تحالف جديد:

أسباب تأسيس "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" بغرب إفريقيا

16 March 2017


يشير إعلان كلٍّ من "إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"تنظيم المرابطون" و"جماعة أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا"، في 2 مارس 2017، عن تأسيس تحالف إرهابي جديد باسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، واختيار إياد أغ غالي -زعيم "جماعة أنصار الدين"- قائدًا له، إلى سعى "تنظيم القاعدة"-الذي بايعته تلك التنظيمات- نحو تعزيز نفوذه وتنفيذ عمليات نوعية في منطقة الساحل والصحراء من جديد، في رسالة إلى كل من تنظيم "داعش"-المنافس الرئيسي لـ"القاعدة"- والقوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب وفي مقدمتها فرنسا التي شنت عملية عسكرية لإخراج عناصر بعض تلك التنظيمات من شمال مالي في بداية عام 2013.

وقد بدا ذلك جليًا في مسارعة التحالف الإرهابي الجديد إلى تنفيذ هجوم مباغت على موقع عسكري في مالي بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو، في 5 مارس 2017، وهو ما أدى إلى مقتل 11 جنديًا من مالي واستيلاء الإرهابيين على بعض المعدات العسكرية.

توقيت لافت:

يبدو أن "تنظيم القاعدة" كان يسعى منذ فترة إلى دعم فرص تشكيل تحالفات إرهابية أوسع بين التنظيمات الإرهابية الفرعية الموالية له، بهدف تعزيز قدرتها على مواجهة الضغوط التي تتعرض لها بسبب العمليات العسكرية التي تشنها بعض القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب.

إذ كان لافتًا أن هذه التنظيمات الفرعية حرصت على رفع مستوى التنسيق والتعاون فيما بينها خلال المرحلة الماضية، على غرار "جبهة تحرير ماسينا" و"جماعة أنصار الدين"، اللتين شارك بعض قادتهما، على غرار أمادو كوفا وإياد أغ غالي، في السيطرة على مناطق واسعة في شمال مالي في عام 2012 قبل أن تقوم القوات الفرنسية بشن عملية عسكرية لإخراج التنظيمات الإرهابية من تلك المناطق في بداية عام 2013.

لكن تلك الخطوة لم تتخذ إلا بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها تلك المنطقة خلال الفترة الماضية. فقد كان لافتًا أن تأسيس "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" جاء بعد أقل من شهر على اتخاذ دول الساحل الخمس (مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينافاسو) خطوات جديدة نحو تأسيس قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الإرهاب، بسبب تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية وتعددها في المنطقة.

كما أنه تزامن مع اتجاه فرنسا نحو تعزيز حضورها العسكري على الحدود بين مالي والنيجر، على إثر وقوع بعض العمليات الإرهابية التي استهدفت جيش النيجر، والتي كان آخرها الهجوم على دورية عسكرية، في 24 فبراير 2017، والذي أدى إلى مقتل 15 جنديًّا.

فضلا عن ذلك، تأتي تلك الخطوة الجديدة في سياق الجهود التي تبذلها التنظيمات الإرهابية، لا سيما الموالية لـ"تنظيم القاعدة" من أجل تفعيل نشاطها من جديد، بالتوازي مع حرصها في الوقت ذاته على تأكيد تراجع دور ونفوذ تنظيم "داعش" في بعض الدول والمناطق، وهو ما تشير إليه تصريحات عضو مجلس شورى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أبو هشام أبو أكرم، في يناير 2017، التي قال فيها أن "داعش انتهى من الجزائر سواء من حيث اسمه أو تركيبته".

تحديات عديدة:

لكن هذا التحالف الإرهابي الجديد الذي تشكل مؤخرًا يواجه تحديات عديدة لا تبدو هينة، ويتمثل أبرزها في:

1- تقاسم النفوذ: لم تتفق التنظيمات الإرهابية التي قامت بتشكيل هذا التحالف بعد على تقاسم النفوذ داخله، بشكل ربما يؤدي إلى توسيع نطاق الخلافات فيما بينها خلال المرحلة القادمة. فرغم أنه يبدو للوهلة الأولى أن "جماعة أنصار الدين" سيكون لها دور بارز ورئيسي داخل التحالف، نظرًا لكثرة أعداد مقاتليها بالمقارنة بالتنظيمات الأخرى، فضلا عن تمكنها من استقطاب دعم قبائلي لها لا سيما في مدن شمال مالي، إلا أن ذلك ربما لا يحظى بقبول من جانب التنظيمات القاعدية الأخرى، والتي قد تسعى بدورها إلى توسيع نطاق دورها ونفوذها باعتبار أنها جزء أساسي من "تنظيم القاعدة" فضلا عن ادعاءها أنها تمتلك خبرة قتالية وتنظيمية بارزة، لا سيما "تنظيم المرابطون" الذي يضم، وفقًا لاتجاهات عديدة، مجموعات من المقاتلين الذين قاموا بتنفيذ عمليات نوعية في الفترة السابقة، مثل عملية "عين أمناس" في الجزائر في يناير 2013.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التحالف الجديد يضم كوادر إرهابية بارزة قامت بأدوار قيادية داخل التنظيمات التي انضمت إليها أو كونتها خلال المرحلة الماضية، على غرار مختار بلمختار قائد "تنظيم المرابطون"، الذي يصر دائمًا على تبني سياسة "التحالفات المرنة" بين التنظيمات الإرهابية بشكل يثير شكوكًا عديدة لدى بعض التنظيمات التي انضمت للتحالف الجديد إزاء إمكانية التزامه بتوجهات هذا التحالف وعدم انشقاقه عليه.

2- الانقسام القاعدي: تشير تقارير عديدة إلى أن عزوف التنظيمات القاعدية الأخرى عن المشاركة في مراسم الإعلان عن تأسيس التحالف الجديد، يكشف عن عدم وجود تأييد واسع داخل "تنظيم القاعدة" لهذه الخطوة الجديدة، خاصة من جانب تنظيمات مثل "كتيبة عقبة بن نافع"، بشكل يمكن أن يعرقل أية جهود قد تبذل من أجل توسيع نطاق التفاهمات ورفع مستوى التنسيق بين تلك التنظيمات خلال المرحلة القادمة.

3- طموحات أغ غالي: ربما يساهم اختيار إياد أغ غالي لقيادة التحالف الجديد في تصعيد حدة الصراعات داخل التحالف الجديد، خاصة في ضوء سعيه المستمر نحو تكريس نفوذه داخل التنظيمات التي ينضم إليها أو يشارك في تأسيسها، وهو ما يمكن أن يمثل محور خلاف جديدًا مع بعض القيادات القاعدية الأخرى، على غرار عبد المالك درودكال الذي يلقب بـ"أبو مصعب عبد الودود" قائد "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، بشكل يمكن أن يقلص من قدرة التحالف الجديد على الاستمرار خلال المرحلة القادمة.

4- التناقضات الفكرية: من الملاحظ أن التحالف الجديد ضم بعض التنظيمات التي تتباين توجهاتها بشكل واضح، إذ أن كلا من "تنظيم المرابطون" و"إمارة الصحراء الكبرى" ينتهجان الفكر القاعدي العابر للحدود، في حين تمنح "جماعة أنصار الدين" -برغم قربها من "القاعدة"- الأولوية لأجندتها وأهدافها المحلية، حيث تهدف بشكل أساسي، على سبيل المثال، إلى إقامة "إمارة إسلامية" للطوارق في شمال مالي. 

 كما أن "جبهة تحرير ماسينا" هى حركة عرقية قبلية تهدف إلى استغلال الأزمات التي تواجهها قومية "الفولاني" من أجل توسيع نطاق نفوذها، ولكن بصبغة جهادية. 

 ومن دون شك، فإن هذه التحديات لا يمكن تحييدها بسهولة، بشكل يمكن أن يقلص من قدرة التحالف الجديد على الاستمرار والتماسك خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل التباين الملحوظ في توجهات بعض تلك التنظيمات، والذي يمكن أن يتصاعد مع استمرار العمليات العسكرية التي تتعرض لها تلك التنظيمات.