اعتبارات متنوعة:

لماذا تصاعد الاهتمام بملف إعادة الإعمار في بؤر الصراعات بالإقليم؟

03 June 2021


‎اكتسبت عمليات إعادة الإعمار في بؤر الصراعات المسلحة في ليبيا وسوريا والعراق وقطاع غزة بفلسطين اهتماماً وزخماً خاصاً، خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يمكن تفسيره انطلاقاً من عدة عوامل أبرزها تعزيز شرعية الحكومات الجديدة بعد سنوات من الفوضى، وتثبيت التهدئة بعد المواجهات العسكرية في مناطق الاشتعال، والفوز بعقود في مناقصات مشروعات إعادة الإعمار، وتنافس الأدوار الإقليمية على تعزيز التأثير في ملفات الأزمات العربية، وتعزيز دور العمالة الوطنية في الدول العربية، ودعم الاستقرار في دول الجوار الجغرافي.

‎إن هناك مؤشرات متعددة تعبر عن الاهتمام بملف إعادة الإعمار في نقاط الاشتعال بالإقليم، الأمر الذي يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل، هى:

‎عودة الدولة

‎1- تعزيز شرعية الحكومات الجديدة: يعد أحد الأهداف الرئيسية للحكومات التي تتولى مقاليد السلطة بعد سنوات من الاقتتال الداخلي العمل على إعادة إعمار المناطق والمدن التي دمرتها المواجهات الميدانية بين الأطراف، بما يرسل إشارة محددة وهى "عودة الدولة"، وهو ما تحاول القيام به حكومة عبدالحميد الدبيبة في ليبيا، حيث تعهد خلال زيارته في 20 مايو الماضي إلى مدينة بني وليد رفقة عدد من وزرائه، بإصلاح ما دمرته الحرب، وتحويلها إلى ساحة للبناء والتشييد والإعمار في المرحلة المقبلة، وليس ساحة للحرب والقتال، لاسيما أن بني وليد (معقل القذافي) عانت على مدى عقد كامل، وسيطرت عليها العصابات الإجرامية.

‎وقال الدبيبة خلال لقائه بعدد من مسئولي المدينة وأعيانها إنه سيعتمد على مدينة بني وليد في تحقيق المصالحة الوطنية، ووعد بإعادة تفعيل المشروعات المتوقفة منذ عشر سنوات، لافتاً إلى أن وزراء حكومته سيوجدون في كل المدن الليبية من دون استثناء، بهدف الوقوف على احتياجات ومشكلات المواطنين. وتعد من أبرز هذه المشكلات تلك المتعلقة بالنازحين وأزمة مياه الشرب، بالإضافة إلى الأعباء المالية التي يتكبدها المواطنون جراء ضعف الخدمات الأساسية والمرافق العامة. فالحكومة الليبية معنية باستعادة نفوذها على مختلف المناطق، للقيام بالوظائف الاقتصادية والأمنية والتنموية مع العمل على ترسيخ المصالحة الوطنية.

‎إطفاء الحرائق

‎2- تثبيت التهدئة بعد المواجهات العسكرية في مناطق الاشتعال: ولعل ذلك ينطبق على المواجهات التي دارت بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل لمدة 11 يوماً، في مايو الماضي، مما أحدث خسائر في البنية التحتية لقطاع غزة. وفي هذا السياق، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 18 مايو الماضي، تقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة تخصص لمصلحة عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ إعادة الإعمار.

‎ولعل هذه المبادرة تشير إلى رؤية مصر بضرورة الخروج من الدائرة المفرغة للعنف واستعادة الاستقرار والحد من الخسائر البشرية والمادية بمبادرة استباقية قد تمهد لتثبيت وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والتوصل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد، وربما تقود إلى استعادة التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين بعد سنوات من الجمود.

‎الكعكة الاقتصادية

‎3- الفوز بعقود في مناقصات مشروعات إعادة الإعمار: وهو ما برز جلياً في الحالة الليبية لاسيما بعد تثبيت التهدئة بين طرفي الصراع في الشرق والغرب وانتخاب السلطة الجديدة ممثلة في رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة في فبراير الماضي، حيث ظهر التنافس بين شركات المقاولات المصرية والتونسية والتركية للحصول على نصيب من كعكة الإعمار داخل ليبيا، فضلاً عن تطلع شركات تنتمي لدول أوروبية سواء الإيطالية أو الفرنسية أو الألمانية للحصول على نصيب من تلك العقود.

‎ولعل الزيارات التي قام بها رؤساء حكومتي مصر وتونس، بمصاحبة وفد من الوزراء ورجال الأعمال، خلال شهري أبريل ومايو الماضيين، توضح محورية ملف إعادة الإعمار بالنسبة لهما، خاصة أن مصر تسعى لتعزيز الوضع الاقتصادي بعد تداعيات كوفيد-19، في حين أن تونس تواجه تأزماً اقتصادياً حاداً، يجعلها تقترب من شبح الإفلاس، وفقاً لأسوأ سيناريو محتمل. لذا، زار رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبي عبد الحميد الدبيبة المنتدى والمعرض الليبي- التونسي، في 23 مايو الماضي، والذي انعقد بمشاركة حوالي 150 مؤسسة اقتصادية تونسية في مجالات التجهيز والبناء والصناعات المعملية والتجارة والخدمات والقطاع المصرفي، وهو ما يمثل دفعاً لمجال إعادة الإعمار. فضلاً عن تفعيل دور مجالس الأعمال التونسية- الليبية للمساهمة في مجال إعادة الإعمار.

‎نفوذ إقليمي

‎4- تنافس الأدوار الإقليمية على تعزيز التأثير في ملفات الأزمات العربية: يمكن النظر إلى تسابق دول الإقليم على الفوز بعقود لإعادة الإعمار من زاوية سياسية. فعلى سبيل المثال، الأدوار التي قامت بها مصر في اتجاه تثبيت الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وتعزيز خيار المصالحة الفلسطينية وإعادة الاعتبار أدى إلى استعادة دور مصر الإقليمي في أحد الملفات التي تراجع الاهتمام بها، رغم تأثيرها على الأمن والاستقرار الإقليمي، لأنه في الوقت الذي سادت التهدئة في جبهات القتال العربية عاد التصعيد مرة أخرى في الأراضي المحتلة.

‎ولعل ذلك يفسر الرسالة التي نقلها اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في 30 مايو الماضي بأن "القضية الفلسطينية ستظل على رأس اهتمامات الدولة المصرية"، و"نسعى لإعادة الإعمار وإنهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني وعدم تكرار التصعيد"، فضلاً عن دعوة الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لحوار القاهرة في الأسبوع المقبل، الأمر الذي توازى مع زيارته لتل أبيب ولقائه برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتثبيت وقف إطلاق النار.

‎كما أن المواجهات الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين عززت محورية الدور المصري لدى الإدارة الأمريكية الجديدة لاسيما في ظل علاقات القاهرة مع مختلف الأطراف، وحرص واشنطن على إعادة إعمار قطاع غزة شريطة ألا تستفيد حركة حماس من أموال الإعمار، على نحو ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مستهل جولته بالشرق الأوسط التي بدأت بزيارة إسرائيل، في 25 مايو الماضي.

‎تشغيل العمالة

‎5- تعزيز دور العمالة الوطنية في الدول العربية: وهو ما تنشغل به الحكومة المصرية بإرسال عمالة إلى ليبيا والعراق، واللتين كانتا من الأسواق الرئيسية للعمالة المصرية في عهد الرئيسين معمر القذافي وصدام حسين، ولعل تعزيز العلاقات بين مصر والسلطة الجديدة في ليبيا يعبر في أحد أبعاده عن اهتمام مصر بتصدير العمالة وخاصة في قطاع الانشاءات والمقاولات، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على العمالة المصرية في ليبيا خلال المرحلة المقبلة لاسيما بعد اتفاق وفدين من وزارتي العمل الليبية والقوى العاملة المصرية في 13 مارس الماضي على تسهيل إجراءات دخول العمالة المصرية بعد معرفة احتياجات السوق الليبية.

‎كما وقعت الشركة القابضة للتشييد والتعمير، التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام المصرية، والحكومة العراقية، في 23 مايو الماضي، عقد إنشاء الجسر الخامس في مدينة الموصل، بقيمة 15 مليون دولار. ووفقاً لهشام أبوالعطا، رئيس الشركة، فإن العقد يأتي في إطار عملية إعادة الإعمار في دولة العراق الشقيقة، وتعزيزاً للتعاون الاقتصادي بين البلدين، ولما تتمتع به الشركة من قدرة وكفاءة في تنفيذ مشروعات البنية التحتية، مشيراً إلى سعي الشركة القابضة وشركاتها التابعة لتنفيذ المزيد من مشروعات البنية التحتية والإسكان في العراق، وهو ما تم التباحث بشأنه مع المسئولين العراقيين.

‎وعلى صعيد متصل، أبدت العديد من شركات التشييد المصرية استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار غزة، وذلك بعد تقييم الأوضاع هناك والوقوف على المناطق التي تحتاج لإعادة الإعمار سريعاً في القطاع. وفي هذا السياق، قال المهندس سامي سعد رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء في تصريحات لصحيفة "الشروق" المصرية بتاريخ 31 مايو الماضي أن "الحكومة لم تقرر حتى الآن آليات التعاون والأعمال التي يتطلبها الجانب الفلسطيني، كما أنه لم يتم التواصل مع الاتحاد بالبيانات المطلوبة لاختيار نوعية الشركات التي ستشارك في المبادرة". وأضاف سعد أن "الشركات المرشحة للعمل ضمن المبادرة تصل إلى 100 شركة في جميع التخصصات، منها أعمال الصيانة لمحطات المياه والكهرباء، والطرق، وأعمال المواسير، وتركيب خطوط المياه والصرف التي تم تدميرها فضلاً عن إعادة بناء المساكن والمنشآت التي تم تدميرها".

‎الجوار الرخو

‎6- دعم الاستقرار في دول الجوار الجغرافي: على نحو ما تقوم به الجزائر في مالي من باب إعادة الإعمار، حيث أعلن وزير الخارجية صبري بوقادم، في منتصف فبراير الماضي، الوصول إلى تعهدات دولية لإعادة إعمار شمال مالي، بعد يوم واحد من اجتماع لجنة متابعة اتفاق السلام بين حكومة باماكو والجماعات المسلحة، على نحو يعكس التوجه الجديد للحكومة الجزائرية، التي تجاوز فرملة الصراع إلى إعادة الإعمار.

‎لذا، أوضح بيان الخارجية أن الجزائر قررت "زيادة المنح الدراسية وتأهيل مدرسة على الأقل، وتقديم مساعدات غذائية وطبية"، فيما تعهدت دول أوروبية والبعثة الأممية المتواجدة في منطقة الساحل الأفريقي بتحسين البنى التحتية وتمويل أنشطة لتشغيل الأيدي العاملة، وهو ما تدعمه الجزائر لاعتبارات تخص درء تهديدات موجهة لأمنها الوطني بسبب تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعدد من سكان تلك المناطق مما حفزهم على الهجرة نحو الجزائر.

‎خلاصة القول، إن هناك اعتبارات مختلفة فسرتها حالات متعددة للاهتمام من قبل دول الإقليم بملف إعادة الإعمار منها تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتجاوز حقبة الفوضى على مدى عشر سنوات، وموازنة نفوذ القوى الإقليمية المنافسة، ودعم التسوية المحلية للنزاعات المحلية، ومحاربة تنظيمات الإرهاب العابر للحدود، وتنمية المناطق المهمشة، فضلاً عن الحصول على نصيب من كعكعة "مشروعات" إعادة الإعمار لشركات عاملة في التشييد والبناء والمقاولات وغيرها وتشغيل العمالة الوطنية خارج حدودها.