تحديات مركبة:

كيف تواجه حكومة الشاهد المشكلات بتونس؟

14 September 2016


بعد أن حصلت الحكومة التونسية الجديدة برئاسة يوسف الشاهد على ثقة البرلمان بأغلبية واضحة، سارعت القوى السياسية وقطاعات من الرأى العام إلى مطالبة الحكومة بضرورة اتخاذ عدد من السياسات في إطار خارطة طريق لإنقاذ البلاد من التحديات الداخلية، والتي تتمثل في مواجهة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وتراجع معدلات النمو بصورة غير مسبوقة وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب التحديات الاجتماعية الناجمة بشكل أساسي عن تفاقم الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة الدولة على وضع حد لها، الأمر الذي يفرض على الحكومة الجديدة اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة تلك التحديات على المدى القريب في محاولة منها لاحتواء تداعياتها السلبية على المجتمع التونسي.

تركيبة الحكومة

أدى يوسف الشاهد وحكومته الجديدة اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في 27 أغسطس 2016، بعد حصولها على ثقة البرلمان خلال الجلسة العامة الاستثنائية التي خصصها مجلس نواب الشعب لمناقشة بيان الحكومة، وقد شهدت الجلسة حضور 194 نائبًا من أصل 217 عضوًا بالبرلمان، حيث وافق 167 نائبًا بينما تحفظ 5 نواب، ورفض 22 نائبًا. وتضم الحكومة الجديدة 26 وزيرًا و14 وزير دولة، ممثلين عن سبعة أحزاب سياسية إضافة إلى نقابيين وكفاءات مستقلة، حيث نال حزب "نداء تونس" العلماني أربع حقائب وزارية، وحركة "النهضة" الإسلامية ثلاث حقائب وزارية، و"آفاق تونس" الليبرالي حقيبتين، إلى جانب أحزاب "الجمهوري"، و"حركة الشعب"، و"المبادرة"، و"المسار" (غير ممثل في البرلمان).

وبالنظر إلى التركيبة الحكومية الجديدة، يمكن القول إن الشاهد نجح في الحفاظ على رؤيته الخاصة باختيار أعضاء حكومته، ولم يجر عليها أية تعديلات تتماشى مع انتقادات وتحفظات القوى السياسية والحزبية، واتضح ذلك من خلال الآتي:

 -1اختيار كل من عبيد البريكي وزيرًا للوظيفة العمومية والحوكمة، ومحمد الطرابلسي وزيرًا للشئون الاجتماعية، وذلك لإرضاء الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره أكبر مركزية نقابية في البلاد، والذي يملك نفوذًا اجتماعيًا وسياسيًا واسعًا، بشكل يجعله قادرًا على تحجيم نفوذ الحركة الإسلامية.

 -2تعيين السياسي اليساري سمير بالطيب في منصب وزير الزراعة، رغم اعتراض بعض القوى الحزبية والسياسية وعلى رأسها حركة "النهضة".

 -3اختيار عبد الجليل بن سالم وزيرًا للشئون الدينية، والذي اعترض عليه حزبا "مشروع تونس" و"الجبهة الشعبية" المعارضان لوجود شبهات حول أفكاره المتشددة المناهضة لمدنية الدولة وعلاقته بالجماعات الإسلامية المتطرفة.

 -4الإبقاء على غالبية وزراء الحقائب السيادية (الداخلية والدفاع والخارجية) بالإضافة إلى وزراء (السياحة والنقل والتربية والإسكان) في مناصبهم السابقة في حكومة الحبيب الصيد دون تغيير.

وقد أعلن الشاهد أن البرنامج الحكومي تضمن مجموعة من السياسات والإجراءات الرئيسية التي أوردها في بيانه أمام البرلمان، ومن أهمها، الحديث عن الاتجاه نحو تبني سياسات "التقشف"، من خلال تقليص نفقات الدولة مع احتمالات تسريح آلاف الموظفين، ورفع الضرائب المفروضة على الأفراد والشركات، وإيقاف الاستثمار العام في التنمية والبنية التحتية، لمواجهة ما أطلق عليه الشاهد "حالة الطوارئ الاقتصادية".

ملفات ضاغطة

يبدو أن الحكومة الجديدة سوف تركز خلال الفترة القادمة بشكل رئيسي على مواجهة عدد من التحديات الداخلية. فعلى الصعيد الأمني، سوف تكون مكافحة الإرهاب من أهم التحديات الداخلية التي ستواجهها حكومة الشاهد على المدى القريب، فبعد حصول الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان، وجهت الجماعات الإرهابية والجهادية بتونس رسالة تحذير لها من خلال شن هجوم على عدد من الجنود في جبال "سمامة" بمحافظة "القصرين"، الأمر الذي دفع الأجهزة الأمنية إلى استنفار جهودها في مختلف الجهات وشن حملة تمشيط واسعة بعد أن أقرت بأن الخطر الإرهابي ما زال قائمًا، حيث نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيك بعض الخلايا الإرهابية بشكل بات يشير إلى أن سلاسل الجبال التونسية تحولت إلى ما يشبه "المعاقل شبه الآمنة" خاصة وأنها تضم معسكرات تدريب ومخازن أسلحة.

 ومن ناحية أخرى، ستواجه الحكومة الجديدة خطر مواجهة الإرهابيين العائدين من ليبيا، وخاصة بعد أن أعلن حوالي 600 جهادي تونسي تابعين لتنظيم "داعش" قرب عودتهم إلى تونس قادمين من ليبيا على إثر القصف الذي تتعرض له معاقل التنظيم في مدينة سرت. ويكمن خطر عودة هؤلاء إلى تونس في سعيهم إلى تغيير نوعية هجماتهم حيث باتوا يخططون للقيام بعمليات تفجير بواسطة الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، وهو ما يتطلب من الحكومة الجديدة وأجهزتها الأمنية رفع تقنيات المواجهة ماديًا ولوجيستيًا.

وعلى المستوى الاقتصادي، سيتوجب على الحكومة الجديدة مواجهة تحديات دفع النمو الذي وصل إلى 0.8% في ظل أزمة اقتصادية خانقة تواجهها تونس حاليًا، حيث بلغ حجم الديون في تونس 56 مليار دينار بما يعادل 22 مليار يورو عام 2016 بسبب ارتفاع عدد موظفي القطاع العام إلى نحو 670 ألف موظف، واستمرار الإضرابات، وتراجع الإنتاج والنشاط السياحي وانخفاض قيمة العملة التونسية بنسبة 20% في السنوات الخمس الأخيرة. والمطلوب من الحكومة الجديدة الوصول بنسبة النمو إلى 3% على الأقل لإنعاش الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتونس، والحفاظ على التوازنات المالية للبلاد خاصةً محاصرة التهرب الضريبي، ومعالجة ملف النظافة والبيئة.

 ويعد من أبرز الملفات الاقتصادية، مواجهة تراجع الإنتاج المحلي من المعادن الطبيعية وخاصة الفوسفات، فقبل ثورة 2011 وصل إنتاج تونس من الفوسفات إلى حولي 10 مليون طن سنويًا، غير أن الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات قادت القطاع إلى التراجع، إذ أن الحجم الإجمالي للإنتاج أصبح لا يتجاوز 2 مليون طن بعد أن تعطل العمل بـ"الحوض المنجمي"، الأمر الذي دفع بحكومة الشاهد للتعهد برفع إنتاج الفوسفات ليصل إلى حوالي 7 مليون طن بعد تسوية الأوضاع المهنية في الشركات المتخصصة وفي مقدمتها شركة "فوسفات قفصة" التي تعطل إنتاجها بالكامل لتتراجع نسبة الإنتاج إلى أقل من 20%.

أما على الصعيد الاجتماعي، فإن الأوضاع الاجتماعية المتأججة في تونس باتت تفرض تحديًا خطيرًا أمام حكومة الشاهد، خاصة بعد أن وصلت نسبة الفقر في العديد من المدن التونسية إلى حوالي 60%، وفقًَا لأحد التقديرات، وهو ما أدى إلى تصاعد حدة الاحتقان الاجتماعي داخل المجتمع التونسي وخاصة في محافظة "القصرين" التي تعد من أكثر الجهات الأشد فقرًا وبطالة، حيث وصلت نسبة البطالة إلى حوالي 70%، بشكل يزيد من احتمالات تنظيم اعتصامات وتظاهرات للمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية، الأمر الذي يتطلب من الحكومة الجديدة التصدي لهذه الأوضاع المتردية والإسراع في وضع استراتيجية تنموية والتواصل مع القطاعات الغاضبة قبل أن تصل البلاد إلى مرحلة الفوضى الاجتماعية.

وتشير تركيبة الحكومة الجديدة ( مكونة من 7 أحزاب سياسية) إلى أن ذلك الائتلاف الحزبي قد ساعد على تعميق الاقتناع بأن مفهوم الوحدة الوطنية صعب المنال باعتباره يتناقض مع التوافقات السياسية، وقد أثار ذلك ردود فعل واسعة النطاق داخل المجتمع التونسي حول مدى قدرة ذلك الائتلاف الحزبي على صياغة رؤية حكومية واحدة تكون كفيلة بإنعاش الاقتصاد المنهك وتنفيس الاحتقان الاجتماعي وتوفير فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل وتحسين مستوى المعيشة الذي تدهور بنسبة تزيد عن 40%.

تداعيات محتملة

من المرجح أن يفرض تشكيل الحكومة التونسية الجديدة بعض التداعيات على المشهد السياسي، خاصةً باعتبارها محاولة لتكوين تحالف ضد احتجاجات الحراك المجتمعي، بينما تواجه الحكومة تناقضات سياسية واضحة بين القوى السياسية المشاركة فيها، الأمر الذي قد يجعل من مسألة صياغة سياسات حكومية موحدة عملية صعبة.

كما أن الحكومة الجديدة سوف تواجه تحديات متوقعة في الأجل القصير، ومن أهمها، الصدام مع المنظمات النقابية، والتي رغم مشاركة بعضها في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة إلا أنها رفضت أن تقدم مرشحين لتمثيلها في الحكومة، إذ من المقرر أن ينظم الاتحاد العام للشغل، في 22 سبتمبر 2016 إضرابًا عامًا في المستشفيات والذي تأجل أكثر من مرة في الفترة الأخيرة، حيث يرجح أن يصبح هذا الإضراب باكورة الصدام بين الحكومة والنقابات حول إدارة السياسات العامة للبلاد.

وكذلك تتزايد احتمالات الصدام مع حركة "النهضة" في ضوء مساعيها لاستقطاب الشرائح المجتمعية الموالية لليسار استعدادًا للانتخابات المحلية التي سوف تجرى في العام القادم، ويتضح ذلك من خلال اتجاه راشد الغنوشي مبكرًا للمناورة السياسية ضد رئيس الحكومة الجديد، حيث قام عبر إحدي الإذاعات المحلية بتحريض أهالي منطقة "الحوض المنجمي" بمحافظة "قفصة" (معقل اليساريين والنقابيين) على الاستمرار في تحركاتهم الاحتجاجية، مطالبًا الشاهد بالتفاوض معهم بشأن مشاريع وبرامج التنمية المحلية بالمحافظة واقتطاع نسبة من عائدات ثروة الفوسفات لتمويل تلك المشاريع، الأمر الذي يمكن أن يدفع باقي المحافظات إلى تبني مطالب اجتماعية واقتصادية مماثلة، وهو ما يعني أن تونس قد تشهد خلال الفترة المقبلة عددًا من المظاهرات الفئوية.

ومن المتوقع أن تستمر إشكالية المجالس المحلية "النيابات الخصوصية"، كإحدى القضايا الخلافية بين الحكومة الجديدة والقوى السياسية، حيث لم ينجح رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد في تسويتها تحت ضغط من حركة "النهضة"، رغم أنها مجالس نشأت بصفة مؤقتة لإدارة العمل المحلي بعد الثورة وعين فيها مقربون من حركة "النهضة" وخصص لها جزء من ميزانية الدولة، إلي حين إجراء الانتخابات المحلية القادمة، وهى كلها تطورات تشير إلى أن تونس مقبلة على استحقاقات سياسية لا تبدو هينة خلال المرحلة القادمة.