ترتيبات أمريكية!

سعي الرئيس الصومالي لتعزيز العلاقات مع أريتريا

25 November 2022


قام الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، بزيارة رسمية إلى أريتريا، في 10 نوفمبر 2022، استغرقت أربعة أيام، وهي الثانية له منذ وصوله إلى السلطة منتصف مايو 2022.

زيارة لافتة:

بعد أشهر قليلة من زيارته السابقة إلى أريتريا، في مطلع يوليو الماضي، عمد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، إلى القيام بزيارة ثانية إلى أسمرة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- مباحثات ثنائية مع أفورقي: جاءت زيارة شيخ محمود الأخيرة إلى أسمرة بناء على دعوة من قبل نظيره الأريتري، أسياس أفورقي، حيث بحث الجانبان العديد من الملفات المشتركة. ورافق الرئيس الصومالي في زيارته وفد صومالي رفيع، تضمن كبار مستشاري شيخ محمود، وأعضاء في الحكومة الصومالية، بما في ذلك وزير الخارجية، أبشر عمر جامع، بالإضافة إلى عدد من أعضاء البرلمان الصومالي، وهو ما عكس مؤشرات مهمة بشأن تعدد الملفات المدرجة على جدول أعمال هذه الزيارة. 

2- إحياء التحالف الثلاثي: وقع شيخ محمود أثناء زيارته إلى أريتريا مطلع يوليو 2022 مذكرة تفاهم مع أفورقي، تضمنت سبعة بنود رئيسية، أبرزها تعزيز التعاون الدفاعي والأمني بين البلدين، فضلاً عن الاتفاق على تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، أشارت تقديرات إلى أن زيارة شيخ محمود الثانية إلى أسمرة يمكن أن تدفع لتفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين سابقاً، وإحياء التحالف الثلاثي، الإثيوبي – الصومالي – الأريتري، بعدما كانت غالبية التقديرات قد رجحت سابقاً احتمالية تفكك هذا التحالف بعد خسارة الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله فرماجو، الانتخابات الماضية. وربما يدعم هذا الطرح اتفاقية التعاون التي وقعها مؤخراً المدير العام لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني الصومالي، مهد محمد صلاد، مع نظيره الإثيوبي، تامسغن تيرونه، في مجال تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب.

3- دور أمريكي محتمل: جاءت زيارة شيخ محمود إلى أريتريا في أعقاب زيارته إلى الولايات المتحدة منتصف سبتمبر 2022، والتي تضمنت طلباً تقدم به للإدارة الأمريكية لدعم بلاده في ملف استعادة الجنود الصوماليين الموجودين في أريتريا منذ 2019، حيث لم تستبعد بعض التقديرات أن تمارس واشنطن ضغوطات على أسمرة في هذا الشأن، لا سيما في ظل التحركات المكثفة التي يقوم بها حالياً المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الأفريقي، مايك هامر.

ملفات متعددة:

يتوقع أن تكون الملفات التي ناقشها شيخ محمود مع أفورقي تمثلت في التالي:

1- ملف الجنود الصوماليين: يشكل ملف الجنود الصوماليين الذين كانوا يتلقون تدريبات عسكرية في أسمرة محور زيارة شيخ محمود لأسمرة، والذين يتجاوز عددهم الخمسة آلاف جندي، حيث تم نقلهم إلى هناك منذ أغسطس 2019. وأثار هذا الملف سابقاً إشكالية كبرى في مقديشو بسبب مشاركتهم في الصراع القائم في تيجراي الإثيوبية، وهو ما دفع أسر وقبائل هؤلاء الجنود للتهديد بالتظاهر والتصعيد حال عدم عودة أبنائهم من أريتريا.

وأشارت تقارير إلى أن هؤلاء الجنود الصوماليين تم استدراجهم للعمل آنذاك في قطر، قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى معسكرات تدريب بأسمرة، في إطار مساعي مدير جهاز الاستخبارات الصومالي السابق، فهد ياسين، لتعزيز فرص بقاء فرماجو في السلطة. وأشارت هذه التقارير نفسها إلى أن الدوحة تعهدت بتمويل عملية التدريب، لكنها تراجعت بعد خسارة حليفها فرماجو في الانتخابات الأخيرة في مايو 2022. ولذلك طلبت الحكومة الأريترية مؤخراً نحو 50 مليون دولار مقابل تكلفة التدريب والغذاء.

2- دعم العمليات العسكرية لمقديشو: يسعى شيخ محمود، لإضعاف حركة الشباب الإرهابية في الداخل الصومالي، بدعم من القوات الأمريكية وبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (أتميس)، وكذا القوات القبلية. وحققت مقديشو تقدماً ميدانياً من خلال استعادة السيطرة على المناطق والقرى التي كانت تهيمن عليها الحركة. ولذلك تبدو الحاجة ملحة في الوقت الراهن لاستعادة الجنود الصوماليين المُدربين في أسمرة لدعم هذه العمليات العسكرية الشاملة ضد الشباب.

3- توسيع شبكة التعاون الإقليمي: يواجه شيخ محمود، حالياً، تحديات عدة، سواء بسبب هجمات الشباب الإرهابية، أو الانقسامات الداخلية في الصومال بسبب سياسات فرماجو السابقة، ناهيك عن التداعيات الداخلية المتعلقة بأزمة الجفاف الحالية في البلاد. ولذلك يسعى الرئيس الصومالي إلى توسيع شبكة تحالفاته الإقليمية، وتوظيفه هذه العلاقات الخارجية لمواجهة التحديات الداخلية. 

ويواجه شيخ محمود تحديات تتعلق بتغلغل حلفاء فرماجو في أجهزة الدولة الصومالية، ولذلك يسعى لتطهير المؤسسات الحكومية منهم. ولعل هذا ما انعكس في قراره، في 21 نوفمبر 2022، بإقالة نائب رئيس عمدة مقديشو للسياسة والأمن، علي ياري، وتعيين محمود محمد أحمد ديري بدلاً منه، كما عين أيضاً عدداً من المنتمين لحزبه نواباً لعمدة مقديشو للشؤون الإدارية والمالية، والشؤون الاجتماعية والعامة. كما يخطط شيخ محمود حالياً لتغيير قادة الجيش والشرطة المواليين لفرماجو، لكنه يعمد إلى تأجيل هذه الخطوة لحين الانتهاء من الهجمات التي تقودها مقديشو ضد حركة الشباب في هيران وهيرشابيل السفلى.

ارتدادات داخلية وإقليمية

تعكس زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة إلى أريتريا جملة من الارتدادات الداخلية والإقليمية التي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- حسم ملف الجنود الصوماليين: أخفقت زيارة شيخ محمود في يوليو الماضي إلى أسمرة في تحقيق تقدم في ملف عودة الجنود الصوماليين، على الرغم من زيارته لقواعد عسكرية يقيم بها الجنود الصوماليون، وتعهده بإعادتهم وإدماجهم في قوات الجيش، إذ إنه بعد مرور قرابة الأربعة أشهر من هذه الزيارة لا تزال الأمور عالقة في هذا الملف.

ويبدو أن شيخ محمود يسعى للاستفادة من التهدئة في أزمة التيجراي لإقناع أسمرة بإعادة جنودها، كما أن الرئيس الصومالي تقدم بطلب، في زيارته السابقة لأسمرة في يوليو الماضي، لتدريب جزء من القوات الصومالية، الموجودة في أريتريا، كطلاب عسكريين في القوات الجوية الأريتيرية، وهو ما قد يعزز فرضية عودة هذه القوات للداخل الصومالي خلال الفترة المقبلة.

وقد يلعب عاملان آخران دوراً في عودة الجنود الصوماليين، يتعلق أحدهما بالدور الأمريكي، بعدما طلب شيخ محمود في سبتمبر 2022 دعم واشنطن في استعادة جنودها من أسمرة، فضلاً عن احتمالية حصول مقديشو على دعم مالي من حلفائه الإقليميين لتقديمه لأسمرة لتغطية تكاليف تدريبهم لإعادة الجنود الصوماليين إلى بلدانهم.

2- تعاون عسكري محتمل: أصدر مجلس الأمن قراراً بتمديد حظر التسليح على الصومال، والممتد منذ نحو ثلاثة عقود، وهو ما انتقده سفير مقديشو لدى الأمم المتحدة، أبوكار عثمان، إذ إن هذه الخطوة تعيق عملية بناء الجيش الصومالي، خاصة أن القوات الصومالية استخدمت جزءاً كبيراً من الأسلحة الموجودة لديها خلال العمليات الأخيرة ضد حركة الشباب، وبالتالي يتوقع أن يقيد قرار مجلس الأمن الأخير من قدرة مقديشو على مواصلة العمليات العسكرية ضد الحركة.

وأشارت بعض التقارير إلى أنه رغم التقدم اللافت الذي حققته القوات الصومالية ضد الحركة واستعادة الكثير من المناطق خلال الفترة الأخيرة، بيد أن وتيرة العمليات اتسمت بالبطء في الأيام الأخيرة، وهو ما قد يرتبط بتراجع الأسلحة لدى مقديشو، ولذلك قد يعمد شيخ محمود إلى تعزيز التعاون العسكري مع أسمرة، والحصول منها على أسلحة، لدعم جهود مكافحة الإرهاب في الصومال.

3- ترتيبات إقليمية مرتقبة: تسعى الولايات المتحدة إلى صياغة ترتيبات إقليمية جديدة في القرن الأفريقي لضمان الاستقرار في هذه المنطقة، والحد من النفوذين الروسي والصيني هناك، والتي انعكست في الوساطة التي قادتها واشنطن بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي، فضلاً عن اتفاقيات التعاون الأمني الأخيرة بين مقديشو وأديس أبابا، ناهيك عن الحديث عن التحضير لتوافقات جديدة تتعلق بالمشهد السوداني. 

4- تنسيق مشترك بشأن الأمن البحري: يبدو أن هناك اتفاقاً بين مقديشو وأسمرة لتعزيز التعاون البحري في هذه المنطقة، وهو ما قد يتجسد في إصدار شيخ محمود قراراً بتعيين قائد جديد للبحرية الصومالية وخفر السواحل، هو العقيد مبارك عبد الغني موسى، في أعقاب عودته مباشرة من أريتريا، والتي تضمنت زيارة شيخ محمود لمركز تدريب البحرية الصومالية بأسمرة، حيث تم تكليف القائد الجديد بتشكيل قوة بحرية صومالية قادرة على المشاركة في تأمين الممرات البحرية الإقليمية.

وفي الختام، ترتبط الصومال وأريتريا بعلاقات تاريخية متجذرة، حيث كانت مقديشو أحد الأطراف القليلة التي قدمت الدعم لأسمرة للحصول على استقلالها عن أديس أبابا، وتسعى مقديشو إلى تحسين العلاقات معها، وذلك على أساس الحصول على دعمها في مواجهة حركة الشباب الإرهابية، وكذلك تقوية حكومة شيخ محمود داخلياً.