تسييس الطاقة:

كيف تعكس أزمات الكهرباء تفاعلات الشرق الأوسط؟

31 July 2018


تعبر أزمات انقطاع الكهرباء عن جانب من التفاعلات الداخلية أو البينية لعدد من دول الإقليم، مثل ليبيا وتونس واليمن والعراق والأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية، خلال الفترة الماضية، لا سيما مع موسم الذروة في فصل الصيف، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما أوضحته جملة من المؤشرات الدالة التي تتمثل في تزايد الاحتجاجات الشعبية في جنوب ووسط العراق، ودور إيران في قطع خطوط الإمداد الكهربائي بهدف ممارسة ضغوط سياسية، ودعوات العصيان المدني في ليبيا لانقطاع التيار الكهربائي وتعرض المحطات للسرقة والتخريب، ورفض التيارات السياسية الرئيسية لخطة إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان، ومعاناة سكان قطاع غزة من أزمات الكهرباء والمياه بسبب حصار إسرائيل وسيطرة حماس. 

أزمات متكررة:

لم تكن أزمات الكهرباء التي تشهدها الدول السابقة هى الأولى من نوعها بل كانت هناك أبعاد أخرى لأزمة الكهرباء خلال الفترة من عام 2014 وحتى عام 2017، حينما حرصت التنظيمات الإرهابية العابرة لحدود دول الإقليم على استهداف البنية التحتية للكهرباء في بؤر الصراعات العربية، وهو ما فعله تنظيم "داعش" في إطار مواجهاته المسلحة مع القوات النظامية في سوريا والعراق في أعوام سابقة، على نحو يؤدي إلى خسائر اقتصادية للحكومات وينتج ضغوطًا شعبية واسعة، بل تم فرض رسوم شهرية على استهلاك الكهرباء. فضلاً عن سرقة محطات الكهرباء من قبل "عصابات النحاس" في بعض مناطق ليبيا.

وكذلك تم اختطاف موظفي الشركة التركية العاملين بمشروع محطة "أوباري" في ليبيا في نوفمبر 2017، على نحو يزيد مخاوف الشركات الأجنبية من العمل هناك. كما أن سيطرة الحوثيين على أجزاء من اليمن أدى إلى تفاقم أزمة الكهرباء، لا سيما مع تقادم وتهالك محطات التوليد الكهربائية، وخروج بعضها من الخدمة، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وظروف الصراع الدائر. إلى جانب أن تصاعد أزمات الكهرباء المعتادة ساهم في تزايد المطالبات المجتمعية باستقالة الحكومة في دولة مثل الأردن، في حين قادت الأزمة في تونس إلى الاستيراد من الجزائر والمغرب.

وبوجه عام، يمكن تناول الأزمات العاكسة لدور "ملف الكهرباء" في تفاعلات الإقليم، خلال الأشهر الماضية، على النحو التالي:

غضب شعبي:

1- تزايد الاحتجاجات الشعبية على خلفية الانقطاع المتكرر للكهرباء: على نحو أدى إلى إصدار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمرًا بإقالة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي في 29 يوليو 2018 بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع موجة احتجاجات في جنوب ووسط العراق بسبب الضعف الحاد في خدمات الكهرباء التي لا تحصل عليها الأسر العراقية إلا لساعات محدودة يوميًا في الوقت الذي وصلت فيه درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية.

ودفع ذلك المحامي طارق المعموري إلى رفع دعوى قضائية ضد الفهداوي ووزارة الكهرباء بسبب عدم الإيفاء بالتعهدات بتوفير الطاقة، رغم تسلمها مخصصات مالية تجاوزت 40 مليار دولار خلال الأعوام الأخيرة. وقد صدر بيان أخير عن المكتب الإعلامي للعبادي يشير إلى أن "رئيس مجلس الوزراء أمر بسحب يد وزير الكهرباء على خلفية تردي خدمات الكهرباء". في حين يبرر المسئولون العراقيون عدم توافر الطاقة بقلة الاستثمارات نتيجة انخفاض أسعار النفط، إضافة إلى عدم دفع السكان في مناطق واسعة من البلاد فواتير الكهرباء.

تدخل طهران:

2- توجيه القوى الإقليمية مسار التفاعلات الداخلية للدول العربية: وهو ما عكسه توقف إيران، قبل فترة قصيرة، عن تصدير الكهرباء إلى العراق، بعد أن كانت موردًا للطاقة الكهربائية في مناطق بالجنوب، وتحديدًا محافظتي ديالي والبصرة، بسبب النقص الحاصل لديها، وخلافات حول الاستحقاقات المالية. وقد أشارت وزارة الكهرباء العراقية، في بيان صادر في 6 يوليو 2018 إلى وجود "عجز في تجهيز الطاقة الكهربائية بلغت قدرته 1000 ميجاواط، بسبب قطع إيران للشبكة، مما أثر سلبًا وبشكل مباشر على عدد ساعات إمداد المدن الجنوبية بالطاقة الكهربائية".

ولذا، طالبت وزارة الكهرباء المواطنين بترشيد الاستهلاك لتخفيف العبء عن المنظومة الكهربائية، في ظل غياب الحلول، الناجم عن إهمال المشاريع التنموية والخدمية طيلة الأعوام الماضية، وإن كانت الاعتبارات السياسية هى التي قادت طهران إلى ذلك خاصة بعد أن أسفرت الانتخابات البرلمانية عن تراجع مرتبة ائتلاف "الفتح" الذي يمثله القيادي في "الحشد الشعبي" هادي العامري المرتبط بإيران بما أضعف حظوظه في تشكيل الحكومة المقبلة، فضلاً عن تزايد العراقيل التي تواجه آلية تسديد الديون بفعل العقوبات الجديدة المفروضة على إيران.

عصيان مدني:

3- تزايد دعوات العصيان المدني والتظاهر وإسقاط الحكومة وإقالة مجلس إدارة شركة الكهرباء في ليبيا: وذلك بسبب استمرار انقطاع الكهرباء لفترة طويلة، على غرار الدعوات التي أطلقتها بلدية حى الأندلس التابعة لمدينة طرابلس، في النصف الثاني من يوليو 2018. وتؤكد النشرات اليومية الصادرة عن شركة الكهرباء أن عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي لا يتجاوز ثماني ساعات، إلا أن ذلك غير قليل نظرًا لارتفاع درجات الحرارة، بل إن عدد ساعات الانقطاع يتجاوز ذلك بكثير في بعض الأحيان.

وتنتج ليبيا حوالي 5000 ميجاواط من الكهرباء، فيما يصل الاستهلاك في أوقات الذروة إلى نحو 7000 ميجاواط، بعجز يبلغ 2000 ميجاواط، الأمر الذي يدفع الشركة إلى طرح أحمال وفصل الكهرباء. وتتحمل طرابلس (أكبر المدن وأكثرها كثافة سكانية) النصيب الأكبر من ساعات الانقطاع. وفي هذا السياق، طالب رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج بعدالة طرح الأحمال بين طرابلس والمدن الأخرى التي ترفض قطع التيار الكهربائي عنها بعد تحمل طرابلس أعباء كبيرة، كادت تنذر بانهيار الشبكة العامة بسبب زيادة الطلب.

فساد سياسي:

4- توظيف الكهرباء كأداة للفساد السياسي: وهو ما ينطبق جليًا على حالة لبنان، مع الأخذ في الاعتبار أن العجز الموجود في هذا القطاع يبلغ 36 مليار دولار من أصل 80 مليار دولار، أى يشكل 45% من حجم المديونية العامة، وفقًا لأحد التقديرات. ولم يكن هذا التدهور مرتبطًا بأداء الحكومة الحالية فقط بل يعود إلى الحرب مع إسرائيل التي دمرت البنية التحتية، في الوقت الذي لم تقم الحكومة بتطبيق الخطة الرامية لوجود هيئة ناظمة، تقضي بالفصل بين القطاعات الثلاثة للكهرباء في البلاد، وهى معامل الإنتاج والشبكات والتوزيع والجباية (التحصيل).

ويضاف إلى ذلك عدم إعادة تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان (الرسمية) وتحديث قوانين نظامها، وإشراك القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء، على أن تبقى الشبكات للدولة. غير أن هذه الخطة لم تطبق بفعل توظيف ملف الكهرباء في إطار الصراع السياسي الداخلي، حيث يرفض "التيار الوطني الحر" المؤيد للرئيس ميشال عون تنفيذ القانون الناظم للقطاع، بل إن قرارات تمديد مخالفة للقوانين تتخذ بشكل مستمر سواء فيما يتعلق برئاسة مؤسسة كهرباء لبنان أو تعيين بعض المديرين بالتكليف، وهو ما يفسر تفاقم أزمة الكهرباء في البلاد منذ يناير 2018 وحتى الآن.  

سجن غزة:

5- زيادة مضاعفات الفلسطينيين القاطنين تحت الاحتلال: الأمر الذي يعبر عنه واقع سكان غزة، في ظل أزمات الكهرباء والمياه، وتدهور الحياة الاقتصادية العامة والخاصة، حيث تعلن شركة الكهرباء في قطاع غزة عن توقف شبه دوري لمحطة الكهرباء عن العمل نتيجة استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتشديد الحصار على القطاع، فضلاً عن الخلافات الداخلية الناجمة عن النزاع بين حركتى فتح وحماس. وفي هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة، في تقرير صادر في يوليو 2017 بعنوان "غزة بعد عشر أعوام"، من أن القطاع قد يكون بالفعل غير صالح للحياة بحلول عام 2020 بعد مرور أعوام عدة على الحصار الإسرائيلي، وسيطرة حركة حماس عليه.

مسارات المواجهة:

خلاصة القول، إن ملف الكهرباء ضاغط على دول الإقليم سواء على الصعيدين السياسي أو الأمني، لا سيما أن أزماته متكررة، على نحو يستلزم مواجهة على مسارات مختلفة، يتمثل أبرزها في:

1- البناء الداخلي، عبر إصلاح الشبكات الداخلية وتقديم خدمات الصيانة للمحطات الكهربائية المتوقفة عن العمل وتوفير الأمان والحماية لفرق الصيانة من الجيوش النظامية في بعض بؤر الصراعات مثل ليبيا، والاستعانة بمحطات الطاقة الشمسية وخاصة في المستشفيات، لتوفير كهرباء لا تنقطع.

غير أن ذلك مرهون بتوافر موارد مالية، وكان نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق قد قال، في 14 يناير 2017: "ستنتهي أزمة الكهرباء في ليبيا مارس 2017، حيث سيصل العجز إلى حدود من 10 إلى 15% فقط"، وهو ما اعتبره مشروطًا بتنفيذ مخرجات اجتماع روما الذي أسفر عن اتفاق بتسيير المصرف المركزي أموالاً للشركة العامة للكهرباء لتغطية احتياجاتها وصيانة المحطات.

2- الاستهلاك المجتمعي، إذ أن ثمة ضرورة لإطلاق حملات ترشيدية لتوعية المواطنين بكيفية ترشيد استهلاك الكهرباء، لا سيما في ظل إشارة الشبكة العامة للكهرباء في ليبيا إلى أن قسمًا كبيرًا من الطاقة المولدة يذهب نتيجة سوء استعمال المواطنين للأدوات والأجهزة التي تظل موصولة بالكهرباء، حتى عند عدم الحاجة إليها، إذ أن استهلاك المواطن للطاقة الكهربائية يساوي 3 أضعاف ما يستهلكه التونسي.

3- الدعم العربي، وهو ما تعبر عنه جهود دولة الإمارات لتخفيف حدة أزمة الكهرباء في عدن باليمن، في إطار المساعدات التي تقدمها الإمارات لليمن في كافة المجالات، حيث يحظى قطاع الكهرباء بأولوية ليس فقط لاعتماد الأسر عليها، وإنما أيضًا لأهميتها في تشعيل الخدمات الأخرى كالمستشفيات والمخابز.

فضلاً عن نجاح الإمارات في توفير الكهرباء لـ12 ألف يمني في مديرية المخا في الساحل الغربي بعد تأهيل شبكة الكهرباء وتركيب المحولات اللازمة لعودة التيار الكهربائي إلى 1600 منزل. كما تبرعت وزارة الكهرباء والماء الكويتية بـ17 مولد كهربائي متنقل، بطاقة إجمالية تبلغ 30 ألف كيلوواط للتخفيف من الأزمة الكهربائية التي تعانيها مدينة البصرة العراقية، بناءً على توجيهات من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد.  

4- التعاون الإقليمي، بحيث تتجه دول الإقليم لاستعادة تأمين الطاقة الكهربائية، إذ تحاول العراق وإيران البحث عن آليات لدفع المبالغ الناجمة عن تراكم الديون المستحقة بطرق غير متداولة، خارج إطار قنوات التبادل المالي العالمي المُعرَّضة لعقوبات أمريكية، وضمن أقساط مناسبة لوضع العراق، وبعد انتهاء أزمة الكهرباء في إيران.

وفي السياق ذاته، وقعت إيران وسوريا، في 12 سبتمبر 2017، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال القطاع الكهربائي، وإنشاء محطة للتوليد باللاذقية. وتتيح المذكرة تقييم الأضرار التي لحقت بالمحطة الحرارية في حلب، وإعادة تأهيل المجموعة الأولى والخامسة بالمدينة، وكذلك تأهيل وتفعيل مركز التحكم الرئيسي للمنظومة الكهربائية السورية، ومركز التنظيم الرئيسي بنظام "اسكادا" بدمشق، فضلاً عن إعادة تأهيل محطة "التيم" في دير الزور، وإعادة تأهيل وتحسين أداء محطة توليد "جندر" في حمص.

5- التعاقد الدولي، حيث منح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، في 24 يوليو 2018، إذنًا للشركة الليبية العامة للكهرباء، بالتعاقد مع شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية عن طريق التكليف المباشر، وذلك للإشراف على أعمال الفك والتركيب والخدمات الفنية اللازمة، وتوريد المعدات الخاصة المطلوبة لجميع أعمال الصيانة والتطوير للمحطات الغازية بمحطات الإنتاج العاملة بشبكة الكهرباء بقيمة إجمالية قدرها أكثر من 33 مليون يورو.