الذهب الروسي:

مساعٍ غربية لتشديد العقوبات ضد موسكو

04 July 2022


أعلن قادة مجموعة الدول السبع، أي الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، خلال قمة 26 يونيو الماضي أنهم فرضوا حظراً جماعياً على الذهب الروسي، وهو أحد أكبر صادرات موسكو وأكثرها ربحاً، وذلك في محاولة لعزل الاقتصاد الروسي بشكل أكبر وحرمان الكرملين من الأموال بعد غزو أوكرانيا في أواخر فبراير 2022.

أهداف العقوبات الغربية:

جاء القرار بحظر الذهب الروسي مدعوماً بشكل مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واليابان، ليكون بذلك الأحدث في سلسلة العقوبات التي تستهدف موسكو منذ قيامها بشن حرب ضد أوكرانيا. وتتمثل أهم أسباب اتخاذ قرار حظر استيراد الذهب الروسي في التالي: 

1- سلاح فعّال لمعاقبة موسكو: أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن مثل هذه الإجراءات الجديدة ستساعد على منع روسيا من "الحصول على عشرات المليارات من الدولارات" من الغرب، بينما أشار بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، في بيان له إلى أن الحظر "سيصيب مباشرة النخبة الروسية، ومن شأنه أن يستهدف قلب آلة بوتين الحربية"، وأكد أنه "يجب أن نجفف منابع تمويل نظام بوتين، وهذا ما تفعله لندن مع حلفائها.

وتعد روسيا ثاني أكبر مُصدري الذهب في العالم، وذلك وفقاً لتقديرات الجمارك الروسية؛ والتي أكدت أن موسكو صدرت قرابة 302 طن من معدن الذهب بقيمة 17,36 مليار دولار، مع نهايات عام 2021، بينما تشير تقديرات وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن هذا الحظر سيحرم موسكو هذا العام من حوالي 19 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هذه الخطوة سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الروسي، وفقاً لاعتقاد الدول الغربية.

2- حفظ ماء الوجه أمام أوكرانيا: يشعر الغرب بخيبة أمل كبيرة بسبب إخفاقه في توظيف سلاح العقوبات ضد روسيا، لإجبار الكرملين على وقف الحرب، فقد ترتب على العقوبات الغربية على النفط والغاز ارتفاع أسعارهما بصورة غير مسبوقة، وهو ما ساهم في مضاعفة عائدات روسيا من تصدير هاتين  السلعتين إلى الغرب، وذلك في الوقت الذي تسبب فيه هذا الإجراء من موجة تضخم أصابت الاقتصادات الغربية. 

ومن هذا المنطلق، جاء قرار حظر استيراد الذهب الروسي جنباً إلى جنب مع محاولة إرضاء أوكرانيا عبر منحها، في 23 يونيو الماضي، وضع "مرشح الاتحاد الأوروبي" كخطوة أولى على الطريق الطويل نحو عضوية الدولة في التكتل الأوروبي.

3- تراجع تأثير العقوبات الغربية: وجد صانعو السياسة الغربيون أن التأثير المالي للعقوبات الغربية كان محدوداً على الاقتصاد الروسي، إذ إنه تبدد تماماً منذ مايو الماضي، وأرجع الخبراء الاقتصاديون ذلك إلى مواصلة روسيا تلقي عائدات صادرات الطاقة؛ حيث شكلت عائدات النفط والغاز 47% من الإيرادات الفيدرالية الروسية في الفترة من يناير إلى مايو من هذا العام، كما تكسب روسيا ما يقرب من مليار دولار يومياً من عائدات تصدير النفط والغاز. 

ومن جهة ثانية، لايزال الاتحاد الأوروبي يستورد من روسيا ما يقرب من 2,2 مليون برميل يومياً من النفط الخام و1,2 مليون برميل يومياً من المنتجات النفطية المكررة، بحسب آخر إحصائية لوكالة الطاقة الدولية، كما أن حظر النفط الروسي كان مؤجلاً واستثنائياً لبعض الدول، مثل المجر وسلوفاكيا، والتي ستكون قادرة شراء النفط الروسي عبر خطوط الأنابيب حتى نهاية عام 2024.

ومن جهة ثالثة، لا يستطيع الأوروبيون استخدام سلاح العقوبات ضد الغاز الطبيعي الروسي؛ حيث إن العواصم الأوروبية معتمدة بشكل أساسي عليه، لاسيما مع استعدادات دخول فصل الشتاء هذا العام، وبالتالي، فإن قرار موسكو بخفض صادراتها من الغاز الروسي، كرد فعل انتقامي على سلسلة العقوبات المستمرة، ستكون له عواقب كارثية لأوروبا؛ حيث سيواجه قادة الغرب ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار الطاقة، وهو الأمر الذي سوف يزيد من رفع معدلات التضخم. 

فقد أعلنت شركة غازبروم الروسية بالفعل، في يونيو الماضي، خفض شحناتها من الغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب "نورد ستريم"، بأكثر من 40% يومياً، نظراً لعدم تسلمها المعدات الضرورية من شركة "سيمنز" الألمانية بسبب العقوبات الغربية. 

استمرار التداعيات العكسية: 

اعتقد خبراء دوليون أن خطوة حظر الذهب الروسي ما هي إلا خطوة رمزية لحفظ ماء الوجه لقادة الغرب، وسوف يكون لها تأثير محدود على روسيا، وذلك بالنظر إلى ما يلي: 

1- رفع أسعار الذهب: من المتوقع أن يؤدي حظر الذهب الروسي إلى نتائج عكسية، لأن هذا القرار سيرفع من أسعار الذهب في الأسواق العالمية، وهو ما حدث فعلاً عقب إعلان مجموعة الدول السبع نيتها فرض عقوبات على الذهب الروسي. وسيدعم هذا الأمر من سعر الذهب، والذي تضرر قيمته جراء رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة في محاولة للسيطرة على التضخم، وبالتالي يمكن التأكيد على أن الحظر قدم بعض الدعم قصير الأجل للأسعار.

ومن جهة ثانية، فإن هذا القرار سيخلق سوقاً موازية، ومن المرجح أن يؤدي إلى محاولة الحصول على الذهب بطرق غير تقليدية، خاصة أنه سلعة يسهل خروجها من الأسواق ويصعب ضبطها، وعلاوة على ذلك، فإن بقاءه في روسيا، سيزيد من احتياطاتها، ويدعم اقتصادها، لا سيما أنه يُمثل حالياً 23% من احتياطي البنك المركزي الروسي. 

2- تأثير محدود على روسيا: لن يكون للقرار الأخير في حال تنفيذه أي تأثير سلبي مباشر على روسيا على المدى القصير. ولكن على المدى المتوسط ربما قد يتضرر الاقتصاد الروسي بصورة جزئية، كون تصدير الذهب هو قطاع مهم وحيوي من قطاعاته. 

وعلى الجانب الآخر، يتعين إدراك حقيقة مفاداها أن روسيا كانت لا تعتمد على تصدير الذهب إلى دول مجموعة السبع عدا المملكة المتحدة، وبالتالي، فإن السوق لا تزال أمامها مفتوحة، خاصة سوق سويسرا الذي يُعد الأكثر استيراداً للذهب من روسيا حسب بيانات الجمارك الروسية.

3- البحث عن أسواق بديلة: أشار المتحدث الرسمي باسم الكرملين، "دميتري بيسكوف"، معلقاً على هذا القرار بأن سوق المعادن النفيسة كبير وضخم ومتنوع للغاية، وأنه إذا فقدت إحدى الأسواق جاذبيتها بسبب قرارات غير مشروعة فيمكن إعادة التوجيه إلى حيث يوجد طلب على السلعة. 

وفي سياق متصل، يرى خبراء روس أن هذا القرار لا جدوى له؛ فمنذ فترة توقفت صادرات الذهب من روسيا إلى أوروبا، وذلك بعدما سحبت بورصة لندن للمعادن صفة "المورد الموثوق" من مصافي الذهب الروسية.

4- توفر أسواق بديلة: يرى المراقبون أن هذه الخطوة قد تُمثل فرصة للاقتصادات الناشئة أو النامية؛ حيث يمكن لهذه الأسواق الحصول على الذهب من روسيا بسعر أرخص، كما قد تتطلع هذه البلدان إلى شراء الذهب الروسي بالروبل.

وفي هذا السياق، يتوقع الخبراء الدوليون أن الذهب الروسي ستنفتح أمامه أسواق جديدة الفترة المقبلة، ولعل أهمها الصين والهند ومعظم الدول العربية، وشمال أفريقيا، والعديد من الدول في شرق آسيا. 

5- تداعيات سلبية على أوروبا: لم ينل قرار حظر استيراد الذهب الروسي إجماع القادة الغربيين، فقد ثارت المخاوف بشأن عدم جدوى هذه الخطوة، أو أنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية كما حدث عندما تم اتخاذ قرار حظر النفط الروسي لأوروبا. 

فقد أكد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، أن "القضية سوف تحتاج إلى التعامل بحرص، وإلا فسوف تتسبب في نتائج عكسية"، مؤكداً ضرورة التعمق أكثر في التفاصيل والبحث عما إذا كان من الممكن استهداف الذهب بطريقة تستهدف الاقتصاد الروسي فقط، من دون أن تستهدف الأوروبيين أنفسهم والغرب بصفة عامة.

وبالتوازي مع ذلك، صرح سفير الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، "جوان والي دي ألميدا"، بأنه يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يفرض عقوبات على روسيا تؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الضرر عليه، مؤكداً ضرورة أن تكون العقوبات مدروسة ومتزنة.

وفي الختام، يمكن القول إن موسكو تراهن على أن الأزمات التي يعانيها الاقتصاد العالمي حالياً ستخلق المزيد من الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية التي ستتخذه وسيلة تحوط، خاصة مع تخوفات من فقدان الدولار قيمته كعملة أساسية في مكونات الاحتياطي النقدي للدولة على المدى البعيد، وبالتالي، ربما سيكون هذا القرار لصالح روسيا بعد زيادة مخزونها من الذهب وبيعه إلى أسواق جديدة، ومن هنا يبقى الغرب عاجزاً عن فرض عقوبات موجعة ضد روسيا، وأن القرار الأخير لا يعدو كونه أكثر من مجرد قرار رمزي.