قوة المستهلكين:

ماذا لو تحالفت الصين والهند ضد أوبك؟

09 May 2019


شهدت الأيام الماضية تداول أنباء حول اعتزام الصين والهند، بل واقترابهما من تشكيل تحالف يضم مستهلكي النفط. وكانت صحيفة "إيكونوميك تايمز"، أول من تحدث عن هذا الأمر، ووصفته بأنه خطوة "قد ترجح كفة سوق النفط لصالح المستهلكين"، حيث ستمنحهم قوة عند التفاوض مع الموردين، باعتبار أن التحالف يضم كلًّا من الصين والهند، ثاني وثالث أكبر مستهلكي النفط في العالم، وصاحبتي المرتبتين الأولى والثالثة بين مستوردي النفط في العالم أيضًا.

وهناك تحليلات كثيرة ترى أنه إذا حدث ذلك بالفعل، واستطاعت الصين والهند إنشاء مثل هذا التحالف؛ فإنه سيمثل خطوة ذات أهمية كبيرة في مسيرة تطور وتاريخ أسواق النفط والطاقة العالمية بشكل عام. ومن المتصور كذلك أنه سيكون لذلك التحالف تأثيره في الواقع اليومي المعاش في هذه الأسواق، وفي طريقة تفاعل المتغيرات الرئيسية الحاكمة فيها، كما أنها ستعني توزيعًا جديدًا لموازين القوة، وثقل الأدوار بين المنتجين والمستهلكين، وجميع الفاعلين في أسواق النفط العالمية. 

لكنّ قبل كل ذلك، فنشأة ذلك التحالف -في حقيقة الأمر- مرهونة بالعديد من الشروط، كما أن دوره وتأثيره يخضع للتقييم وفقًا للعديد من الاعتبارات، فما هي هذه الشروط؟ وما هي تلك الاعتبارات؟

تحالف صيني-هندي:

قبل الخوض في تقييم الخطوة الصينية-الهندية، وتأثيرها على أسواق النفط وعلى دور منظمة أوبك، يستلزم الأمر التنويه إلى أن هذه ليست المحاولة الأولى لتشكيل مثل هذا التحالف بين الهند والصين، فقد طُرحت الفكرة لأول مرة في عام 2005، عن طريق "ماني شانكار أيار" وزير النفط الهندي، لكنها لم تر النور. وبرغم ذلك، لم تتوقف مظاهر التعاون بين البلدين في قطاع الطاقة، فقد شاركتا مشاريعاً للتنقيب عن النفط والغاز خلال العقد الأخير في إفريقيا وآسيا، بعد منافسة شديدة بينهما في هذا القطاع استمرت لعقود. 

وقد جدد وزير البترول والغاز الطبيعي الهندي "دارميندرا برادان" الدعوة لإنشاء تحالف نفطي بين بلاده والصين عام 2018، وطرح فكرة أن اليابان وكوريا الجنوبية يمكنهما أن تنضما إلى التحالف، بجانب الصين والهند، من أجل تشكيل كتلة لأكبر أربعة مشترين للنفط في آسيا؛ ويبدو أن الخطوة الهندية-الصينية الأخيرة تأتي في هذا الإطار.

لكن -ووفقًا لوزارة البترول والغاز الطبيعي الهندية- لم يتم إحراز تقدم بشأن ضم اليابان وكوريا الجنوبية إلى التحالف "المحتمل". ووفق ما ذكرته صحيفة "إيكونوميك تايمز" فإن ما تم إنشاؤه بين الهند والصين مؤخرًا لم يرقَ للتحالف بعد، فهو يقتصر على "مجموعة عمل مشتركة بين البلدين"، يرأسها سكرتيران مشتركان من وزارتي النفط في البلدين، ويقوم دورها على تحديد موضوعات التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك إيجاد السبل لما تم تسميته في البيان الرسمي للاجتماع الأول لمجموعة العمل بـ"كبح جماح" أسعار النفط العالمية.

هل هي بداية لتحالف حقيقي؟

برغم أن الخطوة الهندية-الصينية الأخيرة، لم يتمخض عنها إنشاء تحالف نفطي متماسك وقابل للاستمرار بين البلدين، كما أن مجموعة العمل التي تم إنشاؤها لم تضم اليابان وكوريا الجنوبية؛ لكن في حقيقة الأمر لا يمكن التقليل من أهمية هذه الخطوة، لا سيما وأن الأهداف المعلنة لها هي التأثير في أسعار النفط، وهذا ما يمكن استنباطه من مصطلح "كبح جماح" أسعار النفط، الذي تضمنه البيان الخارج عن الاجتماع، ويشير ذلك إلى عزم البلدين لعب دور مشترك ومؤثر على أسعار النفط، لا سيما في حالة ارتفاعها. ويمكن أن يتسع دورهما في هذا الإطار إذا استطاعاً بالفعل تنسيق سياساتهما المتعلقة باستيراد النفط، كأحد الأهداف بعيدة المدى للتحالف المحتمل.

ولم يتضح بعدُ الآليات التي سيتم من خلالها تحقيق الدولتين لأهدافهما تلك. ويعتمد نجاحهما في ذلك على شروط عدة؛ أولها توفر الثقة المتبادلة، باعتبارها النافذة التي سيتم من خلالها تبادل المعلومات. كما ستوقف الأمر كذلك على استعدادهما لتنسيق سياسات استهلاك واستيراد جميع مصادر الطاقة بشكل عام على المدى البعيد. وهو ما يتوقف على دوافع كل منهما وراء ذلك، وهنا يمكن القول إن الهند لديها دوافع أكبر للمضي قدماً في ذلك الاتجاه، لاسيما أنها تسعى للاستفادة من تجربة الصين في زيادة استهلاك الغاز الطبيعي في اقتصادها، وتحويل جزء كبير من منظومة نقلها الطويل إلى الغاز بدلًا من الوقود التقليدي والفحم. وهي تهدف إلى رفع حصة الغاز في استهلاكها من الطاقة الأولية من 6% حاليًّا إلى 15% في المستقبل. 

وفيما يتعلق بدوافع البلدين معاً، فالتحالف "المحتمل" يوفر للبلدين فرصة تنسيق سياستهما فيما يتعلق باستيراد النفط والغاز من روسيا، عبر خطوط الأنابيب، بدلًا من التنافس خلال السنوات الماضية، وفي هذه الحالة، توجد فرصة تعاون كبيرة بينهما لتبادل النفط والغاز المسال، بحيث يمكن للهند أن تحصل على حصتها من النفط والغاز الروسي عبر الصين التي تتمتع بسهولة الوصول إلى خط أنابيب الطاقة الروسي، وهو ما سيقلص تكاليف تشغيل المصافي الهندية. كما ستستفيد الصين أيضاً من رسوم عبور النفط والغاز من خلالها إلى الهند، وستستفيد محطات التكرير لديها أيضاً، لدى لجوء الهند إليها للحصول على بعض المنتجات النفطية.

ماذا يعني ذلك لأسواق النفط؟

قالت صحيفة "إيكونوميك تايمز" نقلًا عمن أسمته مسئولًا هنديًّا قريبًا من دائرة اتخاذ القرار المتعلق بإنشاء مجموعة العمل الهندية-الصينية، إن "تحالف المشترين" الذي يمكن أن ينشأ في المستقبل، والذي سيبدأ بالهند والصين، سيتفاوض بشكل جماعي على مشتريات النفط، وأن ذلك سيساعد المشترين على إبرام صفقات أفضل مع منتجي النفط. لكن في حقيقة الأمر، فإن الحكم على ذلك يخضع لاعتبارات عديدة، منها موقع الصين والهند، والدول المحتمل انضمامها للتحالف، في أسواق النفط العالمية، ومنها كذلك فرص تمكن هذه الدول من بناء التحالف، وكذلك مدى قدرة هذا التحالف على التأثير على الأسواق في المستقبل البعيد.

وفيما يتعلق بموقع دول التحالف المحتمل في أسواق النفط، فإن حجم الاستهلاك النفطي للصين والهند مجتمعتين يبلغ نحو 17.32 مليون برميل يوميًّا، أو ما يناهز نحو 18% من إجمالي الاستهلاك العالمي، وهما تحتلان المرتبة الثانية والثالثة عالميًّا بعد الولايات المتحدة من حيث استهلاك النفط. وعلى صعيد الاستيراد فإن الصين تأتي في مقدمة الترتيب العالمي، متفوقة على الولايات المتحدة صاحبة المرتبة الثانية، وتأتي الهند في المرتبة الثالثة. وتستورد الصين والهند معًا 22.5% من الاستيراد العالمي للنفط. وبالتالي فإن أي تقارب فيما بين البلدين من أجل تنسيق سياساتهما المتعلقة باستهلاك واستيراد النفط، سيكون له -بلا ريب- تأثيره في أسواق النفط.

وإذا اتسع التحالف ليشمل اليابان وكوريا الجنوبية، فإن حصة دوله في استهلاك النفط العالمي تزداد إلى 23.85 مليون برميل يوميًّا، أو ما يناهز نحو 24% من إجمالي الاستهلاك العالمي، كما ترتفع نسبة وارداتهم من إجمالي الواردات العالمية من النفط إلى قربة الـ30%، وهو ما يمنح هذا التحالف في حالة قيامه بالشكل المتصور دورًا أكثر تأثيرًا على أسواق النفط، وكذلك أسواق الطاقة بشكل عام. 


لكن فيما يتعلق بفرص قيام التحالف، فإن اليابان وكوريا الجنوبية هما خارج الحسابات حتى الآن، كما أن انضمامهما سيتوقف بشكل كبير على مدى نجاح الهند والصين في تحقيق ما تسعيان إليه، بداية بإنجاح مجموعة العمل المشتركة، ومن ثم بناء التحالف النفطي الثنائي المتماسك والقابل للبقاء، وأن يتمكن هذا التحالف من تحقيق مزايا للدولتين العضوين به لم تكن لتحققاها من دونه، بما يشجع اليابان وكوريا الجنوبية على الانضمام إليه. وهي جميعها شروط ليس بالسهل تحققها، كما أنها تحتاج إلى وقت طويل، لا سيما أن القضايا الخلافية بين الهند والصين، خارج حدود العلاقات الاقتصادية، يتوقع أن يكون لها دور في تحديد مصير هذا التحالف.

وختامًا، فمن الضرورة بمكان التأكيد على أنه حتى إذا نشأ التحالف المحتمل، فلن يكون هو الأول من نوعه، فـ"الوكالة الدولية للطاقة" التي نشأت في عام 1974 كتحالف لمستهلكي النفط، كانت تستهدف كسر سيطرة المنتجين على الأسواق، وتحويلها إلى أسواق مستهلكين بدلًا من كونها أسواقًا للمنتجين في حينه. وقد تمكنت الوكالة في السنوات الأولى لإنشائها من إحداث تغييرات جوهرية بالأسواق، ومنحت المستهلكين متسعًا للتأثير في القرار النفطي العالمي، لكن هذا التأثير تراجع نسبيًّا فيما بعد، ولم تتمكن الوكالة -برغم اتساعها لتشمل 30 دولة حاليًّا- من تهميش دور منتجي النفط، كما أنها لم تستطع إلغاء دور وتأثير أوبك. وقياسًا على ذلك، فليس من المتصور أن يكون للتحالف "المحتمل"، في حال إنشائه فعليًّا، تأثيراً كبيراً سواءً على أسواق النفط أو على دور أوبك على المدى البعيد.