منتدى بواو:

تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين والإمارات

26 November 2014


استضافت مدينة دبي فعاليات مؤتمر التعاون المالي لمنتدى بواو الآسيوي 2014 الذي استمرت أعماله في الفترة من 23 إلى 25 نوفمبر الحالي، تحت رعاية ودعم مركز دبي المالي العالمي، حيث جمع المؤتمر تحت مظلته ما يزيد على 350 من كبار المسؤولين الحكوميين وقادة قطاع الخدمات المالية وصناع السياسات والأكاديميين في العالم.

تأسس منتدى بواو في عام 2001، وهو منظمة دولية غير حكومية وغير هادفة للربح، وتعد منبراً لقادة الحكومات والأعمال والأكاديميين في آسيا وقارات أخرى لتبادل الآراء بشأن القضايا الملحة في المنطقة والعالم. ويلتزم المنتدى بإرساء الأسس الكفيلة بتعزيز التعاون المستقبلي بين بلدانه، إلى جانب تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي وتقريب دول آسيا لتحقيق أهدافها التنموية، ويشكل منصة مهمة تهدف إلى تعزيز الحوار البناء لمواجهة التحديات المالية الرئيسية في قارة آسيا.

وكان هذا المنتدى قد استمد اسمه من مدينة بواو الصغيرة التي تقع في مقاطعة هاينان جنوب الصين، والتي كانت المقر الدائم للمؤتمر السنوي منذ عام 2002.

أسباب اختيار دبي لاستضافة المنتدى

استند اختيار دبي لتنظيم هذه الفعالية التي تعقد للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط في الأساس إلى موقعها الاستراتيجي الرابط بين الشرق والغرب، إضافة إلى تعاظم أهميتها كمركز مالي وتجاري ولوجستي وخدماتي لآسيا، فضلاً عن الدور الذي يمكن أن تلعبه في تمويل استثمارات البنية التحتية والطاقة في مختلف الدول الآسيوية.

وتبدو القارة الآسيوية على موعد مع وضع اقتصادي عالمي جديد يرتكز على زيادة المبادلات التجارية والتعاون مع دول العالم، إضافة إلى أن دول آسيا بما فيها الصين، تعمل على إعادة الاستثمار في طريق الحرير للتجارة، والدخول في حقبة جديدة من النمو والازدهار في آسيا؛ ومن ثم كان حضور نائب رئيس الوزراء الصيني السابق، زينغ بيان. منتدى بواو، إشارة مهمة إلى تلك الفرص أمام تعزيز مكانة الإمارات كمركز مالي عالمي وبوابة عبور للصين إلى أهم أسواق المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن طريق الحرير الجديد هو الممر التجاري الجديد بين الشرق الأوسط وآسيا، وذلك بعد أن تضاعفت التجارة والاستثمارات بين المناطق الواقعة عليه أربع مرات خلال العقد الماضي. وطريق الحرير الجديد نشأ بسبب تقاطع النمو الاقتصادي للصين والهند مع الزيادة في أسعار النفط مع دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، عُمان). وتعتبر دبي حالياً هي العاصمة غير الرسمية للشرق الأوسط على طريق الحرير الجديد بعد أن تحولت إلى نقطة تجمع للأموال، والأفكار، والتجار، الذين يدفعون النمو قدماً للأمام.

وهنا تأتي أهمية دولة الإمارات، فتجارة الصين مع الإمارات بلغت 2 .46 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 2014، بزيادة قدرها 14% عن عام 2013. كما أن الصين في طريقها لأن تصبح الشريك التجاري رقم واحد مع دبي في تجارتها غير النفطية، بإجمالي تبادل تجاري بلغ 22 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 2014. هذا علاوة على أهمية  قطاع السياحة للإمارات والصين خاصة أن ثمة أكثر من 200 ألف صيني يقيمون في دبي وحدها، أي ما يعادل 10% من نسبة المقيمين في دبي.

وتتركز نسبة 60% من العلاقات التجارية الثنائية بين الصين والإمارات في تجارة إعادة الصادرات إلى أفريقيا وأوروبا، وهي نسبة آخذة في الازدياد نتيجة زيادة الشركات الصينية في الإمارات واتساع حجم الأعمال الصينية في الدولة.

ويعكس وجود أكثر من 4200 شركة صينية تعمل في دولة الإمارات في مختلف القطاعات، الأهمية اللوجستية والتجارية لدبي كموقع حيوي في طريق الحرير الجديد الذي يربط الصين بالأسواق الأفريقية الغنية بالموارد، وأسواق المستهلكين في أوروبا، نظراً لدعم مؤسساتها الحكومية للشركات الناشئة في آسيا، ودورها المحوري في تسهيل وصول الشركات إلى الأسواق العالمية، إضافة إلى أهميتها من ناحية التبادل التجاري والمالي وتكوين منتجات مالية في آسيا وتصدير العمالة من المنطقة إلى الخارج.

الإمارات وإمكانيات ربط آسيا بأفريقيا

تنبع أهمية الصين من توفيرها للمنتجات والفرص المالية، إضافة إلى اتجاه أسواقها نحو الخصخصة؛ الأمر الذي من شأنه أن يسرع وتيرة نمو الشركات الصينية. فعلى سبيل المثال، شهد العام الحالي نسبة نمو 15% مقارنة بالعام الماضي، في إجمالي عدد الشركات التي استضافتها المنطقة الحرة لجبل علي (جافزا).

ومن الجدير بالذكر، أن دبي بشكل خاص، والإمارات بشكل عام، في وضعية جيدة للغاية للاستفادة من النمو الذي تعيشه آسيا اليوم لعدة أسباب، منها أن الإمارات نفسها تقع في قارة آسيا، وهي شريك تجاري كبير لآسيا، خاصة الهند والصين. ولكن الإمارات بإمكانها أن تلعب دوراً مهماً كبوابة بين أفريقيا وآسيا من خلال الاستفادة من موقعها الجغرافي والاستراتيجي والاستفادة من رابطها مع أفريقيا، حيث إن طيران الإمارات تتجه إلى 27 مدينة أفريقية اليوم.

وبالنظر إلى قطاع الخدمات المالية التقليدية في آسيا، فإنه ينمو بنحو مرة أو مرتين للناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بقطاع الخدمات المالية في مناطق أخرى من العالم، فالكثير من الناس في آسيا لا يتلقون خدمات مصرفية، حيث إن قطاع الخدمات المصرفية لايزال في مراحل تنمية مبكرة، وهذا لا يقتصر على قطاع الخدمات المصرفية فقط، لكن يمتد أيضاً إلى قطاعات التأمين وأسواق الأسهم وأسواق رأس مال الدين، التي لاتزال كلها في مراحل مبكرة من التنمية؛ وبالتالي هناك فرص كبيرة واعدة للنمو في قطاع الخدمات المالية في آسيا.

وتشير بعض الدراسات الصادرة حديثاً إلى توقعات بنمو قطاع الخدمات المالية في آسيا بأضعاف نمو إجمالي الناتج المحلي لآسيا، نتيجة أن الصين ماضية في إصلاح نظامها المالي والتواصل مع دول العالم الاقتصادية من أجل النهوض بمستوى الاقتصاد العالمي، حيث وفرت الصين نظام إصلاح مالي متكامل يتضمن أجندة شاملة للإصلاحات. هذا علاوة على أن الصين بدأت في طرق باب الصيرفة الإسلامية في المنطقة، نظراً لتزايد الاهتمام بالنظام المالي الإسلامي، حيث أنشأت دول "البريكس" مؤخراً بنك التنمية الخاص بها.

القدرات التنافسية الآسيوية

تشهد القدرة التنافسية الصينية ارتفاعاً مستمراً، وتعمل الصين على إطلاق قوى تنموية جديدة، كما أنها بصدد توفير نموذج تنمية يكون مرجع لمختلف الدول. فقد أظهر "تقرير التنافسية الآسيوية خلال عام 2014"، والذي أصدره منتدى بواو، ارتفاعاً في القدرة التنافسية الصينية، واضطلاع الشركات الصينية بدور متزايد الأهمية في آسيا.

وقال التقرير، إن الصين احتلت المركز التاسع على مؤشر التنافسية في آسيا من بين 37 اقتصاد آسيوي شملتهم دراسة منتدى بوآو، متقدمة مركزاً واحداً مقارنة بالعام الماضي. وفي ظل التعديل الحكومي الحالي، تمكن الاقتصاد الصيني الذي يعد أكبر اقتصاد آسيوي، من تحقيق معدل نمو قدره 7.7%، وأنه لم يتعرض للاضطرابات التي شهدتها الأسواق الناشئة.

وفي ظل بحث آسيا عن محرك جديد، تدخل الاقتصادات الآسيوية والناشئة مرحلة الإصلاح الأكثر أهمية خلال العام الحالي، فرغم التقدم المستمر للاقتصادات الآسيوية على درب الاندماج، لكن سرعة نمو التجارة الآسيوية ومسيرة الاندماج شهدت خلال السنوات الأخيرة انخفاضاً ملحوظاً. وفي ظل عدم وضوح مستقبل سلسلة القيمة العالمية، تعمل الدول الآسيوية باستمرار على دفع الاندماج الاقتصادي، والبحث عن محركات نمو جديدة من خلال الإصلاحات الهيكلية. والصين كذلك ملتزمة بتحويل نمط نموها وتعديل هيكلها الاقتصادي وتحديث صناعاتها من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وسليمة.

ووفقاً للتقرير النصف سنوي للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي في شرق آسيا والمحيط الهادي الصادر في شهر أبريل الماضي، تظهر الأرقام تحقيق الاقتصادات النامية في شرق آسيا والمحيط الهادي نمواً مستقراً خلال العام الحالي. لكن التقرير حذر في الوقت ذاته من أن التنمية المستدامة لدول شرق آسيا، في حاجة إلى مضاعفة الإصلاحات الهيكلية، ورفع القدرات الذاتية الكامنة، وتعزيز ثقة السوق.

مما سبق، برزت أهمية مؤتمر بواو الاسيوي الذي ناقش سبل وآليات الربط بين الأصول المالية على مستوى منطقتي الشرق الأوسط وآسيا، بما يكفل تلبية الاحتياجات التمويلية لمشروعات ربط البنى التحتية الآسيوية التي سيقوم بتنفيذها "البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية". فالسمة الفردية لاتزال تغلب على مشروعات تطوير البني التحتية الآسيوية، ومن شأن الربط بين هذه المشروعات أن يعظم مكاسب الدول الآسيوية من العولمة الاقتصادية، من خلال تقاسم الفوائد والمكاسب فيما بين بعضها البعض، إلى جانب أن تطوير مشروعات ربط البنية التحتية الآسيوية يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام لدول منطقة مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، والإمارات بشكل خاص.