عودة الحوار:

دوافع التقارب الخليجي – التركي ومسارات المستقبل

21 October 2016


شهد مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، في 13 أكتوبر الجاري، انعقاد الاجتماع الوزاري الخليجي - التركي المشترك الخامس بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حيث تم خلاله بحث سُبل تعزيز التعاون المشترك في المجالات المختلفة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وتطورات الأوضاع الأمنية والسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وجهود مكافحة الإرهاب. وقد عُقد هذا الاجتماع بعد توقف دام أربع سنوات، حيث كان آخر هذه الاجتماعات في يناير 2012.

دلالات الاجتماع الخليجي – التركي

أصدر وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية التركي بيانهم الختامي، والذي تضمن عدة نقاط، تتعلق في مجملها بالتأكيد على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وأهمية التوصل إلى حل سلمي للأزمة، ومواجهة تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الأخرى، والالتزام بالحفاظ على وحدة واستقرار العراق، ودعوة إيران إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وإدانة الاعتداء على السفينة الإماراتية "سويفت" بالبحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب، ورفض إقرار الكونجرس الأمريكي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا".

كما تم الاتفاق على تمديد خطة العمل المشتركة الحالية بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا لنهاية عام 2018، وتطويرها بما يتلاءم مع تطورات التعاون الاستراتيجي بين دول المجلس وتركيا، فضلاً عن الاتفاق على عقد الاجتماع الثالث لفريق عمل التجارة والاستثمار خلال عام 2017 في تركيا، والتأكيد على هدف إنشاء منطقة تجارة حرة بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا في أقرب وقت ممكن من خلال استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة.

ويشير الاجتماع الوزاري الخليجي – التركي والبيان الصادر عنه إلى مجموعة من الدلالات، يتحدد أهمها فيما يلي:

1- يعد استئناف جلسات الاجتماع الوزاري الخليجي – التركي تتويجاً للمحاولات التركية لتحسين علاقاتها مع دول الخليج التي تدهورت منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، وفي ظل التأييد الخليجي لنظام الحكم الجديد في القاهرة مقابل رفض أنقرة الاعتراف بشرعية هذا النظام. وقد بدأت تلك المحاولات منذ مطلع عام 2015، حيث قام الرئيس التركي أردوغان بثلاث زيارات للسعودية كان آخرها في ديسمبر 2015 والتي تم خلالها تأسيس "مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى" بين الدولتين، وزيارة أردوغان للكويت في أبريل 2015، وأخيراً إصلاح العلاقات مع دولة الإمارات بزيارة وزير الخارجية التركي للإمارات في أبريل 2016 وعودة السفير الإماراتي إلى تركيا في يونيو 2016، ثم زيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى أنقرة يوم 16 أكتوبر الجاري.

2- يعد البيان الختامي بمنزلة وثيقة حاكمة للتحركات الخليجية - التركية المشتركة خلال الفترة المقبلة تجاه الأزمات في سوريا والعراق واليمن وللتصدي للتدخلات الإيرانية بالمنطقة، وذلك بالتأكيد على الحل السياسي للأزمة السورية، ووحدة كل من سوريا والعراق، وإدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، كما يمثل البيان رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون وتركيا على المستويين السياسي والاقتصادي.

3- عالج البيان الختامي مجموعة من المسائل ذات الحساسية للطرفين، سواء بالنسبة للجانب التركي والمتمثلة في الموقف الخليجي من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وذلك بتأكيد البيان على إدانة هذه المحاولة وتأييد الإجراءات التركية ضد حركة "كولن"، وكذلك الموقف من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية، وذلك بتأكيد البيان على تأييد كافة العمليات ضد جميع المنظمات الإرهابية، أو القضايا المهمة للجانب الخليجي والمتمثلة في التقارب التركي الفترة الأخيرة مع كل من إيران وروسيا بتأكيد البيان على مجموعة من الثوابت المشتركة تجاه الأزمة السورية والتدخلات الإيرانية بالمنطقة، فضلاً عن تصريح وزير الخارجية التركي، على هامش الاجتماع، بأن التقارب التركي مع وروسيا لا يعني تطابق وجهة النظر التركية معها حيال الأزمة السورية.

دوافع تحسن العلاقات

توجد مجموعة من العوامل دفعت كلاً من دول مجلس التعاون وتركيا إلى تجاوز الخلافات، والدفع باتجاه تحسين العلاقات الثنائية، لعل من أهمها ما يلي:

1- رغبة دول الخليج في إيجاد حليف استراتيجي لها في منطقة الشرق الأوسط يكون موازناً للنفوذ الإيراني بالمنطقة خاصةً في سوريا والعراق واليمن. وقد تعززت أهمية تركيا في هذا الصدد عقب الانتشار العسكري التركي في شمال سوريا ونجاح قوات المعارضة السورية المدعومة من قِبل أنقرة في تحقيق انتصارات عسكرية بالشمال السوري، كان آخرها استعادة بلدة دابق من تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى الانتشار العسكري التركي في شمال العراق بمعسكر بعشيقة وتدريبها قوات الحشد الوطني المكون من العشائر السنية العربية للمشاركة في تحرير الموصل من "داعش". وقد تجلى ذلك بوضوح في تبني كل من السعودية وتركيا مواقف متطابقة حيال معركة تحرير الموصل بضرورة قيام العشائر العربية السنية بالدور الأكبر في تحرير المدينة والتحذير من تدخل الحشد الشعبي المدعوم إيرانياً وإحداثه عملية تغيير ديموغرافي في الموصل.

2- قلق دول مجلس التعاون من أن تؤدي حالة التقارب بين تركيا من جهة وإيران وروسيا من جهة أخرى، والتي ظهرت في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا، إلى تغير في السياسة التركية تجاه الأزمة السورية، خاصةً بعد تصريحات المسؤولين الأتراك بأن بلادهم ليس لديها مانع في مشاركة بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وترك الخيار للشعب السوري، وهو ما أثار قلق دول الخليج التي تصر على رحيل الأسد. 

3- فقدان كل من دول مجلس التعاون وتركيا الثقة في الولايات المتحدة كحليف استراتيجي يمكن الاعتماد عليه لضمان مصالحهما بالمنطقة، وذلك عقب إصدار الكونجرس الأمريكي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا" بما يسمح لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمُقاضاة الحكومة السعودية، وإصرار الولايات المتحدة على دعم أكراد سوريا على الرغم من الاعتراضات التركية، وهو ما دفع الطرفين للاعتماد على بعضهما لتأمين مصالحهما في المنطقة.

4- رغبة تركيا في صياغة تحالف سني يكون ركيزته دول الخليج العربي في مواجهة التحالف الذي تتزعمه إيران والذي يضم سوريا والعراق وحزب الله في لبنان والحوثيين باليمن، وإن كان هذا التحالف يصب في مصلحة دول مجلس التعاون التي يتعرض أمنها القومي لتهديدات إيرانية، إلا أنه في الوقت ذاته يحقق مصلحة تركية تتمثل في إيجاد جبهة إقليمية داعمة لتحركاتها في سوريا والعراق في مواجهة إيران، فضلاً عن تمكن أنقرة من صياغة سياسات متوازنة في علاقاتها مع طهران مستندة إلى الورقة الخليجية.

5- رغبة تركيا في تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج، بما يساعدها على إعادة دفع الاقتصاد التركي الذي تأثر سلباً بمحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، فضلاً عن أنه كان يعاني تدهور علاقات تركيا مع بعض دول المنطقة. ولذلك تهدف أنقرة إلى جذب مزيد من الاستثمارات الخليجية للسوق التركية وفتح أسواق جديدة أمام المستثمرين الأتراك، وزيادة الصادرات التركية للأسواق الخليجية من خلال منحها مزيد من التسهيلات.

مستقبل التنسيق الخليجي - التركي

في ضوء التحسن الذي شهدته العلاقات الخليجية - التركية مؤخراً وما نص عليه البيان الختامي للاجتماع الوزاري الأخير بين الجانبين من تفاهمات مشتركة تجاه التعامل مع الأزمات في سوريا والعراق والتصدي للتدخلات الإيرانية في دول المنطقة، يمكن الإشارة إلى حدود التنسيق الخليجي - التركي تجاه ملفات المنطقة على النحو التالي:

1- التنسيق في الأزمة السورية: من المرجح تأثر التنسيق الخليجي - التركي في هذا الملف سلباً بإعطاء السياسة التركية تجاه سوريا الأولوية للملف الكردي ومنع تأسيس دولة كردية بالشمال السوري قد تشكل تهديداً لأمن تركيا، وهو ما قد يدفع الأخيرة إلى تقديم تنازلات في الأزمة السورية، خاصةً فيما يتعلق بمستقبل الأسد، قد لا تتوافق بالضرورة مع وجهة النظر الخليجية.

2- الأزمة العراقية: يُتوقع أن يكون هناك تطابق وتنسيق كامل بين دول الخليج وتركيا في هذا الملف، حيث يتفق الجانبان على ضرورة التصدي للنفوذ الإيراني في العراق وعمليات الاضطهاد والتطهير العرقي التي تمارسها الميليشيات الإيرانية ضد العرب السنة، فضلاً عن ضرورة أن يكون للعشائر السنية العربية الدور الأكبر في تحرير مدينة الموصل من تنظيم "داعش" ومنع ميليشيا الحشد الشعبي المدعومة إيرانياً من المشاركة في تحرير المدينة، وهو الموقف الذي تبنته السعودية وتركيا مؤخراً.

3- التعامل مع إيران: من المرجح لعب تركيا خلال الفترة المقبلة دور الوسيط بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، مستغلة علاقاتها المتميزة مع الطرفين، بما يؤدي إلى تقليل حدة الصراع بينهما، مع استمرار تبني تركيا سياسات متوازنة تجاه كل من إيران ودول الخليج، وعدم التضحية بعلاقاتها مع أي طرف لحساب آخر في ظل حاجة تركيا لكليهما، وهي السياسة التي نجحت فيها أنقرة حتى الآن.