انتشار ملحوظ:

هل يصبح "اليوان" من العملات الرئيسية في الشرق الأوسط؟

13 December 2016


أصبح تداول العملة الصينية اليوان أكثر انتشارًا بأسواق النقد الأجنبي في منطقة الشرق الأوسط، فقد بات خيارًا أساسيًا لدى الحكومات والشركات في تسوية مبادلاتها الاقتصادية بالخارج ومع الصين تحديدًا. ويأتي ذلك في ظل تدويل العملة الصينية، والتي انضمت، منذ أكتوبر 2016، لسلة العملات الرئيسية لصندوق النقد الدولي، فضلا عن تطور العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الصين ومعظم دول الإقليم بشكل غير مسبوق بالآونة الأخيرة.

وفي إطار تعزيز منظومة تداول العملة الصينية بأسواق المنطقة، اتفقت الصين، في غضون الأشهر الماضية، مع عدد من دول الإقليم على إنشاء مراكز مقاصة لتبادل اليوان بها، بينما سارعت دول أخرى إلى عقد اتفاقات مبادلة لليوان مقابل عملاتها المحلية، وعلاوة على ذلك فقد أدرجت بنوك مركزية بالإقليم اليوان ضمن سلة عملاتها في الاحتياطيات الدولية. 

ومن المؤكد أن المكاسب التي سيجنيها الطرفان من التطورات السابقة كبيرة وعديدة، ويتمثل أهمها في تعزيز الثقة في المعاملات الاقتصادية بين الطرفين، ومن دون شك فإن ذلك سوف ينعكس، من جانب آخر، في انسياب التبادل التجاري والاستثماري وتدفقات السياحة فيما بينهم. وهذه الحوافز والمكاسب قد تغري مزيدًا من الدول والجهات بالإقليم للطلب على العملة الصينية ومن ثم توسيع نطاق استخدام العملة الصينية مستقبلا.

حوافز متعددة:

ساهمت بعض المحفزات الدولية والإقليمية في اتساع نطاق استخدام اليوان في تسوية المبادلات المشتركة، ويتمثل أبرزها في: 

1- عملة دولية: في غضون أكتوبر 2016، أدرج صندوق النقد الدولي اليوان الصيني في سلة العملات الرئيسية بجانب الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني، وبما يعكس الانخراط الصيني المتزايد في نظام التجارة العالمية والزيادة الكبيرة في استخدام اليوان وتداوله على المستوى الدولي. والآن، تحل العملة الصينية كثاني أكثر العملات استخدامًا في تسوية مدفوعات التجارة العالمية بعد اليورو بحصة بلغت 4.6% في أكتوبر الماضي، وبنسبة 1.6% في تسوية المدفوعات الدولية في الشهر نفسه، ليعد ذلك تطورًا كبيرًا في تداولاتها على الصعيد العالمي. 

شكل (1): حصة العملة الصينية في تسوية المدفوعات الدولية أكتوبر 2016 (%)

 

المصدر: شبكة الاتصالات المالية (سويفت)، نوفمبر 2016 

2- تنامي التجارة البينية: تطورت العلاقات التجارية بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط سريعًا خلال السنوات الماضية. وفي غضون عام 2010، حلت الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر شريك تجاري مع دول الإقليم، ووصل التبادل التجاري بين الطرفين إلى 246.6 مليار دولار في عام 2015 مقابل 18 مليار دولار فقط في عام 2000 حسبما تظهر بيانات صندوق النقد الدولي. ومن المتوقع أن تواصل التجارة البينية بين الطرفين نموها بفضل نمو الطلب الصيني على النفط من دول الأوبك بالمنطقة، في حين أن السوق الصيني أصبح أحد المصادر الرئيسية بالمنطقة لاستيراد السلع عالية التكنولوجيا بجانب غيرها من السلع التقليدية الصناعية ونصف المصنعة. 

3- تعاون استثماري: بجانب نمو التبادل التجاري، يتمثل التطور الأكثر تأثيرًا في مسار الشراكة بين الطرفين خلال الشهور الماضية في إصدار الصين، في يناير 2016، ما يعرف بـ"وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية" والتي تتبنى فيها الأخيرة آفاقًا جديدة لتعزيز التعاون بين الجانبين الصيني والعربي وتشمل المجالات العلمية والبنية التحتية وغيرها.

وفي هذا الإطار، وأثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى عدد من دول الإقليم وهي مصر والسعودية وإيران، تعهد بتوفير 55 مليار دولار في صور قروض واستثمارات لمشاريع البنية التحتية في المنطقة. وحاليًا تشارك بعض الشركات الصينية في عدد من المشروعات بإقليم الشرق الأوسط من بينها على سبيل المثال مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بمصر.

وبالإضافة إلى السابق، فقد تزايدت حصة المستثمرين الآسيويين وعلى رأسهم الصينيين من إصدارات الشرق الأوسط من السندات ولتصل إلى 30% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2016 وهي نسبة تمثل ضعف المعدلات السابقة تقريبًا. وكل ما سبق يعني بالتالي تنامي الروابط الاستثمارية والمالية مع الصين.

4- معالجة الأوضاع النقدية: بناءً على الاعتبارات السابقة، قد يمثل إجراء المعاملات الخارجية بالاعتماد على أصول أخرى من العملات الدولية على غرار اليوان فرصة سانحة لدول المنطقة لمواجهة الصعود القوي للدولار أمام العملات المحلية، ولا سيما إبان فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2016، كما يساهم، من دون شك، في الحد من الأزمات المتلاحقة التي تواجهها المنطقة من ضعف السيولة الدولارية، ومن ثم يسهم الانتقال التدريجي لعملات أخرى مثل اليوان في تعزيز السيولة وإدارة المخاطر لأسواق النقد الأجنبي بشكل أكثر كفاءة. 

أنماط التعاون النقدي:

بات استخدام اليوان في أسواق الشرق الأوسط أكثر انتشارًا مع تزايد عدد مراكز المقاصة وإدراج اليوان في احتياطيات بعض البنوك المركزية بالإقليم، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي: 

1- مراكز مقاصة: في ظل التطور الكبير للعلاقات الخليجية - الصينية في الآونة الأخيرة، بادرت دول مثل قطر والإمارات بإنشاء مركز للتسوية والمقاصة لليوان. وفي هذا الصدد قامت قطر، في عام 2015، بإنشاء مركز لمقاصة اليوان على غرار عدد من المراكز العالمية في دول مختلفة منها سنغافورة وبريطانيا وألمانيا وأستراليا، فيما وافق البنك المركزي الصيني مؤخرًا على تكليف فرع دبي للبنك الزراعي الصيني بمهام بنك المقاصة لليوان في الإمارات. 

وتعزيزًا لأدوار المراكز السابقة في استقرار أسعار صرف اليوان الصيني أمام العملات المحلية، أطلقت الصين، في سبتمبر 2016، نظام سعر الصرف المباشر بين اليوان والدرهم الإماراتي والريال القطري بجانب الريال السعودي، وليصبح بإمكان الدول الثلاث السابقة عقد المبادلات التجارية مع الصين بواسطة عملات الدول الثلاث مباشرة بدلا من الدولار الأمريكي أو العملات الدولية الأخرى، وبما يتفادى المخاطر والخسائر الناجمة عن نظام سعر الصرف غير المباشر.

شكل (2): حصة تداول اليوان في المعاملات بين الصين- الإمارات/قطر (%)

 

المصدر: شبكة سويفت، يناير 2016

2- تبادل العملات المحلية: عقدت بعض دول الإقليم مؤخرًا اتفاقات ثنائية مع الصين لمبادلة العملات المحلية. وفي هذا الإطار، أعلن البنك المركزي الصيني، في أوائل ديسمبر 2016، عن توقيع اتفاقية ثنائية مع البنك المركزي المصري بقيمة 18 مليار يوان بما يعادل 2.62 مليار دولار لتبادل العملات لأجل ثلاث سنوات.  

وبالمثل، أنجزت تركيا مؤخرا اتفاقًا لمبادلة العملة المحلية مع الصين بقيمة 450 مليون ليرة تركية أي بما يعادل نحو 132 مليون دولار، وهو الاتفاق الذي يأتي في إطار اتفاق لتبادل العملات بقيمة 12 مليارات يوان أي بما يعادل 1.88 مليار دولار بين البلدين في عام 2015. وفي الوقت نفسه، أعلن البنك المركزي الصيني إطلاق نظام التداول المباشر بين اليوان والليرة التركية، بعد أن كان الدولار يستخدم لتحديد سعر صرف اليوان الصيني أمام الليرة في السابق. 

كما وقع البنك المركزي الصيني، في مايو 2016، اتفاقًا لمبادلة العملة المحلية مع نظيره المغربي بقيمة عشرة مليارات يوان أي بما يعادل 1.54 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بموافقة الطرفين. في حين أن إيران بدأت محادثات أولية مع الصين، في يناير 2016، لتبادل العملات المحلية أيضًا.

3- احتياطي للعملات: في أوائل ديسمبر 2016، أقر البنك المركزي التونسي إدراج العملة الصينية اليوان في احتياطي تونس من النقد الأجنبي، وذلك في خطوة تسعى من خلالها البلاد إلى تنويع احتياطياتها من العملة الصعبة. والخطوة السابقة قد تدفع البنوك المركزية الأخرى بالإقليم لأن تحذو حذو المركزي التونسي. ويضاف إلى الخطوة السابقة أن بعض البنوك بالشرق الوسط قد أطلقت بالفعل حسابات بنكية مقومة باليوان لتمكن العملاء من إنجاز العمليات المختلفة بالعملة الصينية.

الخريطة المستقبلية:

واقع الأمر، إن استخدام اليوان الصيني بالمنطقة يتم في إطار صفقات ثنائية مع الصين محدودة الحجم في أغلب الأحوال وتحكمها في الواقع ظروف سياسية واقتصادية متغيرة معقدة يمر بها الإقليم حاليًا وقد تتلاشى مستقبلا وبما قد زاد من الإقبال عليه مؤقتًا. 

ومع ذلك، فإن فرص تداول العملة الصينية اليوان بأسواق النقد الأجنبي بالمنطقة تتزايد تدريجيًا في ظل تدويل العملة الصينية علاوة على عمق العلاقات البينية بين الطرفين. وفي هذا الصدد، تكشف نتائج استطلاع رأى أجراه بنك "إتش إس بي سي" البريطاني خلال الفترة ما بين مايو إلى يوليو 2016، أن مستقبل اليوان الصيني بالمنطقة يبدو واعدًا، حيث من المتوقع أن يصبح خيارًا رئيسيًا للشركات بمنطقة الشرق الأوسط في فتح الاعتمادات المستندية وإجراء التبادلات التجارية، وبما قد يؤدي إلى أن يمثل اليوان الصيني ما نسبته 25% من إدارة السيولة من النقد الأجنبي في جميع أنحاء الشرق الأوسط بحسب توقعات البنك. وبالطبع، فإن ذلك يعني أن اليوان أصبح عملة محل ثقة كبيرة وبما يعزز من حصتها إقليميًا، ولكنها في جميع الأحوال لن تتخطى العملات الصعبة الأخرى الأكثر تداولا وموثوقية عالميًا وإقليميًا مثل الدولار أو اليورو. 

وبغض النظر عن حصة العملة الصينية، فمن دون شك فإن تزايد اعتماد المنطقة على اليوان الصيني مستقبلا سيعزز من مكاسب الطرفين، حيث سيفتح آفاق وإمكانات أوسع للتجارة بين الصين من ناحية ودول المنطقة من ناحية أخرى أو مع تلك الدول الأخرى التي تقبل الآن استخدام العملة الصينية، كما سيعزز من انسياب رؤوس الأموال الصينية بأسواق الشرق الأوسط.

ومن ضمن الانعكاسات الهامة الأخرى لتداوله، أنه سيعزز من فرص السياحة الصينية بالمنطقة، ولا سيما مع تزايد اهتمام الصينيين بزيارة المقاصد السياحية بها، والتي تزامن معها تحرك بعض الدول لاستقطاب السياح الصينيين. فعلى سبيل المثال، أعلنت المغرب إعفاء الصينيين من تأشيرة دخولها اعتبارًا من يونيو 2016.

وختامًا، يمكن القول بأن تداول اليوان أصبح محل ثقة إقليميًا وعالميًا، وهو ما سيمثل  نقطة تحول رئيسية في مسار الشراكة الاقتصادية بين الصين والشرق الأوسط في السنوات.