متغيرات عديدة:

أسباب تزايد استهداف القوات الدولية في مالي

05 December 2017


تزايدت الهجمات التي تشنها بعض التنظيمات الإرهابية ضد القوات الأممية التي تتواجد في منطقة الساحل والصحراء، خاصة في مالي، بشكل لافت خلال الفترة الماضية، وهو ما أشار إليه تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 3 أكتوبر الماضي، والذي كشف عن اتساع نطاق استهداف قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية في مالي، إلى جانب القوات المالية والفرنسية، في الأشهر الأربعة الأخيرة، حيث شنت التنظيمات الإرهابية خلال تلك الفترة 75 هجومًا، منها 44 ضد القوات المالية، و21 ضد بعثة الأمم المتحدة "مينوسما"، و10 هجمات ضد القوات الفرنسية.

 وقد دفع ذلك بعض الأطراف المعنية إلى المطالبة بتعزيز قدرة تلك القوات على تحقيق أهدافها وتقليص حدة التداعيات السلبية التي يفرضها تصاعد الضغوط التي تتعرض لها في مناطق انتشارها، خاصة أن هذا التصعيد توازى مع التحذيرات التي أطلقتها اتجاهات عديدة من إمكانية انتقال العديد من العناصر الإرهابية من العراق وسوريا إلى مالي عقب الهزائم التي تعرض لها تنظيم "داعش" في الدولتين خلال الفترة الأخيرة.

اعتبارات مختلفة

ربما يمكن تفسير تصاعد استهداف التنظيمات الإرهابية للقوات الأممية في مالي في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تصاعد نشاط "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين": أصبحت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تأسست في 2 مارس 2017، بعد اتجاه كل من "إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"تنظيم المرابطون" و"جماعة أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا" إلى تشكيل تحالف فيما بينها، التنظيم الأكبر والأقوى في تلك المنطقة، حيث سعت إلى توسيع نطاق نفوذها عبر العمل على ضم كل المجموعات الصغيرة الأخرى، وهو ما دفعها إلى تنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية ضد القوات الأممية من أجل إقناع تلك المجموعات بالانضمام إليها، على أساس أن قدرتها على تنفيذ هذه النوعية من العمليات يمثل آلية مهمة لاستقطاب دعم تلك المجموعات أو على الأقل تعزيز احتمالات اتجاه بعض قادتها وكوادرها لمبايعتها.

وقد أسفر آخر تلك العمليات التي استهدفت قوة عسكرية مشتركة بين قوات حفظ السلام والجيش المالي بمنطقة ميناكا شمالى مالي في 24 نوفمبر 2017، عن مقتل 10 جنود على الأقل من الجانبين. واللافت أن هذه العملية توازت مع هجوم آخر شنته إحدى التنظيمات الإرهابية على قافلة تابعة للقوات الأممية في منطقة دويتنزا في وسط مالي، بشكل أدى إلى مقتل 3 جنود نيجيريين وجندي من مالي وآخر من بوركينافاسو. 

ووفقًا لتقارير عديدة، فإن تلك التنظيمات تستغل الرؤى المتشددة التي تتبناها بعض المكونات المجتمعية داخل مالي ودول منطقة الساحل والصحراء بشكل عام تجاه الوجود العسكري الأجنبي من أجل دعم قدرتها على استهداف تلك القوات. فضلاً عن أنها تحاول تطويع التوجهات الأيديولوجية المتطرفة بما يتوافق مع تحركاتها وأهدافها في هذا السياق، حيث تدخل عملياتها الإرهابية ضد هذه القوات في إطار "قتال العدو الأبعد".

2- تعدد المجموعات الإرهابية الأخرى: تتواجد العديد من المجموعات الإرهابية في المناطق التي تنتشر فيها القوات الأممية خاصة في شمال مالي، لا سيما تلك التي تنتمي إلى تنظيم "القاعدة" مثل "الموقعون بالدماء" و"التوحيد والجهاد"، إضافة إلى المجموعات الأخرى المتحالفة معها على غرار "أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا"، فضلاً عن المجموعات المنشقة عن "القاعدة" مثل "مجموعة أبو الوليد الصحراوي"، التي أعلنت عن مبايعة تنظيم "داعش" في عام 2015. وقد حرصت تلك المجموعات على استهداف القوات الأممية من أجل إثبات وجودها ونشاطها على الساحة، خاصة أن التنافس يمثل سمة رئيسية للعلاقات فيما بينها.

3- التحالف مع القبائل: سعت التنظيمات "القاعدية" المنتشرة في منطقة الساحل والصحراء إلى تأسيس شبكة من التحالفات مع بعض المجموعات القبلية والعرقية الموجودة في تلك المنطقة، بشكل ساعدها على تصعيد حدة عملياتها الإرهابية ضد بعض الأطراف، خاصة القوات الأممية، حيث أشارت اتجاهات عديدة إلى أن المجموعات القبلية والعرقية كانت مصدرًا أساسيًا للمعلومات عن الأهداف التي حرصت تلك التنظيمات على تنفيذ عمليات إرهابية ضدها، وهو ما بدا جليًا في الهجوم الذي شنته "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" ضد القوات الفرنسية، في شمال مالي في 30 مايو 2017، والذي حصلت قبيل تنفيذه على معلومات عن مواقع تلك القوات من بعض العناصر التي تنتمي إلى قبائل الطوارق.

وكان لافتًا في السياق ذاته، أن الجماعة حاولت بالتوازي مع ذلك، استهداف بعض المسئولين الرئيسيين في الدولة، على غرار رئيس محكمة العدل العليا عبد الرحمن نيانج، الذي نفذ أحد عناصرها محاولة فاشلة لاغتياله في بداية نوفمبر 2017، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على اتساع نطاق التفاهمات التي توصلت إليها الجماعة مع بعض المكونات المجتمعية داخل مالي.

4- ضعف الرقابة على الحدود: وهو ما تحاول تلك التنظيمات الاستفادة منه، سواء عبر الحصول على مصادر متعددة لتمويل أنشطتها، من خلال عمليات الاختطاف أو الاتجار بالبشر والمخدرات أو فرض الضرائب، أو عبر دعم قدرتها على استهداف القوات الأممية انطلاقًا من المناطق المتاخمة للحدود والتي لا تخضع لرقابة أمنية صارمة من جانب أجهزة الأمن. 

ومن دون شك، فإن ذلك أيضًا يساعد تلك التنظيمات على استقطاب عدد أكبر من العناصر الإرهابية التي تنتمي لمجموعات إرهابية أخرى، خاصة في حالة ما إذا كانت تلك المجموعات تتعرض لضغوط قوية في مناطق تواجدها بشكل يفرض تأثيرات قوية على تماسكها الداخلي وهيكلها التنظيمي.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن مالي تحولت، استنادًا إلى تصريحات بعض المسئولين في البعثة الأممية، إلى بؤرة جاذبة للتنظيمات الإرهابية التي تتعرض لضغوط قوية في بعض المناطق الأخرى التي تشهد نزاعات داخلية، خاصة في ظل الامتداد الجغرافي الواسع لمالي الذي جعلها تجاور سبع دول إفريقية، وفرص عقبات عديدة تقلص من القدرة على مواجهة المخاطر التي تفرضها عمليات تلك التنظيمات.