آنذاك. 

وفي أحدث استطلاع للرأي أجرته شبكة "أن بي سي نيوز" نهاية يناير 2024، وتم نشره في 7 فبراير 2024، تبين أن 53% من الناخبين الأمريكيين لديهم وجهات نظر "سلبية" عن هاريس، وهو انخفاض بمقدار أربع نقاط مئوية منذ يونيو 2023.

4. أزمة العنصرية الذكورية: على الرغم من أن العديد من الأمريكيين يؤكدون أن انتخاب باراك أوباما في عام 2008، وإعادة انتخابه في عام 2012 كان دليلاً على أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت في مرحلة "ما بعد العنصرية"، فإن مقتل جورج فلويد في عام 2020، والانتقادات التي توجه إلى هاريس داخل الحزب الديمقراطي تُنذر بأن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت بعيدة عن مرحلة ما بعد العنصرية. 

وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن الخطاب السياسي المتصاعد بين بعض السياسيين البيض في الحزب الديمقراطي بشأن ضرورة إقناع الرئيس بايدن بالانسحاب من حملة 2024، أو على أقل تقدير، ضرورة قيامه بتغيير نائبته ليحل محلها رجل أبيض مثل: حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم، أو حتى امرأة بيضاء، مثل حاكمة ميشيغان غريتشن ويتمير، ما هو إلا حملة عنصرية وذكورية ضد هاريس، والتي يرى الديمقراطيون الذكور البيض أنها غير صالحة لإدارة البلاد، ولاسيما في ظل خلافاتهم معها بشأن دفاعها عن قضايا "مجتمع الميم"، ومزاعمهم بأنها "شخصية خفيفة ومثيرة للاشمئزاز".

وتُشير التقديرات إلى أن المقومات التي تتمتع بها هاريس تزعج بعض المحافظين البيض سواء أكانوا من الجمهوريين أم الديمقراطيين، فهؤلاء يخشون من نظرية استبدال الرجل الأبيض، ومن المركز الفريد الذي وصلت إليه هاريس كونها أول نائبة للرئيس ذات خلفية عرقية مختلطة؛ لأم مهاجرة هندية وأب مهاجر من جامايكا؛ ومن ثم، تُعد أو نائب رئيس أمريكي أسود وأول نائب رئيس أمريكي آسيوي. 

فرص دافعة:

على الرغم من وجود التحديات، فإن الفرص ما زالت موجودة أمام كامالا هاريس، ولكن استغلالها يتطلب مزيداً من الجهد لإمكانية دخولها السباق الانتخابي، وتتمثل تلك الفرص في: 

1. التجسيد الحقيقي للتنوع الثقافي: لا شك في أن هاريس تُعد التجسيد الحقيقي لما يطمح إليه الحزب الديمقراطي، وهو الارتقاء بمبادئ التنوع الثقافي وقبول المهاجرين والجماعات المُهمّشة؛ ونظراً لأنها امرأة من أصل هندي وجامايكي، ارتقت أعلى السلالم الوظيفية، بداية من كونها كانت مدعياً عاماً في مدينة سان فرانسيسكو، مروراً بعضويتها في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، وصولاً إلى تبوئها منصب نائب الرئيس، وبالتالي؛ فإنه يتعين على الحزب الديمقراطي توظيف تلك المقومات لجذب مزيد من الناخبين الملونين، كونها مرشحة تعبر عن حقوق الأقليات والمهمشين داخل المجتمع الأمريكي.

2. الأجدر على التواصل مع جيل الشباب: يرى المراقبون أن فئة الشباب ستكون محورية في الانتخابات القادمة، وخاصة أن الرئيس جو بايدن، فاز في انتخابات 2020 بسبب حصوله على دعم 60% من الناخبين تحت سن 30 عاماً، وبالتالي، فإنه من المهم المحافظة على هذه الفئة لتحقيق النصر في عام 2024، ولذلك، تبدو هاريس الأجدر على تكثيف التواصل مع "جيل Z" على جبهات مختلفة، وهو ما انعكس في قيامها بجولات جامعية في ثماني ولايات تحت مبادرة أطلقتها بعنوان "الكفاح من أجل حريتنا" لحشد الطلاب الأمريكيين حول مسألة الحريات الإنجابية.

3. خبرة سياسية واسعة: لا يمكن اختزال إنجازات هاريس في كونها أول امرأة من أصل أفرو-آسيوي تتولى هذا المنصب فحسب، ولكنها في الحقيقة تتمتع بخبرة كبيرة سواء في الداخل الأمريكي أم خارجه، فعلى الصعيد الداخلي، تُعد هاريس المسؤول الأمريكي الأكثر دراية بملف الهجرة وأمن الحدود الجنوبية، كما أنها لديها خبرة تشريعية طويلة لأنها كانت عضواً في مجلس الشيوخ.

وعلى الصعيد الخارجي، فإنه من المؤكد أن تكون هاريس قد اكتسبت خبرات سياسية واسعة خلال جولاتها الخارجية، والتي شملت دولاً إفريقية مثل: غانا وتنزانيا وزامبيا، فضلاً عن غواتيمالا والمكسيك في أمريكا الوسطى، علاوة على زيارتها إلى فرنسا بعد أزمة صفقة الغواصات النووية، وكذلك جولتها الآسيوية إلى فيتنام وسنغافورة في عام 2021. وبالتوازي مع ذلك، يرى مراقبون أن هاريس ربما تكون الشخص المناسب لحفظ ماء وجه الحزب الديمقراطي بعد استياء العديد من الناخبين، وبصفة خاصة الشباب من الدعم المطلق الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى.

وفي التقدير، يمكن القول إن الحزب الديمقراطي بات أمام مأزق حقيقي؛ إذ تعكس كل المؤشرات صعوبة السيناريوهات التي تواجهه خلال الأشهر القليلة المقبلة، فإما أن يرضى باستمرار جو بايدن الذي لا يتفهم مخاوف الأمريكيين بشأن حالته الصحية وتقدم عمره، أو يقبل بدوامة أزمة المرشح البديل، والتي ستجعل المؤتمر الوطني الديمقراطي في حالة يُرثى لها من الفوضى، مع تغييب كامل لأية ترجيحات لإفراز مرشح قوي يقف أمام دونالد ترامب، أو عليه أن يعيد اكتشاف كامالا هاريس في أسرع وقت ممكن لإنقاذ حزبها من الانهيار، إلا أن الشرط الوحيد هو أن يؤمن الديمقراطيون بقدرات هاريس، ليطلقوها إلى عنان المنافسة ضد دونالد ترامب.