مراجعة الاستهداف:

تقييم فاعلية القوة الجوية الأمريكية ضد "داعش"

19 May 2021


عرض: عبد المنعم محمد – باحث في العلوم السياسية

شكّل ظهور تنظيم داعش في سوريا والعراق تحديًا كبيرًا أمام المجتمع الدولي، خاصة فيما يرتبط بمساعي التنظيم لتأسيس "دولة الخلافة" المزعومة عبر السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي تعادل مساحات بعض الدول، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل تحالف لمجابهة التنظيم والحد من نفوذه وذلك من خلال عدد من الأدوات المختلفة.

وفي هذا السياق، سعى "بنيامين لامبث" لتقييم وتوثيق دور القوة الجوية في الحرب ضد داعش، وذلك في كتابه المعنون "القوة الجوية في الحرب ضد داعش" للوقوف على حدود فعالية سلاح الجو ومساهمته في هزيمة التنظيم.

حضور فاعل

اعتبر "بنيامين لامبث" أن التقييم غير الدقيق للقيادة المركزية الأمريكية بشأن تنظيم داعش، والنظر إليه باعتباره مجرد "تمرد عراقي" تم إحياؤه بدلًا من الاعتراف به كدولة أولية ناشئة؛ قد ساهم في فرض قيود على الاستخدام الفاعل للسلاح الجوي. ولفت الكاتب إلى أهميته في المعركة ضد التنظيم، وأنه رغم مشاركته المحدودة في البداية، إلا أن مجريات الأمور وتمدد تنظيم داعش وسيطرته المكانية والترابية على مساحات شاسعة في سوريا والعراق، ساهم في توسيع نطاق وتوظيف سلاح الجو في العملية العسكرية ضد التنظيم. إذ وفر الحماية والدعم للقوات البرية المشاركة في تلك المواجهة، كما أدت الضربات الجوية ضد تمركزات داعش الرئيسية إلى تحجيم التنظيم والضغط عليه.

وقد ألمح الكاتب إلى أن توظيف القوة الجوية في إنهاء سيطرة داعش على سد الموصل (أغسطس 2014) كان بمثابة الإعلان المباشر عن الانخراط المتزايد للقوات الجوية في الحرب ضد التنظيم، حيث استخدمت القوات الأمريكية قاذفات القنابل للمرة الأولى في تلك المواجهة بصورة مكثفة وعبر عدد من المقاتلات والطائرات الحربية، مما ساهم في إجهاض مخطط داعش للسيطرة على تلك المنطقة الاستراتيجية. ومنذ ذلك الحين بدأ التوسع في توظيف تلك الأداة، حيث سجل شهر أغسطس 2014 قيام الولايات المتحدة بتنفيذ نحو 232 طلعة جوية ضد أهداف داعش، فضلًا عن 675 طلعة لتزويد الطائرات الأمريكية بالوقود، علاوة على تنفيذ نحو 162 طلعة، وأسقطت 910.000 رطلًا من الإمدادات الجوية، لدعم جهود الإغاثة الإنسانية.

ورغم محدودية الضربات في البداية، إلا أنها نجحت في وقف توسع داعش، خاصة أنها تمكنت بشكل مرن وسريع من شل حركة التنظيم وتحجيم عملية الانتقال والتوسع من منطقة لأخرى، كما ساهمت في استهداف ما يقرب من 90 من كبار قادة داعش. وقد اختلف توظيف القوة الجوية الأمريكية والانخراط في عملية العزم الصلب عن تلك التي أعقبت الحرب الباردة وذلك في عددٍ من النواحي، من بينها قيام الولايات المتحدة بالتنسيق بين عملياتها الجوية والقوات البرية المشاركة في الحرب، فضلًا عن عمل الطائرات الأمريكية في ساحة معارك معقدة ومنقسمة، حيث عملت قوات التحالف في العراق بدعوة عراقية، في حين عملت في سوريا عبر موافقة ضمنية، ناهيك عن طبيعة تنظيم داعش باعتباره تنظيمًا هجينًا ومتطورًا في منظومة التسليح وتكتيكات الحرب.

أبرز النجاحات

أشار الكاتب إلى أبرز النجاحات الناجمة عن توظيف سلاح الجو في الحرب ضد داعش، إذ شنت القوات المركزية الأمريكية ضربات جوية على مدار أربعة أعوام ونصف شملت نحو 33000 غارة جوية على أكثر من 100 موقع في العراق وسوريا، الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في تقليص نفوذ التنظيم في ساحات الاشتباك المختلفة، حيث تمكّنت تلك الضربات -في مجملها- من تحقيق عدة أهداف كالتالي:

أولًا- منع السيطرة على الموارد المائية: لقد أبرز الكاتب الدور الذي قامت به القوات الجوية الأمريكية بالتعاون مع القوات الوطنية والجيوش النظامية داخل سوريا والعراق لمنع تمدد تنظيم داعش، وبصورة أوضح لمنع بسط سيطرة التنظيم على مصادر المياه المختلفة، لذا تركزت العمليات العسكرية على ضرب تمركزات وتحركات القوات الداعشية في المناطق التي يتواجد في نطاقها سدود مائية كما هو الحال بالنسبة لسد الموصل، الذي استطاعت القيادة المركزية الأمريكية والقوات العراقية وقوات البشمركة استعادته في أغسطس عام 2014، وكذا سد الفرات وسد الفلوجة. وتستهدف تلك الضربات كسر سيطرة داعش على الموارد المائية، وعدم وقوعها تحت سيطرة ذلك التنظيم لعدم التحكم في الموارد المائية أو مصادر توليد الطاقة الكهرومائية.

ثانيا- استعادة المدن الاستراتيجية: يتجلى النمط الثاني للعمليات في وقف تقدم داعش على الحدود السورية التركية ودعم القوات البرية السورية "وحدات الشعب" التي عُرفت فيما بعد باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، وتحقيقًا لذلك فقد ساهمت القوات الأمريكية في معركة أكتوبر 2014 – يناير 2015 في منطقة كوباني شمال شرق سوريا، وقد حقّقت تلك الضربات نجاحًا في استعادة مدن استراتيجية كما هو الحال بالنسبة (الشدادي – تل أبيض – منبج)، وقد ساهم ذلك التقدم في خلق مساحات آمنة عززت بصورة كبيرة من قدرات قوات سوريا الديمقراطية في المناطق المحيطة بوادي نهر الفرات مما جعلها تحقق انتصارًا كبيرًا في استعادة مدينة "الرقة" عام 2017. 

ثالثا- الدفاع عن العاصمة العراقية: أحد الأهداف المرجوة من العمليات الجوية هو فرض طوق حول تنظيم داعش لمنع سيطرته على العاصمة العراقية "بغداد" والذي برز في عمليات تحرير "تكريت – الرمادي" اللتين تعتبران من المناطق الاستراتيجية، وخلق موطئ قدم للقوات الدولية في وديان نهر الفرات ودجلة بما يحقق فرض مناورة شمالًا نحو الموصل وغربًا على طول الحدود العراقية السورية.

تطويق وشل قدرات داعش

يتناول الكاتب الهجمات الجوية التي تمت بصورة مخططة وبشكل متعمد لدعم هدف عملية العزم الصلب في هزيمة داعش، وركز بشكل خاص على استخدام الولايات المتحدة وشركائها في التحالف القوة الجوية ضد موارد داعش المالية والشبكات اللوجستية، خاصة في ظل تمدد تنظيم داعش ميدانيًا وعسكريًا، ووصف الكاتب تلك العمليات بـ"الاستراتيجية الضاغطة" لتقويض التنظيم من اتجاهات متعددة دون التركيز على مركز ثقل العدو حتى يسهل شل حركته ومن ثم تدميره.

لقد تركزت تلك العمليات على أهداف رئيسية (القيادة – الموارد – اللوجستيات)، لذا كان أحد تحركات التحالف الدولي ضد التنظيم هو استهداف والقضاء على القيادات المؤثرة في التنظيم لتقويض قدرته، وهو ما يتماشى مع استراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، علاوة على القضاء على الموارد النفطية الداعم الرئيسي للتنظيم في موارده الاقتصاديه، ولعل ذلك يكمن في النهاية في شل مراكز الثقل الاستراتيجية والعملياتية لداعش، وهو ما تم عبر استخدام القوة الجوية ضد شبكة إنتاج وتوزيع النفط التابعة لداعش، خاصة بالقرب من الموصل ودير الزور، من أكتوبر 2015 إلى أكتوبر 2017، إضافة إلى تدمير شبكة الطرق اللوجستية لقطع الإمدادات العسكرية والبشرية للوصول إلى الخطوط الأمامية وتحقيق حالة من العزل للقوات، وهو ما تم عبر تعطيل تدفق البضائع والموارد والأفراد بين العراق وسوريا بالقرب من معبري "القائم" و"البوكمال" خلال أكتوبر 2015 حتى فبراير 2016.

وقد قدم الكاتب تقييمًا واسعًا للعمليات العسكرية التي تم شنها، والتي تمثلت فيما حققته من نجاحات متعددة لصالح القوات البرية، والتي قلّصت من فرص نفوذ تنظيم داعش، كما كان للضربات الجوية الدور الحاسم في تعزيز ثقة وتحفيز القوى الشريكة في إحراز تقدم على الأرض. لقد كانت القوة الجوية العمود الفقري لتقدم القوات العراقية. وإذا ما كانت هناك بعض الضربات التي استهدفت أماكن غير مهمة من الناحية التكتيكية، فإن هذه الأهداف كانت ذات أهمية استراتيجية من حيث إنها حفزت القوات البرية الشريكة لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش.

واستكمالًا للعمليات الجوية التي قامت بها القوات الأمريكية فإن هناك مهام تمكينية أخرى تتمثل في عمليات التزود بالوقود الجوي في ظل تعدد القوى الجوية الروسية والسورية والإيرانية، ولعل أهم تلك الأحداث برزت في عمليات الإسقاط الجوي لإغاثة اللاجئين الإيزيديين في جبل "سنجار" وما تلاها من العمليات المتعلقة بتزويد الوقود الجوي لدعم القوات في معركة تحرير الموصل خلال عام 2017.

ويرى الكاتب أن قدرة القوات الجوية للتحالف على تنفيذ هذه الضربات من أجل إضعاف وهزيمة داعش لا يمكن فصلها بشكل واقعي عن المهام التي كان لا بد من إنجازها لتمكينها من بينها عمليات الإنزال الجوي والتزود بالوقود وغيرها من العمليات التي تعزز من فرص نجاح الضربات الجوية والقضاء على الأهداف المحددة.

في الأخير، يوصي الكاتب بأهمية مراجعة القوات الأمريكية لعقيدة الاستهداف الخاصة بها بناءً على الخبرة في عملية "العزم الصلب" الموجهة ضد تنظيم داعش في العراق تتضمن استخدام مركز التكامل الجوي الأرضي المشترك لدمج القوة الجوية الأمريكية مع الشركاء، وكذا يجب أن تعمل القوة المشتركة على تنشيط وإعادة فحص ومراجعة عملية تطوير الأهداف بصورة مستمرة، وتعديل عملية تخصيص الأصول في خضم الحملات المشتركة لتقليل أوجه القصور وزيادة الفاعلية والمرونة وذلك لتحقيق الأهداف المرجوة.

وإضافة للسابق، يجب مراجعة العقيدة والتكتيكات والتقنيات والإجراءات المختلفة المستخدمة لتخصيص ذخائر دقيقة التوجيه، والتأهيل على الاستخدام الآمن للذخائر، إلى جانب إعادة تنشيط عملية تطوير الأهداف، وذلك لتعظيم القدرة على إدارة المعارك بمختلف صورها بشكل أكثر ديناميكية، وللحد من الإصابات التي تخلفها الضربات الجوية في صفوف المدنيين.

المصدر: 

Benjamin S. Lambeth, Airpower in the War against ISIS, (USA: Naval Institute Press, 2021)