دبلوماسية التجاهل!

فرص نجاح الاتحاد الأوروبي في توسيع انخراطه في الأزمة السودانية

02 August 2023


يسعى الاتحاد الأوروبي حالياً لتعزيز دوره في الأزمة السودانية خلال الفترة المقبلة، وهو ما انعكس في استقبال بروكسل لوفد من القيادات السياسية السودانية، في 27 يوليو 2023، في محاولة لإيجاد دور أوروبي فاعل في جهود تسوية الأزمة السودانية.

تحركات بروكسل:

شهدت الآونة الأخيرة تحركات أوروبية لتعزيز الدور الأوروبي في الأزمة السودانية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- زيارة وفد سوداني لبروكسل: وصل وفد سياسي سوداني رفيع، يضم قيادات من "قوى الحرية والتغيير" وممثلين عن عدة أحزاب سياسية وحركات مسلحة وقوى المجتمع المدني، إلى بروكسل، في 27 يوليو 2023، بناءً على دعوة من الاتحاد الأوروبي، لإجراء مشاورات حول كيفية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو ما عكس أحد ملامح التوجهات الأوروبية الراهنة التي تستهدف تعزيز نفوذ أوروبا في الملف السوداني والحفاظ على مصالحها هناك.

2- عقوبات أوروبية جديدة: يعمل الاتحاد الأوروبي حالياً على وضع إطار جديد للعقوبات على الجهات الفاعلة في الصراع السوداني، بما يتضمن حظر السفر وتجميد الأصول والحسابات المصرفية لهذه الأطراف. ويتوقع الانتهاء منه بحلول سبتمبر 2023، ليتم بعد ذلك إعداد قائمة بالأفراد والشركات الذين سيتم فرض العقوبات عليهم، وهو ما يعكس القلق المتزايد لدى الدول الأوروبية من تداعيات استمرار الصراع بين قوات الجيش والدعم السريع.

وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض، في السابق، عقوبات على أفراد وكيانات مرتبطة بمجموعة "فاغنر" الروسية ونشاطها في إفريقيا، بما في ذلك السودان، بيد أن الإطار الجديد للعقوبات المرتقب يتوقع أن يستهدف الضغط على طرفي الصراع في السودان، لدفعهما نحو قبول فكرة التسوية السياسية.

3- تخصيص مساعدات إضافية: أعلن الاتحاد الأوروبي تخصيص مساعدات إنسانية إضافية لتشاد، بقيمة 10 ملايين يورو، لمساعدتها في تلبية احتياجات الأشخاص الفارين من القتال في السودان، لتضاف بذلك إلى المساعدات السابقة التي كانت بروكسل قد تعهدت بها بقيمة 7 ملايين يورو للاستجابة للأزمة السودانية، وذلك خلال اجتماعات جنيف في يونيو 2023. 

دلالات مهمة:

تعكس التحركات الأوروبية الراهنة في الأزمة السودانية ومساعي أوروبا لتعزيز انخراطها في جهود تسوية هذا الصراع جملة من الدلالات، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز النفوذ الأوروبي في إفريقيا: هناك عدد من القوى الأوروبية التي لها تطلعات متزايدة لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية بشكل عام، وفي السودان بشكل خاص. وتعمل هذه الدول على توظيف الصراع في الخرطوم لترسيخ نفوذها في الداخل السوداني، في الوقت الذي تتقلص فيه الرهانات الأوروبية على منطقة الساحل، ولاسيما بعد الانقلاب العسكري الأخير في النيجر.

2- محاولة ضبط موجات الهجرة: شكل السودان دوماً أحد أبرز مراكز العبور الرئيسية للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من دول القرن الإفريقي باتجاه أوروبا، لذا كان للخرطوم دور حاسم في سياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة بمكافحة الهجرة غير الشرعية خلال السنوات العشر الأخيرة، خاصةً بعدما تم إطلاق مبادرة طريق هجرة الاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي، في عام 2014 المعروفة باسم "عملية الخرطوم".

وهناك زيادة ملحوظة في وتيرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، كما تثار مخاوف من تضاعف هذه الزيادة بسبب الصراع الجاري في السودان، وهو ما يثير قلق الدول الأوروبية من التدفقات الجديدة المحتملة للمهاجرين خلال الفترة المقبلة.

ويصاحب ذلك وجود مناخ عام معادٍ للمهاجرين في الداخل الأوروبي، وهو ما انعكس في سياسات الهجرة الصارمة التي صارت تتبناها بعض الدول الأوروبية، ولاسيما إيطاليا وبريطانيا. وبناءً عليه، تسعى الدول الأوروبية لتعزيز انخراطها في الصراع السوداني، ومحاولة تسويته، وذلك حتى لا ينعكس الصراع سلباً على قدرة الحكومة السودانية على ضبط حدودها، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.

3- إعادة تفعيل الدور الأوروبي: هناك محاولة من الدبلوماسيين الأوروبيين لإعادة تفعيل الدور الأوروبي السابق في جهود تسوية الصراعات والأزمات الدولية والإقليمية، حيث ألمحت هذه التقارير إلى أن بروكسل ربما تعمل على طرح مسار آخر بديل يستهدف التوصل لتسوية ووقف القتال الجاري في الخرطوم بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، بيد أن هذه المساعي ربما تصطدم فعلياً بضعف الأدوات التي تمتلكها أوروبا للضغط على طرفي الصراع، وهو ما سيحد كثيراً من فاعليتها.

محدودية الدور الأوروبي:

نشرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية تقريراً، مطلع يوليو 2023، انتقدت خلاله محدودية الدور الأوروبي في الصراع الجاري في السودان، معتبرة أن بروكسل تمارس استراتيجية "التجاهل" إزاء هذه الأزمة، وهو ما ينعكس أيضاً في عدم الاهتمام الإعلامي الغربي بتغطية الصراع الجاري في الخرطوم، على الرغم من ارتداداته المحتملة على دول الاتحاد الأوروبي. وربما تعزى محدودية هذا الدور في الأزمة السودانية إلى عدة أسباب رئيسية يمكن عرضها على النحو التالي:

1- المصالح الأوروبية المتضاربة: هناك غياب لاستراتيجية أوروبية مشتركة وواضحة إزاء التعامل مع القارة الإفريقية، بما في ذلك الصراع الجاري في السودان، في ظل المصالح المتداخلة، والمتضاربة أحياناً، للدول الأوروبية، ولاسيما فرنسا وإيطاليا، حيث تسعى كل دولة بشكل منفرد لتعزيز نفوذها في القارة، مما يؤثر بشكل كبير في فاعلية الدور الأوروبي في إفريقيا.

2- الانشغال الأوروبي بالأزمات الداخلية: شهدت السنوات الأخيرة انكفاءً أوروبياً ملحوظاً على الأزمات الداخلية التي تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي، بداية من أزمة "كورونا" وصولاً للحرب الروسية الأوكرانية، حيث صارت أولوية السياسة الأوروبية منصبة بالأساس على الأزمات الداخلية مقابل تراجع الاهتمام بالسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تقويض فاعلية الدور الخارجي الأوروبي، وهو ما تجلى بشكل بارز في الأزمة السودانية، حيث ركزت السياسة الأوروبية، حتى الآن، على إدانة الانتهاكات التي تمخضت عن الصراع، ومحاولة تقديم المساعدات الإنسانية للضحايا والنازحين.

3- تصاعد التنافس الدولي: شكل تصاعد حدة التنافس الدولي في إفريقيا، ولاسيما الانخراط الروسي والصيني المتزايد في القارة الإفريقية، تحدياً كبيراً أمام استمرارية النفوذ الأوروبي هناك، وهو ما انعكس بشكل واضح في الانتكاسات المتتالية للحضور الفرنسي في الساحل وغرب إفريقيا، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الرفض الداخلي في دول القارة لاستمرار النفوذ الغربي، خاصة الفرنسي، هناك. ولا تشكل حالة السودان نموذجاً مغايراً، بل على العكس يتسم الصراع السوداني بتعقد شبكة الفواعل الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة، وهو ما يُمثل تحدياً أمام أي دور أوروبي محتمل.

انعكاسات محتملة:

في إطار المتغيرات السابقة، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تطرأ على الدور الأوروبي في السودان خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- مزيد من التحركات الأوروبية: قد تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التحركات الأوروبية تجاه الأزمة السودانية، وصولاً إلى إمكانية طرح بروكسل مبادرة جديدة لتسوية الصراع، لكن يبدو أن التحركات الأوروبية تركز بالأساس على المكون السياسي في السودان، مقابل التحركات الأمريكية التي تستهدف التوصل لاتفاق بين طرفي الصراع، حيث أشارت تقارير غربية إلى أن المجتمع المدني ولجان المقاومة لا يزالان نشطان على الأرض في الداخل السوداني، ناهيك عن الدور الذي يقوم به زعماء القبائل للحيلولة دون تحول الصراع إلى نزاع قبلي.

وبناءً عليه، لا تبدو التحركات الأوروبية في السودان متضاربة مع المساعي الأمريكية للتوصل لاتفاق بين قوات الجيش والدعم السريع، حيث تعتمد المبادرة الأوروبية على قدرة واشنطن على التوصل لاتفاق بين طرفي الصراع ينهي القتال كمرحلة أولى، ومن ثم طرح إطار جديد لتشكيل حكومة مدنية في البلاد.

2- استراتيجية أوروبية شاملة: ذهبت تقديرات إلى ترجيح احتمالية أن تعمد بعض القوى الأوروبية إلى محاولة صياغة استراتيجية أوروبية شاملة إزاء منطقة الساحل الإفريقي، بما في ذلك السودان، في ظل التراجع المطرد والمستمر للنفوذ الأوروبي في المنطقة. ويتوقع أن تدفع فرنسا باتجاه تبني هذه الاستراتيجية، خاصةً في ظل وجود عدة تقارير غربية لم تستبعد احتمالية أن تعمد باريس للانخراط عسكرياً في النيجر بعد الانقلاب العسكري الأخير الذي أطاح بحليف فرنسا، الرئيس محمد بازوم.

وعلى المنوال ذاته، يتوقع أن تتضمن الاستراتيجية الأوروبية الشاملة مزيداً من الآليات التي تستهدف تعزيز الدور الأوروبي في الأزمة السودانية، والانخراط في جهود الوساطة التي تستهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مع فرض مزيد من الضغوط على طرفي الصراع، غير أن هذا الأمر قد يكون صعباً في ظل توجيه أوروبا لمواردها العسكرية لأوكرانيا، فضلاً عن إنفاق بروكسل أموالاً ضخمة لدعمها، اقتصادياً وعسكرياً. 

وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من سعي الاتحاد الأوروبي لأداء دور في الأزمة السودانية خلال الفترة الأخيرة، فإنه لايزال دوراً محدوداً بشكل كبير، إذ تستبعد غالبية التقديرات إمكانية أن تنجح التحركات الأوروبية في تحقيق أي تقدم حقيقي لتسوية الصراع السوداني، ولاسيما في ظل التأثير المحدود للدور الأوروبي في ديناميكيات المشهد الداخلي في الخرطوم، وبالتالي ترجح هذه التقديرات أن يكون الزخم الأوروبي الراهن في السودان مؤقتاً، ما لم يتم تبني استراتيجية أوروبية توافقية وشاملة تجاه إفريقيا بشكل عام، وهو أمر تبدو فرصه محدودة.