خطط بديلة:

كيف يفكر تنظيم "داعش" بعد هزيمته في العراق؟

03 July 2017


يعكف تنظيم "داعش" على بحث خطط جديدة للتكيف مع واقع هزيمته الحالية في العراق، والتي أكدها رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" بشكل رسمي في 29 يونيو الماضي من خلال إعلانه أن استعادة السيطرة على جامع النوري الكبير غرب الموصل بمثابة نهاية لتنظيم "داعش" في العراق، وإشارته إلى استمرار عمليات ملاحقة فلول التنظيم المتبقية في البلاد.

دلالات الهزيمة:

تحمل هزيمة تنظيم "داعش" في العراق مجموعة من الدلالات، يتمثل أهمها فيما يلي:

1- نهاية التنظيم بصورة كبيرة في منشئه الأصلي: إذ نشأ "داعش" وتوسع في الأساس بالعراق في بيئة سياسية وأمنية واجتماعية لم تكن متوفرة في سوريا، وبالرغم من تركيز الحكومة العراقية على تكرار التأكيد على وجود عناصر أجنبية داخل "داعش"، وأن الإرهاب يغزو العراق؛ إلا أن التنظيم يعد كيانًا عراقيًّا في الأساس يضم في غالبيته مواطنين عراقيين من الذين عانوا من ممارسات حكومة رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي" وسياساته الإقصائية على الصعيد السياسي والاجتماعي.

2- اهتزاز مكانة التنظيم الرمزية لدى أنصاره عبر العالم: يعاني أتباع تنظيم "داعش" والمتعاطفين معه في جميع أنحاء العالم من حالة من الإحباط في ضوء خسائر التنظيم الحالية في العراق، وعزز من تلك الحالة قيام التنظيم بنفسه بتفجير جامع "النوري الكبير" الذي أعلن زعيم التنظيم "أبوبكر البغدادي" الخلافة منه في يونيو 2014 قبل سيطرة القوات العراقية عليه، وشكّل قيام التنظيم بذلك -تحديدًا- ضربة معنوية قوية لأتباعه.

3- تكثيف النشاط العسكري للتنظيم في سوريا: تُدلل خسارة التنظيم في العراق على أنه سيركز بشكل تلقائي على أن تكون الساحة السورية هي المحور الرئيسي لنشاطه في المرحلة المقبلة، وسيتمحور جهده العسكري في محافظة دير الزور الحدودية مع العراق، ومحاولة فك الحصار الحالي الذي تفرضه قوات سوريا الديمقراطية على التنظيم في مدينة الرقة.

تكتيكات متنوعة:

يمكن حصر عدد من التكتيكات التي من المتوقع أن يلجأ إليها تنظيم "داعش" بعد خسارته في العراق، وذلك على النحو التالي:

1- العمل بشكل عشوائي: ويأتي ذلك بعدما تم تدمير الهيكل التنظيمي الأساسي للتنظيم في العراق، والذي كان يتيح لزعيم التنظيم "أبوبكر البغدادي" سرعة اتخاذ القرار، والتحرك لمواجهة أي طارئ يحدث في الأراضي التي يسيطر عليها (تجدر الإشارة إلى أن "البغدادي" كان يشرف بشكل مباشر على "المجالس"، وهي التسمية التي استخدمها بدلاً من تسمية الوزارات التي اعتمدها سلفه "أبو عمر البغدادي"، وكانت تلك "المجالس" بمثابة القيادة المركزية للتنظيم، وكان "البغدادي" يتمتع بصلاحيات واسعة في تعيين وعزل رؤساء المجالس بعد أخذ رأي مجلس الشورى).

2- العودة تدريجيًّا إلى تبني النموذج التقليدي للإرهاب مجددًا: أدى نشوء تنظيم "داعش" إلى تطور جذري في مفهوم الإرهاب، حيث غير التنظيم في النموذج التقليدي الذي جسدته "القاعدة" بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وكان الإرهاب الذي رسم "داعش" معالمه يقوم على إحكام السيطرة على الأراضي، وضمها، وإعلان السيادة عليها ضمن ما يُسمى بـ"دولة الخلافة"؛ إلا أن خسارة مدينة الموصل ستدفع بقايا التنظيم إلى تبني استراتيجيات الإرهاب التقليدية، والتي تتمثل فيما يلي:

أ‌- العودة إلى أسلوب الكر والفر ومنهج العصابات في مواجهة الجيوش النظامية، وتجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع الجيوش النظامية التي تتفوق في العدد والعتاد.

ب - التخفي والعودة للعمل السري من خلال خلايا التنظيم المتبقية في العراق، والنأي بالنفس عن أي ظهور إعلامي أو حضور اجتماعي، والاندماج مع المدنيين، وإخفاء الهويات الحقيقية.

3- استغلال الحدود العراقية السورية في حركة عناصر التنظيم المستقبلية: كان لمنطقة الحدود السورية العراقية (يبلغ طولها 605 كلم) دور رئيسي في نشأة تنظيم "داعش" بسبب سهولة انتقال المجاهدين للعراق عبر سوريا، لا سيما وأن دخول العرب لم يكن يحتاج إلى تأشيرة دخول لسوريا، وبالتالي ستكثف بقايا التنظيم من حركتها عبر تلك الحدود، واستغلال استمرار ضعف تأمينها حتى الآن من الأطراف المحاربة للتنظيم على الجانبين العراقي والسوري.

4- التخفي لفترة داخل العشائر الموالية له على جانبي الحدود السورية العراقية: ستقدم بعض العشائر السنية التي تعيش على جانبي الحدود العراقية السورية، لا سيما في محافظتي الأنبار ودير الزور، ملاذًا لبعض فلول تنظيم "داعش"، بحيث يصعب على الأجهزة الأمنية الوصول إليها.

5- اختيار منطلق الهجمات بشكل جيد: سيركز تنظيم "داعش" بعد خسارته الموصل على شن هجمات انتحارية مباغتة، وتنفيذ تفجيرات انتقامية ضد القوات العراقية، وسيفضل التنظيم القيام بذلك عبر المناطق السنية التي لا تزال خلاياه موجودة بها. (ينحصر وجود "داعش" بالعراق حاليًّا بعد خسارته الموصل في بعض الجيوب المتبقية له في محافظة كركوك، خاصة قضاء الحويجة، والتي استغلها التنظيم بالفعل مع انطلاقة معركة الموصل، إذ أقدم على احتلال مباني ومنشآت حكومية في مدينة كركوك، لكن سرعان ما استعادتها القوات العراقية. يُضاف إلى ذلك وجود خلايا تابعة له في بعض مدن محافظة الأنبار بالقرب من الحدود السورية).

6- إعطاء زخم إعلامي لهجمات التنظيم المستقبلية: سيسعى تنظيم "داعش" إلى تعكير صفو انتصار القوات العراقية عليه في الموصل من خلال القيام بهجمات متوقعة في بعض المدن العراقية، وسيسوّق تلك الهجمات إعلاميًّا لأنصاره في جميع أنحاء العالم باعتباره لا يزال له حضور بالعراق (تجدر الإشارة إلى أن تنظيم "داعش" اهتم منذ بدايات ظهوره بقطاع الإعلام لديه، وركز عليه لحشد وتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين، ليس على مستوى العراق وسوريا فقط، بل على المستوى الإقليمي والدولي، وهو ما نجح فيه بالفعل من خلال استقطاب العديد من الشبان من شتى أنحاء العالم، وبالتالي ارتبط النجاح الذي حققه التنظيم في السابق على صعيد العمليات العسكرية بقدرته الكبيرة على الصعيد الإعلامي).

7- محاولة طمأنة أنصار التنظيم عبر العالم: سيحاول التنظيم دفع التنظيمات الإرهابية التي بايعت الدولة الإسلامية في المناطق التي تتمركز فيها لتأكيد تبعيتها وقبولها بتنظيم "داعش" كمحور للعمل الجهادي، ويهدف "داعش" من وراء ذلك إلى احتواء التداعيات النفسية السلبية لأنصاره عبر العالم، وإيصال رسالة لهم بأنه لا يزال موجودًا، وأن الخلافة فكرة عالمية تُطبق في أي مكان، وأنها ليست مرتبطة بجغرافيا محددة.

استدعاء الأنصار:

ستسعى فلول تنظيم "داعش" إلى استغلال بقاء البيئة السنية الحاضنة والداعمة له للقيام بأي نشاط مستقبلي في العراق، خاصة وأن الحاضنة الاجتماعية للتنظيم في العراق تعد الأقوى، في حين أن الحاضنة الاجتماعية له في سوريا تقتصر -إلى حد كبير- على منطقة الشمال الشرقي.

وعلى الرغم من خسائر "داعش" الحالية في معاقله الرئيسية، إلا أن التنظيم نجح في خلق تنظيمات عنقودية صغيرة في خارج سوريا والعراق، ترتبط فكريًّا بالتنظيم، وبالتحديد بفكرة الخلافة الإسلامية.

ومن المرجّح أن تؤدي خسارة "داعش" للموصل، وتضييق الخناق عليه في الرقة، إلى محاولة التنظيم استثمار أذرعه الخارجية التي تبايعه لخلق ميادين للعمل الإرهابي خارج كل من سوريا والعراق، ولتجاوز نجاحات الحرب الدولية عليه في معاقله الرئيسية.

وستمثل هزيمة "داعش" بالعراق فرصةً لتنظيم القاعدة لطرح نفسه من جديد كمظلة يمكن لفلول "داعش" الدخول تحت لوائها مرة أخرى، وهو ما يؤشر إلى إمكانية تكثيف القاعدة من عملها السري في العراق مستقبلاً، وهو ما سيغير من الخريطة الجهادية في المنطقة خلال الفترة المقبلة.

ومن المتوقع في هذا الإطار قيام بعض الجماعات الإرهابية الصغيرة في المنطقة، والتي أعلنت دعمها وتأييدها لتنظيم "داعش" من غير مبايعته بشكل رسمي لرغبتها في عدم خلق توتر بينها وبين تنظيم "القاعدة"؛ بسحب تأييدها له، وذلك تخوفًا من أن تطالها الجهود الدولية الحالية لمكافحة إرهاب "داعش".