إخفاقات استراتيجية:

الدور الأمريكي المطلوب لمعالجة الأزمة اليمنية

24 December 2014


إعداد: محمد أحمد عبدالنبي

أصبح ملف الإرهاب في الآونة الأخيرة على رأس أولويات المحللين السياسيين ومراكز الأبحاث المعنية بالسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فاهتمامهم الشديد بهذا الملف لا ينبع فقط من ضخامة التكاليف المالية المطلوبة للتعامل معه، وإنما لاتساع نطاق الإرهاب ذاته، وانتقاله للعديد من دول المنطقة، خاصة سوريا والعراق واليمن، وكذلك لأنه يتطلب تنسيقاً دولياً كبيراً للقضاء عليه، فضلاً عن قصور النهج الأمني التقليدي في علاج مشكلة الإرهاب التي ترتبط بدورها بعوامل أخرى، أبرزها السياسات التنموية الداخلية للدول ومدى نجاحها في تقليل معدلات الفقر والبطالة والعشوائيات والجهل، وغيرها من مُسببات الإرهاب.

في هذا الصدد، نشر مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي، دراسة في شهر أكتوبر 2014، تحت عنوان: "مخطط لاستراتيجية أمريكية متكاملة لمكافحة الإرهاب في اليمن"، وهي الدراسة التي أعدها كل من "باربرا بودين "Barbara K. Bodine مدير معهد الدراسات الدبلوماسية في جامعة جورج تاون والسفير الأمريكي الأسبق في اليمن، و"دانيا جرينفيلد Danya Greenfield" نائب مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط.

وتتضمن الدراسة ملامح السياسة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب في اليمن، وتبرز الإخفاقات التي تعاني منها هذه السياسة، مع تقديم عدد من المقترحات البناءة لتأسيس استراتيجية أكثر فاعلية للولايات المتحدة في اليمن.

الدور الأمريكي خلال المرحلة الانتقالية في اليمن

اعتبر الكاتبان أن الولايات المتحدة لعبت دوراً إيجابياً خلال الإعداد لاتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي، التي بموجبها تنازل الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح عن السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، عقب اندلاع الثورة الشبابية في اليمن، وتم الاتفاق على تشكيل حكومة من كافة الأحزاب، وهو الاتفاق الذي جنب اليمنيين إراقة الدماء، كما أنه سهَّل انتقال السلطة سلمياً عقب الثورة.

كما دعمت الولايات المتحدة الحوار الوطني، الذي استمر عشرة أشهر بين مختلف الأطراف اليمنية، والذي أعطى فرصة للفاعلين الجدد "الشباب والمرأة" للجلوس على طاولة المفاوضات، ومناقشة القضايا الأساسية التي تواجه الدولة. وقد نتج عن الحوار إصدار وثيقة نهائية تضمنت المبادئ الأساسية التي ينبغي تضمينها في الدستور اليمني، والخطوط العريضة للمناطق الست الجديدة، والنظام الفيدرالي اللامركزي.

ورأى الكاتبان أن اتفاقية مجلس التعاون المشار إليها، شابها بعض السلبيات في التطبيق لاحقاً نظراً لأسباب متفاوتة، منها غموض عملية تقديم المنح المالية من قبل أصدقاء اليمن، وكذلك نتائج الحوار الوطني التي باتت تهدد استقرار الدولة وتقوض المكتسبات التي تم الحصول عليها. ومن أجل تطبيق هذه الاتفاقية، تؤكد الدراسة على ضرورة ضمان سعي أطرافها لإنجاحها أو عدم السعي لإفشالها على أقل تقدير، كما ينبغي أن تصبح تلك الاتفاقية أكثر مرونة، حيث نصت على التوازن بين كافة أعضاء الحكومة، وهو ما أضعف سلطة رئيس الوزراء اليمني الجديد، وأحدث شللاً في اتخاذ القرار الحكومي.

استراتيجية مقترحة للتعامل الأمريكي مع الأزمة اليمنية

تركز الرؤية الأمريكية لمكافحة الارهاب بصفة عامة، وفي اليمن بصفة خاصة، على الجوانب الأمنية البحتة واستخدام الطائرات من دون طيار ودعم قدرات وحدات مكافحة الارهاب فقط، وهو ما يؤدي إلى نتائج غير فعَّالة، وأبرز مثال على ذلك ما حدث في العراق وأفغانستان وباكستان.

لذلك تؤكد الدراسة أن أي استراتيجية أمريكية لمكافحة الجهاديين تتطلب الإعلان عن خطة لمواجهة ضعف الفرص الاقتصادية المتاحة، وانتشار البطالة، والمحسوبية، وعدم العدالة في توزيع موارد الدولة. وتدلل الدراسة على صحة هذه الرؤية بتواجد التنظيمات الإرهابية (مثل تنظيم القاعدة) في المناطق اليمنية الأكثر فقراً وجهلاً.

وقد عرضت الدراسة تصوراً مقترحاً لاستراتيجية أمريكية متكاملة وطويلة الأجل للتعامل مع الوضع في اليمن، بحيث تساهم في علاج القضايا الرئيسية التي تؤدي إلى الإرهاب والتطرف وعدم الاستقرار.

وتتمثل المكونات والعناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية في الآتي:

1- الإصلاح والمساعدة الاقتصادية والتوجه نحو التنمية المستدامة:

انتقد الكاتبان تركيز المجتمع الدولي خلال السنوات الثلاث الماضية على التطور السياسي في اليمن فقط، مثل دعم الأحزاب السياسية، والمساعدات الانتخابية، والمجتمع المدني، وأشارا إلى أنه يتعين أن تدرك الولايات المتحدة أن صراع المواطنين اليمنيين مُنصباً على احتياجاتهم الأساسية من طعام ومياه وأمن. لذا فعلى واشنطن أن تضع هذه الاحتياجات على رأس أولوياتها.

ومن أجل تغير الإدراك الأمريكي الخاص بأولوية "الأمن"، وبهدف وضع أساس لنمو اقتصادي متواصل، تنصح الدراسة الولايات المتحدة القيام بالآتي:

ـ زيادة المساعدات الاقتصادية التنموية المباشرة، وإعادة الضغط على "أصدقاء اليمن" من أجل تنفيذ التعهدات التي قطعوها على أنفسهم.

ـ توجيه المساعدات الاقتصادية نحو إيجاد الوظائف، وأن تركز دول الخليج على القيام بمشروعات توفر فرص عمل، تؤدي إلى تحسين البنية التحتية على المديين القصير أو المتوسط.

ـ إعادة النظر في قضية مراجعة الدعم التي طبقتها الحكومة اليمنية في يوليو 2014، ثم أُجبرت بعد ذلك على التراجع عن تنفيذ هذه السياسة بسبب تظاهرات الحوثيين. وتؤكد الدراسة ضروة العمل مع الحكومة اليمنية لإصلاح الدعم تدريجياً من خلال توسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وهذا ينبغي أن يكون مصحوباً بحملة لتوعية الجمهور بأن هذه المدخرات ستُستخدم لصالح المواطنين اليمنيين.

ـ إعادة الانخراط مجدداً في تحالفات مع دول الخليج، من أجل تسهيل إلحاق أعداد كبيرة من العمالة اليمنية في الخليج، وتدريبها مهنياً، وتنمية مهاراتها للتوافق مع احتياجات التنمية.

ـ دعم تطوير المجلس الاقتصادي الرئاسي، من خلال ضم نواب ووزراء أكفاء، وخبراء اقتصاديين، وتكنوقراط، ورجال أعمال، بهدف إعداد وتطوير استراتيجية اقتصادية.

2 ـ دعم الإصلاح السياسي:

أكدت الدراسة اهتمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بخريطة الطريق الموضوعة لليمن، والممثلة في اتفاقية مجلس التعاون الخليجي التي هدفت إلى تشكيل حكومة انتقالية تتسم بالشفافية وتخضع للمساءلة. إلا أن الحكومة الانتقالية على مدار السنوات الثلاث الماضية تضمنت عناصر حكومية فاسدة لا تتمتع بالكفاءة؛ مما أدى إلى إثارة غضب اليمنيين، واستغلال جماعة الحوثيين لهذا الغضب ودعوتها لتظاهرات ضد الحكومة في صنعاء، وهو ما ترتب عليه في نهاية الأمر انتشار حالة من عدم الاستقرار في اليمن.

وشدد الكاتبان في هذا السياق، على ضرورة التزام القادة الحوثيين وكذلك الأحزاب السياسية بنص "اتفاق السلم"، الذي تم توقيعه في 21 سبتمبر 2014، وأن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها للتأكد من تنفيذ الالتزامات في الاتفاق كافة، لاسيما انسحاب الحوثيين من مواقع احتلوها في صنعاء وغيرها، والالتزام بشرط وقف إطلاق النار، وإعادة الأسلحة المنهوبة للحكومة. وعلى الجانب الآخر يلزم تعيين حكومة مختصة وفقاً لعنصر الكفاءة وليس على أساس الانتماء الحزبي.

واعتبرت الدراسة أن نجاح "اتفاق السلم" سوف يعتمد على القرارات التي يتخذها قادة جماعة الحوثيين، إضافة إلى الضغط الأمريكي على السعودية وإيران لتخفيف التدخل في الشأن اليمني، فضلاً عن ضرورة دعم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وكذلك مؤسسات الدولة اليمنية، واستغلال الأمم المتحدة والآليات الأخرى من أجل مواجهة الفاسدين.

كما نصحت الدراسة بضرورة الضغط الدولي لكي يحدث تقدم في العملية الانتقالية، وأن تتمتع الانتخابات بالمصداقية الكافية، وأن تلعب الولايات المتحدة دوراً رئيسياً لضمان الالتزام بتنفيذ خطوات مهمة مثل إعداد قانون انتخابي جديد.

وبالإضافة إلى ما سبق، ينبغي على الإدارة الأمريكية مساعدة الرئيس اليمني منصور هادي، لتحقيق الآتي:

ـ توسيع المعرفة العامة للمواطنين بشأن الدستور خلال مرحلة الصياغة والتشاور حوله.

ـ وضع جدول زمني للانتخابات، وتحديد الأهداف بشكل واضح في القريب العاجل، وهو ما يقلل من حالة الشك لدى الأحزاب السياسية، ويساهم في توسيع الاستثمارات الاقتصادية.

ـ معالجة استباقية للفساد والمحسوبية، ومعاقبة المتورطين، حيث إنه إذا لم ير اليمنيون إرادة سياسية حقيقية لتغيير ثقافة "الإفلات من العقاب"، حينها ستصبح وعود مكافحة الفساد مجرد "شعارات جوفاء"، كما يتعين على الحكومة دعم "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".

ـ دعم قدرات المسؤولين والقيادات داخل الحكومة لتحسين كفاءة الخدمة المدنية، وإدخال الحكومة الإلكترونية، وتطوير المهارات اللغوية والتقنية التي من شأنها تعزيز وظيفة الحكومة.

3- التعاون والمساعدة الأمنية على أساس بناء القدرات المحلية:

اعتبرت الدراسة أن النهج المستخدم من قبل الولايات المتحدة للتعامل مع الإرهاب وتنظيم القاعدة، لا يعد "استراتيجية"، وإنما مجرد "تكتيك قصير الأجل" يفتقر إلى تحديد الأهداف بشكل واضح. وبالتالي فإن ثمة حاجة لأن تصبح سياسة مكافحة الإرهاب جزءاً من جهد أوسع يهدف لعلاج المشاكل الأمنية وجذور التطرف في اليمن، وذلك عن طريق الآتي:

ـ وضع استراتيجية طويلة الأجل يتم خلالها الإعلان عن الثغرات الأمنية الموجودة في اليمن، في ظل الالتزام بتدريب وإعداد قوات الأمن اليمنية، وتقديم المساعدة التقنية والاستراتيجية لها.

ـ استثمار المزيد من الموارد لتحسين قدرات القوات المسلحة وعناصر الشرطة اليمنية، من أجل توفير الأمن للمواطنين اليمنيين في جميع أنحاء البلاد.

ـ الحد من استخدام الهجمات الجوية من دون طيار، وقصر الاغتيالات على الحالات الفردية التي تمثل تهديداً واضحاً ومباشراً للمصالح الأمريكية، مع وجود تعويضات متناسبة في حالة وجود مصابين أو قتلى مدنيين. كما يتعين تقديم المساعدة للحكومة اليمنية في إعادة بناء المنازل والقرى والمرافق التي دمرتها الضربات الأمريكية أو ذات الصلة بعمليات الجيش اليمني.

ـ التأكد من أن عملية إعادة هيكلة قوات الأمن اليمنية (بدعم من وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الداخلية بالمملكة المتحدة) تعطي الأولوية لتقليل الفساد، من خلال التأكيد على المهنية الشرطية وتوفير رواتب مناسبة لرجال الأمن.

4- الدبلوماسية العامة:

تؤكد الإدارة الأمريكية أن الهدف الأساسي من سياستها في اليمن ليس مكافحة الإرهاب، وهو الادعاء الذي يشكك فيه اليمنيون؛ إذ على الرغم من المساعدات الإنسانية والتنموية المقدمة من الولايات المتحدة لليمن، فإن معظم المواطنين في اليمن يربطون هذه المساعدات بالحرب على الإرهاب والضربات الجوية الأمريكية.

وبناءً على ذلك، يؤكد الكاتبان أهمية قيام الإدارة الأمريكية بالخطوات التالية:

ـ إعادة التأكيد على ما يردده المسؤولون الأمريكيون، بأن الولايات المتحدة تستثمر من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة للشعب اليمني على المدى الطويل، وليس فقط من أجل مواجهة تنظيم القاعدة.

ـ البحث عن فرص للتواصل مع يمنيين خارج النخبة الناطقة باللغة الإنجليزية في صنعاء. ومن ثم يجب القيام بمبادرات في مناطق مثل "تعز" و"إب"، فضلاً عن التواصل مع النساء والشباب.

ـ توسيع برامج المنح الدراسية الأكاديمية للطلاب اليمنيين في مجموعة واسعة من المجالات ولفترات زمنية طويلة. وهذا الاستثمار في القدرات البشرية اليمنية على المدى الطويل، سيؤكد الالتزام الطويل الأمد من قبل الولايات المتحدة لتحقيق مستقبل مستدام لليمن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه البرامج ستساعد على تعزيز فرص العمل، وتمكين اليمنيين من تولي الوظائف التي تتطلب مهارات اللغة الإنجليزية.

وفي النهاية، تخلص الدراسة إلى ضرورة نظر الإدارة الأمريكية للحالة اليمنية بشيء من الخصوصية، وهو ما يُوجب وضع الأمن الإنساني للمجتمع اليمني في الاعتبار، حيث وضع الاهتمام بالاحتياجات السياسية والاقتصادية لليمنيين في الصدارة.

* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "مخطط استراتيجية أمريكية متكاملة لمكافحة الإرهاب في اليمن"، الصادرة في أكتوبر 2014 عن مركز "رفيق الحريري للشرق الأوسط" التابع للمجلس الأطلنطي، وهو مركز معني بدراسات التحولات السياسية والأوضاع الاقتصادية في الدول العربية.

المصدر:

Barbara Bodine and Danya Greenfield, A Blueprint for a Comprehensive US Counterterrorism Strategy in Yemen (Washington: Atlantic Council, October 2014).