ملفات مترابطة:

لماذا تبدي إيران اهتمامًا بقضية الحرب ضد الإرهاب؟

14 June 2018


بدأت إيران مجددًا في الترويج بشكل أكبر لدورها المزعوم في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، حيث تتوالي البيانات الصادرة عن وزارة الأمن والتصريحات التي يدلى بها مسئولوها بشأن تفكيك بعض الخلايا الإرهابية التي كانت تستعد، وفقًا لهم، لتنفيذ هجمات إرهابية في الفترة القادمة، وكان آخرها تصريحات وزير الأمن محمود علوي، في 7 يونيو 2018، والتي أعلن فيها عن اعتقال بعض الخلايا الإرهابية في غرب وجنوب غرب إيران خلال الأيام الأخيرة. 

وقد كان لافتًا أن هذا الاتجاه المتصاعد يتزامن مع الذكرى الأولى للهجمات التي تعرض لها مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) وضريح الخميني، في 7 يونيو 2017، ما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة نحو 50 آخرين. ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن مجمل التطورات التي تشهدها إيران في الوقت الحالي، سواء على صعيد اتساع نطاق الاحتجاجات الداخلية ضد سياسات النظام، أو على مستوى تزايد الضغوط التي تتعرض لها إيران بسبب أدوارها التخريبية في المنطقة التي أدت إلى انتشار الفوضى وعدم الاستقرار وتفاقم تهديدات التنظيمات الإرهابية في دول الأزمات.

أهداف عديدة:

ربما يمكن تفسير اهتمام إيران بإلقاء الضوء على ادعاءاتها الخاصة بوجود تهديدات إرهابية في الداخل وبدورها في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية في بعض دول المنطقة، لا سيما سوريا والعراق، في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

١- احتواء ضغوط الداخل: اتسع نطاق الاستياء الشعبي تجاه السياسات التي يتبناها النظام، والتي فشلت في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المواطنون الإيرانيون، بسبب انشغاله في دعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في دول الأزمات. 

ولم تعد الانتقادات التي توجهها بعض الفئات المجتمعية قاصرة على المسئولين التنفيذيين في الحكومة، بما فيهم الرئيس حسن روحاني نفسه، بل امتدت إلى القيادة العليا ممثلة في المرشد علي خامنئي، بشكل يوحي بأن حالة الاحتقان التي تشهدها الساحة الداخلية وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة.

وبدا ذلك جليًا في الانتقادات القوية التي وجهتها الطالبة سحر مهرابي للنظام أمام المرشد، خلال حفل إفطار دعا إليه الأخير في 29 مايو 2018، حيث ركزت على التفاوتات بين الطبقات وتراجع ثقة الشارع وانهيار القيم الأخلاقية واتساع نطاق الانتهاكات للحقوق السياسية والاجتماعية وغيرها.

واللافت أيضًا أن ذلك توازى مع قيام بعض المواطنين الإيرانيين، حسب ما أظهرته بعض وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، بتحطيم صناديق مؤسسة الخميني للإغاثة في الشوارع، التي تقدم التبرعات لتلك التنظيمات. 

وهنا، فإن النظام يحاول الاستناد إلى آليات عديدة لمواجهة هذه الانتقادات وتبرير إقدامه على استنزاف الخزينة الإيرانية في مغامراته الخارجية، التي لم تفرض أية تداعيات إيجابية على المواطنين الإيرانيين. 

ومن بين أهم هذه الآليات المزاعم الخاصة بوجود تهديدات إرهابية, حيث يسعى النظام من خلال ذلك إلى تأكيد أن التنظيمات الإرهابية تحاول تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل والتأثير على حالة الاستقرار الأمني. ووفقًا لرؤيته، فإن أهم خطوة للتعامل مع تلك التهديدات تتعلق بتوجيه ضربات استباقية لتلك التنظيمات في الخارج، من أجل تقليص قدرتها على الوصول إلى الداخل. 

وعبر المرشد خامنئي عن هذه الرؤية بقوله: "إننا نحارب الإرهاب في دمشق قبل أن يصل إلى طهران"، أى أن الهدف الأساسي من مساعي إيران لتعزيز دورها في الخارج، حسب رؤية المرشد، يكمن في حماية مصالحها وأمنها قبل مصالح وأمن الآخرين. 

ولذا، تعمدت السلطات الاهتمام بشكل خاص بالهجمات التي تعرض لها مجلس الشورى وضريح الخميني، باعتبارها دليلاً على أن التنظيمات الإرهابية ليست بعيدة عن حدود إيران، على نحو يفرض على الأخيرة، طبقًا لرؤيتها، التحرك من أجل عدم تكرارها من جديد، من خلال تعزيز وجودها في دول الأزمات ومواصلة تقديم الدعم للأنطمة والتنظيمات الحليفة لها.

٢- مواجهة أزمات الخارج: لم تعد الخلافات التي تتصاعد تدريجيًا بين إيران والعديد من القوى الدولية المعنية بأزمات منطقة الشرق الأوسط تنحصر في البرنامج النووي، الذي قد يعود إلى مربعه الأول من جديد عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، وإنما امتدت أيضًا إلى الأدوار التي تقوم بها إيران في تلك الأزمات، والتي ساهمت في تفاقمها وعدم الوصول إلى تسويات لها، بل وساعدت التنظيمات الإرهابية على تعزيز نفوذها داخل دول تلك الأزمات.

وقد باتت العلاقة التي تربط إيران وتلك التنظيمات محل اهتمام خاص من جانب تلك القوى، التي اتجهت إلى فرض عقوبات على بعض الجهات العسكرية داخل إيران، مثل "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، إلى جانب تلك التنظيمات، بسبب تورطها في العديد من العمليات الإرهابية التي نفذت في مراحل سابقة.

وربما يمكن القول إن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي يكمن في إصرار إيران على مواصلة تلك الأدوار ولا يرتبط فقط بمدى التزامها أو انتهاكها لبنوده، باعتبار أن الاتفاق كان يهدف من البداية إلى تهيأة المجال أمام تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، والعمل على تسوية أزماته الإقليمية المختلفة، وهو ما لم يحدث. ويمكن ملاحظة أن جانبًا رئيسيًا من المباحثات التي تجريها إيران مع الدول الأوروبية الراغبة في استمرار العمل بالاتفاق النووي، لا سيما بريطانيا وألمانيا وفرنسا، يتركز حول دورها الإقليمي وتأثيراته بالطبع على تفاقم الأزمات الإقليمية المختلفة. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن تفسير تعمد النظام إلقاء مزيد من الأضواء على عمليات تفكيك واعتقال بعض الخلايا الإرهابية والترويج للأهداف التي تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تحقيقها داخل إيران، باعتبار أن ذلك يعزز موقع المفاوضين الإيرانيين خلال مباحثاتهم مع المسئولين الأوروبيين، ويساعد النظام في الرد على الاتهامات الموجهة له بتأسيس علاقات قوية مع تلك التنظيمات، التي تتجنب بالفعل، استهداف مصالحه داخل وخارج إيران بشكل واضح.

٣- تعزيز دور الباسدران: وذلك من خلال الترويج للأدوار التي يقوم بها على الساحتين الداخلية والخارجية، حيث يتولى قيادة العمليات الخارجية في مناطق الأزمات، بالتوازي مع استعداده للعودة من جديد إلى رفع مستوى انخراطه الاقتصادي في المشروعات المختلفة، على خلفية القرارات الجديدة التي اتخذتها بعض الشركات الأجنبية بالانسحاب من السوق الإيرانية تجنبًا للعقوبات الأمريكية، وهو ما يمثل فرصة للشركات التابعة للباسدران من أجل العودة إلى ملء الفراغ من جديد، دون أن تكون لحكومة الرئيس حسن روحاني قدرة على منع ذلك، بسبب تراجع موقعها السياسي في الداخل، على ضوء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران من جديد.

لكن يمكن القول في النهاية، إن هذه الخطوات التي يقوم بها النظام لن تنجح في تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها، خاصة في ظل إصراره على تبني السياسة نفسها التي تسببت في استمرار الأزمات الداخلية ممثلة في الاحتجاجات التي تندلع بشكل مستمر، وتزايد احتمالات بدء مرحلة جديدة غير مسبوقة من العزلة والعقوبات الدولية على إيران.