الوسطاء الجدد:

لماذا تهتم إيران بزيارة رئيس الوزراء الياباني؟

09 June 2019


تستعد إيران حاليًا لاستقبال رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي يقوم بزيارة في الفترة من 12 إلى 14 يونيو الجاري. ورغم أن العنوان الرئيسي لتلك الزيارة هو التوسط بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فإن ثمة أهدافًا أخرى ربما تسعى طهران إلى تحقيقها عبرها، لا سيما أنها تأتي في سياق التصعيد الحالي بين الأخيرة وواشنطن، والذي تجاوز الإجراءات الاقتصادية العقابية، والتي كان آخرها فرض عقوبات على قطاع البتروكيماويات في 7 من الشهر نفسه، وامتد إلى تعزيز الحشد العسكري الأمريكي بالقرب من حدود إيران، على نحو تسبب في ارتباك واضح في السياسة الإيرانية تجاه الضغوط التي تتعرض لها على الساحتين الإقليمية والدولية. 

اعتبارات عديدة:

تكتسب الزيارة التي سوف يقوم بها آبي إلى طهران في هذا التوقيت أهميتها من أنها جاءت بعد الزيارات التي قام بها مسئولون أمريكيون وإيرانيون إلى طوكيو، على نحو يوحي بأن الأخيرة كانت وسيطًا لنقل رسائل بين الطرفين. إذ قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة الأخيرة، في 15 مايو 2019، في إطار جولة آسيوية شملت كلاً من تركمانستان والهند والصين، كان الهدف منها هو تعزيز علاقات إيران مع بعض الدول الآسيوية بالتوازي مع تصاعد حدة التوتر مع واشنطن، حيث يتوقع أن تواصل إيران تلك التحركات بعد زيارة آبي، وهو ما بدا جليًا في الإعلان عن زيارة سيقوم بها الرئيس حسن روحاني إلى طاجيكستان، في 14 يونيو الجاري وهو اليوم الأخير لزيارة آبي، للمشاركة في مؤتمر "التفاعل وبناء إجراءات الثقة في آسيا" الذي سيعقد في دوشنبه. 

في حين قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة طوكيو، في 25 من الشهر ذاته، حيث أدلى بتصريحات بدا منها أنه يحاول توجيه إشارات طمأنة إلى القيادة الإيرانية الحالية، عبر تأكيده على أن الهدف من الإجراءات العقابية الأمريكية يكمن في "تغيير السلوك" وليس "تغيير النظام"، مضيفًا أن "إيران أمامها فرصة لكى تصبح دولة عظيمة مع القيادة نفسها". 

لكن المشكلة تتمثل في أن إيران قرأت تلك الرسائل، في الغالب، على نحو خاطئ، إذ اعتبرت أنها تمثل علامة على بداية تراجع الموقف الأمريكي، وهو ما ترى أنه نتيجة للسياسة التي تبنتها في التعامل مع الإجراءات العقابية التي تبنتها واشنطن، والتي تقوم على رفض المطالب الأمريكية الخاصة بإجراء مفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد يستوعب التحفظات الأمريكية على الاتفاق النووي الحالي، والإصرار على المضى قدمًا في مواصلة الأنشطة الخاصة بالصواريخ الباليستية ودعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة في المنطقة، فضلاً عن اتخاذ إجراءات تصعيدية في البرنامج النووي على غرار وقف عمليات بيع اليورانيوم منخفض التخصيب والماء الثقيل في الأسواق الدولية، وربما رفع مستوى عمليات التخصيب في مرحلة لاحقة.

حرص إيران على الترويج إلى بداية تراجع الموقف الأمريكي بدا جليًا في التصريحات التي أدلى بها الرئيس حسن روحاني، في 5 يونيو الجاري، وقال فيها أن "العدو اضطر إلى تغيير أجندته في المنطقة وتغيير لهجته تجاه إيران". وربما يكون ذلك هو السبب الذي دفع واشنطن إلى فرض العقوبات الجديدة في هذا التوقيت تحديدًا.

أهداف أخرى:

من دون شك، قد لا تحاول إيران إهدار فرصة الزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء الياباني، والتي تسبقها زيارة سيقوم بها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى طهران في 9 يونيو الجاري، من أجل استشراف مدى إمكانية الانخراط في مفاوضات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المرحلة القادمة، خاصة بعد التصريحات اللافتة التي أدلى بها في طوكيو. لكن قد لا يكون ذلك هو الهدف الوحيد الذي تسعى طهران إلى تحقيقه عبر الزيارة، وإنما ثمة هدفان آخران هما:

1- رسائل مضادة: تسعى إيران عبر تلك الزيارة المرتقبة إلى توجيه رسائل مضادة للقوى الإقليمية والدولية المعنية بمواجهة أدوارها في المنطقة وبتطورات وتداعيات أزمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، مفادها أنها لا تتعرض لعزلة على الساحة الدولية، بدليل اهتمام إحدى القوى الآسيوية الرئيسية، وهى اليابان، بمواصلة تحسين العلاقات معها. وهنا، كان لافتًا أن وسائل الإعلام الإيرانية القريبة من النظام حرصت على إبداء اهتمام خاص بالزيارة التي لم تحدث منذ أكثر من 40 عامًا، وتحديدًا منذ عام 1978.

ومن دون شك، لا يمكن فصل ذلك الاهتمام عن توجه طهران نحو رفع مستوى علاقاتها مع الدول الآسيوية، وهو توجه ليس جديدًا لكنه متجدد بفعل الضغوط التي تتعرض لها سواء بسبب العقوبات الأمريكية أو بسبب الخلافات المتصاعدة مع الدول الأوروبية التي تقترب تدريجيًا من الموقف الأمريكي، على نحو انعكس في تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال لقاءه نظيره الأمريكي دونالد ترامب، في 6 يونيو الجاري، والتي قال فيها أن "أمريكا وفرنسا لديهما نفس الهدف فيما يتعلق بإيران"، وهو ما يتباين مع المواقف السابقة التي اتخذتها باريس وكانت تعترض من خلالها على السياسة الأمريكية إزاء إيران، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. 

2- ظروف متباينة: حاولت اتجاهات عديدة في طهران الترويج إلى أن توقيت الزيارة يشير إلى أن الموقف الإيراني بدأ يتعافى نسبيًا بعد الإجراءات العقابية المتتالية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن ذلك لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض. وهنا، فإن هذه الاتجاهات تستند إلى أن الظروف الدولية التي كانت قائمة في يوليو 2018، عندما ألغى آبي زيارة كانت مقررة لإيران في الشهر نفسه ضمن جولة قام بها إلى المنطقة، لم تعد موجودة في الفترة الحالية. 

فوفقًا لتلك الرؤية، فإنه في يوليو 2018، كانت الإدارة الأمريكية حريصة على فرض عزلة دولية على إيران، بالتوازي مع العقوبات التي بدأت في تفعيلها عقب انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو من العام نفسه، في إطار جهودها لدفع الأخيرة للاستجابة لمطالبها الخاصة بإجراء مفاوضات حول اتفاق جديد.

لكن عندما بدأت خيارات التصعيد التي تبنتها الإدارة الأمريكية، طبقًا لهذه المزاعم، تصل إلى ذروتها دون أن تكون هناك مؤشرات تفيد تراجع إيران، بدأت واشنطن في تغيير موقفها، على نحو اتضح في عدم سعيها إلى عرقلة الزيارة الجديدة التي سيقوم بها آبي في 12 من الشهر الحالي، وسيلتقي خلالها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.

ومن دون شك، فإن تلك الرسالة تحديدًا تبدو موجهة إلى الداخل، في ظل الانتقادات والضغوط القوية التي تتعرض لها حكومة الرئيس حسن روحاني بسبب إخفاق رهانها على الاتفاق النووي الذي لم تحصل إيران على عوائد استراتيجية واقتصادية يعتد بها منه.

لكن هذه الرسالة تتجاهل أن الإجراءات العقابية الأمريكية تجاه إيران غير مسبوقة، خاصة أنها قلصت من هامش الخيارات المتاح أمام الأخيرة، ونزعت منها زمام المبادرة، فضلاً عن أنها تسببت في أزمة اقتصادة حادة وفي ارتباك واضح في مواقفها إزاء التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية.  

وفي النهاية، يمكن القول إن مهمة رئيس الوزراء الياباني في طهران، في حالة ما إذا تمت زيارته بالفعل، لن تكون سهلة، خاصة في ظل إصرار طهران على فرض شروط مسبقة للاستجابة لدعوات إجراء مفاوضات، ومواصلة الإدارة الأمريكية فرض عقوبات جديدة على قطاع البتروكيماويات، بشكل دفع طهران إلى اعتبار أن تلك الخطوة تؤثر بشكل مباشر على جهود الوساطة، في إشارة إلى زيارة آبي المرتقبة.