أزمة جديدة :

أسباب تجدد الخلافات بين "السيادة السُنّي" و"الإطار التنسيقي" في العراق

10 April 2023


شهدت الساحة السياسية العراقية، خلال الفترة الأخيرة، بوادر أزمة جديدة بين تحالف السيادة السُنّي من جهة، و"الإطار التنسيقي" الذي يضم القوى والكتل الشيعية من جهة أخرى، بما قد يؤثر في تماسك تحالف إدارة الدولة الذي يضم التحالفيْن إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني، والتحالف الوطني الكردستاني، وذلك نتيجة لمماطلة "التنسيقي" والحكومة العراقية الحالية، برئاسة محمد شيّاع السوداني، في تنفيذ العديد من بنود الاتفاق السياسي الذي تشكلت الحكومة الحالية وفقاً له. 

مسببات الأزمة

ثمّة أسباب ودوافع تقف وراء تجدد الأزمة بين تحالفي "السيادة" و"التنسيقي"، ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- النكوص عن إعادة النازحين: أدرك تحالف السيادة أن "الإطار التنسيقي" يماطل بشأن ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، قبل تشكيل الحكومة، ومنها البند الخاص بسحب المليشيات المسلحة من المناطق التي تم تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، وإعادة النازحين إلى مناطقهم مرة أخرى، وذلك في غضون 6 أشهر من تشكيل الحكومة الحالية، ولاسيما نازحو جرف الصخر، والتي تقع شمال محافظة بابل، وذلك بعد التدقيق الأمني لهم، وهو ما لم يلتزم به "التنسيقي"، الأمر الذي جدد الخلاف بين الجانبين.

وجدير بالذكر أنه لا تزال العديد من الفصائل المسلحة منتشرة في مناطق واسعة في عدّة مدن من أطراف محافظات كركوك وصلاح الدين والأنبار ونينوى، على الرغم من مرور نحو تسع سنوات على تحرير تلك المناطق من قبضة تنظيم داعش، وهو ما حال دون عودة حوالي 400 ألف عراقي إلى مدنهم، ولاسيما ناحية جرف الصخر، حيث يقدر عدد سكان الأخيرة بحوالي 13 ألف عائلة (نحو 65 ألف نسمة) ولم يسمح لهم بالعودة حتى الآن، مع استمرار سيطرة عدة فصائل مسلحة أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام" عليها، منذ نهاية عام 2014.

وتتمتع ناحية جرف الصخر بأهمية جيوستراتيجية، نظراً لطبيعتها الجغرافية الصعبة، وموقعها الاستراتيجي الذي يربط بين المحافظات الغربية والوسطى والجنوبية في العراق، وهو ما يُشير إلى إمكانية تصعيد الخلاف بين المكون السُنّي و"التنسيقي" خلال المرحلة المقبلة حال استمرار رفض الأخير تسوية مسألة عودة النازحين.

2- رفض تطبيق العفو العام: اشترط تحالف السيادة مراجعة قانون العفو العام الذي أُقرّ في 2016، مقابل دعم الحكومة العراقية الحالية، وهو ما لم يلتزم به "التنسيقي". ويلاقي هذا القانون انتقادات واسعة لأنه ينص على العديد من الاستثناءات من العفو العام، بصورة أفرغته من مضمونه، وجعلت مجموع المشمولين به يقل عن 1% من المسجونين العراقيين.  

وهناك اتهامات من جانب السياسيين السُنّة بأنه حين تولى نوري المالكي، رئاسة الوزراء في العراق، اعتقل مئات الأفراد على خلفيات طائفية من المناطق السُنّية، وفقاً لمعلومات حصلت عليها القوات الأمنية من مخبرين سريين، مشكوك في صدقهم، وأدين المعتقلون لاحقاً بجرائم تتعلق بدعم الإرهاب، وذلك بعد انتزاع اعترافات منهم تحت التعذيب، من دون وجود أدلة كافية ضدهم، بل ووجهت تهمة الإرهاب إلى سياسيين مناوئين للمالكي، في 2011، مثل وزير المالية والقيادي في قائمة العراقية، رافع العيساوي، ونائب رئيس الجمهورية والقيادي في "العراقية"، طارق الهاشمي، وكذلك نائب رئيس الوزراء، صالح المطلك. 

ونكص "التنسيقي" عن دعمه لتعديل القانون السابق للعفو عن المتهمين ظلماً في قضايا إرهابية، وهو ما برز في دعوته للرئيس العراقي عبداللطيف رشيد في مطلع العام الجاري، إلى المصادقة على تنفيذ أحكام الإعدام بحق أكثر من سبعة آلاف معتقل، موزعين على حوالي سبعة سجون، وهو ما يُعد انقلاباً من "التنسيقي" على أحد أهم تعهداته في المفاوضات التي جرت بُغية تشكيل الحكومة. 

3- تعثر هيئة المساءلة والعدالة: جاء ضمن اتفاقات تشكيل الحكومة العراقية إحالة ملف هيئة المساءلة والعدالة، والتي تُعرف بهيئة اجتثاث البعث، إلى القضاء تمهيداً لإلغائها بعد مضي 20 عاماً على تشكيلها، وذلك للحيلولة دون استخدام قرارات الهيئة كورقة ضغط على المعارضين، حيث يتم استخدامها أحياناً في منع بعض المرشحين السُنّة من التنافس في الانتخابات، إلا أن "التنسيقي" ما زال يرفض هذا الأمر بحجة أن ذلك سيكون مدعاة لعودة نشاط حزب البعث مرة أخرى.  

ومن جهة أخرى، يتذرع "التنسيقي" بأن حل هيئة المساءلة والعدالة، ليس من مهام رئاسة الوزراء، وبالتالي فهو لا يندرج ضمن برنامج الحكومة الجديدة، وأنه من اختصاص مجلس النواب العراقي، ومن ثم فإن إمكانية حل الهيئة تحتاج إلى تشريع قانون جديد لإنهاء عملها، يحتاج إلى موافقة أغلبية البرلمان، وهو ما يصعب تمريره نظراً لموقف "التنسيقي" المعارض له، والذي يمثل الأغلبية البرلمانية، بعد انسحاب نواب التيار الصدري.

سياقات متزامنة

تزامن ظهور الخلافات داخل تحالف إدارة الدولة، مع عدد من التطورات، يمكن إلقاء الضوء عليها على النحو التالي:

1- إجازة رئيس البرلمان: تزامن اتساع هوة الخلاف بين المكون السُنّي و"التنسيقي"، مع منح رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي نفسه، إجازة لمدة أسبوعين. وقد تعددت التفسيرات بشأن ذلك، بين أنها محاولة من جانبه للضغط على "الإطار التنسيقي" لتحقيق مطالب السُنّة، أو إمكانية أن تكون تلك الفترة بمثابة خطوة لقيامه بإعادة ترتيب أوراقه السياسية وإجراء عدد من التحضيرات والتجهيزات لحشد الدعم للبقاء في منصبه الحالي، ولاسيما مع عودة تلويح بعض قيادات "التنسيقي" بإمكانية إبعاده عن منصبه، والتقارب مع بعض المعارضين له، وهو ما ظهر في لقاء السوداني بنائب رئيس الوزراء الأسبق والقيادي السُنّي البارز، رافع العيساوي، في مارس 2023. 

2- تظاهرات مُرتقبة: ظهرت دعوات لانطلاق موجة جديدة من التظاهرات، في 9 إبريل 2023، في الذكرى العشرين لسقوط النظام السابق، فضلاً عن التعبير عن رفض قانون الانتخابات الجديد مع إمكانية مشاركة التيار الصدري في تلك الاحتجاجات، خاصة في ضوء قرار زعيم التيار مقتدى الصدر منع سفر عدد من قيادات التيار، الأمر الذي يُنظر إليه على أنه بداية لحراك مُحتمل من قبل التيار الصدري خلال الفترة المقبلة.

3- زيارة قآاني للعراق: جاءت زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، إلى العراق، في نهاية مارس 2023، وهي الزيارة الثانية له منذ مطلع العام الجاري، والتقى خلالها بعدد من القيادات السياسية والأمنية. 

ويبدو أن الزيارة قد جاءت لتهدئة الخلافات بين "التنسيقي" و"السيادة"، وذلك بهدف استمرار تحالف إدارة الدولة، الداعم للحكومة العراقية الحالية، فضلاً عن كونها رسالة من إيران لطمأنة حلفائها في العراق، بأنها مستمرة في دعمها لهم، على الرغم من استمرار التطبيع بين إيران والسعودية، ووجود تسريبات كشفت عنها الصحف، في منتصف مارس 2023، حول أحد بنود الاتفاق بين الجانبين، والذي شمل وقف إيران دعمها للحوثيين في اليمن بالسلاح. 

مسارات مُحتملة

تُشير مجمل التطورات سالفة الذكر إلى أن هناك عدداً من المسارات المستقبلية التي قد تشهدها العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة، ولعل أهم هذه المسارات، ما يلي:

1- مسار تصعيدي: يستند هذا المسار إلى استمرار "التنسيقي" في رفضه تطبيق بنود الاتفاق السياسي مع تحالف السيادة السُنّي، والذي قد يلجأ، على إثره، رئيس البرلمان العراقي الحالي إلى دعوة أعضائه للانسحاب أو تعليق حضور جلسات البرلمان. 

وعلى الرغم من صعوبة تحقيق هذا المسار، نظراً لأن انسحاب أعضاء تحالف الحلبوسي من البرلمان قد يفتح المجال أمام "التنسيقي" للتحالف مع "عزم" بزعامة مثنى السامرائي، والحزب الإسلامي، ليحلا محل الأعضاء المنسحبين لكي تستمر العملية السياسية، فإن مجرد التلويح بهذا الأمر يُعد بمثابة ضغط مباشر على الحكومة الحالية بما قد يدفعها لاتخاذ عدد من الخطوات لاحتواء المشهد الراهن ولضمان استمرارها في مدتها التشريعية.

2- مسار تفاوضي: يركز هذا المسار على اعتبار أن مختلف تحركات المكون السُنّي خلال الفترة الماضية، كانت للضغط على "التنسيقي" لدفعه للدخول في مفاوضات حول النقاط الخلافية بين الجانبين، ليتمكن المكون السُنّي من خلالها الحصول على بعض المكاسب السياسية التي قد تدعم من موقف رئيس البرلمان الحلبوسي لمواجهة خصومه في الانتخابات القادمة، مع إمكانية إقرار قانون العفو العام ولو بتعديلات محدودة لتسويقه وكأنه مكسب للمكون السُنّي.

وفي التقدير، يمكن القول إنه من المتوقع أن يواصل "السيادة السُنّي" ضغطه على "التنسيقي" في قضايا عودة النازحين وقانون العفو العام وهيئة المساءلة، وذلك لتعزيز شعبيته في الشارع العراقي استعداداً للاستحقاقات القادمة، كما أنه من المُستبعد أن ينسحب المكون السُنّي من البرلمان، خاصة وأن "الإطار التنسيقي" قد يدفع حينها أحد حلفائه من تحالف "عزم" لكي يحل محل الحلبوسي في رئاسة البرلمان، خاصة وأن قوى "التنسيقي" تعمل على إضعاف الحلبوسي من خلال التحالف مع الشخصيات السُنّية المناوئة له.