تباينات واضحة:

هل تَحسم المناظرة الأولى بين هيلاري وترامب السباق الانتخابي؟

27 September 2016


على مدار ساعة ونصف، هي وقت المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الأمريكية على المستوى الفيدرالي، بين المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" ومنافسها الجمهوري "دونالد ترامب"، أعاد المتنافسان طرح مواقفهما من قضايا السياسة الداخلية والخارجية، بشكل بدا تقليديًّا، ولم يحمل جديدًا في مضمونه، باستثناء طريقة وأسلوب الأداء بين المرشحين. 

سيترك نمط الأداء القوي للمرشحة الديمقراطية مقارنةً بأداء منافسها الجمهوري، تداعياته على المشهد الأمريكي خلال الأسابيع القادمة، وذلك لتوسيع دائرة تأييد هيلاري بين الأصوات المتأرجحة، في الوقت الذي سيحافظ فيه ترامب على مؤيديه داخل دوائر الحزب الجمهوري، لكنه ربما لن ينجح في حشد أصوات على المستوى الفيدرالي. 

اختلافات حول قضايا الداخل والخارج:

شهدت المناظرة الرئاسية الأولى جدلا وتصادمًا في المواقف بين المرشحين على ثلاثة مستويات شملت: القضايا الاقتصادية، وحالة الداخل الأمريكي خاصةً الموقف من قضايا الأمريكيين غير البيض لا سيما الأفرو أمريكيين والأمريكيين من أصل لاتيني، والأمن وقضايا السياسة الخارجية.

أولا: خلق وظائف وتعزيز النمو الاقتصادي:

 أعاد الطرفان طرح خططهما الاقتصادية، وكيف سيعمل كلٌّ منهما فور وصوله للبيت الأبيض على ضمان قوة الاقتصاد الأمريكي، وفرض سياسات اقتصادية في الداخل تضمن زيادة فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي. 

ففي الوقت الذي أكدت فيه كلينتون ضرورة دعم الطبقة الوسطى، ومساعدة الطلاب الجامعيين في تحمل نفقات الدراسة، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة، والاعتماد أكثر على مصادر الطاقة النظيفة، وفرض ضرائب على الأغنياء الأمريكيين، والاحتفاظ بالعلاقات والشراكات التجارية بين الولايات المتحدة ودول العالم، فقد قدم ترامب منظورًا مختلفًا يعتمد على العمل على منع الشركات من ترك السوق الأمريكية، ومنع فرص العمل من الانتقال للدول الأخرى خاصةً دول الجوار، وذلك من خلال تخفيض الضرائب خاصةً على الأغنياء، وكذلك تخفيف الإجراءات واللوائح الخاصة بمناخ الأعمال. 

وفي السياق ذاته، وكإعادة لإنتاج مواقفه التصادمية بشأن العلاقات التجارية الخارجية، طالب ترامب بضرورة مراجعة بعض الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها الولايات المتحدة مع عدد من دول العالم، وفي هذا السياق انتقد بقوة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، واتفاقية منطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية. 

واتصالا بعلاقة الداخل بالخارج اقتصاديًّا، ركز ترامب على ضرورة أن يدفع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية –خاصةً حلف الناتو واليابان وكوريا الجنوبية- مقابل ما يُسميه الحماية الأمريكية، أو التزامات الولايات المتحدة في الشراكة مع الناتو أو الدفاع عن الحلفاء الآسيويين.

ثانيا: قضايا العنف الداخلي والعلاقات المجتمعية: 

ركز الجزء الثاني من المناظرة على كيف يمكن التعامل مع العنف داخل المجتمع الأمريكي، والبعد عن السياسات التمييزية القائمة على العرق، خاصةً تجاه الأمريكيين من أصول إفريقية ولاتينية، وانتشار السلاح في تجمعات الأمريكيين؟، وكذلك على المسار الذي ستتخذه الولايات المتحدة مع الرئيس الجديد في التعامل مع تعقيدات هذه القضايا. 

في هذا الإطار ظهر تباين جزئي بين المرشَّحَيْن، لكنه بشكل أكثر عمقًا من ملف الاقتصاد. ففي الوقت الذي هاجمت فيه كلينتون سياسات Stop-and-frisk التي تتبعها إدارات الشرطة في بعض الولايات الأمريكية خاصة نيويورك، والمتعلقة بتوقيف المشتبه بهم من المارة في الشارع، وتفتيشهم للكشف عن حيازته أسلحة أو مواد ممنوعة، دافع ترامب عن هذه السياسات، واعتبر أنها ساهمت في تقليل معدل الجريمة، وخاصة جرائم القتل في المجتمع الأمريكي. 

وفي السياق نفسه، دعت كلينتون إلى تأهيل الشرطة وتدريبها وتطبيق العدالة والقانون وإصلاح نظام العدالة الجنائي الأمريكي، وبناء علاقات أكثر إيجابية بين المجتمعات المحلية وإدارات الشرطة في الولايات الأمريكية. ورغم تأييد ترامب لما طرحته كلينتون، فإنه ركز أكثر على ضرورة العمل على مسارين، هما: إيجاد نظام وتعزيز قوات إنفاذ القانون، وتطبيق القانون. 

وارتباطًا بالعنف داخل المجتمع -خاصة بين الشرطة والأمريكيين من أصول عرقية إفريقية- ركز جزء من المناظرة على كيفية تبني سياسات لعدم التمييز داخل المجتمع الأمريكي، سياسات تمنع التمييز ضد أمريكيين من أصول عرقية إفريقية أو لاتينية، سياسات تمنع التمييز لصالح الأمريكيين البيض داخل المجتمع الأمريكي. 

في هذا الصدد، أعادت هيلاري كلينتون رسائل الدعم للعرقيات داخل المجتمع الأمريكي الذي يُعدون قوة تصويتية هامة بالنسبة لها، وهاجمت -في الوقت ذاته- مواقف ترامب ضد هذه الأقليات، إلى درجة أنها أشارت إلى قضايا رُفعت ضده في السبعينيات على خلفية تمييز عرقي ضد أمريكيين سود. الأمر الذي وضع ترامب على طول الخط في موقف الدفاع، وإظهار نفسه بأنه لم يكن يومًا ضد الأفرو أمريكيين أو الأمريكيين اللاتينيين. 

وأخيرًا، رغم اتفاق الطرفين على ضرورة منع انتشار الأسلحة الصغيرة داخل المجتمع الأمريكي، فإن مضمون الطرح الذي قدمته هيلاري يؤكد أنها تدعم ضرورة منع انتشار هذه الأسلحة، وعدم السماح لأي شخص غير مُخوَّل له قانونيًّا حمل سلاح بأن يحصل على سلاح، متهمة ترامب بدعم لوبي الأسلحة الصغيرة الموجود داخل الولايات المتحدة، وحاول ترامب -من جانبه- التأكيد على أنه ضد منع انتشار الأسلحة، لكنه بدا متحيزًا في هذا الموقف، مؤكدًا ضرورة منع انتشارها في يد عرقيات معينة مثل السود أو المهاجرين.

ثالثا: الشراكة مع الحلفاء ومحاربة تنظيم داعش والاتفاق النووي الإيراني

من الشرق الأوسط إلى العلاقات مع روسيا، مرورًا بتهديدات الأمن السيبراني، عكست مواقف المرشحين رؤى متناقضة جذريًّا، بين توجهات ديمقراطية تركز على الشراكة وتعزيز علاقات التعاون والمصالح المشتركة مع الحلفاء والآخرين، إلى أطروحات يقدمها المرشح الجمهوري تعكس نهجًا تصادميًّا في العلاقات الدولية. 

ففي الوقت الذي دافعت فيه كلينتون عن العلاقات والشراكة مع حلف الناتو، فقد أوضح ترامب أن بلاده تدفع الجزء الأكبر من حصة الحلف والتزاماته المالية، الأمر الذي يعني -من وجهة نظره- أن الحلف مطالب بدعم سياسات الولايات المتحدة، ودفع ضريبة الشراكة مع الحليف الأمريكي. فالحلف -وفقًا لترامب- مطالب بأن يدخل في الحرب ضد الإرهاب في الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة الأمريكية، ونفس الطرح تكرر في حديث ترامب عن حلفاء بلاده الآسيويين (اليابان وكوريا الجنوبية)، فهؤلاء يجب أن يدفعوا فاتورة الحماية الأمريكية، وفقًا لما طرحه.

وبالانتقال من الناتو إلى الشرق الأوسط، برزت قضيتان مركزيتان، هما: الاتفاق النووي مع إيران، والحرب ضد داعش. فكلينتون ترى أن الاتفاق النووي مع إيران أفضل الخيارات، ويعكس كيفية بناء الشراكات مع دول مثل روسيا والصين لتحقيق أهداف تتعلق بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وإتاحة الوصول إلى منشآتها النووية دون إطلاق رصاصة واحدة، وتقول إن منافسها ترامب -الناقد للاتفاق، والذي يراه أنه "خطأ تاريخي"، مستخدمًا تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- ليست لديه رؤية بديلة أو سياسات تتعلق بالتعامل مع إيران، فيما يرى الأخير أن سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي أفضت إلى الاتفاق ستجعل من إيران قوة كبرى خلال فترة ما نتيجة توظيفها لمكاسب هذا الاتفاق. 

وفي إطار الحديث عن الحرب ضد الإرهاب وتنظيم داعش، أعادت هيلاري طرح خطتها ضد التنظيم، والتي تشمل التعاون مع الجيش العراقي، والتعاون مع الأكراد، وتجفيف منابع التمويل، ومواجهة دعاية التنظيم، واستهداف قيادته. واتصالا مع استمرار الهجوم ضد ترامب، شددت كلينتون على أن الأخير لا يملك خطة حول القضاء على التنظيم، ليرد الأخير بأن هيلاري ومعها أوباما كانا السبب في نشوء تنظيم داعش، بسبب الانسحاب الأمريكي من العراق، دون ترك عسكريين أمريكيين هناك، ليدخل الطرفان في جدل بشأن الحرب على العراق ونتائجها وكيف رفضتها هيلاري كلينتون، وأيدها ترامب، الذي دفعته المرشحة الديمقراطية ليقف في موقف الدفاع عن نفسه دون طرح سياسات واضحة بشأن التعامل مع التنظيم. 

ورغم سيطرة قضايا منطقة الشرق الأوسط على حيز من المناظرة، لكن بدا لافتًا للنظر أن قضية أمن إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي، وحتى الأزمة في سوريا، لم تجد اهتمامًا يُذكر من المرشحين، أو حتى مَنْ مدير المناظرة.

تباين الاستراتيجيات: 

ثمة إجماع بين الخبراء المتخصصين المهتمين بالانتخابات الرئاسية، خاصة من النخبة الأمريكية، على أن كلينتون كانت الأقوى والأكثر تأثيرًا في المناظرة الأولى، على الأقل في قضايا الداخل والأمن والسياسة الخارجية. ورغم بعض الانتقادات لها، والحديث عن تقاربها نوعًا ما مع ترامب في قضايا الاقتصاد، فقد كانت كلينتون قادرة على ضبط أدائها، والتعامل بشكل احترافي مع المناظرة، والتصرف كرئيس دولة بشكل فعلي يعي مصالح بلاده والتهديدات التي تواجهها، في مقابل منافس بدا متوترًا وفي موقف الدفاع عن نفسه، وإعادة طرح مقولاته التصادمية التي قد تلاقي قبولا لدى مؤيديه بالأساس ولن تنجح في إقناع المترددين في التصويت على حسم موقفهم.

الأداء القوي لكلينتون في مواجهة الأداء الضعيف لترامب، يسيران جنبًا إلى جنب مع استراتيجيتين متناقضتين، فكلينتون اتبعت استراتيجية تأكيد رسائل محددة لفئات وقطاعات معينة من الناخبين الأمريكيين، خاصةً الطبقة الوسطى والمرأة وطلاب الجامعات من ذوي العرقيات المختلفة الذين يشعرون ببعض التمييز، خاصة الأمريكيين من أصول إفريقية ولاتينية، وخلال تأكيد وطرح هذه الرسائل يتم شرح سياسات واضحة ومحددة خطها فريق هيلاري كلينتون ومعاونوها. في المقابل وبعد أن نجحت المرشحة الديمقراطية في دفع ترامب لاتخاذ موقف الدفاع عن نفسه، بدا الأخير في موقف رد الفعل، وهجوميًّا، دون أن يقدم سياسات واضحة يقنع بها جمهور الناخبين الأمريكيين، ناهيك عن أن خروجه عن قواعد المناظرات في مقاطعة كلينتون والرد بشكل حاد في بعض الأحيان على مدير المناظرة كلها ساهمت في نقص أسهمه، وفقدانه التأييد في استطلاعات الرأي، فوفقًا للاستطلاعات السريعة التي أُجريت بعد المناظرة ظهر تفوق كلينتون بشكل واضح على ترامب، 

فقد أشارت شبكة C.N.N إلى أن نتائج الاستطلاع الذي أجرته على عينه عشوائية من المشاهدين، أكد 62% منهم تفوق هيلاري كلينتون مقابل 27% لترامب، وفي نفس الاستطلاع أيضًا حصلت كلينتون على تفضيل 51% في قضايا الاقتصاد مقابل 47% لترامب، و62% في قضايا السياسة الخارجية مقابل 35% لترامب.

لقد نجحت المناظرة الأولى في إتاحة الفرصة لهيلاري كلينتون في أن تعود بقوة إلى صدارة المشهد الانتخابي، بعدما شهدت أسهمهما في استطلاعات الرأي تراجعًا واضحًا خلال الأسابيع الأخيرة قبل المناظرة على خلفية ما أثير بشأن وضعها الصحي، وإذا استطاعت أن تنجح في الاستمرار على نفس الاستراتيجية والرسائل، فسيمكنها جذب الكثير من الأصوات الانتخابية المتأرجحة التي تشكل عامل حسم مهمًّا، بالإضافة لقدرتها على تعزيز وتوسيع دعمها من قبل الفئات التي تركز عليها في استراتيجيتها. في الوقت نفسه إذا استمر ترامب في الاعتماد على الأداء الشخصي، والخروج عن القواعد الاحترافية في إدارة المناظرات، فربما يتعرض للخسارة مرة أخرى في المناظرة القادمة.

نتائج محتملة:

 يبدو من المرجح أن نتائج المناظرة الأولى بين المرشحين الرئاسيين على المستوى الفيدرالي سيكون لها تأثير كبير على المرحلة اللاحقة خلال الأسابيع الستة القادمة، ومع افتراض تمسك هيلاري كلينتون باستراتيجية التركيز على قطاعات وفئات معينة داخل المجتمع الأمريكي، واستمرار ترامب في نفس النهج، فربما يكون من المؤكد استمرار سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض.

بيد أن هناك عوامل أخرى، قد يمكنها إعادة تغيير المشهد، أبرزها إعادة طرح ملف الوضع الصحي لهيلاري كلينتون بقوة وتعرضها لمشكلات صحية خلال الفترة القادمة، وأيضًا حدوث موجة كثيفة من العمليات الإرهابية داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو في الدول الأوروبية، هذه العوامل رغم إمكانية حدوثها إلا أنها تبدو بعيدة الاحتمال في ظل ما ظهرت عليه هيلاري خلال المناظرة، بالإضافة إلى أن الإجراءات الأمنية المشددة وإدراك أجهزة الأمن والاستخبارات لهذه التهديدات، الأمر الذي يعني أننا على وشك مشهد جديد في التاريخ السياسي الأمريكي تصل فيه سيدة إلى سدة الحكم