تسييس الخدمات:

لماذا تعثرت 6 دول عربية في حل أزمة الكهرباء؟

10 August 2021


تحول "انقطاع التيار الكهربائي" إلى أزمة مزمنة في عدد من الدول العربية، على رأسها العراق ولبنان وسوريا والسودان واليمن وليبيا، حيث تعاني هذه الدول من تلك الأزمة منذ سنوات، وقد شهدت ذروتها في الوقت الراهن مع تكرارها على مدد زمنية أقرب، هذا فضلاً عما سببته من أضرار اقتصادية ومادية، للقطاعين الخاص والعام، نتيجة طول ساعات التقنين (فترة انقطاع التيار الكهربائي) التي تصل إلى 18 ساعة في بعض الدول، لاسيما سوريا الذي تتجاوز أحياناً فيه الـ 22 ساعة.  

وترجع أسباب الأزمة بالأساس إلى أبعاد أمنية، ترتبط باستهداف مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية من قبل الجماعات المتطرفة المسلحة، حيث أصبحت "الكهرباء" أداة ضغط رئيسية، تستخدم على نطاق واسع في النزاعات السياسية في الإقليم.  وتتناول المقالة الحالية أزمة الكهرباء والوقود بعدد من الدول العربية وسياسات مواجهتها.


العراق: توظيفات سياسية وأمنية

يعتمد العراق بشكل أساسي على الغاز المستورد في تشغيل محطات الكهرباء. وعلى الرغم من كون العراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في أوبك، فإن الدولة تعاني نقصاً كبيراً في إمدادات الكهرباء، حيث ينتج العراق نحو 20 ألف ميجاوات من الطاقة الكهربائية، بينما الاحتياج الفعلي يتجاوز 30 ألف ميغاوات، ومن ثم يعاني العراق عجزاً يصل إلى نحو 10 آلاف ميجاواط وانقطاع شبه تام للكهرباء. وهو الأمر الذي أدى لتصاعد الاحتجاجات الشعبية واستقالة وزير الكهرباء العراقي في 29 يونيو 2021. 

وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تزيد القدرة الإنتاجية الاسمية للعراق عن 26 جيغاواط في حال نجحت الدولة في تعزيز كفاءة استخدام الطاقة وتحديث بنيتها التحتية. ولكن على الرغم من الخطط الطموحة للحكومة العراقية وإنفاق نحو 120 مليار دولار منذ 2003 على القطاع الكهربائي، فإن النتائج كانت محدودة جداً في ظل الإخفاق الإداري والبيروقراطية، وأنماط الاستهلاك غير الرشيد، ومحدودية مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقة، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية وتزايد الهجمات على أبراج نقل الكهرباء الرئيسية بالدولة، وصعوبة التغلب على المصالح السياسية بالعراق مقابل الصالح العام. 

بالإضافة إلى الأسباب السابق ذكرها، فإن الاعتماد المتزايد على استيراد الغاز من إيران، تسبب في تأثر العراق بالأزمات الإيرانية بصورة كبيرة. فتعد إيران المزود الرئيسي للكهرباء في العراق وتمدها بنحو 28% من احتياجاتها من الغاز والكهرباء ومن ثم تقلصت إمدادات الوقود اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء بالعراق؛ نتيجة لتزايد المديونات العراقية المستحقة لدى إيران، بالإضافة إلى صعوبة سداد الديون الإيرانية نتيجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وتصاعد أزمة الكهرباء أيضاً في إيران. وعلى الرغم من إدراك الحكومة العراقية أهمية تنويع مصادر استيراد الوقود وتوقيعها على عدة اتفاقيات لاستيراد الطاقة من دول عدة، مثل الأردن والكويت وآخرها السعودية ومصر والإمارات، فإن هذه الإمدادات ما زالت محدودة ومرهونة بتحسن العلاقات السياسية في المنطقة.

لبنان: تهالك البنية التحتية

يعتمد لبنان على محطات طاقة حرارية قديمة، تستخدم النفط الثقيل وزيت الوقود المستورد في توليد الكهرباء. وتعد أزمة الكهرباء معضلة مستمرة حتى في السنوات التي سبقت انفجار المرفأ في أغسطس 2020. وعلى الرغم من بوادر الأمل التي ظهرت في عام 2017 بعد إنشاء محطتين جديدتين للطاقة، بمساعدة ألمانية في منطقتي ذوق والجيّة، بإجمالي طاقة إنتاجية اسمية قدرها 960 ميجاواط، وطاقة فعلية بنحو 620 ميجاواط في عام 2018، إلا أن الأزمة مستمرة بسبب استخدام مولدات قديمة ذات كفاءة متدنية وتكلفة تشغيلية مرتفعة، واستخدام زيت وقود لا يطابق المواصفات القياسية، نتيجة ضعف وفساد مؤسسي في مختلف القطاعات الاقتصادية بصفة عامة وقطاع الطاقة والكهرباء بصفة خاصة. وبالتالي فإن عجز إنتاج الكهرباء بالدولة يتجاوز نحو 1600 ميجاواط.

ووفقاً للبنك الدولي في تقرير حديث صادر في يونيو 2021، بلغت ديون قطاع الكهرباء اللبناني نحو 40 مليار دولار من إجمالي الدين العام للدولة في 2020، حيث تقلص إنتاج شركة كهرباء لبنان بنحو 19% (على أساس سنوي) في 2020 بسبب تدهور قيمة الليرة اللبنانية، نتيجة تقلص احتياطي العملات الأجنبية بالمصرف المركزي من 40 مليار دولار إلى 16 ملياراً، وعدم توفر العملات الأجنبية اللازمة لصيانة محطات توليد الكهرباء، وتراكم المستحقات المتأخرة لمقاولي الصيانة والخدمات من القطاع الخاص. 

السودان: معدلات وصول محدودة

يتم توليد الكهرباء في السودان من مصادر التوليد المائي والحراري من خلال حرق الوقود والطاقة الكهرومائية. وتعاني السودان عجز إنتاج قدره 1000 ميجاواط، مما يتسبب في انقطاع الكهرباء لفترات تمتد لنحو 10-12 ساعة يومياً. وفي ظل تدهور قيمة الجنيه السوداني ونقص الدولار نتيجة تداعي احتياطات النقد الأجنبي، لا تستطيع الدولة استيراد الوقود الكافي أو دفع مصاريف صيانة محطات الكهرباء وتوفير قطع الغيار لها.

ووفقاً لتقرير للبنك الدولي عام 2019 فإن معدل الوصول إلى الكهرباء يقدر بنحو 32% فقط، ففي حين تتصل 2.2 مليون أسرة بالكهرباء، هناك في المقابل 4.5 مليون أسرة لا تزال من دون كهرباء. هذا بالإضافة إلى المستوى المتدني لكفاءة الطاقة نتيجة استخدام الأسر أجهزة متدنية الكفاءة في ظل صعوبة الاستيراد من السوق الدولية لسنوات طويلة ماضية بسبب العقوبات الاقتصادية.

وتعتبر أزمة الكهرباء مزمنة بسبب اختلالات الاقتصاد الكلي المتعلقة بارتفاع معدلات التضخم وعدم استقرار أسعار الصرف، إلى جانب دعم أسعار الكهرباء، وهي الأمور التي تحد من استثمارات القطاع الخاص، يضاف إلى ذلك عدم استدامة خطط وسياسات قطاع الطاقة ففي ظل انخفاض تكلفة الكهرباء المولدة من الماء والطاقة المتجددة، ترتكز خطط الدولة على الاستثمار في التوليد الحراري الأكثر تكلفة. بالإضافة إلى ذلك ارتفاع معدل الطلب السنوي على الكهرباء بمتوسط 11% سنوياً، وهو من أسرع المعدلات الأفريقية في منطقة جنوب الصحراء. وكذلك انخفاض الكفاءة الفعلية لمحطات الكهرباء المصممة لتوليد 4000 ميجاواط في الوقت التي تعمل فيه فقط بنحو 54% من قدرتها. ومع استمرار أزمة سد النهضة الإثيوبي واحتمالية انخفاض مناسيب النيل، فقد يؤثر ذلك أيضاً على أداء السدود السودانية في توليد الكهرباء.

سوريا: ارتدادات انهيار الدولة

في ظل الانقسامات في سوريا وسيطرة تنظيم داعش على عدد من المدن السورية وتدهور الاقتصاد، انهارت البنية التحتية وفقدت الدولة نحو 70٪ من خطوط نقل النفط والغاز وكذلك محطات توليد الكهرباء، وهو الأمر الذي أدى إلى نقص الوقود والغاز اللازمين لتشغيل محطات الكهرباء، ومن ثم انقطاع الكهرباء لساعات طويلة قد تمتد لنحو 16-22 ساعة يومياً. تحتاج سوريا نحو 7000 ميجاواط للتغلب على الأزمة ولكن الإنتاج الحالي لا يتجاوز 3200 ميجاواط، ليصل عجز الإنتاج إلى نحو3800 ميجاواط يومياً. ويفتقر نحو 70٪ من السكان في سوريا إمكانية الحصول على الكهرباء. وعلى الرغم من استخدام البعض المولدات الخاصة، فإن هذه المولدات لا تغطي ساعات انقطاع الكهرباء كافة في ظل عدم توافر البنزين والمازوت اللازمين لتشغيلها. 

مما لا شك فيه أن سوريا تشهد أزمات متصاعدة في الكهرباء والغذاء وغيرها من الأزمات المعيشية التي ترتبط باستمرار الحرب والنزاعات. ومن ثم فإن الحلول في سوريا وقتية وتعتمد على برامج الدعم الإنساني وبرامج التنمية وتطوير سبل الطاقة المتجددة لتحسين عمل شبكات الكهرباء قدر الإمكان كمحاولة للتطوير وتقديم حلول مستدامة للطاقة. 

اليمن: اخفاقات حكومية

شهدت منظومة الكهرباء في اليمن تدهوراً كبيراً منذ مارس 2015، في ظل توقف محطة مأرب، أكبر محطة كهرباء في اليمن، والمسؤولة عن تشغيل معظم المدن. الأمر الذي أدى إلى عجز كبير في إنتاج الكهرباء، يتجاوز 50% من قدرة إنتاج المحطات القديمة المتهالكة، وانقطاع الكهرباء لنحو 18 ساعة يومياً.

وتتعدد الأسباب وراء أزمة الكهرباء نتيجة الاخفاق الحكومي، ونقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات، وعدم توافر قطع الغيار والصيانة اللازمة لمحطات الكهرباء، بالإضافة إلى محدودية الاستثمارات اللازمة لتطوير المحطات أو لبناء شبكات ربط كهربائي جديدة، ودعم سبل الطاقة الشمسية المتجددة لتوليد الكهرباء. ومن جانبه فقد أشار البنك الدولي في 2019، إلى أن عدم توفر البيانات اللازمة لتقييم قطاع الكهرباء في اليمن منذ بدء الصراع، يحول دون تطوير حلول ملائمة للأزمة. 

ليبيا: مخاطر أمنية متزايدة

تعتمد شبكة الكهرباء في ليبيا على الإنتاج من محطات توليد، إما غازية أو بخارية. ووفقاً لشركة كهرباء ليبيا، فإن عجز إنتاج الكهرباء يتجاوز 25% مع إنتاج بمتوسط 5800 ميجاواط مقابل أقصى استهلاك 7500 ميجاواط يومياً. 

وفي الوقت الحالي فإن محطات توليد الطاقة غير قادرة على تغطية الطلب المتزايد على الطاقة بسبب المخاطر الأمنية التي يواجهها مهندسو الصيانة والتشغيل، ونقص الإمكانيات المتعلقة بالصيانة، بالإضافة إلى عدم الكفاءة الإدارية والمالية، مما يعرقل الجهود المبذولة لتغطية الطلب المتصاعد على الطاقة. وتسعى دول الجوار الثلاث مصر والجزائر وتونس لتجنب تفاقم أزمة الكهرباء في ليبيا وأثرها على تأجيج الاحتجاجات الشعبية على جانب الحرب الأهلية في البلاد لدعم جهود بناء سلام مستدام بين الجانبين واستقرار ليببا.

في الختام، وفي ظل العرض السابق لمختلف أزمات الكهرباء في الدول الست محل النقاش يمكن تلخيص أسباب أزمة الكهرباء في تدهور الأوضاع الأمنية والصراعات والانقسامات الداخلية، فضلاً عن تدهور البنية التحتية وضعف وتهالك شبكات النقل والكهرباء، إضافة إلى عدم كفاءة سياسات الطاقة، وتداعي عوامل الاقتصاد الكلي مثل التضخم، وتدهور سعر الصرف، ونقص الاحتياطي الأجنبي، وعدم توفر الوقود والغاز المستورد اللازم لتشغيل المحطات. وأخيراً محدودية دور القطاع الخاص وعدم الاهتمام بتعزيز سياسات الطاقة المتجددة التي من شأنها الحد من أزمة الكهرباء المتصاعدة، خاصة في فصل الصيف.

ويبقى من الصعب وضع حلول لأزمات الكهرباء المتصاعدة في مختلف الدول العربية من دون تعزيز الاستقرار الأمني، وتطوير البنية التحتية وإجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاستثمارية. وإيجاد آلية لزيادة مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقة، وتشجيع الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة، وتقديم التسهيلات التشريعية والمادية للمستثمرين، وتوجيه البنوك لتمويل تلك المشروعات لتغطية طلب السوق المحلي المتصاعد على الطاقة بمختلف الدول.