غموض متعمد:

لماذا لا تعلن التنظيمات الإرهابية عن مقتل قياداتها؟

07 August 2019


رغم أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية، ومنها شبكة "إن بي سي نيوز" نشرت، في 31 يوليو 2019، نقلاً عن مسئولين أمريكيين لم تحددهم، خبر مقتل حمزة بن لادن أحد أبرز العناصر التي يتم تأهيلها لخلافة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، إلا أنه كان لافتًا أن التنظيم لم يؤكد أو ينفي الخبر، على نحو أثار جدلاً حول ذلك، حيث ترجح اتجاهات عديدة صحة الخبر مستندة إلى اختفاء حمزة بن لادن لأكثر من عام ونصف منذ آخر رسالة صوتية تم بثها له في مارس 2018، في حين تشكك اتجاهات أخرى في ذلك، لا سيما مع  عدم صدور إعلان رسمي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كما هو متبع مع مقتل العناصر القيادية بالتنظيمات الإرهابية المختلفة. 

وبصرف النظر عن صحة الخبر من عدمه، فإن الجدل الذي أثاره يطرح تساؤلات عديدة حول دوافع حرص تنظيم "القاعدة" على عدم توضيح موقفه من ذلك، وهو الأسلوب نفسه المتبع من قبل أغلب التنظيمات الإرهابية في عدم الإعلان المباشر أو الفوري عن مقتل بعض قياداتها وكوادرها. 

تكتيك قديم:

تتبنى أغلب التنظيمات الإرهابية الفاعلة والنشطة في الإقليم أسلوب "الغموض المتعمد" في عدم نفى أو تأكيد الأخبار التي يتم تداولها من قبل بعض الدول حول مقتل أحد قياداتها، وهو أسلوب قديم يمثل قسمًا من تكتيكات تنظيم "القاعدة" بشكل خاص. فخلال السنوات الخمس السابقة على مقتل أسامة بن لادن، أعلنت العديد من المصادر الأمريكية، وفقًا لبعض الاتجاهات، مقتل زعيم التنظيم أكثر من إحدى عشر مرة خلال الفترة من 2005 وحتى مقتله الفعلي في 2011. وفي تلك الفترة لم ينف التنظيم رسميًا تلك الأخبار، وهو الأسلوب نفسه الذي يتبعه تنظيم "داعش" منذ الإعلان عن تأسيسه بشكل رسمي.

فقد تحدثت العديد من المصادر الرسمية وشبه الرسمية عن مقتل أبو بكر البغدادي زعيم "داعش" خلال عامى 2018 و2019، ومنها أخبار صدرت عن القوات الروسية وقوات التحالف الدولي ضد "داعش"، وهو ما تم نفيه بخروج الأخير في تسجيل مصور تم بثه في 29 إبريل 2019، يتوعد فيه بشن حرب استنزاف ضد ما يطلق عليهم "أعدائه".

أهداف عديدة:

يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية تسعى عبر اتباع أسلوب "الغموض المتعمد" في عدم نفى أو تأكيد أخبار مقتل أحد قياداتها إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تأمين قيادات التنظيم: تحرص التنظيمات الإرهابية على عدم نفى خبر مقتل أحد قياداتها، في حالة إعلان إحدى أو بعض الدول عن ذلك، من أجل تأمينه في حالة ما إذا لم يكن الخبر صحيحًا. ففي أحيانٍ كثيرة، تسعى الدول، في إطار مكافحة الإرهاب، إلى بث أخبار تفيد مقتل قيادي بأحد التنظيمات من أجل الحصول على معلومات عنه عبر وسائل أخرى يمكن أن توفرها تلك الأخبار، وهو ما أشار إليه أحد القيادات بتنظيم "القاعدة" الذي اعتبر، حسب شبكة "بي.بي.سي"، أن الخبر الذي تم نشره عن مقتل حمزة بن لادن قد يكون غير صحيح، وأن الهدف منه هو الحصول على معلومات جديدة عنه عبر متابعة حوارات كوادر وعناصر التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي.

2- منح دفعة معنوية بظهور تلك القيادة: تتبع التنظيمات الإرهابية أسلوبًا سيكولوجيًا له علاقة بترك خبر مقتل أحد قياداتها لفترة زمنية ثم القيام ببث تسجيل مصور أو رسالة صوتية لتلك القيادة تكون ذات فاعلية سيكولوجية كبيرة في نفوس أعضاءها وقواعدها، وهو ما يتبناه تنظيم "داعش"، على سبيل المثال، مع الإعلان المتكرر من قبل العديد من الدول عن استهداف ومقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، على نحو تم حسمه بظهور الأخير في تسجيل مصور في 29 إبريل 2019، الذي اعتبر، وفقًا لاتجاهات عديدة، إشارة لفروع التنظيم وخلاياه من أجل القيام بتنفيذ عمليات إرهابية في دول ومناطق مختلفة.

3- ترتيب الأوضاع التنظيمية: تلجأ التنظيمات الإرهابية، في حالة مقتل أحد قياداتها، إلى إخفاء الخبر أو عدم تأكيده، إلى حين ترتيب الأوضاع التنظيمية الداخلية، خاصة في ظل الصراع المتصاعد بين تنظيمى "القاعدة" و"داعش" على استقطاب القواعد التنظيمية. إذ أن إعلان مقتل قيادي داخل أحد التنظيمات الإرهابية يؤثر وبشكل مباشر على البنية التنظيمية وفاعلية ومسارات التنظيم، كما حدث عقب مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن بحدوث حالة من تراجع الفاعلية للتنظيم على مستوى العالم.

4- تجهيز الرد: تحرص بعض التنظيمات الإرهابية على تأجيل الانخراط في الجدل الذي يدور حول مقتل أحد قياداتها، في حالة ما إذا كان قد قُتِل بالفعل، إلى حين تجهيز وترتيب عملية إرهابية نوعية تكون بمثابة ردًا على مقتله، ومدخلاً في الوقت نفسه للإعلان عن ذلك، على نحو يؤدي، في رؤيتها، إلى تقليص حدة التأثير العكسي على قواعد التنظيم نتيجة مقتله.

5- عدم بث الرعب في صفوف قواعد التنظيم: يفرض مقتل أحد القيادات الإرهابية تداعيات سلبية على فاعلية ونشاط قواعد التنظيم، وهو ما يدفع قيادات التنظيمات الإرهابية إلى عدم تأكيد الخبر، إلى حين اختيار التوقيت المناسب لذلك، حتى لا يؤثر على تماسك البنية التنظيمية للقواعد. 

وفي النهاية، يمكن القول إن تكتيك "الغموض المتعمد" الذي تتبعه التنظيمات الإرهابية في ما يتعلق بالتعامل مع الأخبار المتداولة حول مقتل أحد قياداتها يبدو أنه سوف يتواصل خلال المرحلة القادمة، في ضوء الحرب المفتوحة بين القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب وتلك التنظيمات، التي تحاول في الفترة الحالية إعادة تفعيل نشاطها من جديد.