رهانات التعافي:

هل يدعم اتفاق "أوبك+" أسعار النفط العالمية؟

16 April 2020


تمكن تحالف "أوبك+"، بعد مفاوضات حثيثة بين أعضاء منظمة أوبك والمنتجين المستقلين بقيادة روسيا، من إبرام اتفاق لخفض إنتاج النفط الخام في 12 أبريل الجاري، وذلك في محاولةٍ لوضع حدٍّ لخسائر أسعار الخام الناجمة عن الانخفاض الكبير في الطلب على الخام نتيجة توقف النشاط الاقتصادى العالمي، وتعطيل حركة الطيران الدولية مع تفشي فيروس كورونا منذ بداية العام. ومن المنتظر أن تُسهم تخفيضات الإنتاج المعلنة من قبل التحالف في الحدّ من تُخمة المعروض، وتراكمات المخزون العالمي من النفط. ورغم ذلك يشكك بعض المراقبين في جدوى الاتفاق في رفع الأسعار، نظرًا لحالة عدم اليقين الاقتصادي في ظل تفشي كورونا. ولكن مع تخفيضات الإنتاج، تتلقى أسواق النفط بعض الإشارات الإيجابية عن إمكانية حدوث تعافٍ في الطلب على الخام، مع اعتزام بعض كبار مستهلكي النفط في العالم استئناف النشاط الصناعي والنقل، بدءًا من مايو المقبل، بما سيكون له مردود إيجابي على مستويات الأسعار بدايةً من الربع الثالث.

ظروف استثنائية:

يأتي إبرام تحالف "أوبك+" اتفاق خفض الإنتاج في 12 أبريل الجاري في ظل ظروف استثنائية يعيشها الاقتصاد العالمي، حيث تواجه العديد من دول العالم تعطلًا في النشاط الاقتصادي، وعرقلة حركة الطيران والنقل نتيجة تفشي فيروس كورونا منذ يناير الماضي، مما كان للتطورات هذه تداعيات سلبية على سوق النفط، حيث أدت إلى حدوث هبوط كبير في الطلب العالمي على الخام وبمقدار تضاعف إلى أكثر من 10 ملايين برميل في مارس الماضي.

ولم تكن استجابة تحالف "أوبك+" لصدمة الطلب المتوقعة بسوق النفط على قدر تطورات الأحداث، حيث تعثّر أعضاء أوبك والمنتجون المستقلون في 6 مارس الماضي -نتيجة خلافات فنية وسياسية- في التوصل إلى اتفاقٍ لخفض الإنتاج، تبعه قيام المنتجين بإغراق الأسواق بالخام في سياسةٍ عُرفت بـ"حرب الحصص السوقية" بين المنتجين، ونجم عن ذلك تدهور حاد في أسعار النفط، وفقد خام برنت أكثر من ثلث قيمته ليصل إلى قرابة 31 دولارًا للبرميل حتى جلسة 9 مارس السابقة لإبرام الاتفاق الجديد.

وبحسب التوقعات، سوف تزيد المستويات المتدنية لأسعار الخام من خسائر الاقتصاد العالمي في ظل وباء كورونا، حيث من المحتمل أن تضعف اقتصادات بعض الدول المنتجة للنفط بشدة، وتهدد استقرارها المالي والنقدي، لا سيما تلك الدول التي ليست لديها أرصدة مالية كافية. وطبقًا لمعهد التمويل الدولي، فإن مُصدّري النفط بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -على سبيل المثال- عرضة لفقدان عائدات تُقدر بقيمة 192 مليار دولار حتى لو بلغ متوسط سعر النفط نحو 40 دولارًا للبرميل في 2020، وهي خسائر كبيرة تعادل 11% من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات المنطقة.

وعلاوةً على ما سبق، من المحتمل أن يعاني منتجو النفط مرتفع التكلفة -وأبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية- بشدة من المستويات المتدنية لأسعار الخام، وتعمل شركات النفط الصخري الأمريكية بربحية عند مستوى يتراوح بين 40-50 دولارًا للبرميل، أي أقل بعشرين دولارًا عن الأسعار الحالية للخام، وهذا ما سيعرّض معظم الشركات لأزمة مالية حادة.

توافق جماعي:

ومع إدراك الجميع لحجم الخسائر الكبيرة التي سيتحملونها، بدأ منتجو النفط في إجراء مباحثات جديدة في أواخر مارس من أجل التوصل إلى اتفاق جديد لدعم مستويات الأسعار. وهنا برز دور جوهري للولايات المتحدة -التي ترغب في مساندة صناعة النفط الصخري- في تقريب وجهات النظر بين كبار منتجي النفط، وعلى رأسهم السعودية وروسيا، بشأن السبل الممكنة لاستعادة توازن السوق.

وإضافة للسابق، تعهدت الولايات المتحدة بخفض إضافي في إنتاجها -فوق المستويات المقترحة من أوبك- بنحو 250 ألف برميل يوميًّا نيابة عن المكسيك، وذلك طبقًا لتصريح الرئيس المكسيكي "أندريس مانويل"، وذلك بعد اشتراطها خفض إنتاجها بنحو 100 ألف برميل يوميًّا فقط للانضمام للاتفاق الجديد. كما يُذكر أن عددًا من المنتجين الآخرين أيدوا الاتفاق، وعلى رأسهم النرويج التي أبدت استعدادها للمشاركة في خفض الإنتاج دعمًا للاتفاق، في مبادرةٍ أولى من نوعها للتعاون مع أوبك.


كما حظي الاتفاق بدعم غير مسبوق من الهيئات الممثلة لكبار مستهلكي النفط، مثل: الوكالة الدولية للطاقة، ومجموعة العشرين، وتعهد بعض أعضائها بزيادة مشترياتهم من المخزونات الاستراتيجية، وهذا ما يكشف عن توافق في وجهات النظر لأول مرة عالميًّا بين منتجي ومستهلكي النفط على ضرورة رفع الأسعار لمساندة أسواق النفط في ظل ركود الاقتصاد العالمي بسبب فيروس كورونا.

تبديد التخمة:

أقر تحالف "أوبك+" تخفيضات في إنتاج النفط بنحو 9.7 ملايين برميل يوميًّا في شهري مايو ويونيو 2020، وهو ما يعادل حوالي ثلاثة أضعاف المستوى المقترح في 6 مارس الماضي عند 3.6 ملايين برميل يوميًّا. وبعد ذلك، ستتوخى "أوبك+" مع تحسن مستوى الطلب العالمي خفض الإنتاج تدريجيًّا بنحو مليوني برميل إلى 7.7 ملايين برميل يوميًّا حتى نهاية العام، ثم إلى 5.8 ملايين برميل يوميًّا من يناير 2021 إلى أبريل 2022.

ومن المقرر أن يتحمل كبار منتجي النفط الحصة الأكبر من التخفيضات، حيث ستُجري كل من السعودية وروسيا معًا تخفيضات في إنتاج النفط بمقدار 5 ملايين برميل يوميًّا، وبواقع 2.5 مليون برميل يوميًّا لكلٍّ منهما، أي ما يوازي 51.5% من إجمالي التخفيضات، وذلك من مستوى مرجعي للإنتاج يقدر بنحو 11 مليون برميل.

ومع إضافة خمسة ملايين برميل أخرى، قد يقوم منتجو النفط الآخرون -مثل: كندا، والولايات المتحدة، والبرازيل- بخفضها بحسب مقترح "أوبك+"، وستصل تخفيضات الإنتاج الكلية لتحالف "أوبك+" والمنتجين الآخرين لنحو 14.7 مليون برميل يوميًّا، وما يتخطى مقدار الانخفاض المتوقع في الطلب على الخام والبالغ نحو 14 مليون برميل يوميًّا في أبريل ومايو، وهذا ما سيمهد نسبيًّا لاستعادة توازن السوق مع تقليص تخمة المعروض وتراكمات المخزونات التجارية العالمي من الخام، وبالتالي وقف نزيف الأسعار.

ومع ذلك، شكك بعض مراقبي صناعة النفط في جدوى الاتفاق في إنعاش الأسعار في القريب العاجل. فعلى الرغم من التخفيضات الهائلة، لا يزال من المتوقع -بحسب بعض التقديرات- وجود فائض في المعروض العالمي من الخام بما يتراوح بين 5 إلى 10 ملايين برميل يوميًّا حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري.

وبناء عليه، تذهب معظم التوقعات حاليًّا إلى أن أسعار خام برنت ستستقر على الأرجح عند متوسط يبلغ حوالي 30 دولارًا للبرميل في الربعين الثاني والثالث من عام 2020، قبل أن ترتفع مجددًا بحلول الربع الرابع من العام إلى مستوى يقترب من 35 دولارًا للبرميل مع تعافي الطلب العالمي على الخام.

ورغم التوقعات السابقة، فمن الإيجابي لسوق النفط أن أعلن بعض كبار مستهلكي النفط في آسيا -مثل: الهند، بجانب باكستان، وتايلاند- استئناف النشاط الصناعي في مايو المقبل، مع اتخاذ الإجراءات الوقائية الكافية للحد من فيروس كورونا. وبالمثل أيضًا، تدرس الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية استئنافًا تدريجيًّا للنشاط الاقتصادي قبل نهاية النصف الثاني من العام.

ومن شأن عودة النشاط الاقتصادي تدريجيًّا في الأشهر المقبلة، مع التزام أطراف "أوبك+" بالامتثال بشكل كامل لخفض الإنتاج؛ أن ينعش الطلب العالمي على النفط، ويدعم مستويات الأسعار بعشرة دولارات إضافية، بمستوى يقترب من أربعين دولارًا للبرميل.