مصالح اقتصادية:

دوافع زيارة رئيس الوزراء الإيطالي للجزائر

19 April 2022


قام رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، بزيارة رسمية إلى الجزائر، في 11 أبريل 2022، بناء على دعوة من الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، وطغى ملف الطاقة على ملامح هذه الزيارة بشكل واضح، خاصةً في ظل ارتدادات الحرب الروسية – الأوكرانية على القارة الأوروبية، ومساعي الدول الأوروبية للبحث عن بدائل للغاز الروسي. 

وانعكس ذلك في طبيعة الوفد المرافق لدراغي في زيارته، والذي تضمن كل من وزير الخارجية، لويجي دي مايو، ووزير التحول البيئي، روبرتو سينجولاني، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي.

تحركات إيطالية نحو الجزائر:

تأتي زيارة دراغي إلى الجزائر في إطار التحركات الحثيثة التي تقوم بها روما مؤخراً لتعزيز تعاونها مع الجزائر في مجال الطاقة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- اتفاق جديد بين سوناطراك وإيني: قام الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، كلوديو ديسكاليزي، بزيارة إلى الجزائر خلال الأسبوع الماضي، تضمنت هذه الزيارة توقيع اتفاقية جديدة مع الشركة الجزائرية الحكومية للمحروقات "سوناطراك"، تستهدف زيادة حجم الإمدادات الجزائرية من الغاز لروما، بالإضافة إلى تعزيز مستويات التعاون المشتركة والاستثمارات في مجال الطاقة.

2- زيارة وزير الخارجية الإيطالي للجزائر: سبق زيارة دراغي للجزائر، زيارة أخرى قام بها وزير خارجيته، لويجي دي مايو، في 28 فبراير الماضي، تم خلالها بحث ملف زيادة حجم الإمدادات الجزائرية لإيطاليا، لتعويض أي خفض محتمل في الواردات الروسية، وهي الزيارة التي أتت في أعقاب تصريحات شركة سوناطراك الجزائرية بأنها على استعداد لزيادة حجم إمداداتها من الغاز لأوروبا.

3- زيارة تبون المرتقبة لروما: أعلن سفير الجزائر لدى روما، عبد الكريم طواهرية، أن ثمة زيارة مرتقبة للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لإيطاليا، حيث ألمح الدبلوماسي الجزائري إلى أن هذه الزيارة من المقرر أن تتم في مايو المقبل، وذلك بهدف استكمال المباحثات الجارية بشأن تعزيز حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين، ومن المرجح أن تنطوي هذه الزيارة على التوصل لجملة من الاتفاقات المتعلقة باستثمارات إيطالية في الجزائر.

أهداف روما الاقتصادية:

تعكس زيارة دراغي إلى الجزائر جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- إيجاد بديل للغاز الروسي: تمثل روسيا حالياً أكبر مورد للغاز بالنسبة لإيطاليا، حيث تحصل الأخيرة على حوالي 40% من إجمالي وارداتها من الغاز من موسكو، بما يعادل حوالي 29 مليار متر مكعب سنوياً.

وفي سياق الحرب الروسية – الأوكرانية، لجأت روما خلال الفترة الأخيرة إلى محاولة التوصل إلى اتفاقات جديدة مع عدد من الدول المصدرة للغاز، على غرار قطر وأذربيجان وأنجولا والكونغو وموزمبيق وليبيا، ناهيك عن الجزائر والتي تحظى بأهمية خاصة، كونها تعد حالياً هي ثاني أكبر مورد للغاز إلى إيطاليا، بعد روسيا، بحوالي 21 مليار متر مكعب سنوياً، بما يعادل حوالي ربع الواردات الإيطالية من الغاز.

وتتعلق التحركات الإيطالية الراهنة بمساعي روما تقليص الاعتماد على الغاز الروسي. وأطلق رئيس الوزراء الإيطالي عقب لقائه الرئيس الجزائري تصريحات أعلن أن تحركاته في هذا الشأن ستتضمن فواعل آخرين إلى جانب الجزائر، وهو ما انعكس بالفعل في الاتفاق الأخير الذي عقدته إيطاليا مع مصر وأنجولا والكونغو من أجل زيادة الإمدادات من الغاز.

وأشار البيان الصادر عن شركة "إيني" الإيطالية إلى أن الزيادة في حجم الإمدادات الجزائرية سيكون بشكل تدريجي حتى يصل إلى حوالي 9 مليارات متر مكعب خلال 2023 – 2024.

2- ضخ استثمارات إيطالية في الجزائر: أشارت بعض التقديرات إلى أن هناك حاجة جزائرية ملحة لاستثمارات كبيرة لزيادة حجم إمداداتها من الغاز، وذلك نظراً للتراجع الملحوظ في حجم الاستثمارات في مجال الطاقة خلال السنوات الماضية، بالتوازي مع الزيادة المطردة في حجم الاستهلاك المحلي، وبناء عليه لم يكن خط الأنابيب الذي يربط الجزائر وروما "ترانسميد" (Transmed) لا يعمل بكامل قدرته الاستيعابية البالغة حوالي 33 مليار متر مكعب سنوياً، لكنه يعمل فقط بثلثي طاقته.

وفي هذا الإطار، أشارت بعض التقارير إلى أن الجزائر تستهدف استثمار حوالي 40 مليار دولار خلال الفترة 2022 – 2026 في مجال الطاقة.

ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة زيادة حجم الاستثمارات الإيطالية في الجزائر، خاصةً في مجال الطاقة والغاز واستغلال الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الإيطالي، والذي أعلن بأن بلاده ستساعد الجزائر على تطوير الطاقة المتجددة من أجل تطوير التعاون المشترك بين البلدين.

وفي هذا الإطار أعلنت شركة "إيني" اكتشاف حقول غاز ونفط جديدة في الصحراء الجزائرية، ويرجح أن تشهد زيارة تبون لروما الشهر المقبل بداية التوقيع على عدد من الاتفاقيات المتعلقة بزيادة حجم الاستثمارات الإيطالية في الجزائر.

حدود التعاون المحتمل:

تعكس حالة الزخم الراهنة في علاقة روما والجزائر عن عدة ارتدادات محتملة، يمكن أن تفرزها وتيرة التقارب المتنامية بين الجانبين، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- اتفاقيات آجلة وليست عاجلة: يلاحظ أن التصريحات التي أطلقها دراغي في أعقاب اجتماعه بالرئيس تبون، والتي أكد خلالها بأنه قد تم توقيع إعلان نوايا بين البلدين بشأن التعاون الثنائي في قطاع الطاقة، كانت تصريحات فضفاضة، إذ لم يحدد دراغي تفاصيل الاتفاق الذي تم مع الجزائر، وهو الأمر ذاته بالنسبة للحكومة الجزائرية، وهو ما يعكس إمكانية عدم التوصل إلى توافقات محددة حتى الآن، وأن الأمر لا يزال مطروحاً على أجندة الزيارة المرتقبة لتبون إلى روما الشهر المقبل.

وأشارت تقارير إلى وجود مباحثات جارية تتعلق بمحاولة التوصل لاتفاق بين الطرفين بشأن إحياء مشروع خط جالسي بين البلدين، والذي تبلغ قدرته الاستيعابية حوالي 8 مليارات متر مكعب.

واستمراراً في الاتجاه ذاته، ألمحت بعض التقارير إلى أن الاتفاق المبرم مؤخراً بين شركتي إيني وسوناطراك يمثل اتفاق آجل، سيحتاج إلى فترة من الزمن لحين البدء في تحقيقه، وهو ما عكسته البيان الصادر عن شركة سوناطراك الجزائرية، والتي ألمحت إلى أن الاتفاقية المبرمة مع الجانب الإيطالي تستهدف تسريع وتيرة التطوير في مشروعات البنية التحتية، لزيادة حجم الإمدادات لروما عبر خط "ترانسميد"، وهو ما قد يتسق مع مساعي الجزائر لتجنب إثارة غضب روسيا بالدفع نحو زيادة عاجلة في حجم إمداداتها من الغاز لأوروبا، فضلاً عن عدم توافر القدرة الفعلية للجزائر في الوقت الراهن من أجل زيادة حجم الإمدادات للدول الأوروبية.

2- تحويل الغاز من مدريد إلى روما: طرحت بعض التقارير احتمالية أن تقدم الجزائر على تحويل إمداداتها الحالية لإسبانيا نحو إيطاليا، لمحاولة زيادة حجم الإمدادات لروما، خاصةً في ظل التوترات الراهنة بين الجزائر وإسبانيا على خلفية تغير موقف الأخيرة بشأن ملف الصحراء الكبرى، مما دفع الجزائر إلى استدعاء سفيرها من مدريد، والتلميح إلى إمكانية رفع أسعار الغاز الذي تصدره إلى إسبانيا. ويبدو أن زيارة رئيس الوزراء الإيطالي للجزائر قد أثارت قلق إسبانيا، وسط مخاوف الأخير من إمكانية أن تؤثر زيادة الإمدادات لروما على التزامات الجزائر بإمداداتها نحو مدريد.

ومن ناحية أخرى، يتسق هذا الطرح من التقارير التي أشارت إلى وجود مساعي جزائرية لإعادة هيكلة تحالفاتها الغربية، من خلال تقديم مستوى الشراكة مع إيطاليا على حساب التحالفات التقليدية مع فرنسا، وكذا إسبانيا، ولعل هذا ما انعكس في الزيارة التي قام بها الرئيس الإيطالي، سارجيو ماتاريلا، للجزائر في نوفمبر الماضي، بالتوازي مع التوتر الذي شهدته علاقات الجزائر وفرنسا.

3- حرص الجزائر على علاقاتها بروسيا: تسعى الجزائر لتعزيز تعاونها مع الجانب الإيطالي، بيد أنها لا ترغب في أن تتأثر علاقاتها الاستراتيجية بالحليف الروسي. وفي هذا الإطار، أعلن السفير الروسي لدى الجزائر، إيجور بيليايف، أن علاقات بلاده مع الجزائر قائمة على أسس متينة، وأنها لن تتأثر بأي قرار جزائري يتعلق بزيادة حجم الإيرادات لأوروبا، معتبراً أن هذه التحركات الجزائرية تعكس مسألة تجارية بحتة.

وعمدت شركة سوناطراك خلال الفترة الأخيرة إلى محاولة تجنب تعزيز تعاونها مع الشركات الغربية وحدها، إذ اتجهت للتعاون كذلك مع الشركات الصينية، على غرار شركة سينوب" (Sinope)، وهو ما قد يتسق مع المساعي الجزائرية في تجنب إثارة حفيظة موسكو، ما يجعل تحركاتها محسوبة بشأن زيادة حجم إمداداتها النفطية إلى أوروبا، لكنها في المقابل لا يمكنها التضحية بعلاقتها تماماً مع دول الاتحاد الأوروبي.

وفي الختام، يعكس الزخم الراهن في علاقة كل من الجزائر وإيطاليا عن سعي روما لتقليل مستوى اعتماداها على الغاز الروسي، بينما تستهدف الجزائر إعادة هيكلة تحالفاتها الغربية، لصالح تعزيز العلاقات مع إيطاليا على حساب إسبانيا، بيد أن التعاون مع إيطاليا في مجال الغاز سيحتاج إلى بعض الوقت، خاصةً في ظل حاجة الجزائر إلى ضخ استثمارات ضخمة لتعزيز صادرات الغاز طويلة الأجل.