• Login

ساحة المعركة:

عشرة صراعات تفسر الشرق الأوسط الجديد

27 February 2024

ساحة المعركة:

ما زال مستقبل منطقة الشرق الأوسط يهيمن بشكل كبير على النقاشات الجارية في الدوائر الأكاديمية والسياسية الغربية، بالنظر إلى الأهمية الكبيرة التي تمثلها المنطقة بالنسبة لأمن واقتصاد النظام الدولي الذي يشهد تحولات عميقة؛ ومن بينها عودة التنافس بين القوى الدولية، ويُعد الصراع على المنطقة أحد أهم مظاهرها. 

وفي هذا الإطار، نظم مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، في 22 فبراير 2024، حلقة نقاش، استضاف فيها د. كريستوفر فيليبس، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوين ماري البريطانية، لمناقشة كتابه الجديد المقرر صدوره في مارس 2024 بعنوان "ساحة المعركة: عشرة صراعات تفسر الشرق الأوسط الجديد"، والذي يقدم استكشافاً شاملاً لجيوسياسات الشرق الأوسط من خلال تحليل عشرة صراعات رئيسة بالمنطقة، إذ تتقاطع هذه الصراعات مع عدد من الفاعلين الدوليين والإقليميين.

جدير بالذكر أن كريستوفر فيليبس سبق له أن عمل في وحدة الاستخبارات التابعة لمجلة "الإيكونوميست"، كما حصل على درجة الدكتوراه والماجستير في العلاقات الدولية من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والبكالوريوس من جامعة كامبردج، وهو مؤسس ومدير مجموعة الاستشارات الدولية "أكاديميا إنترناشيونال". 

صراعات معقدة:

أشار فيليبس النقاش إلى عشرة صراعات رئيسية في منطقة الشرق الأوسط، ومن أبرزها سوريا والعراق وفلسطين وليبيا واليمن ولبنان والقرن الإفريقي. وأوضح أن مفهومه للصراع في المنطقة لا يتضمن بالضرورة وجود صراع مسلح أو حرب أهلية أو إقليمية فقط، بل يشمل أيضاً حالة التصارع والانقسامات التي قد تتدهور في المستقبل القريب. وغالباً ما تكون الصراعات في المنطقة ساحة للتنافس بين القوى الإقليمية والدولية الساعية لتعزيز مصالحها من خلال دعم بعض الأطراف ضد أطراف أخرى. 

وأكد فيليبس مدى تعقيد الصراعات في الشرق الأوسط، وعدم عقلانية محاولة تفسيرها عبر عامل واحد (سواء كان ذلك البعد الديني أو الاقتصادي أو غيره)، وأن هذه الصراعات المركبة تحتاج أيضاً تفسيرات مركبة، تشمل بعض أو كل هذه العوامل مجتمعة. ويتجاوز هذا التأكيد ضرورة الفهم النظري للمنطقة، بل تتوقف عليه أيضاً السياسات الغربية تجاه الإقليم، والتي غالباً ما تتسم بالأحادية والتركيز فقط على بعض العوامل الدينية أو الطائفية أو تلك المتعلقة بالطاقة وغيرها. 

شرق أوسط جديد:

طرح فيليبس ما اعتبره سمات الشرق الأوسط الجديد الذي ما زال في طور التشكل، وكانت المرحلة الفارقة في تأسيسه هي المرحلة التالية لاضطرابات 2011. ومن أهم ملامح هذه المرحلة، وفقاً لفيليبس، ما يلي: 

1- تغير في الدور الأمريكي: أعادت الولايات المتحدة ترتيب علاقتها بمنطقة الشرق الأوسط؛ بحيث لم تعد الفاعل الوحيد والمهيمن عليها؛ إذ يمكن القول إن المنطقة أصبحت الآن في مرحلة ما بعد الهيمنة الأمريكية. ومرحلة ما بعد الهيمنة هذه لا تعني انتهاء الدور الأمريكي؛ إذ رأينا في الآونة الأخيرة أن الولايات المتحدة تعيد تأكيد وجودها العسكري في الإقليم خلال حرب غزة الجارية. لكن إعادة تشكيل الدور الأمريكي تعني وجود حضور أوسع للفاعلين الإقليميين والدوليين المتنافسين على المنطقة.    

2- زيادة حيوية وفاعلية القوى الإقليمية: ارتفعت في الآونة الأخيرة قدرة القوى الإقليمية على التحرك واتخاذ القرارات بشكل شبه مستقل؛ إذ أشار فيليبس إلى الحالة التركية ودخولها المعترك السوري لفرض منطقة آمنة داخل الحدود السورية، بغض النظر عن الاعتراضات الأمريكية والغربية. كذلك، اتجهت دول الخليج العربية إلى الحفاظ على مصالحها وتأكيد رؤيتها المستقلة عن "المصالح الغربية"، وفي حالات عديدة، تمكنت هذه القوى من تحقيق دور إيجابي في حل النزاعات والصراعات الإقليمية.   

3- زيادة عدد الدول غير المستقرة: على العكس من المراحل السابقة في تاريخ المنطقة ما بعد الاستقلال والتي تميزت بوجود حالات محدودة للصراع؛ هناك اتساع لعدد الدول الضعيفة وغير المستقرة، أو التي على شفير الانهيار في المنطقة. وبعض هذه الدول كانت قوى فاعلة على الساحة الإقليمية مثل سوريا والعراق؛ إذ أصبحت ساحات معارك للنفوذ بين القوى الخارجية التي تحاول إعادة توجيه صناعة القرار في مثل هذه الدول. 

4- تزايد الفاعلين المسلحين من غير الدول: أشار فيليبس إلى تزايد دور ومكانة وتأثير الجماعات المسلحة من غير الدول في توجيه الأحداث والتأثير فيها. وتتنوع هذه الجماعات بين الحركات الإرهابية العابرة للحدود مثل داعش والقاعدة، أو المليشيات التابعة لبعض الدول مثل إيران التي تحاول توظيف هذه الجماعات في صراعها من أجل النفوذ في المنطقة.  

ما بعد الولايات المتحدة: 

ركز فيليبس بشكل خاص على ماهية ومستقبل الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، إذ تساءل عن إمكانية الحديث عن شرق أوسط ما بعد الولايات المتحدة. وأكد أن الحضور الأمريكي في المنطقة سيظل مستمراً بالنظر إلى حجم الوجود العسكري الآخذ في الاضطراد على الرغم من محاولات الانسحاب الأمريكي من المنطقة؛ إذ تفرض الصراعات نفسها، مع استمرار الخطر الإيراني، والحرب الأخيرة في غزة. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تول اهتماماً كبيراً بالمنطقة، فإنها وجدت نفسها مرة أخرى منخرطة بشكل أكبر في سياساتها، على نحو أصبح يرتد عليها في الداخل. وقد تحاول الإدارة الأمريكية القادمة، في حال قدوم الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، ممارسة سياسة انعزالية، إلا أن سلوكها سيكون غير متوقع.    

وعن احتمالات ملء الصين للفراغ المحتمل الناتج عن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، استبعد فيليبس هذا الاحتمال، استناداً إلى معايير ثلاثة هي: 

1- القدرة والرغبة الصينية: يرى فيليبس أن الصين غير قادرة على القيام بما تقوم به الولايات المتحدة؛ نظراً لأن الصين ببساطة لا تملك القدرات العسكرية الكافية لذلك (في إشارة على سبيل المثال إلى أعداد حاملات الطائرات الصينية مقارنةً بنظيرتها الأمريكية). كما ذكر أن بكين غير راغبة في تحمل هذا العبء، أو نشر قوات لها بالمنطقة، واستراتيجيتها ما تزال هي ترك العبء الأمني على الولايات المتحدة طالما يعني هذا استمرار مصالحها الاقتصادية. 

2- مدى استعداد وقبول دول الشرق الأوسط: يبدو أن دول المنطقة نفسها غير راغبة في استبدال الدور الأمريكي على الأقل في هذا التوقيت، وذلك لعدد من الاعتبارات؛ بعضها تاريخي وبعضها الآخر مرتبط بحجم المصالح المتشابكة بين الأطراف وبعضها بعضاً. 

3- رفض الولايات المتحدة: يرى فيليبس أن دور الولايات المتحدة قد يتراجع في منطقة الشرق الأوسط، إلا إنها لن تسمح بأي حال من الأحول بأن تحل الصين محلها في المنطقة. 

في ختام حلقة النقاش، أكد فيليبس أنه من الخطأ تصور أن منطقة الشرق الأوسط مجرد ساحة للصراع بين القوى الدولية، فهذا تبسيط لوضعها الحقيقي. كما أن القوى الإقليمية أظهرت قدرة على التحرك بحرية. بيد أن ما تحتاجه هو وجود تنظيم لهذه التحركات وتنسيق المصالح، بما يعيد ترتيب بنية الأمن في المنطقة ويحقق مصالحها واستقرارها. وقد يُستبعد هذا الاتجاه في المستقبل القريب بالنظر إلى مدى تعقيد الصراعات، إلا أن احتمالات تحقيقه ما زالت واردة.