ما بعد قمة العشرين

06 December 2018


يعلق الكثيرون آمالاً على مجموعة العشرين التي تضم أكبر اقتصادات العالم في حل العديد من القضايا الاقتصادية المعقدة، والتي تُشكّل تحدياً حقيقياً لمستقبل الاقتصاد العالمي، بما في ذلك اتخاذ بعض الإجراءات في نطاق جماعي لتفادي الأزمات الحادة المحتملة، إلا أن التفاوت الكبير بين مواقف ومصالح البلدان العشرين مازال عائقاً أمام التوصل لتفاهمات جماعية.

ولنأخذ أهم بندين أُدرجا على القمة الأخيرة للمجموعة، والتي عقدت مؤخراً في العاصمة الأرجنتينية، حيث أدرج بند التجارة الدولية والحمائية التجارية إلى جانب الاستقرار المالي، الا أن أيا من هذين البندين الرئيسيين لم يتم وضع تصورات لحل التحديات والمصاعب التي تواجه التجارة الدولية والتي دخلت عملياً حرباً تجارياً شرسة بدأت تنعكس تداعياتها على كافة البلدان، كما أن الأوضاع المالية تزداد تعقيدا بسبب استمرار تدحرج كرة الديون والتي تشكل خطراً حقيقياً يمكن أن تؤدي إلى أزمة مالية بعواقب وخيمة.

في البند الأول، اتفق زعماء أكبر اقتصاديين، الولايات المتحدة والصين على وقف مؤقت لصراع الديكة بينهما، حيث اتفقا على «هدنة تجارية» لمدة ثلاثة أشهر يمنع خلالها فرض أية رسوم تجارية، وذلك بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوماً على وارداتها من الصين بقيمة 267 مليار دولار، وهددت بفرض رسوم إضافية بقيمة 233 مليار دولار أخرى، مما دفع الصين لفرض رسوم على وارداتها من الولايات المتحدة بقيمة 100 مليار دولار، إذ من غير المعروف كيف ستجري الأمور بعد الهدنة التي تم الاتفاق عليها.

الجانب الإيجابي هنا يكمن في أن القمة اتفقت على إصلاح منظمة التجارة العالمية، وذلك بعد أن كانت المنظمة مهددة بالفشل بعد إعلان واشنطن نيتها للانسحاب منها، حيث منح هذا القرار فسحة من الأمل لبقاء المنظمة الدولية على قيد الحياة، وهو مكسب للمحافظة على بعض الإنجازات التي تحققت في نطاقها على مدى أكثر من عقدين. أما فيما يتعلق بالاستقرار المالي الدولي، فإنه لم تتخذ أية إجراءات رغم حضور المدراء العامين لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ففي هذا الجانب بقيت الأمور على حالها، وذلك رغم خطورتها على الاقتصاد العالمي، فالكثير من البلدان أصبحت عملياً عاجزة عن تسديد ليس ديونها فحسب، وإنما المبالغ المترتبة على فوائد وخدمة هذه الديون، علماً بأن ديون بعض البلدان الكبيرة، كإيطاليا أضحت تهدد استقرار تكتل اقتصادي مهم للاقتصاد الدولي، وهو الاتحاد الأوروبي.

بشكل عام يبدو أن الاتفاقيات الجانبية بين زعماء المجموعة كانت أكثر فعالية وأهمية من الاتفاقيات الجماعية، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب استطاع إرغام كندا والمكسيك على توقيع اتفاقية تجارية جديدة عوضاً عن الاتفاقية السابقة المسماه بـ«النافتا»، وذلك بعد إدخال تعديلات عليها تتناسب والمصالح الأميركية، كما أن كلاً من السعودية وروسيا توصلتا إلى اتفاق لتثبيت أسعار النفط عند معدلاتها الحالية، وذلك بعد الانخفاض الكبير الذي شهدته الشهر الماضي، وهو إنجاز مهم للبلدان المنتجة للنفط، وساهم في ارتفاع أسعار الخام بنسبة كبيرة بداية الأسبوع الجاري ليصل سعر البرميل إلى 62 دولاراً، مقابل 59 دولاراً للبرميل نهاية الأسبوع الماضي، حيث يضع هذا الاتفاق أساساً قويا للقرارات التي ستتخذها منظمة «أوبك» في اجتماعها الذي سيعقد اليوم الخميس والاجتماع بينها وبين البلدان المنتجة من خارجها بعد غد الجمعة، مما سيساهم في بقاء معدلات الأسعار ما بين 60-70 دولاراً للبرميل، وهو السعر العادل الذي يفترض أن تستقر عنده الأسعار.

لذلك يمكن القول إن قمة العشرين ساهمت جزئياً في تجاوز بعض العقبات التجارية، وساهمت في استقرار أسعار النفط، وهي مسألة مهمة للاقتصاد العالمي، في حين لم تتوصل لأية نتيجة في الجانب المالي، والذي ستلقي أزماته المتفاقمة بظلال قاتمة على الاقتصاد العالمي.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد