السيطرة الهشة:

لماذا يتصاعد مأزق "طالبان" بعد استهداف "داعش" لسفارة روسيا؟

12 September 2022


أعلن تنظيم "داعش خراسان" في أفغانستان، في الخامس من شهر سبتمبر الجاري، مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي استهدف مقر السفارة الروسية في العاصمة كابول، حيث أودى بحياة موظفَيْن من البعثة الدبلوماسية الروسية (عنصر أمن، ومساعد وزير الخارجية المسؤول عن الشؤون القنصلية)، وأربعة مدنيين أفغان، فضلاً عن إصابة آخرين.

ويعتبر هذا أول هجوم إرهابي على بعثة دبلوماسية في أفغانستان منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس2021، حيث كانت روسيا واحدة من ثماني دول أبقت سفارتها مفتوحة بعد سيطرة طالبان على السلطة من دون الاعتراف بحكومتها. 

دوافع الهجوم: 

قد تكون مُحركات ودوافع الهجوم الداعشي الأخير مرتبطة في المقام الأول بطبيعة العداء السافر بين تنظيم داعش وروسيا لأسباب عقائدية وسياسية وتاريخية، لكن طبيعة الأوضاع الداخلية الأفغانية تحت حكم طالبان حاضرة أيضاً بقوة في خلفيات هذا الهجوم، لاسيما في ظل فشل الحركة في إحكام سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية، وعجزها عن وقف هجمات تنظيم "داعش خراسان". ويمكن توضيح أبرز تلك الدوافع في الآتي:


1- عداء تنظيم داعش لروسيا: كتنظيم ذي مرجعية متطرفة، فإن "داعش خراسان" مناهض بشدة لروسيا، التي تحتل مكانة بارزة في قائمة أعداء التنظيم، منذ تأسيس داعش وإعلان دولتها المزعومة في العراق وسوريا بين عامي 2014-2015. وهنا فإن أدبيات التنظيم لا تكف عن التحريض على موسكو والدعوة لاستهداف مصالحها ومواطنيها، حيث تُذكر دعاية داعش أتباع التنظيم الإرهابي بما يعتبره "الطبيعة العدوانية لروسيا ضد الإسلام وميلها لغزو واحتلال أراضي المسلمين". 

فالسيطرة الروسية التاريخية علي بعض الجمهوريات الروسية في القوقاز وآسيا الوسطى، واحتلالها أفغانستان طوال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وسحقها التمرد الشيشاني في أواخر التسعينيات، ودورها القتالي في سوريا منذ تدخلها لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، وعلاقاتها مع إيران والصين وإسرائيل، وكذلك اتهام روسيا بقمع المسلمين في الداخل وارتكاب أعمال عنف ضدهم، علاوة علي غاراتها على مؤيدي داعش وسجنهم؛ كل هذه الأسباب جعلت تنظيم داعش ينظر إلى روسيا على أنها قوة عالمية تدعم الكتل المناهضة للتنظيم في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى على حد سواء، وهي كلها أمور توفر ذخيرة وافرة لتأجيج مثل هذا العداء. 

وقد احتفل مقال نُشر في مجلة "صوت خراسان" التابعة لـ "داعش خراسان"، في أوائل أغسطس الماضي، بالضرر الذي لحق بروسيا خلال تدخلها العسكري في أوكرانيا. ودعت "رسالة العيد" التي أطلقها "داعش خراسان" أنصاره إلى "إلقاء الرعب في قلوب أبناء بوتين وروسيا، وقتلهم بالسيارات والسكاكين".

2- استهداف علاقات روسيا وحكومة طالبان: في أعقاب استيلاء طالبان على كابول في منتصف أغسطس 2021، أغلقت معظم الدول الغربية سفاراتها وعلقت تمثيلها الدبلوماسي في أفغانستان. وبينما تجنبت روسيا الاعتراف بطالبان كحكومة شرعية لأفغانستان، لكن موسكو تركت سفارتها في كابول مفتوحة لمواصلة تقديم الخدمات القنصلية للمواطنين الأفغان والروس الموجودين في البلاد، بل وسعت روسيا لبناء علاقات مع قادة طالبان. وفي هذا الإطار، سُجلت مشاركة وفود من طالبان أكثر من مرة في مؤتمرات سلام استضافتها دول مثل روسيا، حيث تمت دعوة وفد من طالبان إلى منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي (SPIEF) في يونيو 2022. 

وقبل الهجوم على السفارة الروسية في كابول بفترة وجيزة، أعلن المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، أن تنظيم "داعش خراسان" تم احتواؤه، وأكد لروسيا على وجه التحديد أنها لا تواجه أي تهديد إرهابي من التنظيم من خلال الأراضي الأفغانية. 

ويركز تنظيم "داعش خراسان" على العلاقات الدبلوماسية الودية لإمارة أفغانستان الإسلامية (الاسم الذي تطلقه طالبان على نظامها) مع موسكو، كتكتيك لتشويه سمعة طالبان كسلطة دينية وهيئة حكم إسلامي، مشيراً إلى "اجتماعات وزيارات عديدة من الحركة إلى أكبر أعداء الإسلام مثل الصين وإيران وروسيا"، على حد وصفه. وفي حالات أخرى، يتم الطعن في طالبان باعتبارها "دمى ووكلاء للقوى العظمى؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين". 

3- فشل طالبان في فرض سيطرتها على أفغانستان: على الرغم من استيلاء طالبان السريع على أفغانستان في أغسطس 2021، لم تمارس الحركة بعد سيطرتها الكاملة على كل البلاد. وبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة، لا تزال جيوب المعارضة قائمة، ويبدو أنها آخذة في التزايد في بعض المناطق. وتشير التقارير إلى أنه بحلول ربيع عام 2022، زاد عدد الجماعات المُسلحة التي تتحدى سلطة طالبان بشكل كبير، ومن بين هؤلاء فصيل منشق عن طالبان بقيادة مولوي مهدي، وجبهة المقاومة الوطنية بقيادة نجل أحمد شاه محسود الزعيم السابق للتحالف الشمالي المناهض لطالبان. 

وفي مايو 2022، تجمع العشرات من أمراء الحرب المنفيين الذين فروا من أفغانستان، لتشكيل المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية. ويواجه نظام طالبان مقاومة عسكرية في الشمال بشكل أساسي، وبعد أن فشل في قمع المقاومة خلال مراحلها الأولى، يتعرض لضغوط وخسائر مالية وبشرية كبيرة. 

لقد انقلبت الجغرافيا الوعرة لأفغانستان، التي كانت توفر سابقاً ملاذات آمنة لطالبان، الآن ضد الحركة، مما أعطى اليد العليا لقوات الجماعات المعارضة في أماكن مثل "بنجشير" و"أندراب" وأجزاء من ولاية "تخار" في الشمال، لتضيف سلسلة أخرى من الإحباط لحكومة طالبان.

4- مواصلة "داعش خراسان" هجماته في أفغانستان: يشكل صعود وبروز دور تنظيم "داعش خراسان" في أفغانستان أكبر التحديات الراهنة أمام حكومة طالبان، حيث يحاول التنظيم ملء الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأمريكية، وعجز طالبان عن فرض كامل سيطرتها في البلاد، واستغلال ذلك لتوسيع نشاطاته هناك، وربما تحويل أفغانستان إلى مقر لـ "أممية جهادية"، لاسيما بعد انحسار داعش في العراق وسوريا. 

ولقد أثار توقيع طالبان على اتفاقية الدوحة في فبراير 2022، غضب تنظيم "داعش خراسان" ضد الحركة وأنصارها، بل واعتبرهم أعداءً مثل الأمريكيين، وبالتالي يتعين محاربتهم. وشن التنظيم عدة هجمات بارزة ضد أهداف مدنية داخل أفغانستان، وأعلن مسؤوليته عن غالبية هذه الهجمات التي استهدفت خصوصاً أقليات دينية من الشيعة والصوفيين والسيخ، فضلاً عن مؤيدين لحركة طالبان. 

وفي هذا الإطار، أعلن "داعش خراسان" مسؤوليته عن 13 هجوماً ضد الهزارة، وتم ربطه بثلاثة آخرين على الأقل، مما أسفر عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 700 شخص. وأفادت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، يوم 7 أغسطس 2022، أن الهجمات الأخيرة للتنظيم على التجمعات الشيعية في كابول قتلت وجرحت أكثر من 120 شخصاً.

وفي 7 سبتمبر الجاري، ذكرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن تنظيم "داعش خراسان" هاجم بشكل متكرر الهزارة والأقليات الدينية الأخرى في مساجدهم ومدارسهم وأماكن عملهم. ولم تفعل سلطات طالبان الكثير لحماية هذه الأقليات من الهجمات الإرهابية أو لتوفير الرعاية الطبية اللازمة وغيرها من المساعدات للضحايا وعائلاتهم.  

خسائر طالبان:

لا شك أن الهجوم على السفارة الروسية في كابول قد يرتب تداعيات وتحديات عديدة أمام حكومة طالبان، ليس أقلها تعثر جهود الحركة في الحصول على الاعتراف الدبلوماسي بحكومتها، ويتضح ذلك في الآتي:


1- صعود تنظيم "داعش خراسان" في مواجهة طالبان: يشكل صعود وبروز دور "داعش خراسان" في أفغانستان أكبر التحديات الراهنة أمام حكومة طالبان. وفي هذا السياق، فإن التنظيم منخرط بقوة في حملتين رئيسيتين؛ الأولي تهدف إلى بناء قاعدة مُسلحة واسعة تعتمد على السكان المحليين والجماعات الإقليمية المتشددة. والثانية هي حملة لنزع الشرعية عن طالبان من خلال الهجمات والدعاية المُصممة لتسليط الضوء على عدم كفاءة الحركة وتصوير حكومتها على أنها عاجزة وغير شرعية. 

2- استمرار استهداف المصالح الأجنبية في أفغانستان: من المُرجح أن يستمر تنظيم "داعش خراسان" في استهداف المصالح الأجنبية والدولية داخل أفغانستان وفي هذه المنطقة، كجزء من استراتيجيته الجارية لزيادة الصعوبات أمام حكومة طالبان التي تواجه بالفعل تحديات كبيرة. إذ تعاني أفغانستان تحت حكم طالبان من أزمة إنسانية حادة، ومشاكل اقتصادية عميقة، مما يجعلها في حاجة ماسة إلى الاستثمارات والمساعدات الأجنبية. 

وبناءً على ذلك، أعلن "داعش خراسان" عن نيته ضرب الرعايا الأجانب ومشاريع التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، فضلاً عن المنظمات الإنسانية في أفغانستان. ويتطلع التنظيم إلى إحداث تأثير سلبي على المساعدات الخارجية وتعطيل أي شيء من شأنه تحسين موقف طالبان.

3- تعثر جهود طالبان في الحصول على الشرعية الدولية: إذا استمر فشل حركة طالبان في فرض سيطرتها على الأراضي الأفغانية وتوفير الاستقرار في كل البلاد، ونقضت التزاماتها بكبح التنظيمات المتطرفة؛ فمن المرجح أن تظل أفغانستان تحت حكم الحركة منبوذة دولياً، وستصل جهودها للحصول على اعتراف دولي إلى طريق مسدود. 

وارتباطاً بالنقطة السابق ذكرها، من المُتوقع أن يستمر استهداف البعثات الدبلوماسية الأجنبية في أفغانستان، لأن لها قيمة رمزية عالية تتمثل في تقويض الثقة الإقليمية والدولية في قدرة طالبان على توفير الأمن. فالهجمات الإرهابية هي رسائل لتذكير الحكومات الأخرى والمنظمات الدولية بأن مصالحها ليست آمنة في أفغانستان، ويأتي ذلك بينما تضغط الحركة بقوة من أجل الاعتراف الدولي بحكومتها الحالية.

4- اهتزاز سلطة حكومة طالبان: بعد مرور أكثر من عام من حكم طالبان، يمكن القول إن حكومتها تواجه تحديات عديدة ليس متوقعاً أن تتغلب عليها في المستقبل القريب؛ وذلك في ظل تزايد نفوذ تنظيم "داعش خراسان"، وتصاعد نشاط التنظيمات المعارضة للحركة، واتساع الخلاف بين فصائل طالبان حول كيفية إدارة الحركة لعلاقاتها الإقليمية والدولية، وأيضاً تفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية في البلاد.