الضغط الفعال:

رؤية أمريكية لتطوير سياسة ذكية تجاه النفوذ الإيراني

20 March 2019


عرض: صباح عبدالصبور - باحثة في العلوم السياسية

تبنت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" استراتيجية صارمة إزاء إيران تقوم على إعادة فرض العقوبات الدولية عليها بعد الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، بهدف إحداث تغيير جوهري في السياسات التي تتبناها طهران منذ عقود، وكانت مصدرًا دائمًا للتوتر مع الولايات المتحدة. لكنّ تلك الاستراتيجية -بحسب الكثير من التحليلات الغربية- لم تفلح حتى الآن في إحداث التغيير المأمول، وتحقيق أهداف السياسة الأمريكية تجاه الجمهورية الإسلامية.

وفي هذا السياق، أصدر مركز الأمن الأمريكي الجديد تقريرًا شارك في إعداده سبعة من الخبراء والمتخصصين في الشئون الدولية وقضايا منطقة الشرق الأوسط، والأمن والاقتصاد والطاقة، مؤخرًا بعنوان "مسار واقعي لإحراز بعض التقدم مع إيران: اثنا عشر مبدأ توجيهيًّا لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية"، يقدم العديد من التوصيات للإدارة الأمريكية، والمبادئ التوجيهية، ومقترحات سياسية لكيفية إحرازها تقدمًا في منع طهران من امتلاك سلاح نووي، وكذلك التصدي لسلوكها المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والتأكد من استمرار التزام الجمهورية الإسلامية بالالتزامات النووية الواردة في الاتفاق النووي حتى مع تزايد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

توصيات لتعديل السلوك

أشار معدو التقرير إلى أنه إذا كانت الإدارة الأمريكية ترغب في تحقيق أهداف سياساتها الخارجية تجاه إيران، فإن عليها انتهاج سياسة جديدة أكثر واقعية. ولهذا قدموا توصيات من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة في إحراز تقدم ملحوظ في تعديل سلوك طهران المفروض أمريكيًّا، وهي على النحو التالي: 

أولًا- التأكيد على عدم رغبة الولايات المتحدة في تغيير النظام بإيران: يوصي التقرير بأهمية إرسال الولايات المتحدة إشارات واضحة وموثوقة إلى إيران مفادها أنها لن تسعى لإسقاط النظام إذا تم التعامل مع مخاوفها. فضلًا عن إمكانية تقديم حوافز إيجابية لطهران في حال تغيير سياساتها. فمثلًا يمكن أن تلوّح واشنطن بأنها مستعدة لإنهاء العقوبات التي تمنع معظم الشركات الأمريكية من التعامل مع إيران، مع التأكيد على أن رفض إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات سيؤدي إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية عليها.

ثانيًا- إبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع إيران: يعتقد المؤلفون أنه يجب على الإدارة الأمريكية أن تنشئ قناة اتصال خاصة مع إيران لمعالجة القضايا المشتركة على المدى القصير والمتوسط، بدلًا من انتظار إجراء محادثات رفيعة المستوى تتناول فقط مطالب الولايات المتحدة التي قد تستغرق سنوات حتى تبدأ. ووفقًا للتقرير، فإن ذلك سيسمح لواشنطن بنقل مواقفها بوضوح وصراحة إلى طهران، وسيساعدها في توضيح نواياها. كما يمكن استخدامها لمناقشة قضايا حساسة مثل احتجاز إيران مواطنين أمريكيين. كما يقترح التقرير أن يحاول الرئيس "ترامب" أيضًا الاستفادة من علاقاته "الودية" مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" للتواصل مع القيادة الإيرانية.

ثالثًا- تعزيز بيئة تواصل فيها إيران الالتزام ببنود الاتفاق النووي: يرى التقرير أنه رغم خروج الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق النووي في مايو الماضي، فإنه ينبغي عليها ألا تعرقل جهود باقي أطراف الاتفاق لإقناع طهران بمواصلة التزامها بالقيود النووية الواردة في الاتفاق، ولا سيما الجهود الأوروبية والصينية والروسية في هذا الشأن.

ويُضيف أن على الإدارة الأمريكية ألا تحاول منع أو فرض عقوبات على شراء إيران للمواد والتكنولوجيات لإكمال المنشآت النووية الإيرانية غير العسكرية مع تمكن المجتمع الدولي من المعرفة والسيطرة على مشتريات طهران النووية.

كما يوصي التقرير الإدارة الأمريكية باتخاذ خطوات محدودة ومحددة لتمكين الإيرانيين من الوصول إلى النظام المالي، وذلك إذا اتضح في سياق الحوار بين طهران وباقي الدول المشاركة في الاتفاق النووي أن مثل هذه الخطوات يمكن أن تكون فارقة بين استمرارها في مواصلة التزاماتها النووية أو تكثيف برنامجها النووي العسكري. ويمكن للولايات المتحدة في هذه الحالة أن تعمل مع بنك مركزي أوروبي لإنشاء قناة للأعمال القانونية والمسموح بها للتعامل ماليًّا مع إيران بحرية أكبر.

رابعًا- السعي لفرض قيود واقعية على برنامج إيران الصاروخي: دعا معدو التقرير إلى ضرورة البحث عن قيود واقعية على برنامج إيران الصاروخي، وذلك من خلال العمل المشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا لضمان التزام رسمي من طهران بالالتزام بحدود الصواريخ التي فرضتها بنفسها. ويمكن -وفقًا للتقرير- البدء باتجاه التوصل إلى اتفاق يمكن أن يحبط تطوير واختبار وإنتاج الأنظمة الصاروخية التي يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة وأوروبا. 

ويمكن أن تتراوح شروط الصفقة بين اتفاقية غير رسمية تقنن التزامات إيران السياسية للحد من مدى صواريخها، إلى اتفاق أكثر تفصيلًا حول أنواع التقنيات والاختبارات المحظورة. علاوةً على أهمية تحديد كل الشركات الإيرانية الخاصة التي لها روابط بأنشطة الصواريخ أو الانتشار النووي الإيراني. وهو ما سيُساهم -وفقًا للتقرير- في فضح الشبكات اللوجيستية الإيرانية، وتهديد الشركات داخل طهران بأن مصالحها التجارية المشروعة معرضة للخطر إذا دخلت في شراكة مع الجيش الإيراني.

خامسًا- تحديد الأولويات والبدء في وضع الأساس لحل واقعي طويل الأجل للملف النووي الإيراني. يوصي المؤلفون إدارة ترامب بالفصل بين ما أسموه "الخطوط الحمراء" وهي الأنشطة الإيرانية التي تشكل أهمية حقيقية وتتطلب ردود فعل جدية، وتلك الإجراءات الإيرانية المرئية أو الاستفزازية التي لها تأثير ضئيل على قدرة طهران الفعلية على إنتاج أسلحة نووية. ووفقًا للتقرير، يجب على واشنطن وحلفائها تطوير خيارات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية لثني إيران عن استئناف الأنشطة النووية الأكثر إشكالية، مثل الجهود المبذولة للحد من وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، أو تطوير قدرات جديدة يمكنها تحسين مسارات إنتاج الأسلحة النووية كالقدرة على إعادة معالجة البلوتونيوم.

سادسًا- الاستخدام الفعال للتدابير المالية لزيادة الضغط على إيران: وفي هذا المحور، سلط التقرير الضوء على عددٍ من التدابير المهمة التي تُساعد في زيادة الضغط على إيران، ومنها: تسليط الضوء على أنشطة طهران غير النووية اللا مشروعة، خاصة في مجال الطاقة، والفساد، وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وسيُساعد هذا النهج -وفقًا لوجهة نظر المؤلفين- في تحفيز الدعم الدولي والجهود التعاونية لعزل الجمهورية الإسلامية، وسيسهل ربط العقوبات بالأدوات الدبلوماسية والدفاعية الأخرى لدعم نهج شامل يستند إلى العديد من أدوات فن الحكم، وتعاون مجموعة من الشركاء الدوليين.

كما دعا التقرير إلى التركيز على استهداف الكيانات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وكشف الأنشطة غير المشروعة والفساد في المؤسسات الإيرانية الكبيرة، وإلقاء الضوء على تهرب طهران من العقوبات في المجال البحري.

سابعًا- مواجهة السياسات الإيرانية التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط: وفي هذا المحور، أكد المؤلفون أهمية تعاون الولايات المتحدة مع الشركاء في المنطقة لمواجهة الحرب الإيرانية غير النظامية، ودعوا إلى ضرورة العمل على تحسين القدرات المشتركة، ووضع استراتيجيات لمواجهة قدرات الحرب غير النظامية، بما في ذلك خطة لحملة مشتركة، وكذلك إنشاء بعثات تدريبية وتمارين مشتركة، ومركز للاستخبارات.

الانسحاب المخطط

مع إعلان الرئيس الأمريكي في ديسمبر الماضي قراره المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا، والذي سيمنح إيران مزيدًا من النفوذ في سوريا وفي المنطقة، واحتمالات تأثيراته على اندثار تنظيم "داعش" الإرهابي، دعا معدو التقرير إلى أن يكون سحب القوات الأمريكية بطريقة تعطي الأولوية لمنع عودة ظهور التنظيم، والحد من المكاسب الإيرانية إلى أقصى حد ممكن. والعمل على دعم الترتيبات الدبلوماسية بين روسيا وإيران وتركيا والأسد والقوى الكردية السورية بما يساعد في منع نشوب صراع جديد في الجزء الشرقي من سوريا. 

وأضافوا ضرورة ممارسة الإدارة الأمريكية ضغطًا دبلوماسيًّا على تركيا حتى لا تشنّ ضربات عسكرية على القوات الكردية الحليفة للولايات المتحدة، والتي لعبت دورًا رئيسيًّا في محاربة تنظيم "داعش". وتأييد صفقة يتم التفاوض عليها تجعل المناطق الكردية في شمال سوريا تحت سيطرة "الأسد". ويدعون إلى تقديم الدعم الدبلوماسي لضربات إسرائيل المستمرة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا. واستخدام شبح حرب إسرائيلية-إيرانية محتملة في سوريا لتحفيز الروس على كبح المكاسب الإيرانية في شرق سوريا.

البحث عن شريك لبناني

لتقويض النفوذ الإيراني في لبنان أكد التقرير أهمية العمل مع الشركاء العرب لتحديد الفاعلين اللبنانيين المحليين الذين يمكن أن يصبحوا بديلًا عمليًّا لحزب الله والعمل على تمكينهم، مع الاستمرار في بناء قدرات الجيش اللبناني، والاستمرار في المشاركة في مشاريع تعمل على تحسين الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للبنانيين.

ويدعو معدو التقرير إلى ضرورة زيادة تمويل فروع الحكومة اللبنانية التي يثبت استقلالها عن السيطرة السياسية لحزب الله، ووضع إجراءات لمكافحة الفساد بها، وتنفيذ عقوبات محددة الهدف ضد حزب الله، ودعم بعض عناصر المعارضة الرئيسية لحكومة "الأسد" أو أنشطة حزب الله.

مساعدة العراق:

وعن كيفية مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في العراق بعد الغزو الأمريكي له في مارس ٢٠١٣، شدد التقرير على أهمية إظهار التزام أمريكي واضح وطويل الأجل بالعراق، وذلك من خلال: الإعلان عن حزمة دعم طويلة الأجل للمساعدة الإنسانية والتنمية الاقتصادية في العراق، والحفاظ على البعثة الاستشارية العسكرية الأمريكية طويلة الأجل لدعم قوات الأمن العراقية. 

في الختام، يخلُصُ التقرير إلى أن الاستراتيجية التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تجاه إيران لن تنجح في إحراز تقدم ملحوظ لمنع طهران من صنع سلاح نووي، وردع سلوكها المزعزع للاستقرار، وهذا ما أكدته الكثير من التحليلات الأمريكية والغربية على حد سواء. ولهذا دعا المشاركون في إعداده إلى ضرورة ابتعاد الولايات المتحدة عن نهجها العدائي تجاه النظام الإيراني، والمطالب غير الواقعية، وانتهاج سياسة ذكية وعملية بدلًا من ذلك تُمكّن واشنطن من تحقيق أهداف سياساتها الخارجية تجاه إيران، وكذلك الحفاظ على أمن واستقرار حلفائها بالشرق الأوسط. 

المصدر:

Eric Brewer, Elisa Catalano Ewers, Ilan Goldenberg, Peter Harrell, Nicholas Heras, Elizabeth Rosenberg and Ariane Tabatabai, “A Realistic Path for Progress on Iran 12 Guiding Principles to Achieve U.S. Policy Goals”, Center for a New American Security, January 29, 2019.