السيادة السائلة:

إشكاليات القوانين الحاكمة لاستخدام الدول الفضاء الخارجي

15 November 2021


يلعب الفضاء الخارجي دوراً مركزياً في الأمن العالمي منذ نهاية الخمسينيات، عندما أطلق الاتحاد السوفييتي السابق القمر الصناعي "سبوتنيك" في أكتوبر 1957، ثم تبعه إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية القمر الصناعي "إكسبلورر" في يناير 1958. فمنذ ذلك الوقت، بدأت العديد من الدول في السعي إلى تسجيل اسمها في قائمة قوى الفضاء الخارجي، إذ تحول الفضاء لساحة للبحث عن المكانة والقوة والنفوذ، خاصة مع ظهور فوائد التطبيق لتكنولوجيا الفضاء الخارجي. بيد أنه على الجانب الآخر، بدا أن ثمة استخداماً مزدوجاً لهذه التكنولوجيا، في ظل وجود اتجاه لدى بعض الدول في التحول إلى تسليح الفضاء، حيث أضحت هذه التكنولوجيا جزءاً مركزياً من النهج الأساسي للقتال في الحروب الحديثة، فضلاً عن عمليات الردع، إلى جانب المخاوف المتنامية جراء تزايد الحطام الفضائي الذي يهدد بتقويض الأمن في الفضاء الخارجي. 

وفي هذا الإطار، يهدف هذا التحليل إلى تسليط الضوء على أبرز استخدامات الفضاء الخارجي، والقواعد القانونية التي تحكم التنافس الدولي في الفضاء الخارجي، والإشكاليات التي تواجه تطبيق الدول لتلك القواعد.

استخدامات الفضاء الخارجي:

تتنوع استخدامات الدول للفضاء الخارجي على نحو يعكس حجم إمكانياتها وقدرتها على تحمل تبعات مخاطر استثماراتها في هذا الفضاء. وفيما يلي أبرز هذه الاستخدامات:

1- أنشطة الاستخبارات: تشمل أعمال المراقبة والاستطلاع، وهي الاستخدامات الأكثر شهرة للأقمار الصناعية، حتى وإن لم يتم الإعلان صراحة عن هذه المهام التي عادة ما تكون ذات طبيعة مزدوجة، خاصة في ظل ما تمثله تكنولوجيا المعلومات حالياً بالنسبة لاحتمالات كسب الحرب أو خساراتها، فهي التي تُمكن الدول من جمع البيانات التي بمقتضاها تقوم بمنع الهجمات ضدها أو تنفيذها. ومن أبرز الأمثلة المُعلنة في هذا الصدد، الدور الذي لعبته تكنولوجيا الفضاء الخارجي في عمليتي "درع الصحراء" و"عاصفة الصحراء" التي شاركت فيها القوات الأمريكية، حيث كانت صور مخازن الذخيرة تستند إلى معلومات اعتمدت على هذه التكنولوجيا في تمكينها من تحقيق أهدافها بدقة.

2- الأرصاد الجوية ورصد الأرض: يقيس بعض الأقمار الصناعية المجالات المغناطسية ومجالات الجاذبية للأرض، وبعضها الآخر يرصد التغيرات في الغطاء الأرضي الناتجة عن تغيرات الموسم، كما ترصد الغلاف الجوي للأرض بما في ذلك الأنماط المتغيرة للطقس. ويمكن أن تُساعد البيانات المستمدة من الفضاء صانعي السياسات على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الكشف عن الثروات الطبيعية بباطن الأرض، وإدارة الموارد المائية، فضلاً عن التعامل بفهم أكبر مع عملية تغير المناخ من أجل التخفيف من آثارها. وجدير بالملاحظة أنه على الرغم من كون هذه التكنولوجيا تخدم بصورة كبيرة أغراضاً مدنية، فإن المعلومات المستخلصة منها تُدرج عادة في الخرائط وأيضاً قواعد البيانات العسكرية الأخرى، إذ تُعد المعلومات الدقيقة والمقدمة في وقتها المناسب عن الأرصاد الجوية عنصراً أساسياً في نجاح العمليات العسكرية. 

3- إتاحة الاتصالات: توفر الأقمار الصناعية اتصالات بعيدة المدى على درجة من الدقة، من خلال النظام العالمي لتحديد المواقع الذي يساهم في توجيه خطوط الملاحة والبث التلفزيوني المباشر على نحو يؤثر في مسارات حركة السفن والطائرات، سواء في الأنظمة المدنية أو في الأنظمة العسكرية.

4- الردع المتبادل: أجرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق أول الاختبارات الصاروخية الناجحة لاستهداف أقمار صناعية في عام 1985، والصين في عام 2007، ثم الهند في عام 2019. وتعلن هذه الدول جميعها اليوم أنها تعمل على تطوير "أسلحة ليزر حرب النجوم" لتدمير الأقمار الاصطناعية.


القواعد القانونية المنظمة:

كان للأمم المتحدة جهود جمة من خلال "لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية"، التي أُنشئت في عام 1959؛ بغية إدارة الجهود المرتبطة بهذا المجال. وقد رعت الأمم المتحدة خمس معاهدات متعددة الأطراف مرتبطة بإدارة الفضاء الخارجي، لا تزال تشكل مرجعية أساسية وجوهرية في المجال. وفي هذا الإطار، يستعرض هذا الجزء من التحليل أبرز القواعد والمبادئ القانونية التي تضمنتها هذه المواثيق على النحو التالي:

1- حرية استكشاف الفضاء الخارجي: يعد بمنزلة المحور الذي تدور حوله كل المبادئ الأخرى، فهي إما مكملة أو مقيدة له أو تمثل دعامة من دعائمه. فهذه الحرية ليست مطلقة وإنما يجب أن تُمارس في الحدود التي وضعها القانون، وقد حدد النص 3 شروط لممارستها، وهي أن تكون من دون أي نوع من التمييز، وعلى أساس من المساواة، ووفقاً للقانون الدولي.

2- اعتبار الفضاء الخارجي تراثاً مشتركاً للإنسانية: الهدف من ذلك هو الخوف من أن تستغل الدول الكبرى مبدأ حرية استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للاستحواذ على موارد الفضاء، حيث إن مبدأ الحرية لا يمنح الدول التي تصل أولاً إلى الفضاء فرصاً تفضيلية لاستغلال موارد الفضاء الخارجي والانتفاع بها بعيداً عن الدول المتأخرة، بل حق الانتفاع بها مضمون للجميع بشكل عادل. وقد تمت الإشارة لهذا المبدأ في ديباجة معاهدة الفضاء كما نُص عليه مباشرة في "المادة 11 الفقرة 1" من اتفاق القمر لسنة 1979. كذلك ما جاء في كل من اتفاقية المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تحدثها الأجسام الفضائية لعام 1972، واتفاقية تسجيل الأجسام المطلقة إلى الفضاء لعام 1967، في ديباجيتهما، بشأن المصلحة العامة للإنسانية جمعاء في كشف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية. 

3- عدم قابلية الفضاء الخارجي والأجرام السماوية للتملك أو ادعاء السيادة من جانب أية دولة: هو مرتبط بما سبق ذكره، إذ إن إباحة اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجي والأجرام السماوية بالنسبة لجميع الدول بلا استثناء وعلى قدم المساواة، مفاده أن الفضاء الخارجي والأجرام السماوية يخرجان عن نطاق السيادة الإقليمية للدول. فمن المعلوم أن الدول المستقلة تتمتع بالسيادة الكاملة والانفرادية على إقليمها الهوائي، كما تتمتع بتلك السيادة على إقليمها الأرضي ومياهها الإقليمية، حيث إن إقليم الدولة طبقاً لقواعد القانون الدولي يتكون من الإقليم الأرضي والإقليم المائي إن وجد وأخيراً الإقليم الهوائي. ومن المقرر أن الإقليم بعناصره الثلاثة يخضع للسيادة الكاملة والانفرادية للدولة. وبالنسبة للإقليم المائي، فقد استقر الوضع على تحديد بضعة أميال بجوار شواطئ الدولة تتراوح بين 3 و12 ميلاً يأتي بعدها ما يخرج عن نطاق السيادة الإقليمية للدول، حيث تتمتع الدول كافة على قدم المساواة بحرية الاستخدام. أما فيما يتعلق بالإقليم الهوائي، فلم يكن حتى الآن موضع اتفاق بشأن حدوده.

ومن الصعوبة بمكان التمسك بفكرة امتداد السيادة الإقليمية لدول العالم على ما يعلو إقليمها إلى ما لا نهاية في الفضاء الخارجي، لاسيما أن العنصر الأساسي في السيادة يرتبط بالقدرة على السيطرة وممارسة جميع الاختصاصات التي تهدف إلى المحافظة على حقوق الدولة صاحبة السيادة، ومنع الغير من التعرض لها أو المساس بها. وهذا ما يصعب أن تحققه الدول بالنسبة إلى الفضاء الخارجي الذي يعلو أقاليمها. من ناحية أخرى، فإنه لو فُرض أن اتُفق على أن يُجاز للدولة أن تقوم بفرض سيادتها أو ووضع يدها على بعض مناطق الفضاء والأجرام السماوية، لأصبح ذلك قيداً على حرية بقية الدول في الاستكشاف والوصول إلى هذه المناطق.

4- ملكية الدول وولايتها القانونية على أجسام الفضاء وعلى كل العاملين بها: تظل هذه الملكية ثابتة سواء بقيت الأجسام في الفضاء الخارجي أو على الأجرام السماوية أو عادت إلى الأرض. وبناءً عليه، فإن أجسام الفضاء والأجزاء المتصلة بها متى سقطت خارج حدود الدول التي تحمل جنسيتها، فإنه يجب أن ترد إليها، وتلتزم الدول صاحبة الشأن التي تطالب باسترداد أجسام الفضاء، بتعويض الدول التي هبطت الأجسام في أقاليمها عن النفقات التي تكبدتها في سبيل المحافظة عليها وإعادتها إليها، وكذلك عن الأضرار التي أصابتها منها، ويجوز للدول الدائنة بالتعويض أن تحبس أجسام الفضاء تحت يدها وأن تمتنع عن ردها إلى دولها حتى تحصل على التعويض المستحق لها. 

5- نزع السلاح عن الفضاء الخارجي والأجرام السماوية: جدير بالذكر هنا أن المادة الرابعة من معاهدة الفضاء الخارجي كانت قد ميزت بين القمر والأجرام السماوية من جهة، والفضاء الخارجي من جهة أخرى، حيث حرمت استخدام القمر وغيره من الأجرام السماوية في أي ناحية من النواحي العسكرية، مثل إنشاء القواعد العسكرية وإجراء تجارب عسكرية فوقها، في حين اقتصر التحريم فيما يتعلق بالفضاء على الأقمار التي تحمل أسلحة الدمار الشامل، أو القيام بإيداع أسلحة بأي طرق، وبذلك نجد أن النص لا يحرم وضع أسلحة تقليدية في مدار الأرض في الفضاء الخارجي. 

كما أن هناك مسائل كثيرة يختلط فيها الأمر، ويصعب تحديد ما إذا كانت تُعتبر من قبيل الأغراض العسكرية من عدمه، خاصة أن المعاهدة لم تُحرم استخدام الهيئات العسكرية أو المعدات الحربية في إجراء البحوث العلمية في الفضاء الخارجي والأجرام السماوية. ومن المعلوم أن الأعمال العسكرية تعتمد بشكل كبير على البحوث العلمية، وبالتالي فإن أي بحث علمي يخدم الأغراض العسكرية والأغراض غير العسكرية في وقت واحد. كما أن الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية للأغراض المدنية لغرض الاستخدام العلمي والرصد الجوي، يمكن أن تُستخدم لتحديد المناطق التي تتواجد فيها القوات المسلحة والمعدات والمنشآت العسكرية. 

6- خضوع نشاط الدول في اكتشاف واستخدام الفضاء الخارجي والأجرام السماوية: لقواعد القانون الدولي بما فيه ميثاق الأمم المتحدة: تهدف جميعها بالأساس إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، ومع ذلك فجدير بالملاحظة أن هناك بعض المسائل في الفضاء الخارجي تتسم بطبيعة خاصة، لا تتفق معها قواعد القانون الدولي التقليدية، ومن ثم اضطر المشرع الدولي إلى الخروج في شأنها عن هذه القواعد، ووضع قواعد جديدة لها تتناسب مع طبيعتها الخاصة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، عدم قابلية الفضاء الخارجي والأجرام السماوية، للتملك من جانب أية دولة، حيث خرج المشرع الدولي خروجاً واضحاً عن القواعد التقليدية المتعلقة بحق اكتساب الإقليم بطريق الاستيلاء.

7- المحافظة على سلامة رواد الفضاء: تتعامل الدول باعتبار أن رواد الفضاء سفراء للبشرية في الفضاء الخارجي، وإلزام الدول بتقديم كافة التسهيلات والمعونات الممكنة ومد يد المساعدة عند وقوع حادث أو هبوط اضطراري في أي إقليم لدولة أو في أعالي البحار والالتزام بردهم سالمين إلى دولة الإطلاق.

8- التعاون والشفافية: على الدول التي تعتزم في إطلاق جسم فضائي أن تقوم بقيد هذا الجسم "في سجل مناسب تتكفل بحفظه"، وأن تبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بهذا السجل الذي يضم المعلومات التي تقدمها إليه كل دولة عن كل جسم فضائي مقيد في سجلها، وتشمل اسم الدولة أو الدول المطلقة، وتسمية دالة على الجسم الفضائي، ورقم تسجيله، وتاريخ إطلاقه، والإقليم أو المكان الذي أُطلق منه، ومعالم مداره الأساسية، والوظيفة العامة للجسم الفضائي. وأكدت المادة التاسعة من معاهدة الفضاء الخارجي على وجوب مراعاة الدول في أنشطتها الفضائية بألا تقوم بإدخال أي مواد فضائية غريبة قد تؤثر في بيئة الأرض.

9- مسؤولية الدولة عن نشاطها بالفضاء الخارجي والأجرام السماوية: يكون ذلك سواء كانت هذه الأنشطة تمارسها هيئاتها الحكومية أو غير الحكومية. فوفقاً لاتفاقية المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تحدثها الأجسام الفضائية لعام 1971، فإن الدولة التي تتولى إطلاق جسم في الفضاء الخارجي أو التي أُطلق الجسم من إقليمها أو سهلت ذلك، تتحمل المسؤولية عن الأضرار التي تصيب الدول الأخرى أو أشخاصها الطبيعيين، نتيجة استخدام هذه المقذوفات أو جزء منها، سواء في المجال الخارجي للفضاء أو المجال الجوي أو على الأرض.


إشكاليات قانونية:

يتضح مما سبق أن التطور السريع الذي شهده مجال تكنولوجيا الفضاء منذ نشأته، قد أثر في الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بالفضاء الخارجي التي اتسمت بقدر من السيولة وعدم الحسم في كثير من الحالات. وفي هذا السياق، نُشير إلى أبرز الإشكاليات التي تواجه تطبيق قواعد تنظيم الفضاء الخارجي، وما تفرضه من تحديات وعواقب، وذلك على النحو التالي:


1- تحديد المجال الفضائي الإقليمي: فعلى الرغم من وجود اتفاق حول أنه فوق كل إقليم أرضي هناك ما يُسمى بالمجال الجوي ويخضع لقوانين الدولة التي ينتمي إليها ولا ينبغي انتهاكه من دون إذن هذه الدولة، وأنه بعد ارتفاع معين فإن الفضاء فوق تلك المنطقة الجغرافية يخرج عن كونه مجالاً فضائياً وطنياً أو فضاء إقليمياً إلى كونه فضاء دولياً تحكمه تشريعات دولية؛ بيد أنه لا يزال هناك اختلاف حول تحديد حدود هذا الفضاء. وقد جاء عدم اتفاق دول العالم حتى الآن على معيار محدد يمكن أن تستند إليه لاعتبار الحد الذي ينتهي عنده الغلاف الجوي ليبدأ منه الفضاء الخارجي بسبب تعارض المواقف التي تتبناها الدول التي تعكس مصلحتها، ما أدى إلى عجز المجموعة الدولية عن وضع تعريف للفضاء الخارجي بالنسبة للفضاء الوطني، حيث تخشى الدول ذات النشاط الفضائي الكثيف أن يؤدي التحديد الفاصل بين المجالين إلى الحد من نشاطها أو إلى ضرورة الإعلان عن أنشطة سرية أو إلى اضطرارها إلى دفع رسوم لحق المرور.

2- تبادل المعلومات: تطورت تقنيات عمليات جمع المعلومات، كما تعددت مجالات استخدامها حتى أنها دخلت في مجالات الاستغلال التجاري. وعندما طُرح هذا الموضوع على لجنة الأمم المتحدة، تم الوصول إلى اتفاق جماعي يقضي بأن حرية التصوير غير مقيدة استناداً إلى سابقة اتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في اتفاقية الحد من الصواريخ الباليستية في عام 1972 نص على أن "أياً من الدولتين لا تتدخل في وسائل الاستطلاع لدى الدولة الأخرى". لكن من ناحية أخرى، تُثار مسألة حق نقل المعلومات الاستطلاعية إلى طرف ثالث والشروط التي بمقتضاها يكون للدولة الحق في الاطلاع على المعلومات الخاصة بما هو داخل حدودها. إذ تحرص الدول المنتجة لتكنولوجيا الفضاء الخارجي على الاحتفاظ بالمعلومات التي ترى فيها مصلحة من عدم مشاركتها، والدول العاجزة عن المشاركة في الفضاء الخارجي ليس لديها ما تفاوض به؛ فهي لا تستطيع منع الأقمار الصناعية من كشف أراضيها ولا تملك معلومات مماثلة لتقايض بها، كما أنها لا يمكنها معالجة هذه المعلومات والاستفادة منها، وتتحمل تكلفة مرتفعة عندما تلجأ للمراكز المختصة في الدول المتقدمة.

3- صعوبة التحقق من وجود اختراق للمسؤولية الدولية عن نشاط الفضاء الخارجي: فما الذي يضمن عدم مخالفة الدول لأحكام المعاهدات الدولية، إذ لم تشمل أي منها ضمانات في هذا الخصوص. فعلى الرغم من أن مسائل تسوية منازعات الفضاء الخارجي والأجرام السماوية تخضع للقواعد والإجراءات نفسها التي تحكم تسوية المنازعات الدولية بصفة عامة، فإنه من المهم في هذا الصدد إيجاد التنظيمات المناسبة التي تضمن عدم تعطيل تسوية مثل هذه المنازعات، إذ عادة ما يثور التساؤل بشأن كيفية إثبات الوقائع في منازعات الفضاء الخارجي؛ لأنه من ناحية يصعب إن لم يكن يستحيل إجراء المعاينة في الفضاء الخارجي، ومن المعلوم أن المعاينة هي أهم إجراء في التحقيق. ومن ناحية أخرى، يتطلب تحقيق منازعات الفضاء الخارجي، مستوى عال من الخبرة الفنية والعملية، بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة لمثل هذه الإجراءات. ومن ثم فإن الكشف عن مثل هذه المسؤولية يكون في يد الدول ذاتها التي تراقب كل منها الأخرى في إطار سعيها الحثيث من أجل حفظ توازن القوى فيما بينها. 

من جهة أخرى، يُلاحظ أنه في ظل التطور الذي تشهده التكنولوجيا وما أفرزته الحرب الإلكترونية، فإنه لا يمكن استبعاد احتمال قيام خصوم للدولة سواء من دول أو جماعات أو أفراد بعمليات قرصنة معقدة ينتج عنها أضرار في الفضاء أو على الأرض، وفي هذه الحالة سيقع عبء المسؤولية على مالك القمر الصناعي، بينما لن يواجه الفاعل الرئيسي الحقيقي أي مسؤولية قانونية عن الضرر الذي تسبب فيه.