رهانات أردوغان:

هل تشهد تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية مُبكرة؟

19 September 2022


على الرغم من تأكيدات المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، أن البلاد لن تشهد انتخابات مُبكرة وأنها ستُجرى في موعدها المُقرر في يونيو 2023، وكذلك إعلان وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، يوم 19 أغسطس 2022، أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستجرى في يوم واحد، وفق الدستور التركي، وهو 18 يونيو 2023؛ فإن هناك شكوكاً في الداخل التركي حول أن أردوغان قد يُفاجئ المعارضة ويدعو إلى انتخابات مُبكرة بحلول أواخر العام الجاري، وتُرجح تقارير أن تُجرى هذه الانتخابات في نوفمبر 2022. 

ويعزز من التوجه القائل بأن تركيا قد تشهد انتخابات مُبكرة، مجموعة من الدلالات، فضلاً عن عدة دوافع لدى الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، بيد أنه في الوقت ذاته توجد محاذير قد تمنع الحزب الحاكم في تركيا من الإقدام على مثل هذه الخطوة.

تحركات داعمة:

شهدت الفترة الأخيرة تحركات لحزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه في "تحالف الشعب"؛ حزب الحركة القومية، من أجل الاستعداد للانتخابات المقبلة، وبما أوحى أن تركيا قد تشهد انتخابات مُبكرة، إذ إن هذه التحركات تأتي قبل نحو 10 أشهر من موعد الانتخابات المُقرر في يونيو 2023. ومن بين تلك التحركات ما يلي:

1- إعلان الرئيس أردوغان رسمياً، في خطاب ألقاه خلال مشاركته في الاجتماع التشاوري لحزب العدالة والتنمية بولاية إزمير، في يونيو 2022، أنه سيكون مرشح "تحالف الشعب" في الانتخابات الرئاسية القادمة. ودعا أردوغان، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كليجدار أوغلو، إلى إعلان ترشحه ومنافسته في المعركة الانتخابية. 

2- تأكيد تقارير أن لجان حزب العدالة والتنمية تلقت تعليمات من الرئيس أردوغان، خلال مشاركته في اجتماع لجان الحزب، في 25 أغسطس 2022، لمناقشة خريطة الطريق التمهيدية للانتخابات، بالاستعداد للانتخابات المقبلة والعمل على إعداد البيان الانتخابي للحزب. 

3- تأكيد مصادر تركية، في 28 أغسطس الماضي، أن حزب العدالة والتنمية قرر تركيز استعداداته خلال المرحلة المقبلة على الناخبين المقاطعين للانتخابات، حيث أسس فريقاً متخصصاً لإقناع الناخبين المقاطعين بالمشاركة والتصويت لصالح الحزب الحاكم، في ظل ما ترصده استطلاعات الرأي من تراجع سريع في أعداد ناخبي العدالة والتنمية. 

4- إطلاق حزب الحركة القومية حملته للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 29 يوليو 2022، وبدء الحزب اللقاءات الجماهيرية اعتباراً من يوم 4 سبتمبر 2022. وقال زعيم الحزب، دولت بهتشلي، في أولى جولاته بالولايات التركية من أجل الدعاية للانتخابات، إن هدف تحالف الشعب الحاكم هو إعادة انتخاب أردوغان رئيساً للبلاد بعدد أصوات كبير.

وتعليقاً على التقارير التي تُرجح إجراء انتخابات مُبكرة في تركيا، قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، نعمان كورتولمش، في 2 سبتمبر 2022، "نحن حزب يعمل وكأنه ستكون هناك انتخابات كل يوم". وأضاف "آمل أن تعقد الانتخابات في موعدها في يونيو 2023. والمزاعم بإجراء انتخابات مُبكرة هي أمور تحدث قبل كل انتخابات. ستجرى الانتخابات في موعدها، ونحن نستعد للحملات الانتخابية".

دوافع أردوغان:

توجد مجموعة من العوامل التي قد تدفع الرئيس أردوغان إلى الدعوة لانتخابات مُبكرة، ومنها الآتي:


1- إنهاء الجدل المُثار حول قانونية ترشح أردوغان لولاية رئاسية ثالثة: يتجدد الجدل السياسي والقانوني بين حزب العدالة والتنمية وأحزاب المعارضة بين الحين والآخر، حول مدى أحقية أردوغان في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. فالمعارضة ترى أنه لا يحق لأردوغان الترشح لولاية رئاسية جديدة، حيث إنها ستكون الثالثة له؛ إذ إنه تولى رئاسة الجمهورية لولايتين متتاليتين، الأولى من أغسطس 2014 وحتى يونيو 2018، والثانية بدأت في يونيو 2018 ومن المُقرر أن تنتهي في يونيو 2023، في حين يحظر الدستور التركي تولي الشخص نفسه رئاسة الجمهورية لأكثر من ولايتين، ومدة كل ولاية 5 سنوات.

وتقول المعارضة إن فرصة أردوغان في الترشح لولاية رئاسية ثالثة مرهونة بعقد انتخابات مُبكرة، ولا يمكنه الترشح من جديد حال انعقاد الانتخابات في موعدها. فعلى سبيل المثال، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري، كيليجدار أوغلو، في يونيو 2022، إن الرئيس أردوغان يصر على إجراء انتخابات مُبكرة، بالرغم من نفيه المتكرر، من أجل أن يكون مرشحاً للمرة الثالثة في الانتخابات الرئاسية. وأكد أنه يجب على أردوغان أن يحل البرلمان من أجل إجراء انتخابات مُبكرة، وفقاً للدستور التركي. وقال رئيس حزب السعادة الإسلامي المعارض، تمال كارامولا أوغلو، في أغسطس 2022، إن إعادة ترشح أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة ممكنة فقط بقرار من البرلمان، لأنها ستكون الولاية الثالثة له، بينما ينص الدستور على أنه لا يتم انتخاب الرئيس لأكثر من ولايتين متتاليتين.

في المقابل، يؤكد حزب العدالة والتنمية أحقية أردوغان في الترشح لولاية رئاسية جديدة انطلاقاً من أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي بموجبها تم الانتقال إلى النظام الرئاسي، أُجرى في 16 أبريل عام 2017، وبناءً عليه يكون الرئيس أردوغان قد انتُخب في 24 يونيو 2018 لأول فترة رئاسية وفق النظام الجديد، ويحق له الترشح لولاية رئاسية جديدة في الانتخابات المقبلة في يونيو 2023. وهذا ما أكده وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، في أكثر من مناسبة.

وللالتفاف على هذا الجدل القانوني، اقترح نائب رئيس حزب العدالة والتنمية لشؤون الانتخابات، علي إحسان يافوز، تفعيل المادة 116 من الدستور، التي تنص على أنه "في حال اُتخذ قرار تجديد الانتخابات من قِبل الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا (البرلمان) خلال الولاية الثانية لرئيس الجمهورية، يجوز له الترشح للرئاسة مرة أخرى.. وتكون مدة ولاية كل من البرلمان ورئيس الجمهورية المُنتخبين بهذه الطريقة 5 سنوات"، وهو ما يعني أنه في حال إجراء انتخابات رئاسية مُبكرة فيمكن لأردوغان تولي حكم البلاد لولاية ثالثة. 

2- مراهنة أردوغان على تحسن الأوضاع الاقتصادية بحلول نهاية العام الحالي، وضعف ثقة الشارع التركي في قدرة المعارضة على ذلك: بالرغم من استمرار ارتفاع معدل التضخم في تركيا خلال الأشهر الماضية، فإن أردوغان يراهن على خفض التضخم من خلال خفض سعر الفائدة بهدف تعزيز الإنتاج والصادرات وتحقيق فائض في حساب المعاملات الجارية.

كما يسعى أردوغان للاستفادة من حزمة الدعم الاقتصادي التي أقرها للتخفيف من وطأة ارتفاع الأسعار عن المواطنين، ومن بينها رفع الحد الأدنى للأجور مرتين؛ الأولى في يناير 2022 بأكثر من 50% إلى 4 آلاف و250 ليرة تركية، والمرة الثانية في يوليو الماضي بنسبة 30% ليصبح 5 آلاف و500 ليرة تركية، فضلاً عن تقديم الحكومة دعماً لحوالي 4 ملايين أسرة تركية لمساعدتها على مواجهة ارتفاع فواتير الغاز الطبيعي والكهرباء، بالإضافة إلى زيادة منافذ بيع الخبز المدعوم في البلديات التركية.

3- رغبة أردوغان في مفاجأة المعارضة، والاستفادة من عدم تمكنها، حتى الآن، من تحديد مرشحها التوافقي في الانتخابات الرئاسية المقبلة: توجد خلافات بين أحزاب "الطاولة السداسية" (تضم الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطي، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم) حول المرشح الذي سيواجه أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ففي الوقت الذي يطرح فيه زعيم الشعب الجمهوري، كليجدار أوغلو، نفسه كمرشح رئاسي لأحزاب "الطاولة السداسية"، ترفض بعض أحزاب التحالف هذا المرشح بسبب توجهاته العلمانية وانتمائه للمذهب العلوي، الأمر الذي سيدفع شريحة كبيرة من الناخبين الإسلاميين المحافظين إلى عدم التصويت له، فضلاً عن افتقاد أوغلو للكاريزما والإنجازات التي تُعد من أبرز نقاط قوة أردوغان. من جانبه، أعلن رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، في مطلع سبتمبر 2022، أنه إذا فشلت أحزاب "الطاولة السداسية" في الاتفاق على مرشح رئاسي مشترك، فإن رئيس كل حزب هو مرشح رئاسي. 

4- توظيف الخطاب القومي بشأن التوترات الإقليمية: إذ يتصاعد التوتر التركي مع اليونان حول جزر بحر إيجة، علاوة على العملية العسكرية التي تسعى أنقرة لشنها ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، وبالتالي قد يتم استغلال ذلك من جانب الحزب الحاكم لإثارة النزعة القومية لدى الأتراك وكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة. وهذا أسلوب انتهجه حزب العدالة والتنمية في استحقاقات انتخابية سابقة وحقق نجاحاً. ولعل ذلك هو أحد أسباب تصعيد أردوغان من حدة تصريحاته ضد اليونان مؤخراً، والتي وصلت إلى حد التهديد بشن عملية عسكرية لانتزاع جزر بحر إيجة التي اعتبرها "مُحتلة" من جانب اليونان.

محاذير التبكير:

على الرغم من وجود العديد من العوامل التي قد تُشكل حافزاً للرئيس أردوغان لتبكير موعد الانتخابات القادمة، فإن ثمة محاذير أخرى قد تحول دون حدوث ذلك، ومن أهمها الآتي:


1- عدم دخول التعديلات على قانون الانتخابات، التي أقرها البرلمان في مارس 2022، حيز التنفيذ، وهي التعديلات التي أدخلها حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية لتعزيز حظوظهما في الانتخابات المقبلة، إذ تم خفض العتبة الانتخابية (نسبة الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لدخول الأحزاب البرلمان) من 10% إلى 7%، وكان ذلك مطلباً أساسياً لحزب الحركة القومية الذي يعاني من تراجع شعبيته، ومن ثمّ خشيته من عدم دخول البرلمان. 

كما منعت التعديلات انتقال نواب البرلمان من حزب إلى آخر؛ للحيلولة دون مشاركة الأحزاب المؤسسة حديثاً في الانتخابات، خاصةً حزبي "المستقبل" و"الديمقراطية والتقدم" المنشقين عن العدالة والتنمية، ومن ثم قطع الطريق على احتمالية خصمهما من رصيد الحزب الحاكم. ففي السابق، كان يمكن لعشرين نائباً وأكثر الانضمام إلى حزب جديد بعد تقديم استقالاتهم من حزبهم القديم، لتشكيل كتلة برلمانية للحزب الجديد تخول له المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

2- تراجع شعبية أردوغان وحزبه الحاكم في استطلاعات الرأي الأخيرة، حيث إنه بالرغم من أن أغلب توقعات استطلاعات الرأي تتفق على أن حزب العدالة والتنمية سيحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المُقبلة وسيحقق الأكثرية في البرلمان بحصوله على نسبة تتراوح حول 33% من أصوات الناخبين؛ بيد أن هذه النسبة تمثل تراجعاً للحزب الحاكم مقارنةً بالانتخابات التشريعية الأخيرة، التي أُجريت في يونيو 2018، وحصل فيها الحزب على نسبة 42,6% من الأصوات.


كما يتقدم الرئيس أردوغان في غالبية استطلاعات الرأي على المرشحين المُحتملين للرئاسة، حيث يحل في المرتبة الأولى بنسبة تتراوح حول 40%، يليه بعد ذلك كل من منصور يافاش، عمدة بلدية أنقرة والمنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، وميرال أكشينار، زعيمة حزب الخير، وأكرم إمام أوغلو، عمدة بلدية إسطنبول وينتمي أيضاً لحزب الشعب الجمهوري. بيد أن غالبية هذه الاستطلاعات تُرجح أن أردوغان لن يتمكن من حسم الانتخابات من الجولة الأولى بالحصول على الأغلبية المُطلقة من الأصوات، على غرار ما حدث في انتخابات عامي 2014 و2018، وسيدخل جولة إعادة أمام أحد مرشحي المعارضة. 

ويشكل هذا الأمر مصدر قلق كبير للرئيس أردوغان، إذ يخشى من تكرار سيناريو انتخابات بلدية إسطنبول في عام 2019، عندما تكتلت أحزاب المعارضة خلف مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، في مواجهة مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم، وهو ما مكّن أوغلو من إلحاق هزيمة كبيرة بيلدريم، وانتزاع البلدية التي ظل العدالة والتنمية مهيمناً عليها منذ عام 2002. 


وفي الختام، يتوقف تبكير موعد الانتخابات القادمة في تركيا على تقدير الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم للأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، فإذا صدقت التوقعات الحكومية بتحسن الاقتصاد بحلول نهاية العام الجاري، وخلصت التقديرات كذلك إلى أن استمرار الخلافات بين أحزاب المعارضة وعدم قدرتها على الاتفاق على مرشح رئاسي واحد يخوض الانتخابات الرئاسية في مواجهة أردوغان، قد يعزز من فرصهم في الفوز؛ فمن المُرجح حينها اتخاذ أردوغان قراراً بتبكير الانتخابات.