الصراعات المستعصية:

لماذا يتعثر السلام في الشرق الأوسط؟

22 May 2021


شهد العقد الأخير نمطاً جديداً من الصراعات الممتدة والمعقدة في منطقة الشرق الأوسط، التي تداخلت فيها فواعل وقضايا الداخل مع قوى الخارج بالمنطقة، إثر نشوب الانتفاضات العربية في نهاية 2010، حيث تفجرت الصراعات المسلحة في عدة دول عربية، مثل ليبيا وسوريا واليمن، وتمددت تأثيراتها بفعل السياقات السياسية والمجتمعية والاقتصادية المتقاربة لتتلاقى مع أزمات وصراعات أخرى، بعضها كان قائماً بالفعل وازداد تفاقماً وتعقداً أكثر، مثل العراق والصومال، والآخر كان كامناً ثم تفجر حديثاً، مثل مالي في منطقة الساحل الأفريقي، بفعل الحراك الجغرافي لتفاعلات الشرق الأوسط باتجاه مناطق جغرافية مجاورة.

في هذا الإطار، أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ضمن إصداراته سلسلة "كتب المستقبل"، كتاباً جديداً بعنوان "الصراعات المستعصية: لماذا يتعثر السلام في الشرق الأوسط؟"، وتضمّن الكتاب أوراقاً وتحليلات متعددة لخبراء وباحثين نُشر معظمها في إطار نشاطات وإصدارات المركز، وتم تحريرها وإضافة أجزاء أخرى حديثة لها لتواكب مع التفاعلات الراهنة في مناطق الصراعات بالمنطقة، من قبل كل من الدكتور خالد حنفي باحث مصري في مجلة "السياسة الدولية" بمؤسسة الأهرام وحاصل على درجة الدكتوراه في الشؤون الأفريقية، والدكتورة رانيا خفاجة مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا جامعة القاهرة، والأستاذ محمد بسيوني عبدالحليم باحث مصري مهتم بقضايا الأمن الإقليمي والتنظيمات المتطرفة.

ويسعى الكتاب لاكتشاف طبيعة أبعاد وملامح الصراعات المستعصية في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير. كما يطرح -في الوقت عينه- مقاربات نظرية وتطبيقية لحل وتسوية هذه الصراعات، سواء عبر المسارات التقليدية أو غير التقليدية. مستهدفاً من ذلك تقييم مدى إمكانية الخروج من حالة السلام المتعثر في المنطقة.


ويتضمن الكتاب ثمانية فصول، ففي فصله الأول، يؤصل الكتاب -نظرياً- لمفهوم الصراع، ثم يحدد طبيعة مفهوم التسوية السلمية للصراعات والمفاهيم الأخرى المتداخلة معها. أما الفصل الثاني، فيطرح السمات الأساسية لصراعات المنطقة ومن هذه السمات، طول أمد الصراع وتعدد أطرافه، وتطور وسائل وآليات القتال، وتصاعد العامل الخارجي. وفي الفصل الثالث، يناقش الكتاب ديناميات الصراعات بالمنطقة، كحصيلة لمتغيرين مرتبطين، أولهما الفواعل المنخرطة في هذه الصراعات، وثانيهما طبيعة ومستويات التسليح المتاحة لهذه الفواعل. ورصد الفصل الرابع التداعيات الاقتصادية في الدول المأزومة بالصراعات في المنطقة، فيما ناقش الفصل الخامس التداعيات الإنسانية للصراعات، والدور المتزايد للمنظمات الإغاثية الذي لم يقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة؛ وإنما امتد للعب أدوار سياسية.

ويناقش الفصل السادس من هذا الكتاب عوائق تسوية الصراعات بالمنطقة. ويتناول الفصل السابع، المسارات غير التقليدية لحلحلة الصراعات في الشرق الأوسط، كدبلوماسية المسار الثاني، التي تصاعد دورها على خلفية هشاشة التدخلات التقليدية الرسمية، سواء للدول أو للمنظمات الإقليمية والدولية. ويناقش الفصل الثامن الأدوار المتصاعدة للتكنولوجيا، كمحفز للسلام في الشرق الأوسط. ويختتم الكتاب بملحق يُبسط حالات الصراعات المعقدة في ثلاث دول هي ليبيا وسوريا والعراق، عبر توضيح أبرز محطات تلك الصراعات، وخريطة الميليشيات المسلحة، وحجمها، ومنظومات التسليح، وأماكن السيطرة والانتشار.

والرسالة الأساسية التي تظهر بين طيات فصول ذلك الكتاب، هي أن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط سوف يتحقق بتوافر شرطين أساسيين، الأول استعادة الدولة مناعتها، على أسس جديدة من العدل، واستيعاب التنوعات المجتمعية، وتحويلها إلى مصدر قوة، بما يقلص انكشافها داخلياً وخارجياً. والثاني أن تجد المجتمعات على الجانب الآخر بيئة مواتية لتلبية احتياجاتها من الأمن والمشاركة في السلطة والموارد والاعتراف بالهويات، دون الانتقاص من الانتماء الوطني، بما قد يخلق لحظةَ تعافٍ قد تُخرج الشرق الأوسط من الدائرة المفرغة للصراعات.