مخرجات تاريخية:

كيف حققت الإمارات اختراقات مناخية كبرى في "كوب28"؟

25 December 2023


أُسدل الستار على النسخة الثامنة والعشرين من فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب28"، والذي نجح في تحقيق جملة من الإنجازات على صعيد العمل المناخي. إذ جاءت مخرجات المؤتمر وما تم التوافق بشأنه، خاصةً تبني أول اتفاق تاريخي يحثُّ الدول على الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، لتنقل العمل المناخي إلى مرحلة جديدة وفارقة سيختلف ما بعدها عما كان قبلها. تُضاف إلى ذلك، المكاسب العديدة التي حققتها دولة الإمارات من استضافتها للمؤتمر. 

نجاحات "كوب28":

حقق مؤتمر "كوب28" نجاحات في مسار العمل المناخي، من شأنها أن تسهم في مواجهة تبعات التغير المناخي وغضب الطبيعة، وذلك على النحو الآتي:  

1- التوجه نحو التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري: أقر المشاركون في قمة "كوب28" الاتفاق الأساسي للقمة، المعروف باسم "اتفاق الإمارات"، بالتوافق ومن دون أي اعتراض من بين نحو 200 دولة كانت حاضرة في الجلسة الختامية للمؤتمر. ودعا الاتفاق إلى "التحول في اتجاه التخلي عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، عبر تسريع العمل في هذا العقد الحاسم، من أجل تحقيق الحياد الكربوني في عام 2050 وفقاً لما يوصي به العلم". 

2- مبادرات وتعهدات عديدة: أثبتت مخرجات "كوب28" أن دولة الإمارات كانت عازمة على تحقيق إنجاز كبير يصب في صالح الطبيعة ويرتقي بالسياسات والإجراءات المطلوبة للتعاطي مع التغيرات المناخية لمربع أكثر تقدماً عبر الإعلان عن عدد من المبادرات والتعهدات التي من شأنها أن تخدم الطبيعة. ومن بينها، على سبيل المثال، تعهد 118 دولة في "كوب28" بمضاعفة قدرة العالم على إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، واتفاق 50 شركة للنفط والغاز على خفض انبعاثات غاز الميثان، فضلاً عن تأكيد التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، وغيرها من المبادرات التي تُعد انحيازاً مباشراً للطبيعة والأهداف العالمية المرتبطة بالمناخ. وهذا ما أكده جون كيري، المبعوث الأمريكي الخاص للمناخ، إذ رأى أن "اتفاق الإمارات" يُعد أقوى نداء بشأن تحقيق هدف الحفاظ على 1.5 درجة مئوية. 

من ناحية أخرى، شكّل التقييم العالمي للتقدم المُحرز في اتفاق باريس قيمة مضافة لقمة دبي، خاصةً أنه يحدث للمرة الأولى، كما أنه يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته. وعليه يُنظر للتقييم كإحدى النتائج المركزية والإنجازات الكبرى لـ"كوب28"، إذ إنه يشجع الأطراف الدولية على تطوير خطط العمل المناخي، لتفادي "لعنة المناخ" وبما يصب في صالح الأهداف الرئيسية لاتفاق باريس.

3- تفعيل صندوق الخسائر والأضرار: تُعد عملية التكيف مع التغيرات المناخية واحدة من النقاط الجوهرية التي سعى "كوب28" للدفع بها في مسار أكثر تطوراً، وهو ما ظهر من خلال الإعلان في أول أيام القمة عن تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، وهي المرة الأولى في تاريخ مؤتمر المناخ التي يتم فيها اتخاذ قرار مؤثر في يومه الأول. ويُعد تفعيل هذا الصندوق خطوة إيجابية من بين النجاحات الكبرى التي حققتها دولة الإمارات، إذ حولت المقترح الذي تمت صياغته في "كوب27" بشرم الشيخ إلى حقيقة وواقع ملموس. ونجح صندوق الخسائر والأضرار في جمع أكثر من 700 مليون دولار، وبالرغم من الحاجة لمزيد من التعهدات، فإن تفعيل الصندوق يُعد خطوة إيجابية لدعم وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، خاصةً في الدول الأكثر تعرضاً لتأثيرات المناخ، الأمر الذي قد يساعدها على الصمود وتجاوز حالة الهشاشة التي يمكن أن تفرضها التغيرات المناخية على تلك المجتمعات.

4- تعزيز مخصصات التمويل المناخي: كان إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، والذي صُمم لسد فجوة التمويل المناخي، والعمل على تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030؛ من بين الخطوات الناجزة والمحورية خلال "كوب28"، خاصةً أنه سيعمل على تعزيز الجهود الدولية لتوفير تمويل أكثر عدالة للمناخ. الأمر الذي يمكن أن يزيد من فعالية التعامل مع التهديدات أو التحديات المرتبطة بالبيئة والمناخ.

5- الاهتمام بالمخاطر الأمنية للمناخ: ظلت فكرة الأمن المناخي أو الأبعاد الأمنية للتغيرات المناخية غائبة بصورة واضحة بالرغم من أهميتها خلال النسخ الماضية من مؤتمر المناخ، بيد أن الإمارات نجحت في إعادة الاعتبار مرة أخرى لتلك القضية، إذ أولت اهتماماً ملحوظاً بطبيعة العلاقة بين المناخ والسلام والأمن، وعملت على وضع الأمن المناخي على أجندة المجتمع الدولي، من خلال مجموعة من الإجراءات. فخلال رئاسة الإمارات لمجلس الأمن في يونيو 2023، عُقدت جلسة رفيعة المستوى لبحث العلاقة بين تغير المناخ والتهديدات التي تواجه السلم والأمن الدوليين. كما خُصصت جلسة خلال "كوب28" لأول مرة حول هذا الموضوع، وانتهت بإعلان "كوب28 بشأن المناخ والإغاثة والتعافي والسلام"، والذي يُعد إنجازاً وانحيازاً واضحاً لمعالجة المخاطر الأمنية للتغيرات المناخية، خاصةً بعدما وقعت 70 دولة و39 مؤسسة على الإعلان، ما يُعد التزاماً جماعياً بتعزيز المرونة المناخية في الدول والمجتمعات الأكثر عُرضة للصراعات وتداعيات تغير المناخ.

مكاسب إماراتية:

ثمة عدد من المكاسب التي حققتها دولة الإمارات من استضافتها لمؤتمر "كوب28"، ومنها ما يلي: 

1- تعزيز المكانة الدولية للإمارات: كانت استضافة "كوب28" ترجمة حقيقية للدور الذي تؤديه دولة الإمارات على الصعيدين الإقليمي والعالمي، ومكانتها المحورية في السياسة الدولية، إذ نجحت الدولة خلال السنوات الماضية في حيازة ثقة العالم في قدرتها على صناعة الأحداث الكبرى، وأداء دور مؤثر في العديد من الأحداث الإقليمية والدولية. وعليه جاء اختيار الإمارات لاستضافة هذه النسخة من مؤتمر المناخ، ليؤكد تعزيز مكانتها، كما أن مخرجات القمة ونتائجها قد ضاعفت من ثقة المجتمع الدولي في الإمارات. وعليه فقد عززت القمة من دور الإمارات المؤثر في القضايا الدولية والشائكة، بعدما أصبح التعاطي مع تبعات تغير المناخ في قمة أولويات وأجندة المجتمع الدولي. وبالتالي فإن قدرة الإمارات على إحداث هذا التأثير والتحول النوعي في مسار العمل المناخي، تزيد من رصيدها وتضاعف من نفوذها الخارجي باعتبارها فاعلاً رئيسياً في القضايا المحورية والمؤثرة التي تشغل اهتمام المجتمع الدولي.

2- نجاح الرهانات الإماراتية: أكدت النتائج النهائية ومخرجات "كوب28" نجاح دولة الإمارات في اختيار معالي الدكتور سلطان الجابر لرئاسة "كوب28"، وهو ما بدا من خلال تحركاته، سواءً في المراحل السابقة لعقد القمة أو عبر مساعيه لإيجاد مساحة مشتركة بين الأطراف المشاركة، والعمل على إقناعها بالتحلي بالمرونة والإيجابية وبحث الحلول الوسط، وهي الجهود التي قادت في نهاية الأمر إلى وجود إجماع دولي حول مخرجات المؤتمر.

من ناحية أخرى، تشير الوثيقة النهائية وما تضمنته إلى أن دولة الإمارات ورئاسة المؤتمر قد وضعت المصلحة الجماعية فوق أي مصالح ضيقة أو شخصية، خاصةً أنها راهنت منذ البداية على تضمين الوقود الأحفوري في مخرجات القمة، وهو ما يُشير إلى نهج الإمارات في تعاطيها مع القضايا الدولية والتي تنحاز فيها للقرارات أو السياسات التي من شأنها أن تحفظ أمن واستقرار المجتمع الدولي.

3- حصد ثمار الدبلوماسية النشطة: تمكنت دولة الإمارات من إدارة العملية التفاوضية بين مختلف الأطراف المشاركة في "كوب28" بدرجة كبيرة من الدبلوماسية، ولعل نجاحها في خلق توافق حول مستقبل الوقود الأحفوري دليل واضح على نجاح الجهود الدبلوماسية النشطة للإمارات في الوصول بالمجتمع الدولي إلى لحظة من التوافق والاتفاق على ملف كان مثاراً للجدل والاستقطاب لنحو ثلاثة عقود. فمنذ انعقاد القمة الأولى للمناخ عام 1995، لم تتم الإشارة صراحة إلى الوقود الأحفوري في أي من النسخ الــ27 السابقة، إلا أن موافقة ما يقرب من 200 دولة على التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري تُعبر عن نقلة نوعية كبيرة في مسار العمل المناخي، وتبعث برسائل مباشرة للاقتصاد العالمي بأن الحكومات عازمة على تقليص استخدام الوقود الأحفوري تدريجياً مستقبلاً، كما تؤكد قدرة الدبلوماسية الإماراتية على تحقيق اختراقات كبرى في إقناع الجماعة الدولية بتقديم تعهدات حاسمة للتعامل مع قضايا المناخ.

في الأخير، استطاع مؤتمر "كوب28" أن يُمهد الطريق أمام المجتمع الدولي لتحقيق تحولات سريعة وحاسمة في مسار العمل المناخي، إذ تتماشى القرارات التي أفرزتها القمة مع التحديات المناخية الكبيرة التي يمر بها العالم. وتضع تلك المخرجات المجتمع الدولي أمام مسؤولية جماعية كبيرة فيما يتعلق بالعمل على الحد من التأثيرات العنيفة للتغير المناخي. كما تبقى عملية دمج الأهداف العامة ومخرجات القمة في خطط التنمية والعمل المناخي للدول الوطنية ضرورية لإنقاذ العالم والطبيعة من تداعيات التغيرات المناخية.