:MEGA EVENTS

مكاسب مؤكدة وآثار جانبية متوقعة

09 October 2014


** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الثاني، سبتمبر 2014.

لاتزال استضافة الفعاليات الضخمة (Mega Events) حلماً يداعب الدول النامية، وهدفاً تتنافس عليه، خاصة تلك التي تطمح لأن تكون واحدة من المراكز الرئيسية والمعالم المهمة في العالم؛ إذ تعد استضافة هذه الفعاليات محفزاً لمسار التحضر السريع للدول، لما لها من مردود إيجابي لا يمكن تجاهله، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي الداخلي، أو صورة الدولة بالخارج. فاستضافة الدولة لفعالية ضخمة ينظر لها دولياً باعتبارها علامة على انضمام الدولة لقائمة دول الطراز الأول(1) (club of first-class nations) كما أشار الرئيس البرازيلي لويس إيناسو لولا.

وتشهد الأعوام الحالية زخماً في عدد الفعاليات الضخمة التي تستضيفها دول الشرق والغرب، بدءاً بالبرازيل التي استضافت مباريات كأس العالم، مروراً بإيطاليا التي سوف تستضيف إكسبو 2015، وعودة البرازيل لاستضافة حدث ضخم مجدداً هو دورة الألعاب الأولمبية 2016. والجدير بالذكر دخول بعض الدول العربية في سباق الفعاليات الضخمة والنجاح في إقناع العالم بإمكانية استضافتها، فقد فازت دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة إكسبو 2020، بينما نجحت قطر في الفوز باستضافة كأس العالم 2022.

وتعد الفعاليات الضخمة بمنزلة مناسبات عالمية غير تقليدية على درجة عالية من الأهمية لصانعي السياسات والإدارة والمجتمع بالدولة المستضيفة. وقد وضع عالم الاجتماع البريطاني موريس روش (Maurice Roche) تعريفاً للفعاليات الضخمة، حيث عرفها بأنها: "أحداث قصيرة المدى ذات تأثيرات طويلة المدى على المدن المستضيفة، وتقترن الفعاليات الضخمة بعمليات تطوير شاملة للبنى التحتية ومتطلبات إقامة الفعالية واستضافة الأعداد الضخمة من المشاركين، وفي حالة نجاح الدولة، تنشئ الفعاليات الضخمة هوية جديدة للبلد المستضيف، وصورة ذهنية إيجابية (ثابتة في معظم الأحيان) من خلال التركيز المكثف على البلد في الإعلام الدولي والمحلي بوسائله كافة، وتترتب على ذلك منافع طويلة الأمد على البلد، خاصة فيما يتعلق بالسياحة وإعادة تحديد مواقع الصناعة (Industrial relocation) واستقطاب الاستثمارات"(2).

ولا تقتصر مدة الفعاليات الضخمة على الشهور القليلة التي يستغرقها الحدث ذاته، بل تسبقها سنوات من التخطيط لاتخاذ قرار الدخول في سباق المنافسة، وسنوات أخرى من التحضير لاستضافتها، تلي ذلك فترة التمتع بعوائده (إذا نجحت الدولة). وتتعدد الفعاليات الضخمة من حيث النوع بين فعاليات رياضية واقتصادية وسياسية ودينية، ولعل من أهم الفعاليات الضخمة: دورة الألعاب الأولمبية، ومباريات كأس العالم لكرة القدم ومعرض الإكسبو. ويدخل الحج في بعض التصنيفات باعتباره حدثاً ضخماً(3)، يجتذب ملايين البشر سنوياً، إلا أنه يعد من جانب آخر حالة خاصة، حيث تنتفي عنه السمة التنافسية، فهو بالضرورة حدث سعودي، ولكنه يتشارك مع الفعاليات الضخمة من حيث عوائد المنفعة والقلق من المخاطر.

وبعد أن كانت احتمالات استضافة الفعاليات الضخمة تقتصر على تداولها بين الدول المتقدمة فقط، أصبح للدول الصاعدة والدول النامية مكان للمنافسة، حيث انتقلت بعض الفعاليات للجنوب. وعلى الرغم من قلة التحليلات التي تقيم الفروق بين تجارب الدول النامية والدول الصاعدة في استضافة الفعاليات الضخمة، فإن بعض الدراسات قد أشارت إلى اختلاف دوافع كليهما. ففي الدول المتقدمة تستخدم الفعاليات الضخمة كوسيلة لإعادة إحياء المدن ما بعد الصناعية البائسة، ففي السياق الأمريكي على سبيل المثال، عولت الحكومات المحلية على الفعاليات الضخمة كواحدة من المشروعات الضخمة (mega project) للتنمية الاقتصادية بعد وقف المساعدات الفيدرالية في الثمانينيات من القرن الماضي. أما الدول النامية فتطمح من استضافتها لتلك الفعاليات إلى إعادة تشكيل صورتها الذهنية الدولية لتصبح مكاناً قادراً على استضافة النشاطات السياحية والاستثمارات والأنشطة الثقافية، ومن ثم فهي ترسل للعالم، خاصة المستثمرين والسائحين وصانعي السياحة، رسالة مفادها أنها مكان آمن وقادر على احترام حقوق الإنسان والالتزام بالقوانين التي تصب في صالحه. ويعتبر أول من قام بالترويج للقوانين التي من شأنها توفير بيئة ملائمة لاستضافة الفعاليات وأهميتها لتشكيل الصورة الذهنية أثناءها هي طوكيو في أولمبياد 1964، عندما أطلقت الحكومة اليابانية حملة طويلة المدى لمدة خمسة أعوام سابقة لاستضافة الألعاب الأولمبية لغرس احترام القوانين بين المواطنين. ومع كل تلك المميزات التي تتركها الفعاليات الضخمة على البلد المستضيف، فإن دخول بعض الدول النامية في استضافة فعاليات ضخمة ترك آثاراً مختلفة هذه المرة.

وعلى الرغم من أن الحديث عن الفعاليات الضخمة يأخذ منحى إيجابياً، يركز على الفوائد التي تحققها الدولة المستضيفة في السنوات التالية لاستضافة الحدث، فإن التداعيات السلبية التي تظهر من ناحية أخرى من هذه الفعاليات بدأ الالتفات لها أيضاً، وهو ما دفع لإعادة تقييم تداعيات الفعاليات الضخمة على الدول المستضيفة وجوارها في بعض الأحيان، ولذلك، فإن هناك حاجة لتقييم الإيجابيات والسلبيات، وذلك على النحو التالي:

أولاً: عائدات ضخمة أم مخاطر اقتصادية محتملة

تدفع استضافة الفعاليات الضخمة عجلة التنمية الاقتصادية للدولة المستضيفة بصورة تفوق معدلاتها الطبيعية، حيث تحقق ما يلي:

1 ـ تحسين البنية التحتية: وقد تتغير على أثرها ملامح المدن المستضيفة بصورة فارقة. فغالباً ما تحتاج الدولة المستضيفة إلى بناء عدد كبير من منشآت البنية التحتية واستحداث المنشآت التي يتطلبها الحدث (مثل الملاعب الكبيرة في حالة كأس العالم لكرة القدم)، وتحسين المنشآت السياحية والفنادق ورفع سعتها الاستيعابية لتهيئتها لاستضافة ملايين البشر في وقت واحد. وتعد أكثر القطاعات استفادة من استضافة الفعاليات الضخمة قطاع الإنشاءات والسياحة والإعلام والأغذية والمشروبات والخدمات التجارية وخدمات الأعمال.

2 ـ العائدات المالية الضخمة: فقد أظهرت تقديرات الأكاديمية الصينية للسياحة أن عائدات السياحة من معرض إكسبو العالمي 2010 الذي استضافته شانغهاي تتجاوز 12 مليار دولار أمريكي، حيث استقبل المعرض 70 مليون زائر على مدار 184 يوماً هي مدة إقامة المعرض(4).

ومن ناحية أخرى، تشير حسابات أرباح البرازيل من استضافة كأس العالم 2014 وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة معهد البحوث الاقتصادية البرازيلية، بتكليف من وزارة السياحة بالبرازيل، إلى أرباح تقدر بنحو 13 مليار دولار، غير توفير ما يقرب من مليون فرصة عمل في إطار التحضيرات معظمها فرص عمل دائمة، ومنها 50 ألف فرصة عمل في قطاع السياحة فقط، كما زادت إيرادات حكومات الولايات الفيدرالية والمحلية بنحو 8 مليارات دولار، وذلك من عائدات الضرائب التي تم فرضها على الشركات العاملة في مجال الإنشاءات(5).

3 ـ انتقال الفوائد لقطاعات أخرى: إذ لا تقتصر الانعكاسات الاقتصادية للحدث على بناء الملاعب والمردود السياحي ومقابل بيع التذاكر فقط في حالة كأس العالم، وما إلى ذلك من تبعات مباشرة، فثمة العديد من الأنشطة الجانبية تساهم هي الأخرى في تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلد المضيف. ففي العام الذي تقام فيه الفعاليات، تشهد الدولة المستضيفة ازدياداً ملحوظاً لاستهلاك السكان، وارتفاع معدلات استهلاك المواد الغذائية والسلع والخدمات، مما يدفع عجلة الاقتصاد، فقد شهدت ألمانيا خلال استضافتها كأس العالم عام 2006 طفرة كبيرة في مبيعات الأغذية والمشروبات والمواد التذكارية، إذ ارتفعت المبيعات إلى 2.6 مليار دولار.

4 ـ نقل صورة مبهرة وجذابة عن الأماكن السياحية، حيث يصب كل ذلك في اتجاه تعزيز السياحة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز ثقة المستثمر الأجنبي لنقل نشاطه للبلد(6).

وعلى الرغم من المردود الكبير من استضافة الفعاليات الضخمة، إذ تقدر عائداتها بمليارات الدولارات، فإنه وفقاً لحسابات التكلفة والعائد يطرح المحللون المخاطر التالية:

1 ـ التعثر الاقتصادي بعد استضافة الفاعلية الضخمة في بعض الحالات: فالطفرة التي تشهدها الدولة تكون في بعض الحالات ما هي إلا عائدات مؤقته تنتهي بانتهاء الحدث، ويبقى على الدولة عبء تسديد ديون التكلفة وصيانة المنشآت غير المستخدمة المرتبطة بشكل مباشر بإقامة الفعالية، فتشير بعض الحالات إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الدولة المستضيفة إلى حد معين بعد استضافة الفعاليات الضخمة، حيث عانت بعض الدول التي نظمت الدورات الأولمبية تعثراً اقتصادياً بشكل لافت عقب انتهاء الدورة، ويظل اقتصاد هذه الدول يعاني العديد من المشاكل والعثرات وتدني مستويات النمو إلى أن يسترد عافيته، وهو ما أجمع خبراء الاقتصاد على تسميته "متلازمة التعثر الاقتصادي بعد الأولمبياد"(7).

2 ـ الإخفاق في تحقيق المكاسب المتوقعة: قد تخفق بعض الدول في تحقيق المكاسب المتوقعة من تنظيم الحدث، الأمر الذي يجعل من استضافة الفعاليات الضخمة مخاطرة قد تدفع ثمنها الدولة إذا لم تحسن الترويج والاستعداد الجيد لها، ومن أهم الأمثلة على ذلك كأس العالم لكرة القدم 1994، الذي استضافته الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وضعت اللجنة المعنية توقعات لتحقيق 4 مليارات دولار نتيجة استضافة الحدث، وعلى عكس التوقعات تراجع العائد الحقيقي بعد الاستضافة إلى 712 مليون دولار.

ويعد مردود إخفاق الدول في حسابات التكلفة والعائد أكثر خطورة وحدة في الاقتصادات النامية مثل "جنوب أفريقيا" التي استضافت كأس العالم لكرة القدم 2010، فبانتهاء الحدث ربحت الدولة مكاسب تقدر بـ 505 ملايين دولار من أصل 4.5 مليار دولار تم استثمارها في بناء البنية التحتية وبناء الملاعب، كما أن الوافدين للبلاد لحضور البطولة لم يتجاوزوا 209 آلاف زائر، فيما كانت تتوقع البلاد زيارة 450 ألف مشجع خلال فترة البطولة(8).

خلاصة القول، إن عائدات استضافة الفعاليات الضخمة قد ترهق اقتصاد الدولة في بعض الأحيان وفقاً لحسابات التكلفة والعائد إذا أخفقت في الوصول للأهداف المتوقعة أو توقفت مجهوداتها التنموية بانتهاء الحدث.

 ثانياً: شعور بالفخر أم احتقان الرأي العام

تتعدى الفعاليات الضخمة كونها حدثاً رياضياً أو اقتصادياً لتأخذ معاني أكثر معنوية على مجتمع الدولة المستضيفة، حيث يوفر الحدث زخماً مجتمعياً، ويدخل المجتمع في حالة من التنافس مع المجتمعات الأخرى ويتصاعد شعور جمعي بالانتماء وتمتلئ البيئة العامة بجو من التكاتف حول هدف واحد، وهو فوز الدولة باستضافة الفعالية الضخمة، الأمر الذي يضفي على أفراد المجتمع الشعور بالفخر والتميز، لذا تذهب بعض التحليلات المهتمة بالفعاليات الضخمة إلى القول بارتفاع الشعور بالقومية لدى المجتمعات المتنافسة، ثم ترتكز في البلد المستضيف. ومن ثم فاستضافة الفعاليات الضخمة لا تنحصر في كونها فرصة لتحسين وضع الدولة على المستوى الدولي بين مثيلاتها من الدول الأخرى، ولكنها فرصة أكبر لتحسين الأوضاع الداخلية وتوطيد الاتصال والتفاعل بين الحكومات وشعوبها، وفي بعض الأحيان تعزيز وتمرير بعض السياسات العامة التي توجد على أجندة الدولة، حيث يساعدها الجو العام على الحصول على تأييد الرأي العام، كما سبق وأشرنا إلى الحملة التي نظمتها اليابان لاحترام القوانين بين المواطنين على مدار الأعوام الخمسة السابقة على الأولمبياد، ليس فقط للترويج لصورتها الدولية، ولكن الاستفادة من الحدث على المستوى الداخلي أيضاً.

فعلى الرغم من صفة العولمية التي تتصف بها الفعاليات الضخمة، والتي يفترض أن تنصهر على أثرها القوميات على حساب العولمة، إنما ما يحدث بالفعل أن هذا الحدث العالمي يحفز شعور القومية ويعيد إحياءه وينشطه. فقد أثبتت الفعاليات الضخمة أن العولمة والقومية يمكن أن يوجدا سوياً بالتوازي من دون أن ينفي أحدهما الآخر(9)، ففوز الدولة باستضافة فاعلية ضخمة يستدعي الشعور بالمكانة والانتماء والهوية، وهو الأمر الذي يفتح قنوات اتصال جديدة، مؤقتة في بعض الأحيان، بين الحكومة والشعب لإعادة الثقة أحياناً.

في مقابل هذا الجانب المجتمعي الإيجابي لاستضافة الفعاليات الضخمة، هناك جوانب أخرى سلبية قد تترتب، إذا ما أخفقت الدولة في إقناع شعبها بأهمية وفوائد الاستضافة، وكيفية استفادة المواطن من عائداته، فقد أظهرت حالة الاحتقان المجتمعي التي مرت بها البرازيل على ضوء استضافتها كأس العالم 2014 وجهاً آخر للأحداث الضخمة، حيث أصبحت محفزاً لإثارة الاضطرابات وزيادة الاحتقان لدى قطاع من المجتمع، عوضاً عن كونها أداة لرفع الشعور بالانتماء والشعور بالهوية، حيث رأى البعض أن استضافة الفعاليات الضخمة مثل المونديال رفاهية لا توجد على قائمة أولوياته، في الوقت الذي توجد فيه أولويات أحق بالإنفاق الحكومي، فقد أنفقت البرازيل ما يقرب من 11 مليار دولار(10)، الأمر الذي أثار تحفظ المواطنين ودفعهم لتنظيم الاحتجاجات والمسيرات في الشوارع وأمام المرافق العامة، بل وطالبت بعض الأصوات المحتجة بضرورة مساءلة الحكومة عن الفساد وتبديد أموال الشعب، وتم تشكيل مجموعات مناهضة لاستضافة كأس العالم وتصاعدت الاشتباكات بين الشرطة والمواطنين، الأمر الذي شكك في قدرة البرازيل على إتمام استضافة المونديال في ظل حالة الاحتقان المجتمعي المتصاعدة التي مرت بها البلاد.

ولعل من المفارقات الشديدة أن تحدث تلك الأحداث المضادة لاستضافة المونديال في البرازيل، على الرغم من العلاقة التاريخية التي تجمع هذا البلد بكرة القدم، التي تعد مكوناً أساسياً للصورة الذهنية للبرازيل في العالم، ولعل ما حدث في تجربة البرازيل هو مؤشر على الفجوة الواسعة بين أولويات الحكومة وأولويات المواطن.

ويمكن إرجاع ذلك عموماً إلى عدم الثقة في مصداقية انتفاع المواطن واقعياً بثمار الفعاليات الضخمة، وأن منافعها الاقتصادية سوف تذهب للنخب، فضلاً عن تعرض المواطن لتداعيات سلبية أثناء فترة الفعاليات، إذ عادة ما ترتفع أسعار العقارات وأسعار السلع الغذائية قبل الحدث وحتى انتهائه، مما يؤدي إلى انخفاض المستوى المعيشي لبعض المواطنين، نتيجة تراجع القوة الشرائية لهم، ومن جهة ثالثة، تتسع فجوة التنمية غير المتوازنة بين المدن المختلفة، خاصة مع تركز المشروعات الضخمة في المدن المتصلة بالحدث على حساب غيرها.

فكما توفر الفعاليات الضخمة فرصة أمام المجتمع للتلاحم وزيادة الإحساس بالهوية القومية، فإنها على الجانب الآخر، قد تثير غضب المواطنين، خاصة في الدول النامية التي تعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة، إذا فقد المواطن ثقته في حجم المنافع المباشرة التي قد تعود عليه ومدى تمتعه بثمار الاستضافة، خاصة في ظل عدم قدرته على الحصول على احتياجاته الأساسية.

ثالثاً: تعزيز المكانة أم اهتزاز الصورة الذهنية

تشير الخبرات السابقة لتنظيم الفعاليات الضخمة إلى وجود جانب ثقافي ومعنوي يضاف لعائداتها الضخمة وإرث ثقافي لا يمحوه الزمن، إذا ما أحسن استغلاله، فبرج "إيفيل" على سبيل المثال تم تأسيسه ليكون مدخلاً لاستضافة الإكسبو في عام 1882 في باريس، وقبة الألفية في بريطانيا التي صممت من أجل معرض "الألفية الثالثة" 2000، فكل تلك المعالم التي ترسخت في أذهان العالم وتجذب إليها السياح من كافة أنحائه، ارتبطت بالفعاليات الضخمة كمكون رئيسي لتنظيمها وأيقونة لرسم صورة ذهنية جاذبة للسياحة، فعادة ما تترك الفعاليات الضخمة خلفها إرثاً ثقافياً للبلد المستضيف وصورة ذهنية غالباً ما تظل لسنوات عديدة تعرف بها، فواحدة من الأهداف الأساسية التي تحرص عليها أي دولة مستضيفة هو الترويج لنفسها (ybranding the cit)، واستغلال الحدث لسنوات كأيقونة وسمة مميزة للصورة الذهنية عنها.

وفي سياق حرص الدولة على بناء صورتها الذهنية، يمكن لبعض جماعات المصالح الاستفادة من هذه النقطة للضغط على الدولة لإجراء بعض الإصلاحات التي تصب في مصلحة القضايا التي يضغطون لأجلها، خاصة في ضوء التركيز الإعلامي عليها وترقب أدائها من قبل العالم بمن فيه رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال. كما تتحرك جماعات حقوق الإنسان الدولية ضد الدولة المستضيفة في بعض الأحيان، كقيام الدول المصدرة للعمالة، ومجموعة من المنظمات الحقوقية (منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية) بتحريك قضية حقوق العمال بعد وفاة عدد من عمال البناء لعملهم في ظروف قاسية في قطر، كما قامت الفيفا بالتدخل هي الأخرى، لتحسين ظروف العمالة الوافدة.

وقد ترتب على ذلك تقديم تنازلات، كإعلان الحكومة القطرية نيتها إلغاء نظام الكفالة، واستبداله بقانون عقود العمل، ويشير ذلك، إلى نجاح "سياسات الضغط" التي تمارس على الدولة،  بدرجة ما، تجنباً لعرقلة الفعاليات، أو التعرض لمزيد من الضغوط.

كما أن الفعاليات الضخمة قد تتسبب في إثارة فضائح سياسة في حالة الشك في "نزاهة الاختيار"، الأمر الذي يؤثر سلباً على صورتها الذهنية الدولية.

وتتمثل أبرز التأثيرات المحتملة لإثارة تلك القضايا، في التالي:

1 ـ تكرار استغلال المناسبات الضخمة للضغط على الدولة، فمن المتوقع أن تتكرر السيناريوهات ذاتها مع البلدان التي تشهد استضافة الفعاليات الضخمة، التي تصبح محفزاً لجماعات الضغط للمطالبة بما تعتبره إصلاحات حقوقية، خاصة فيما يتعلق بحقوق العمالة.

2 ـ تعديل معايير الاختيار للدول المستضيفة للأحداث الضخمة، إذ من المتوقع أن يتم إدراج بعض المعايير الخاصة بحقوق الإنسان والتنمية البشرية في اختيار الدول المستضيفة للأحداث الضخمة، بل وقد تتحول لإحدى الركائز التي تروج بها الدول لنفسها في التنافس للفوز بالاستضافة مستقبلاً، كما حدث من قبل بالنسبة لقضايا بيئية وسياسية مختلفة، في المناسبات نفسها تقريباً.

وفي الختام، تحقق الفعاليات الضخمة مكاسب كبيرة ومؤكدة  للدول المستضيفة، غير أنه في بعض الحالات، لا يتحقق هذا نظراً لوجود عدد من السلبيات التي ينبغي أن تتحسب لها الدول النامية بصورة أساسية، والتي يمكن تجنبها من خلال الاستفادة من تجارب البلدان السابقة، كما أنه يجب النظر إلى الفعاليات الضخمة على أنها جزء من استراتيجية طويلة الأمد للتنمية في الدول المستضيفة، وليس هدفاً في حد ذاته، وحتى يتم توظيف المنشآت الضخمة التي تم بناؤها للترويج للدولة مستقبلاً.

المصادر:

1) Agency For Market-Oriented Concepts, Mega-Events As An Engine For Sustainable Development: Analysis And Success Factors, Gesellschaft Für Internationale Zusammenarbeit, May 2013, accessible at: http://goo.gl/V0C3Ox

2) Solomon J. Greene, Staged Cities: Mega-events, Slum Clearance, and Global Capital, Yale Human Rights and Development Journal, Volume 6, issue 1, Feb 2014, p. 165.

3) Agency for market-oriented concepts, Mega-events as an Engine for Sustainable Development: Analysis and Success Factors, Gesellschaft für Internationale Zusammenarbeit, May 2013, accessible at: http://www.agenz.de/en/doc/en-mega-events-sustainable-developmt.pdf

4) عائدات السياحة من إكسبو شانغهاي تبلغ 80 مليار يوان، شبكة الصين، 27 أكتوبر 2010، موجود على الرابط التالي: http://goo.gl/QU7Ii2

5) صدفة محمد، البرازيل .. تنظيم كأس العالم في ميزان الاقتصاد، جريدة الشروق، العدد 1164، 3 أغسطس 2014، ص 28.

6) محمد حامد، الأولمبياد يجلب للصين انتعاشاً اقتصاديا وسياحياً، إيلاف، 17 أغسطس 2008، موجود على الرابط التالي: http://goo.gl/MhxA3n

7) المرجع السابق

8) http://goo.gl/BuBjdz

9) In the World Cup, Nationalism Endures, analysis, Stratfor, June 2014, accessible at: http://goo.gl/Dzkrbq

10) اقتصاد البرازيل بعد كأس العالم 2014: فوائد أم تبعات؟، تزايد المخاوف من الاستيقاظ على تضخم مع انتهاء المباريات، جريدة الشرق الأوسط، 27 يونيو 2014، موجود على الرابط التالي: http://www.aawsat.com/home/article/126731