رؤية أمريكية:

مستقبل الشراكة الأمنية بين واشنطن ودول الخليج

16 May 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم

اختتمت في منتجع كامب ديفيد الرئاسي بالولايات المتحدة في 14 مايو الجاري، القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لبحث التعاون بين دول الخليج وواشنطن، خاصةً في المجالين الأمني والدفاعي، ووضع حلول جماعية للقضايا الإقليمية.

وتأتي هذه المحادثات في ظل منعطف حاسم يمر بمنطقة الشرق الأوسط، مع تنامي قوة تنظيم "داعش"، واندلاع الصراع المسلح في اليمن، ووجود دور إيراني ملموس في العراق وسوريا ولبنان، بما يُهدد الأمن القومي العربي عامة، والخليجي بصفة خاصة.

في هذا الإطار، تأتي الدراسة المعنونة: (ما بعد كامب ديفيد.. استراتيجية تدريجية لتعميق الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج)، وهي الدراسة التي أعدَّها كل من "بلال صعب" Bilal Y.saab وهو الزميل الأول لأمن الشرق الأوسط بمركز "برنت سكوكروفت" للأمن الدولي التابع للمجلس الأطلسي، و"باري بافيل" Barry Pavel وهو نائب رئيس المجلس الأطلسي ومدير مركز "برنت سكوكروفت" للأمن الدولي.

تتناول هذه الدراسة الدوافع الأمريكية والخليجية من قمة كامب ديفيد الأخيرة، حيث يشير الباحثان إلى أن ثمة تلاقٍ في المصالح بين الطرفين فيما يتعلق بالأمن في الشرق الأوسط، ومواجهة النفوذ الإيراني المتنامي فيه، مروراً بطرح فكرة إبرام "معاهدة دفاعية" بين كل من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست، وهو ما يحاول الباحثان عرض مخاطره المتوقعة ومزاياه المحتملة للطرفين، خاصةً في ظل حاجة كل منهما للآخر من أجل تحقيق أهداف استراتيجية، وصولاً إلى طرح الباحثان للرؤية الأمريكية فيما يتعلق بالتعاون الأمني مع الدول الخليجية؛ وهي رؤية تتعلق باستراتيجية تدريجية لرفع مستوى التعاون بينهما، والتأكيد على أولوية أمن الخليج للولايات المتحدة.

الدوافع الأمريكية - الخليجية من قمة كامب ديفيد

يشير الباحثان إلى أن الرئيس "أوباما" استضاف قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت، وقطر، وعمان) في مباحثات استهدفت مناقشة سُبل تعزيز العلاقات السياسية، وكذلك تعميق التعاون الأمني، حيث تهدف واشنطن من هذه القمة طمأنة الجانب الخليجي المتوجس من الاتفاق النووي الإطاري الذي تم إبرامه مؤخراً مع إيران، والتأكيد على عدم سماح الولايات المتحدة  بتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل يهدد الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي، خاصةً أن هذا القلق الخليجي يأتي في ظل قلق دول أخرى بالمنطقة مثل (مصر، والأردن، وإسرائيل) من أي تفاهمات بخصوص البرنامج النووي الإيراني قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار بالمنطقة.

ويؤكد الباحثان أن دول الخليج تتوجَّس من رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وهو ما قد يُشكل تهديداً مباشراً لأمن الخليج، وهو ما حاولت الولايات المتحدة معالجته من خلال قمة كامب ديفيد الأخيرة؛ وذلك على النحو التالي:ـ

1- حاولت الولايات المتحدة من خلال قمة كامب ديفيد التأكيد على أن الاتفاق الأخير حول برنامج طهران النووي، لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى إضعاف الشراكة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، فهي شراكة تعود لعقود طويلة مضت.

2- محاولة طمأنة الجانب الخليجي على استمرار الموقف الأمريكي الرافض لأي توسع للنفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط على حساب المصالح المشتركة بينهما.

3- التأكيد على الموقف الأمريكي الخاص بتحييد أي تهديدات عنيفة للأمن القومي الخليجي.

4- الشراكة مع دول الخليج من أجل المساعدة في مواجهة مخاطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها تنظيم "داعش".

5- تعزيز الأمن الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط، وزيادة مصداقية الولايات المتحدة كقوة رادعة ضد إيران.

مخاطر ومزايا معاهدة أمريكية ـ خليجية  للدفاع

يشير الباحثان إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت تسعى من خلال هذه القمة إلى عقد معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة مثل تلك التي وُقعت منذ عقود بين واشنطن ودول أخرى مثل كوريا الجنوبية واستراليا وغيرهما، وهو ما يراه الباحثان يحمل عدة مخاطر للولايات المتحدة، وهي:

1- سوف تكون واشنطن مُلزمة قانوناً بالتدخل عسكرياً ضد أي تدخل إيراني عسكري في دول الخليج، وهو ما يمكن أن تستغله طهران في التأثير على مصالح الولايات المتحدة بشكل غير مباشر عن طريق الوكلاء والتكتيكات الإرهابية الخاصة بها في المنطقة.

2- سوف تصبح الولايات المتحدة متورطة بشكل أساسي في الحروب الطائفية القائمة بالشرق الأوسط، وهو ما يؤثر سلباً على الأمن القومي الأمريكي.

3- لن تقبل بعض الشعوب العربية بمعاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يزيد من وتيرة العنف السياسي، ويشعل من تطرف الإسلاميين بالمنطقة.

4- سوف تزيد المعاهدة الدفاعية من اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة، وهو ما سوف يعرقل الإصلاحات الأمنية والدفاعية اللازمة من جانب دول الخليج، حيث تسعى واشنطن إلى بناء القدرات العسكرية لحلفائها بالمنطقة من أجل حماية أنفسهم، وتَقاسُم عبء الأمن الإقليمي فيما بينهم.

5- هناك خلافات بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي في كثير من القضايا المشتركة، إذ يعتقد الكاتبان أن سلطنة عُمان في حال تمّ توقيع معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة، فإنها سوف تذهب لتوطيد علاقاتها مع إيران.

6- إذا تمَّ توقيع معاهدة دفاعية، فإن واشنطن سوف يكون لزاماً عليها تقديم إجابات لحلفائها التقليديين بالمنطقة مثل مصر والأردن عن استبعادهم من مثل هذه المعاهدة الدفاعية.

في ذات السياق، يؤكد الباحثان أنه على الرغم من كل هذه المخاطر المتوقعة، فإنه لا يمكن إنكار أن ثمة فوائد ومزايا محتملة أمام الولايات المتحدة من إبرام معاهدة دفاعية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ويمكن تناول هذه المزايا المحتملة كالتالي:

1- تمتُّع جيوش دول الخليج بالأسلحة الحديثة المجهزة، وهو ما يمنح الولايات المتحدة أفضلية، فذلك يعزز من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، ويقلل من تكاليف أي حرب أمريكية محتملة ضد إيران.

2- المساهمة في استعادة الاستقرار بمنطقة تعصف بها الفوضى والنزاعات، من خلال فرض بيئة أمنية أكثر استقراراً.

3- السماح بمواجهة التوسع الإيراني بالمنطقة، ومجابهة نمو قدراتها العسكرية بشكل متزايد، حيث إن المعاهدة الدفاعية المقترحة من شأنها أن تشكل رادعاً كبيراً ضد الهجمات أو الطموحات الإيرانية بالمنطقة.

4- المساهمة في دمج الاقتصاد الخليجي أكثر في الاقتصاد العالمي، حيث إنه إذا كان الغرض الأساسي من هذه المعاهدة هو تعزيز الجوانب الأمنية، فإنها سوف تؤدي كذلك إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية ودعم النمو الاقتصادي الإقليمي على نطاق واسع.

استراتيجية أمريكية تدريجية تجاه الخليج

يؤكد الباحثان أنه في ظل الحديث عن مخاطر متوقعة أو مزايا محتملة إزاء عقد معاهدة دفاعية أمريكية - خليجية، فإنه لا يمكن إنكار أن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية تدريجية فيما يخص رفع علاقاتها الأمنية مع شركائها في منطقة الخليج، وهو ما قد يصل إلى تحقيق إلزام سياسي على الأطراف المختلفة بتقديم الدعم الدفاعي في حال التعرض لهجوم، وبالتالي هو التزام أمني متعدد الأطراف، يُمهد فيما بعد لتوقيع معاهدة دفاع جماعي بشكل رسمي وقانوني. (المحرر: جدير بالذكر أن البيان الختامي لقمة كامب ديفيد الأخيرة تضمن تأكيد واشنطن استعدادها للعمل سوياً مع دول مجلس التعاون الخليجي لردع والتصدي لأي تهديد خارجي يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة لسلامة أراضي أي من دول مجلس التعاون، وفي حال وقوع مثل هذا العدوان أو التهديد به، فإن الولايات المتحدة على استعداد للعمل على وجه السرعة مع شركائها في مجلس التعاون، لتحديد الإجراء المناسب الواجب اتخاذه باستخدام كل السبل المتاحة، بما في ذلك إمكانية استخدام القوة العسكرية للدفاع عن شركائها في مجلس التعاون).

ختاماً؛ يؤكد الباحثان أنه رغم تعدد المخاطر المتعلقة بتعميق التعاون الأمني الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي في ظل مزايا وفوائد أقل، وهو ما يجعل معاهدة الدفاع بين الجانبين محل جدل واسع، فإنه لا يمكن إنكار أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى وثيقة دفاعية من أجل حماية حلفائها بالخليج، وهو ما حدث سابقاً في حرب الخليج بين عامي (1990-1991)، حيث إن الكويت لم تكن قد وقعت معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن؛ ومع ذلك عندما شرع "صدام حسين" بغزو الكويت، قامت الولايات المتحدة ببناء تحالف دولي واسع من أجل حماية أراضي الكويت وتحريرها.

وفي ذات السياق، تشير الدراسة إلى أن مواجهة تصاعد النفوذ الإيراني بالمنطقة لا يوجد له عصا سحرية، ولكن توطيد العلاقات الأمريكية - الخليجية في جوانبها الأمنية سوف يُمهد لطرق أكثر تعاونية لمحاصرة النفوذ الإيراني.

ويؤكد الباحثان أن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" يستحق الثناء على الدعوة لعقد قمة كامب ديفيد، وعليه أن يتعامل معها باعتبارها بداية مرحلة جديدة من التعاون الأمني الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي الست، وهي مرحلة لا بد من التعامل معها بجدية كبيرة، كونها فرصة تاريخية لتعظيم المكاسب السانحة للطرفين، وتلافي المخاطر المحتملة قدر الإمكان، ولكن إذا لم يتم التعامل معها بالجدية الكاملة، فإنها قد تتحول إلى "كابوس دبلوماسي" يؤدي إلى زيادة الفوضى وعدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط.

* عرض مُوجز لدراسة "ما بعد كامب ديفيد. استراتيجية تدريجية لتعميق الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة ودول الخليج"، صادرة عن مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي التابع للمجلس الأطلسي، مايو 2015.

المصدر:

Bilal Y.Saab and Barry pavel, beyond Camp David: A gradualist strategy to upgrade the US-Gulf security partnership (Washington, Brent scowecroft center on international security, Atlantic Council, May 2015).