سيناريوهات مفتوحة:

انتخابات تركيا 2023.. التحالفات الرئيسية ومحددات النتائج

10 May 2023


تأتي دعوة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لإجراء انتخابات عامة في 14 مايو 2023، في ظل سياق سياسي محموم أفرزته حالة الاستقطاب الحاد المسيطرة على المشهد الحزبي في البلاد، والصعوبات الاقتصادية، وكذلك التداعيات التي ألقى بظلالها زلزال 6 فبراير الماضي، فضلاً عن اضطرابات الإقليم والمشهد الدولي الذي تنخرط فيه أنقرة بأدوار نشطة.

ومن ثم، يكتسب هذا الاستحقاق الانتخابي زخماً واهتماماً ملحوظاً على المستويات المختلفة، المحلية والإقليمية والدولية؛ نظراً لما قد يسفر عنه من نتائج تظل مفتوحة على كل الاحتمالات، سواءً استمرار أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الحاكم، ومن ثم تدعيم ركائز حكمه واستمرار سياساته التي ستعززها الشرعية المُتجددة بهذه الانتخابات، أو إمكانية فوز المعارضة، وبالتالي حدوث تحول في السياسات التركية على مستوى الداخل والخارج. 

الخريطة الانتخابية

إن الخريطة الانتخابية للتحالفات الحزبية والشخصيات المستقلة التي أعلنت خوضها الانتخابات العامة بشقيها الرئاسي والبرلماني في تركيا، والتي وفقاً للهيئة العليا للانتخابات تمثل 24 حزباً سياسياً، و151 مرشحاً مستقلاً، موزعين في 87 دائرة تشمل 81 ولاية تركية؛ تعكس ملامح وسمات رئيسية، من أبرزها الآتي:

1- هيمنة التحالفات الانتخابية: على مستوى الانتخابات البرلمانية، برزت خمسة تحالفات رئيسية، تمثلت فيما يلي:

- "تحالف الجمهور"، ويضم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بزعامة أردوغان، وحزب "الحركة القومية" برئاسة دولت بهشلي، وحزب "الوحدة الكبرى" اليميني المحافظ، وحزب "الرفاه من جديد" الإسلامي بزعامة فاتح أربكان. كما يدعم هذا التحالف حزب "هدى بار" الكردي الإسلامي، وحزب "اليسار الديمقراطي". 

- "تحالف الأمة" أو "الطاولة السداسية"، حيث يضم ستة من أحزاب المعارضة ذوي توجهات أيديولوجية مختلفة، وهي حزب "الشعب الجمهوري" العلماني بزعامة المرشح الرئاسي كمال كليجدار أوغلو، وحزب "الجيد" القومي بزعامة ميرال أكشنار، وحزب "السعادة" الإسلامي بزعامة تمل كرم الله أوغلو، وحزب "المستقبل"، وحزب "الديمقراطية والتقدم"، اللذان يتزعمهما كل من أحمد داود أوغلو، وعلي باباجان، المنشقين عن حزب العدالة والتنمية. وأخيراً "الحزب الديمقراطي" بزعامة غول تكين أويصال. 

- "تحالف العمل والحرية"، ويقوده حزب "الشعوب الديمقراطي"، المؤيد للأكراد، الذي قرر خوض الانتخابات باسم حزب "اليسار الأخضر"، تجنباً لإغلاقه نتيجة دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا تتهمه بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية في تركيا. ويضم أيضاً التحالف 5 أحزاب يسارية كردية صغيرة. 

- "تحالف الأجداد" (ATA)، يضم حزبي "العدالة" و"النصر"، وهو تحالف قومي متطرف ويعادي اللاجئين السوريين.

- "اتحاد القوى الاشتراكية"، ويضم حزب "الحركة الشيوعية"، و"الحزب التركي الشيوعي"، و"الحزب اليساري".

2- وجود أربعة مرشحين للرئاسة: وافقت الهيئة العليا للانتخابات على 4 مرشحين لخوض سباق الرئاسة، ثلاثة منهم مرشحين عن تحالفات، وهم: رجب طيب أردوغان عن "تحالف الجمهور"، وكمال كليجدار أوغلو عن "تحالف الأمة"، وسنان أوغان عن "تحالف الأجداد"، الذي تمكن من الحصول على 100 ألف توقيع، بالإضافة إلى المرشح المستقل محرم إنجه، المنشق عن حزب "الشعب الجمهوري"، وهو رئيس حزب "البلد"، الذي تمكن من خوض السباق الرئاسي بعد نجاحه أيضاً في جمع أكثر من 100 ألف توقيع من الناخبين الأتراك.  

3- توحد تكتيكي للمعارضة: تمكنت أطياف المعارضة متباينة التوجهات الأيديولوجية، من التوحد في إطار تحالفي، حيث تم الاتفاق على الخطوط العريضة لبرنامج التحالف فيما بعد الانتخابات، ويجمع تلك الأطياف هدف الإطاحة بأردوغان. بيد أن هذا لم يمنع حدوث توترات كادت أن تتسبب في فشل التحالف وانهياره، وهو ما انعكس في انسحاب "حزب الجيد"، الذي تترأسه ميرال أكشنار، قبل عودتها مرة أخرى إلى طاولة "تحالف الأمة"، احتجاجاً منها على ترشيح كليجدار أوغلو، رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، للرئاسة. هذا فضلاً عن رفض جناح في حزب "السعادة"، ذو التوجه الإسلامي، يُسمى جناح "هيمانا"، ترشيح كليجدار أوغلو. وتُنذر هذه التوترات بالتحديات التي قد تواجه تماسك "تحالف الأمة"، وقدرة أحزابه على حشد قواعدها الانتخابية لدعم كمال كليجدار أوغلو، فضلاً عن استمرار التحالف نفسه في مرحلة ما بعد انتهاء الانتخابات في ظل التباينات الأيديولوجية، حيث إن التوحد الراهن تكتيكي للإطاحة بأردوغان.

4- بروز المكون الكردي كـ"صانع للملوك": يمثل الأكراد في تركيا ما يقارب 15 مليون مواطن (20% من إجمالي عدد السكان)، ونحو 15% من الكتلة التصويتية للناخبين، وبالتالي تؤدي الأحزاب الموالية للأكراد دور "صانع الملوك" الذي يمكن أن يمنح التحالف الحزبي "نسبة الحسم" للحصول على الأغلبية المطلوبة. وبالنظر إلى خريطة التحالفات الانتخابية، يُلاحظ انقسام الأحزاب الكردية بين التحالفين الرئيسيين؛ "تحالف الجمهور"، و"تحالف الأمة". بيد أنه كان لافتاً إعلان حزب "الشعوب الديمقراطي"، الذي احتل المركز الثالث من حيث عدد المقاعد في انتخابات يونيو 2018، حيث حصل على نسبة 11.7% من الأصوات و67 مقعداً في البرلمان، دعم "تحالف الأمة" المعارض ومرشحه للرئاسة كليجدار أوغلو في الانتخابات الحالية. 

وعلى الرغم من الدعم التصويتي الكبير الذي يحظى به حزب "الشعوب الديمقراطي" في الأوساط الكردية، فإن حالة التضييق التي تمارسها السلطات التركية ضده، والتي قد تؤدي إلى حظره بدعوى الارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني" المُصنف على قوائم الإرهاب، قد تؤثر في النسب التصويتية التي يحظى بها في الانتخابات. كما أنه من المتوقع أن يؤثر ذلك في النسب التصويتية لـ"تحالف الأمة" بشكل عام، وحرمانه من أصوات الناخبين القوميين الذين لن يقبلوا بالتصويت لصالح تحالف يدعمه حزب موالٍ للأكراد وله صلة بـ"حزب العمال الكردستاني".

5- تراجع فرص الأحزاب الصغيرة: ساهمت التعديلات التي أقرها قانون الانتخابات الجديد في إبريل 2022، وخاصة تلك المرتبطة بـ"خفض العتبة الانتخابية" من 10% إلى 7%، واشتراط لكي يدخل الحزب البرلمان أن يحقق العتبة الانتخابية بأصواته، ولم يعد كافياً لدخوله البرلمان تجاوز تحالفه هذه العتبة؛ في تراجع فرص الأحزاب الصغيرة وحديثة التأسيس في دخول البرلمان، فضلاً عن التقليل من أهمية التحالفات الانتخابية. وتنظر المعارضة إلى هذا التعديل باعتباره تحركاً تكتيكياً من جانب أردوغان لتفتيت أصوات حزب "الشعب الجمهوري" وزعيمه كليجدار أوغلو، المنافس الأقوى له في الانتخابات الرئاسية، وحرمانه من فرصة ضم المزيد من الأحزاب الصغيرة لتحالفه الانتخابي. وأيضاً، لتحجيم تأثير الأحزاب المنشقة عن حزب "العدالة والتنمية"، التي أسسها كل من أحمد داود أوغلو (المستقبل) وعلي باباجان (الديمقراطية والتقدم).

6- تباين الأوزان النسبية: وفقاً لنتائج استطلاعات الرأي المختلفة (Yöneylem, MetroPoll Saros, ORC, Türkiye Raporu, Aksoy,)، تباينت الأوزان النسبية للتحالفات الحزبية، وكذا المرشحين للانتخابات الرئاسية. إذ تصدر حزب "العدالة والتنمية" التوقعات بأكثر من 32% من الأصوات، يليه حزب "الشعب الجمهوري" بنسبة نحو 27.6%، وجاء حزب "الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد في المرتبة الثالثة بنسبة 10.7%، طبقاً لاستطلاعات الرأي التي أُجريت في شهر مارس 2023. وعلى مستوى الأصوات الإجمالية للتحالفات، توقعت هذه الاستطلاعات فوز "تحالف الجمهور" بزعامة أردوغان بحوالي 40% في المتوسط، وحصول "تحالف الأمة" المعارض على 38%، فيما جاء "تحالف العمل والحرية" في المرتبة الثالثة بحوالي 11%، وتوزع باقي النسبة على التحالفات والأحزاب الأخرى.


وعلى مستوى الانتخابات الرئاسية، عكست نتائج أربعة من أصل ستة استطلاعات رأي مختلفة أُجريت في شهر إبريل الماضي، تقدم كليجدار أوغلو في السباق الانتخابي على الرئيس أردوغان، بينما تقدم الأخير في استطلاع واحد، وتقاربت نسبة الدعم للمرشحين في استطلاع آخر. فيما لم تتجاوز نسبة الدعم لأي من المرشحين الـ50%، وهي النسبة اللازمة لحسم الانتخابات من الجولة الأولى، وعليه، فإن خوض أردوغان وأوغلو لجولة إعادة أمر مرجح بقوة.


تأثيرات داخلية

يكشف السياق الراهن الذي تُجرى في أجوائه الحملات الانتخابية للمرشحين في تركيا، جملة من عوامل التأثير التي قد يكون لها ارتداداتها على العملية التصويتية للناخبين، وترجيح كفة مرشح أو تحالف على حساب آخر. وتتمثل أبرز هذه العوامل الداخلية المؤثرة في نتائج الانتخابات الجارية، في التالي:

1- الأوضاع الاقتصادية: يعاني الاقتصاد التركي من أزمات تفاقمت في عام 2022، حيث انخفضت قيمة العملة المحلية (الليرة) أمام الدولار الأمريكي بوتيرة متسارعة، وصلت ذروتها عند 86% في أكتوبر 2022، كما بلغ التضخم السنوي الرسمي حوالي 44% في إبريل 2023، بينما ظلت بعض التقديرات غير الرسمية عند أكثر من 100%. ويعزو البعض ارتفاع التضخم إلى السياسات المالية للرئيس أردوغان، بالخفض المتكرر لسعر الفائدة الرئيسي منذ سبتمبر 2021، وتدخله لفرض مزيد من السيطرة عبر استبدال محافظ البنك المركزي ووزير المالية في عام 2021، وانتقاده أسعار الفائدة المرتفعة باعتبارها مخالفة للتعاليم الإسلامية، وتُفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

وتشير التقديرات إلى احتمالية حدوث ضغوط تضخمية إضافية نتيجة الأحداث الخارجية مثل الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية. هذا فضلاً عن الأعباء المالية الإضافية التي فرضتها كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا في 6 فبراير الماضي. ومن ثم، من المُرجح أن تؤدي تكاليف المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، إلى جانب الاضطرابات في النشاط الزراعي والصناعي والتجاري، إلى مزيد من الضغوط على الاقتصاد التركي.

وعلى الرغم من الحزم التحفيزية التي أقرها الرئيس أردوغان لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وسعيه إلى جذب مزيد من الاستثمارات وتعزيز التجارة مع دول الخليج العربية، وغيرها من الإجراءات لدعم الاقتصاد؛ تُظهر استطلاعات رأي أن الأوضاع الاقتصادية ربما يكون لها تأثير سلبي في اتجاهات التصويت المُحتملة لأردوغان وتحالفه في مواجهة المعارضة.

2- كارثة الزلزال: كانت للتداعيات والآثار الكارثية التي خلفها زلزال 6 فبراير الماضي، الذي وصل عدد القتلى فيه إلى أكثر من 48 ألف شخص، وخلف فاتورة اقتصادية متطلبة بحوالي 104 مليارات دولار، تأثيرها الواضح في الأوضاع المعيشية والحياة اليومية للملايين في مناطق الجنوب التركي الأكثر تضرراً، والتي تمثل 15% من إجمالي عدد السكان، وتستضيف آلاف اللاجئين من سوريا. ومن شأن هذه التداعيات أن تؤثر في الدعم التصويتي لتحالف أردوغان، خاصة في ضوء سعي المعارضة لتوظيف هذه الكارثة والانتقاص من الرصيد الشعبي لتحالف أردوغان في تلك المناطق، حيث روجت إلى تورط الحكومة في تفاقم تداعيات الزلزال نتيجة إعطاء المسؤولين الحكوميين والمقاولين الأولوية للمنافع الاقتصادية على حساب الالتزام بقوانين البناء. ويُضاف إلى ذلك، الفجوة التمويلية اللازمة لإعادة الإعمار، والتي تتطلب مساعدات مالية من بنوك التنمية الدولية، وهو ما قد يواجه تحديات بسبب توتر علاقات الحكومة التركية الحالية مع الغرب.

3- التغيرات الديمغرافية في تركيبة الناخبين: تشهد خريطة الناخبين في الانتخابات الحالية تغيراً ديمغرافياً نتج عن إضافة ما يقارب 4 ملايين و904 آلاف و672 مواطناً شاباً مؤهلاً للتصويت لأول مرة، بنسبة 7.65% من إجمالي الناخبين. وهذا ما سيكون له تأثير واضح في الاتجاهات التصويتية، حيث تميل النسبة الأكبر لهذه الكتلة الشبابية التي تترواح أعمارها بين (18 – 25 عاماً)، وفقاً لاستطلاعات الرأي، لدعم المعارضة في إطار رغبتها في التغيير وتعزيز الممارسة الديمقراطية.

4- ملف اللاجئين: من المتوقع أن تؤدي ورقة اللاجئين دوراً في الاتجاهات التصويتية لصالح تحالف أردوغان، خاصة في ضوء الخطاب القومي التصعيدي من جانب الأحزاب القومية في تحالف المعارضة، وفي مقدمتهم المرشح الرئاسي كليجدار أوغلو الذي تعهد بإعادة جميع اللاجئين السوريين والأفغان إلى بلديهما خلال عامين في حالة فوزه في الانتخابات. وبرز تأثير ملف اللاجئين في العملية التصويتية؛ نتيجة تفعيل قانون حقوق المُجنسين الذي يمنح الحق لحاملي الجنسية التركية في التصويت بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما قد يعزز حظوظ تحالف أردوغان الذي ستميل إليه هذه الأصوات لإفشال مخطط تحالف المعارضة بإعادتهم إلى بلدانهم.

5- الترويج للإنجازات في الحملات الانتخابية: على غرار النمط الغربي في تكثيف زخم الإنجازات للرؤساء الغربيين خلال الحملات الانتخابية، حذا الرئيس أردوغان نفس الحذو، في ملفين؛ أولهما ارتبط بالانتصار على الإرهاب. فعلى غرار الرئيس الأمريكي جو بايدن وإعلانه تصفية أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، ومن قبله الرئيس السابق دونالد ترامب وإعلانه تصفية حمزة بن لادن، ومن قبلهما الرئيس الأسبق باراك أوباما وإعلانه عن تصفية أسامة بن لادن؛ أعلن أردوغان، في 30 إبريل الماضي، مقتل أبو الحسين القرشي، زعيم تنظيم داعش في سوريا، بواسطة الاستخبارات التركية. والملف الآخر تمثل في إعلان أردوغان، يوم 27 إبريل الماضي، دخول تركيا رسمياً نادي دول الطاقة النووية، خلال الاحتفال بتسليم الوقود النووي إلى موقع البناء بمحطة "أكويو" التي ستوفر بعد اكتمال بنائها الكهرباء لـ15 مليون مواطن. ومن شأن هذه الإنجازات أن تعزز من شعبية أردوغان، وهو ما يُعوّل عليه أن ينعكس في الدعم التصويتي له وتحالفه.

عوامل خارجية

ثمة عوامل أخرى خارجية قد يكون لها دور في تحديد مسار نتائج انتخابات تركيا الحالية، ومنها الآتي:

1- تهدئة تركيا مع دول الإقليم: يُعد تزايد الأدوار المُتدخلة لأنقرة في أزمات الإقليم على غرار سوريا والعراق وليبيا، إحدى قضايا السياسة الخارجية الرئيسية التي قد تؤدي دوراً في اتجاهات التأثير في الناخبين. إذ شكلت تلك القضية موضع رفض من جانب الغالبية العظمى للرأي العام التركي، لما يترتب على هذه الأدوار من أعباء مالية وتكلفة سياسية تتكبدها أنقرة. وربما هذا ما دفع الرئيس أردوغان مع قرب موعد الانتخابات الحالية، إلى ترشيد هذا السلوك التدخلي، والاتجاه إلى "تصفير المشاكل" مع الدول الرئيسية في الإقليم، فجاءت المصالحات مع دول الخليج، وعودة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والتهدئة مع مصر، والاتجاه إلى تطبيع العلاقات مع سوريا. ومن المُحتمل أن يكون لهذه التحركات، ارتداداتها الإيجابية على الدعم التصويتي لتحالف أردوغان الانتخابي، وتفويت الفرصة على المعارضة لاستغلالها ضده. 

2- علاقات أنقرة مع واشنطن وأوروبا: تحتل قضية توتر علاقات أنقرة مع الغرب خاصة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، موضع اهتمام من جانب الناخبين الأتراك، الذين يرون أن هذا التوتر أضر ببلادهم واقتصادها؛ نظراً لسياسات أردوغان المتعارضة أحياناً مع الأجندة الغربية، مثل تقاربه مع روسيا وشرائه لمنظومات الدفاع الجوي "S-400" الذي منع أنقرة من تسلم طائرات "F-35" الأمريكية المتقدمة وأقصاها من برنامج تصنيعها، فضلاً عن العقوبات التي فرضتها واشنطن بموجب قانون "مكافحة خصوم أمريكا" ضد أكبر هيئة لتطوير الصناعات الدفاعية التركية. وقد أدت أيضاً التوترات مع الجانب الأوروبي في ظل الخلافات المتصاعدة حول ترسيم الحدود في شرق المتوسط، إلى تهديد حلم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وتستغل المعارضة هذه التوترات وتسعى إلى توظيفها في برنامجها الانتخابي، حيث أكدت العمل على تعزيز التفاهم وبناء الثقة مع الولايات المتحدة. وعلى إثر ذلك، اتجهت واشنطن عبر سفيرها في أنقرة، جيف فليك، للقاء مرشح المعارضة كليجدار أوغلو، في أواخر مارس الماضي، وهو ما أثار غضب أردوغان لاحتمالية تأثير هذا التحرك في اتجاهات تصويت الناخبين. 

3- تداعيات الحرب الأوكرانية: تُعد الحرب الروسية الأوكرانية أحد الملفات الشائكة في علاقات أنقرة مع الغرب، فبالرغم من عضوية تركيا في حلف "الناتو"، فإنها تتبنى موقفاً متوازناً دون الانحياز لطرف على حساب الآخر في الحرب الجارية، وإن كان الرئيس أردوغان يسعى إلى جني مكاسب منها لتخفيف الضغط عن الاقتصاد التركي عبر تحسين العلاقات التجارية مع موسكو. إذ تشكل تركيا قاعدة لإعادة التصدير، وبما يسمح لروسيا بالتحايل على العقوبات الاقتصادية والوصول إلى الأسواق الخارجية، بينما توفر روسيا لتركيا الغاز الطبيعي بسعر مخفض مع دفعات مؤجلة بالروبل الروسي. وعلى الرغم من تلك المنافع، فإنها تُنذر بفرض واشنطن لعقوبات ثانوية ضد أنقرة. ووفقاً لاستطلاع حديث لآراء الشخصيات البارزة في المعارضة التركية، فإنه من غير المتوقع أن تنتهج السياسة الخارجية مساراً مختلفاً بشأن بعض الملفات الرئيسية إذا تغيرت الحكومة التركية، وفي مقدمتها الأزمة الأوكرانية. وبالتالي، سيكون لهذا المتغير تأثير في اتجاهات التصويت وفقاً لموقف الناخبين الأتراك من هذه الأزمة.

إجمالاً، تشهد تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية تبدو نتائجها مفتوحة على كل السيناريوهات، إلا أن الثابت فيها أن نتائجها ستكون مؤثرة بالنسبة للملفات الداخلية والسياسة الخارجية التركية، خاصة إذا ما أسفرت عن نتائج في غير صالح أردوغان، وهو ما سيعني - في هذه الحالة – إمكانية حدوث تحول في سياسات أنقرة التي سيكون لها ارتدادات على المستويين الإقليمي والدولي.