ذئب "لاس فيجاس":

لماذا يتبني "داعش" هجمات مرتبطة بالعنف المجتمعي؟

03 October 2017


سارع تنظيم "داعش" إلى إعلان مسئوليته عن الهجوم الذي شهدته مدينة لاس فيجاس، في أكتوبر 2017، برغم نفي بعض المصادر إمكانية تصنيف هذا الهجوم كعمل إرهابي، في الوقت نفسه اتجهت معظم التعليقات إلى الحديث عن تهديدات حرية امتلاك السلاح التي تغذي العنف المجتمعي في الولايات المتحدة، حتى صار يضاهي في تأثيراته الأعمال الإرهابية المنظمة. 

ويُعد هجوم لاس فيجاس نموذجًا على تصاعد تهديدات العنف المُسلح للأفراد؛ إذ تؤكد المعلومات المُتاحة عن الهجوم قيام "ستيفن بادوك"، البالغ من العمر 64 عامًا، بإطلاق النار من غرفة فندق بالدور الـ32 في منتجع خليج ماندالاي على حشد يضم حوالي 22 ألف شخص أثناء حضورهم مهرجان موسيقى "كانتري ميوزيك". 

وهو ما أفضى إلى مقتل حوالي 59 شخصًا وإصابة أكثر من 500 آخرين، كما قام بادوك بقتل نفسه بعد أن انتهى من إطلاق النار على الحشد؛ حيث وجدته قوات الأمن مقتولًا في غرفته بالفندق. 

دلالات متعددة:

ينطوي هجوم لاس فيجاس على عدة دلالات كاشفة تتمثل فيما يلي:

1- اتساع نطاق الهجوم: يُمكن وصف "هجوم لاس فيجاس" بأنه أضخم حادث عنف مُسلح تشهده الولايات المتحدة خلال الأعوام الماضية؛ حيث اتسع نطاق الاستهداف ليصل إلى حوالي 22 ألف شخص، ووصل عدد الضحايا إلى حوالي 59 قتيلًا، وأكثر من 500 مصاب. وإذا ما نظرنا إلى عمليات إرهابية أخرى مقارنة بهذه العملية، وجدنا أن هجوم الملهى الليلي في أورلاندو الذي نفذه عمر متين في يونيو 2016، تسبب في مقتل 49 شخصًا، وإصابة أكثر من 50 آخرين، أما هجوم قاعدة فورت هود العسكرية بولاية تكساس في 5 نوفمبر 2009 الذي نفذه الجنرال "نضال مالك حسن"، فأدى إلى مقتل 13 شخصًا وإصابة نحو 32 آخرين.

2- هجمات "الذئاب غير المعروفة": أثار الهجوم تصاعد هجمات "الذئاب غير المعروفة" (Unknown Wolves)؛ إذ تزايدت الهجمات المسلحة في الولايات المتحدة التي تم تنفيذها من قبل أشخاص لا يملكون أية سوابق إجرامية في السجلات الأمنية، ولا يُعد منفذ هجوم لاس فيجاس استثناء من هذه الفرضية.

وتُشير المعلومات الأولية المتاحة عن "ستيفن بادوك" إلى أنه لم تكن له أية سوابق إجرامية، حيث ذكر شقيقه "إريك بادوك" أنه كان شخصًا ثريًّا يمتلك عددًا من العقارات، "ويستمتع بلعب البوكر والقيام بالرحلات البحرية"، كما لم تكن له أية ميول إجرامية، وذلك على النقيض من والده "بنيامين هوسكينز بادوك" الذي "قضى فترة من حياته في السجن بعد قيامه بسرقة أحد المصارف". 

وتؤكد هذه المعطيات صعوبة التعامل الأمني المسبق مع تلك الهجمات استنادًا إلى كون منفذي هذه الهجمات يتخذون قراراتهم بشكل مفاجئ وفقًا لتحولات سريعة تدفعهم إلى التطرف، وفي الوقت ذاته لا تسمح للأجهزة الأمنية بملاحظة هذه التحولات وإمكانية منع وقوع الهجمات المسلحة.

3- انتشار العنف المُجتمعي: يُشكل هجوم لاس فيجاس مؤشرًا على تصاعد عمليات العنف المُجتمعي في الولايات المتحدة؛ حيث كشف التقرير الصادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالية في سبتمبر 2017 تزايد جرائم القتل داخل الولايات المتحدة خلال عام 2016 بنسبة 8% تقريبًا مقارنة بعام 2015، ليصل عدد الجرائم إلى 17250 جريمة. كما اتسع النطاق الجغرافي لهذه الجرائم، وتزايدت حدتها في المراكز الحضرية، مثل: بالتيمور، وشيكاجو، ولاس فيجاس.

4- تقنين تداول الأسلحة: ارتبطت حوادث العنف المُسلح التي تحدث عنها مكتب التحقيقات الفيدرالية في تقريره، ببيئة تشريعية تسمح بالحصول على الأسلحة دون قيود كبيرة؛ إذ إن قوانين السلاح في ولاية نيفادا (حيث توجد لاس فيجاس)، توصف بأنها أقل "قوانين تراخيص السلاح صرامة"، ولهذا يُسمح للأفراد "بحمل السلاح دون أن يتوجب عليهم تسجيل أنفسهم كمالكين للأسلحة".

وفي السياق ذاته، يُمكن للأفراد أن يبيعوا الأسلحة عبر المبادلات الشخصية دون تسجيل عمليات البيع بصورة رسمية، وهو ما يعني تراجع إمكانية الاستقصاء عن الأشخاص والتي تتم عند شراء الأسلحة بصورة رسمية، فضلًا عن أن ولاية نيفادا لا تحظر حيازة "الأسلحة الآلية ونصف الآلية"، وهي شبيهة بالأسلحة التي عُثر عليها في غرفة الفندق الذي كان ينزل فيه "ستيفن بادوك" منفذ هجوم "لاس فيجاس".

داعش والتضليل المعلوماتي:

سعى تنظيم داعش خلال السنوات القليلة الماضية إلى التأسيس لما يمكن وصفه "علامة داعش" (ISIS Trademark) عبر تحريض الأفراد للقيام بعمليات لا تحتاج إلى تكاليف مرتفعة، وتستهدف أهدافًا رخوة يصعب توقعها، على غرار عمليات الدهس التي تمت في أكثر من دولة غربية، وكذلك الهجمات المُسلحة للأفراد والخلايا الإرهابية محدودة العدد.

وفي المقابل، تجاوز التنظيم مجرد الترويج للعمليات الإرهابية التي ينفذها تابعوه إلى تبني أي عملية عنف مُسلح تحدث في الدول الغربية، حتى ولو لم يتم تنفيذها من جانب عناصر مُنتمية للتنظيم، بحثًا عن فرصة لتجديد صورة التنظيم الذي بات يُواجه مشكلة وجودية على خلفية الهزائم العسكرية التي يتلقاها، وفقدانه الأراضي التي يسيطر عليها في سوريا والعراق.

وقد مارس داعش هذا النمط من "التضليل المعلوماتي" في أكثر من حادث. فعلى سبيل المثال، ادعى التنظيم مسئوليته عن هجمات ويستمنستر في مارس 2017، ولكن التحقيقات الأمنية البريطانية أشارت إلى عدم وجود صلة للتنظيم بالهجمات، كما ادعى التنظيم مسئوليته عن عملية إطلاق النار في كازينو بالعاصمة الفلبينية مانيلا في يونيو 2017، واتضح فيما بعد أن منفذ الهجوم كان شخصًا مقامرًا يعاني من الديون والإسراف في شرب الخمور. 

وتكرر هذا النهج من جانب داعش في هجوم لاس فيجاس الأخير، فقد سارع التنظيم عبر "وكالة أعماق" إلى إعلان مسئوليته عن الهجوم، والتأكيد على أن منفذ الهجوم هو أحد "جنود الخلافة" الذين "اعتنقوا الإسلام قبل عدة أشهر".

بيد أن هذه الرواية تتضمن مغالطات تقوض من مصداقيتها، فمن جهةٍ لا تُشير المعلومات المتاحة عن "ستيفن بادوك" إلى أنه كان مرتبطًا بالتنظيم. ومن جهة أخرى، لا يتسق الانتحار الذي أقدم عليه بادوك بعد تنفيذ عمليته مع الطبيعة الفكرية لعناصر داعش، فهذه العناصر يمكن أن تقوم بعمليات استشهادية وفقًا لرؤيتهم، كأن يفجر الشخص نفسه بعبوة ناسفة ضمن مجموعة، ولكن لا يمكن بأي حال اللجوء إلى الانتحار دون إيقاع خسائر بأعدائهم.

تهديدات امتلاك السلاح:

أشار "نيكولاس كريستوف" في مقال له بعنوان "طريقة جديدة للتعامل مع قتلى الأسلحة النارية" نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في أكتوبر 2015، إلى أنه "منذ عام 1970، كان هناك 1,45 مليون حالة وفاة في الولايات المتحدة نتيجة الأسلحة النارية، وهو رقم يتجاوز إجمالي الخسائر البشرية الناجمة عن الحروب في تاريخ الولايات المتحدة، بما في ذلك الحرب الأهلية، والحربان العالميتان، والصراعات في كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق".

ويهيمن الاستقطاب على الداخل الأمريكي حول قضية امتلاك السلاح بين تيارين رئيسيين: الأول يعارض حرية تملك الأسلحة الخاصة، ويؤسس هذا التيار موقفه على تزايد الجرائم المجتمعية الناتجة في المقام الأول عن امتلاك الأسلحة، وقد عبر عن هذه الإشكالية أحد تقارير "مسح الأسلحة الصغيرة" من خلال توضيحه تصاعد اتجاهات ملكية السلاح داخل الولايات المتحدة.

فقد ذكر التقرير "أن الأمريكيين يمتلكون نحو 270 مليون قطعة سلاح مملوكة للقطاع الخاص من بين 650 مليون في العالم"، وتُعد الولايات المتحدة موطن ما يقرب من 35% إلى 50% من البنادق المملوكة للمدنيين في العالم، ومن بين ثمانية ملايين سلاح ناري جديد يتم تصنيعه سنويًّا في جميع أنحاء العالم، يشتري المواطنون في الولايات المتحدة ما يقرب من 4.5 ملايين قطعة سلاح. 

وبموازاة ذلك التيار الرافض لحرية تملك الأسلحة، فإن ثمة تيارًا آخر يتعاطى مع القضية من منظور الحرية المدعومة بالتشريعات، فامتلاك الأسلحة -بحسب هذا التيار- يكتسب معنى رمزيًّا للتعبير عن الاعتماد على الذات، فضلًا عن عدد من القيم الأمريكية الأساسية من قبيل الاستقلالية والحرية الفردية والتحرر من تدخل السلطة.

ويستند هذا التيار إلى مجموعة من التنظيمات ومجموعات الضغط، مثل المنظمة الأمريكية للسلاح، التي تمتلك حضورًا سياسيًّا ومجتمعيًّا واسع النطاق يُمكِّنها من الضغط على السلطة لمنع اتخاذ أية إجراءات من شأنها تقييد حرية امتلاك الأسلحة، فضلًا عن الترويج والضغط لسن قوانين توسع حقوق مالكي الأسلحة.

ختامًا، يرتبط هجوم لاس فيجاس بالاستقطاب والانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي تجاه تهديدات ملكية السلاح، والضغوط المُتصاعدة على الإدارة الأمريكية لتقييد عمليات تداول الأسلحة الصغيرة، في مقابل التيارات التي تدعو للتوسع في امتلاك الأسلحة للحماية الشخصية في مواجهة تهديدات الهجمات الفردية، وترويج جماعات الضغط كالمنظمة الأمريكية للسلاح لحماية الحق الدستوري للأفراد في حماية أمنهم الشخصي.