سلمان في آسيا... العمق الإسلامي

05 March 2017


تعزيز العلاقات الدولية التي تعتمد على استثمار قوة المملكة العربية السعودية على المستويات كافة، هو واحد من أبرز السياسات التي اعتمدها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز منذ بداية عهده، عربياً وإقليمياً، إسلامياً ودولياً.

جولة الملك سلمان الآسيوية الحالية، هي تجلٍ واضحٍ لهذه السياسة، فهي جولة لها جانبان أساسيان: الأول، زيارة أربع دولٍ من جنوب شرقي آسيا، تمثل جانبا من العمق الإسلامي للقوة السعودية، وهي إندونيسيا وماليزيا وسلطنة بروناي وجزر المالديف، الثاني، تنويع العلاقات الدولية وتعزيزها باتجاه الشرق حيث الصين واليابان.

في الجانب الأول، فإن حجم الاستقبالات الضخمة والحفاوة البالغة بالزيارة الملكية رسمياً وشعبياً يظهر بجلاء القوّة الروحية للسعودية، بلد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، ومأرز الإسلام، وقبلة المسلمين التي تهوي إليها أفئدة مليارٍ ونصف المليار من المسلمين، خمس مراتٍ على الأقل في اليوم والليلة، وزائرها الكبير لقبه الرسمي هو خادم الحرمين الشريفين.

تعتبر إندونيسيا أكبر بلدٍ مسلمٍ من حيث عدد السكّان، فمواطنوها يقاربون المائتين وخمسين مليوناً، وسكان ماليزيا ثلاثون مليوناً، بينما سكان سلطنة بروناي يقارب النصف مليون، وسكان المالديف ثلاثمائة ألفٍ تقريباً، وهذا الثقل السكاني الكبير يمثل جزءاً مهماً من أهمية الزيارة الملكية لكل هذه الدول مجتمعة.

القوة السعودية الكامنة التي يتم تفعيلها بعقل وحكمة في هذه الزيارة، هي القوة الروحية للإسلام التي تكتنزها وتمثلها السعودية، والدول لا تستعمل كامل قوتها في الأحداث الصغيرة والأزمات العابرة، ولكنها تدخرها للتحديات الكبرى والأخطار المحدقة، تلك التي تعبر عنها معارك الوجود والعدم، والسعودية اليوم تقوم بدورها المنوط بها في قيادة العالمين العربي والإسلامي، لرفض تشويه الإسلام أو استغلاله بأي شكلٍ من الأشكال.

لكل دولة من هذه الدول ما يميزها، فماليزيا تمتلك تجربة تنموية تستحق القراءة والتأمل، ومثلها إندونيسيا وهي أكبر بلدٍ مسلمٍ، وكذلك غنى سلطنة بروناي، والتجربة السياحية الرائدة لجزر المالديف، وهي جميعاً بلدانٌ مسلمة تنتمي الثلاث الأول منها لما يمكن تسميته ثقافة الملايو، أو شعب الملايو.

تمتلك الدول الأربع التي تشملها الجولة الملكية قراءة متسامحة للإسلام، بدءاً من دخوله السلمي لتلك الدول، مروراً بتاريخٍ طويل من التوسع والانتشار، وصولاً إلى الواقع اليوم. وقد عانت هذه الدول من القراءات المشوهة للإسلام، تلك التي تقدمها جماعات التطرف وتنظيمات الإرهاب، ولكلٍ منها تجارب في مواجهة الإرهاب الذي أصبح مشكلة دولية يعاني منها العالم أجمع.

من هنا، فإن جزءاً من أهمية هذه الزيارة الملكية يكمن في أنها تؤكد الدور المهم الذي تلعبه السعودية في قيادة الدول الإسلامية والعربية، لرفضٍ مطلقٍ للإرهاب بكل أشكاله وآيديولوجياته، وبكل جرائمه وتنظيماته، ذلك أن مشكلة الإرهاب الدولي اليوم تتسمّى بالإسلام وتتحدث باسم الإسلام، فكان واجب إدانته ومحاربته يقع بالأساس على الدول العربية والإسلامية.

نموذج التعايش السلمي بين مكوّنات المجتمعات والشعوب يبدو بارزاً في ماليزيا وإندونيسيا، فكلا البلدين يتكوّن من أعراقٍ ودياناتٍ ولغاتٍ وطوائف ومذاهب متعددة ومتشعبة، استطاعت أن تتعايش مع بعضها لقرونٍ، ثم استطاعت الدولتان بعد تجربتيهما النهضوية أن تؤسسا لذلك التعايش باستقرار الدولة وقوة القانون، وأن تتطلعا بالتالي لمستقبلٍ يدفع باتجاه نهضة تنموية تؤسس للوحدة بناء على التنوع، بعكس ما تصنعه بعض النماذج للدول الإسلامية التي تسعى لهدم البلدان، انطلاقاً من رفض التعددية ومحاربة التنوّع، وهي السياسة المعلنة للنظام الإيراني داخل إيران وفي الدول التي تتدخل في شؤونها الداخلية وتباهي بنشر الطائفية فيها، كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

بحكم تاريخها الطويل، لا يوجد في السعودية دينٌ غير الإسلام، ولكن غير المسلمين يجدون فيها ترحاباً وقبولاً رسمياً وشعبياً، ولدى الدولة السعودية الحديثة التي أسسها الملك عبد العزيز قصة مهمة في التعدد الطائفي، ففي السعودية غالبية سنية وأقليات شيعية في المنطقة الشرقية ومنطقة المدينة المنورة، وأقلية إسماعيلية في نجران، تتعايش هذه الأقليات مع بعضها تحت ظل الدولة المستقرة ووعي القيادة وقوة القانون والنظام.

كما هي العادة في السياسة التي تمّ اعتمادها في عهد الملك سلمان، فإنه يتم تحضير كبير للزيارات الملكية، ويتم تطوير وبناء العلاقات عبر كثير من الاتفاقيات في مجالاتٍ متنوعة، في حزمة من المشروعات المفيدة التي تعود بالمصلحة للسعودية والبلد المضيف، وهو ما جرى ويجري في الجولة الملكية الحالية، فمجالات الأمن، ودعم استقرار الدول، والاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية والتعليمية والخدمية، والتركيز على حوار الأديان والثقافات ونشر الاعتدال، هي مفرداتٌ تمتلئ هذه الجولة الملكية بها وبمثيلاتها.

في الجانب الثاني للجولة الملكية، يزور العاهل السعودي كلاً من اليابان والصين، وتأتي هذه الزيارة امتداداً للسياسة السعودية في الانفتاح شرقاً، في بناء علاقاتٍ سياسية واقتصادية على أسسٍ جديدة تتوسع في الشراكة وتبني للمستقبل، وقد شهدت العلاقات مع البلدين تطوراً ملحوظاً بقيادة الملك، وضمن رؤية السعودية الخلاقة «2030».

أعلنت اليابان رغبتها الأكيدة في المشاركة في تحقيق «الرؤية السعودية» الخلاقة، وتبعت ذلك ببرامج واتفاقيات تعاونٍ مشتركٍ، يؤسس لمستقبل أقوى لتلك العلاقات، واستثمار أعلى جودة وأكبر مردوداً على المصالح المشتركة بين البلدين، وقد بدأت تظهر مشروعات عملية لتلك العلاقة المميزة.

الأمر ذاته يتم مع الصين، فقد شهدت السنتان الأخيرتان زياراتٍ متكررة بين قيادات البلدين، وفتح مجالاتٍ أرحب للتعاون الاقتصادي، ومشروع «طريق الحرير» الجديد الصيني يلتقي مع «رؤية السعودية 2030» كمحورٍ لربط القارات الثلاث، وكما هو معروفٌ فهي رؤية مستقبلية تقدم مبادئ عامة تتجلى واقعياً على شكل استراتيجياتٍ كبرى، يندرج تحتها كثير من المجالات التي تتجلى فيها المشروعات العملية.

إن الاتجاه شرقاً لتعزيز العلاقات الدولية وتقوية أواصر التعاون، يمنح السعودية مزيداً من الثقل السياسي على مستوى التوازنات الدولية، مع الحفاظ الكامل على علاقات السعودية مع حلفائها الكبار في الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، كما يمنحها قدرة على ممارسة أدوارٍ أكبر في حل الأزمات الكبرى في المنطقة والعالم.

تعيش السعودية هذه الأيام نجاحات سياسية دولياً وإقليمياً، وهي بسياساتها الحكيمة ستحصد قريباً مزيداً من النجاحات.

أخيراً، وكمثالٍ للريادة السعودية، فقد أنشأت السعودية تحت قيادة الملك سلمان تحالفاً عسكرياً للدول المسلمة ضد الإرهاب، وقد انضمت له ماليزيا وجزر المالديف، ورحبت به إندونيسيا وأيدته وتستكمل إجراءات الانضمام، وأيدته الصين، وهو في طور التوسع.

*نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط".